رذيلة في كوخ الثورة

المعتصم الشامي

مارستُ من خوفي العتيقِ رذيلةَ التَّرميزِ...

حتَّى أختفي خلفَ الحروفْ

في كلِّ يومٍ أَتَّصِلْ

بأخي الصِّغيرِ الْمُشْتَعِلْ

فإذا سألتُ عن الجرائِمِ...

قلتُ: كيفَ الجوُّ؟...

قالَ: الجوُّ ماطِرْ

وإذا سألتُ عن الشَّهيدِ اليومَ...

قلتُ: مَنِ المسافرْ؟

ومضيتُ أخترعُ الرُّموزَ...

لأختفي تحتَ المقابرْ

وصنعتُ دِرْعَاً من حُروفْ

لم تخترقْه بصوتِها تلكَ الألوفْ

أرنو إليها من أمامِ الشَّاشةِ الخرساءِ...

تلمعُ كالسُّيوفْ

خرجتْ إلى ميعادِها وسْطَ الشَّوارع...

بئسَ أيامُ الكهوفْ

ويْلِي إذا ما شاهدوني...

لابساً متلبِّساً برذيلتي

سيقلِّمونَ أظافري

وينتِّفونَ شواربي

ويمزِّقونَ جواربي

ويحلِّقونَ حواجبي

ويصادرون شهادتي

ويكسِّرونَ الشَّاشةَ الخرساءَ...

حتَّى لا أرى ذاكَ النَّزيفْ

أصبحتُ أكثرَ خشيةً من دودةِ القَّزِّ...

الَّتي نسجتْ حريراً قبرَها

حتَّى تفجَّرَ في صباحِ الأربعاءِ صباحنُا

إعصارنُا

بركانُنا

زلزالُنا

وتناثرتْ أشلاؤُنا

وتساقطتْ أوراقُنا قبلَ الخريفْ

ومضتْ إلى الجناتِ...

قافلةٌ من الأطيارِ تخترقُ الصُّفوفْ

وتفقَّدَتْ عيناي جرحى المجزرَةْ

كانوا كسِرْبِ حمائمٍ يتراقصونَ...

ولونُ بهجتهم على وَجَنَاتهم

وأكفُّهم مبسوطةٌ ومخضَّبَةْ

يتراكضونَ

ويسقطونَ

ويجلسون على الترابِ هنيهةً

ويتابعونَ

ويلهثونَ

ومرَّةً يتمدَّدون على حصيرِ الْمِصْطَبَةْ

ورأيتُ وجه أخي المحنَّى بالدِّماءْ

يدُه على جرحٍ يضمُّ رصاصتينِ بكبرياءْ

اللهَ يا ابنَ أبي وأمِّي لن يصيرَ الدُّمُ ماءْ

آهٍ وليتَ رصاصتانِ تهدِّئا قلبي ليرتاحَ الحياءْ

آهٍ على جرحٍ تبسَّمَ في العزاءْ

 الله أكبرُ هل تلثِّمني الرُّموزُ...

فأختفي بخمارها مثلَ النساءْ

 تباً للُعبةِ الاختباءْ

فلْيذبحوني في العَرَاءْ

ولْيحرقوني مثلَ أعوادِ الشتاءْ

ولْينثروني كالهباءْ

لن أختفي بعدَ الصلاةِ على شهيدٍ...

خلفَ أقنعةِ الحروفْ

لن أختفي وشجيرةُ الزَّيتونِ ينْزِفُ غصنُها

وأُميمتي في الدَّار تدمعُ عينُها

فقد انتهى زمنُ الكسوفْ

والشَّمْسُ أحرقتِ الغيومَ السَّودَ...

في الجوِّ الكثيفْ

وسحابةُ الصَّيفِ الغريبةُ...

لن تُحِيْلَ الجوَّ ماطِرْ

فوراءَ كلِّ شجيرةٍ في أرضنا عشرونَ ثائرْ

وأمامَ كلِّ شجيرةٍ عشرونَ ثائرْ

ويمينَ كلِّ شجيرةٍ عشرونَ ثائرْ

ويسارَ كلِّ شجيرةٍ عشرونَ ثائرْ

عشرون ألفاً حولَ ساحتنا عَسَاكِرْ

ويلٌ لأبناءِ القرودِ الغادرينَ...

إذا هواؤهُمُ يهبُّ على كناكرْ