على ضفاف دجلة الحزين

د. فلاح محمد كنه

[email protected]

أحكي لكم حكاية ً

عن بلدي الذي يعيش في عناءْ

من زمن التتار والافرنج والغباء

ولا يزال يغزل الحزن ويعلن الحدادْ

تميته أحلامهُ

وفكرة سخيفة يرفضها الهواء

توقظه آثامهُ

فصحوهُ نوم طويل في ليالي البلاءْ

يحكمه الشُذّاذ واللصوص والفناءْ

قانونه مزاج من يظلمهُ

ومفردات الحب في قاموسه إعتداء ْ

في بلدي الكان عصورا يمنح الارضَ

مدارات الفضاءْ

يُوقفها في ترح ٍ

يُديرها من فرح ٍ

يُرقصها من طرب ٍ

ويطعم البحر رحيلا وضفافا ومرافيء اللقاءْ

كان الضياءَ والرخاء والنماءْ

كان الغناءْ

في بلدي الكان ثريا للسماءْ

نخيله من كرم يغازل المساءْ

وفي ظلاله الحروف تستريح في رخاءْ

ليُنبتَ الشعرُ على ضفافه قصيدة َانتماءْ

يمنحها لطفلة فرقها عن ابويها الحمقُ والشقاءْ

تنشدها في صمتها أغنية ابتلاءْ

سفينة تبحر في المجهول نحو عالم البكاءْ

وللشراع صرخة تحملها الرياح للسماءْ

وللمرافيء التي بكتْ طويلا تندب الرحيلْ

وتشرب الصبر بصمت مستحيلْ

يأخذها الحنين والشوق إلى بيادر العويلْ

في بلدي الكان يزوره القمرْ

ويمنح الشمس ضياء وجمالا وضجرْ

تزوره الأطيار في الربيع والشتاءْ

في الصيف في الخريف كالهواءْ

تطير فوق دجلة الكبيرْ

تردد الغناء ْ

سرب جميلْ

يتبعه سرب طويلْ

نهران يسبحان في مدينتي

نهر يطيرْ

ونهر ماء يرتمي من زمن طويلْ

وكان شاعر يلفه الجنونْ

يطعم روحه على ضفاف دجلة الجنونْ

قبل شروق الشمس كان سائحا

يصاحب الصمت وأوهام الظنونْ 

وخده ينام فوق كفـّه اليمينْ

يسرح في خياله المفتونْ

ويرسم الجمال شعرا في مجاهل اليقينْ

كان يجالس السنينْ

على ضفاف دجلة الحزينْ

وعندما توقظه الشمس وعطر الياسمينْ

يكون كالأشجار في عطائه

يسابق الريح وحلم البائسينْ

ومرة كان غريق الصمت والمدى

غريقا في الشجونْ

على ضفاف دجلة الحزينْ

سرب الطيور غائب يخيفه الضجيجْ

يمنعه صوت الرصاص ِ

أن يزور فجره السجينْ

وكان هذا الشاعر المجنون يحتسي الجنونْ

منتظرا سرب الطيور واللقالق التي

غابت سنينْ

منتظرا في صمته احلى عبارات الجنونْ

منتظرا جنية الشعر التي قد رحلتْ

ولن تعود لن تعودْ

وظل هذا الشاعر المجنونُ

يزرع الرجاءْ

ويحصد الآمال ليلة الوداعْ

أيقظه صمت مسافر وصوت ثلة الجنودْ

تحيطه من كل جانب ومن قريبْ

مدججون بالسلاح بالحديدْ

واكتنفوه وهْوَ راحل يطارد الحروفْ

واخترقوا الصمت وشطآن الشرودْ

أطماعهم جاءت بهم من بلدٍ

يعيش من ثروتنا

من نفطنا

ويستزيد يستزيدْ

بحمقنا ... إِحتلـّنا وجاء يطلب المزيدْ

يغتصب السكون والنساء والرجالْ

يطارد الحضارة التي تـُعلـِّمُ الجمالْ

ترفضهم أشجارنا

ترفضهم قبابنا

ترفضهم أطيارنا

يرفضهم شيوخنا ... يرفضهم شبابنا

ترفضهم نساؤنا وطفلنا

يرفضهم ترابنا

يا بلدي الذي يريد أن يموتْ

لا لن تموتْ

يا بلد الفداء لا لا لن تموتْ

يموت فوق أرضك الطاعون والخنزيرُ

والطاغوتْ

وأنت لن تموتْ

ما دام دجلة الحزينْ

يجري على أرضك يسقي من مياهه النخيلْ

ويمنح السماء غيما ومطرْ

ويمنح الظلال يمنح الحجرْ

ويمنح الشجرْ

وما  يزال شاعر الجنون يكتب الشجونْ

وحوله الجنود ينظرونْ

بصمته يستأنسونْ

وعندما من صمته صحى الجنونْ

انتفض النهر ونادى الشاعر الحزينْ

بالصبر تهدم الجبالْ

ويـُهزم الإذلالْ

غادره الهدوءَ في هدوئه الجميلْ

أنكر ذاته التي كانت تلملم الخيالْ

وغادر المكانْ

غادر ظل الشجرهْ

وأطلق العنانْ

يلعن من خانوا بلادهم وأسلموا البلادْ

واختبؤا في حفر كأنهم جرذانْ

وغادر المكانْ

بين الجنود سار سيفا من هدوءْ

وأعين ترقبه

بنادق يشهرها بصدره الجنودْ

ولم يبالي بالذي قد فعل الجنودْ

غادر ظل الشجرهْ

والفجر والنهر ولحن القـُبـَّـرهْ

وأسكن الروح سكون المقبرهْ

ولن يعود لن يعود لن يعودْ