إلى شهداء سورية الأبرار

الشَّهِيد

إلى شهداء سورية الأبرار

جعفر عبد الله الوردي

[email protected]

سَقَى زَهرَ الرُّبوعِ دَمُ الشَّهيدِ

فَأحيَا العِتقَ فِي قَلبِ العَبيدِ

سَرَى نُورُ الشَّهادةِ فَامتَطَاهُم

وحَلَّق فِي الجِنانِ إِلى خُلُودِ

وفَاحَتْ مِن دِمَائِهِمُ عُطُورًا

فَسَاءَتْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنيدِ

وهَا دَمُهُمْ لِمَنْ يَبغِي حَيَاةً

وذَا قَبرٌ وسَيفٌ مِن جَلِيدِ

فَقَد شَقُّوا الطَّريقَ لِكَي تُلاقُوا

حَيَاةَ العِزِّ والأَمرِ الرَّشِيدِ

فَخُطُّوا مِن دِمَائِكُمُ مِدَادًا

وَأَثنُوا بِالكَلامِ وبِالقَصِيدِ

فَمَنْ نَخشَى وهَذَا الرَّأسُ مِلكٌ

لِمَن أَبدَاهُ فِي هَذا الوُجُودِ

وقُولُوا يَا شَهِيدُ لأَنتَ مَجدٌ

وكُلُّ العِزِّ فِي دَمِّ الشَّهِيدِ

رَمَى سَهمُ المنِيَّةِ فِي فُؤادِي

بِمقتَلِهِم سِهَامًا فِي الوَرِيدِ

وصَارَتْ أَرضُ أَوطَانِي حِدَادًا

عَلَى جِسمٍ مَلِيءٍ بِالحَدِيدِ

فَمَا قَتَلَ الرَّصَاصُ إِذَا غَشَاهُم

بَل انْبَعَثَتْ حَيَاةٌ فِي الوَلِيدِ

فَكَمْ مِنَّا شَهِيدٌ عَاشَ دَهْرًا

وكَمْ حَيٌّ يَعِيشُ كَمَا الرُّقُودِ

وكَم أَحيَتْ دِمَاؤُهُمُ بِلادًا

وَضَاعَتْ مِن خَؤُونٍ بِالوُعُودِ

هُمُ الأَحياءُ دُونَهُمُ مَوَاتٌ

وَلِلأَعدَاءِ هُمْ شَرُّ الوَعِيدِ

ويَا أُمَّ الشَّهِيدِ ويَا بَنِيهِ

فَلا تَأسَوا عَلَى حَيٍّ سَعِيدِ

عَلَى مَن قَدَّمَ العُقبَى عَجُولاً

لِبَعثِ الرُّوحِ في شَعبِ الثَّرِيدِ

فَأَحيَا دَمُّهُ ابنًا وَكَهلاً

وزَوجًا والجَمَادَ مَعَ الوُرُودِ

فَذَا خُلُقٌ وإِبدَاعٌ وبَعْثٌ

ولَيسَ الصَّدحُ مِن صَوتٍ بَلِيدِ

لِيَضرِبَ بِالكَلامِ الشَّمسَ صُبحًا

وَيُزعِجَ أُذْنَ بَدْرٍ في الهُجُودِ

ويَأتي بِالبَلاغَةِ في حِبَالٍ

ويَعتَقِلَ القَصَائِدَ مِن لَبِيدٍ

فَتُصغِي الأُذنُ تحَسَبُ أَنَّ أَمرًا

أَتَى مِن عِندِ قُرآنٍ مجَيدِ

فَيُولَدُ مِن بُطُونِ القَولِ فَأرٌ

يُغَازِلُ قِطَّةً بَينَ النُّهُودِ

بهِذا تُعقَرُ الآمَالُ فِينَا

وتَلبَسُنَا المَهانَةُ في الخُدُودِ

فَدَمٌّ صَامِتٌ يحُيي شُعُوبًا

وَكَمْ يُودِي الكَلامُ إِلى اللُّحُودِ

فَمَا التَّحرِيرُ يَأتي مِن خِطَابٍ

وَلا فَنٍّ ولا شِعرٍ فَرِيدِ

وَلَكِن مِن رِجَالٍ قَد تَبَارَوا

لِيَسبِقَ بَعضُهُمْ بَعضًا لِعِيدِ

وَهَبَّوا لِلشَّهادَةِ مُذْ دَهَاهُمْ

نَذِيرُ الشُّؤمِ قَتَّالُ السُّعُودِ

وَهَذَا الدَّرسُ يحكِي لِلمَطَايَا

عَنِ الأَحمَالِ مِن زَمنٍ بَعِيدِ

عَنِ الحِمْلِ الَّذِي أَضْنىَ ظُهُورًا

وَأَجْهَضَ حَمْلُ إِبدَاعِ العَدِيدِ

عَنِ الحِمْلِ الَّذِي أَعْطَى سُمُومًا

لِجِيلٍ فَاسْتَحَالَ إِلى قُرُودِ

وشَابَ الشَّيخُ والأَقفَالُ تَروِي

سُيُوفًا في اللِّسَانِ وفي القُدُودِ

ومَزَّقَ في الحَرائِرِ كُلَّ طُهْرٍ

ونَازَعَ رَبَّهُ في ذِي الحُشُودِ

فَمَا أَقسَاكَ يَا حِملاً عَلَينَا

وَمَا أَقسَى الزَّمَانُ عَلَى الأُسُودِ

فَكَيفَ يَسِيلُ دَمٌّ في عُرُوقٍ

وَمَا نَلقَى أَشَدُّ مِنَ الصَّدِيدِ

ومَا مجَرَى الدِّمَاءِ بَوَسطِ عِرقٍ

فَعِرقُ دِمَائِنَا أَرْضُ الجُدُودِ

طَلَبنَا المجدَ وَالأَثمانُ تَعلُو

وَلا تَأتِ المَعَالي مِن قُعُودِ

سَلامٌ مِن بِلادٍ في فُؤَادِي

لمقتُولٍ يُزَّفُ مَعَ الشُّهُودِ

وأنْعِمْ بِالشَّهادَةِ مِن سَبيلٍ

وبِالقَاعِ الَّتِي حَولَ الشَّهيدِ