نسجتُ لها من القبلات ثوبا
يحيى السَّماوي
لثمتُ خدودَها فاغْتاظ َ زهْرُ
وأعْشَبَ مُقفِرٌ واخضلَّ صَخْرُ
وخَرَّ مُكبِّرا ً نزق ٌ وطيشٌ
وصلّى تائِبا ً لله ِ نُكْرُ
وجَفّتْ مُوحِلاتٌ للخطايا
وفاضَ على حقولِ العُسْرِ يُسْرُ
رأيتُ فجائعي عُرسا ً ومَغْنىً
وعادَ صِباً برغم ِ الشَّيْب ِ عُمْرُ
غفونا في سرير ٍ من غيوم ٍ
يُدَثّرُنا بنور ٍ منهُ بَدرُ
وأسْكَرَني العِناقُ فرِحْتُ أعدو
فبيني والمدى والنجم شِبْرُ
فبعْضي مُثْقلٌ بالقيدِ عًبْدٌ
وبعضي مثلُ ضوءِ النجْم ِ حُرُّ
حملتُ أميرتي والليلُ سِرٌّ
وعُدتُ بركبها والصّبحُ جَهْرُ
دخلتُ بها من البلدان ِ شتّى
فأرضٌ طينُها مِسْكٌ وتِبْرُّ
وأرضٌ ماؤها لبَن ٌ وراحٌ
وأرضٌ شوكُها تِينٌ وتمْرُ
وأرضٌ سورُها قمحٌ ونخل ٌ
وأرضٌ رمْلُها بالماء ِ غمْرُ
وبانتْ دُرّة ٌ من شِقّ ِ زيق ٍ
فأخفاها عن العينين شَعْرُ
كأنّ النهدَ فاتنةٌ خجولٌ
وأنّ قميصَها الشفّافَ خِدْرُ
وجيدٌ لا أرقّ .. خشيتُ هُدبي
سيجرحُهُ .. ومثلُ الجيدِ نحْرُ
أيُطبِقُ جفنهُ في الرّوض ِ نحْلٌ
إذا نادى عليه شذا ً وزهْرُ ؟
فُضِحْتُ فليس ليْ في الحبِ أمْرٌ
على قلبي ولا في الشوق ِ صَبرُ
يُحَرّضني الجّمالُ على وقاري
فأنسى أنني في الناس ِ سِرُّ
تفرُّ إليَّ مني فرْط َ ذُعْر ٍ
فيغدو لذّة ً عذراءَ ذعرُ
وتُغوي روضةُ الشفتين ثغري
كما يُغوي شِباكَ الصّيْدِ بَحرُ
وأثمَلني رحيقٌ من زفير ٍ
كأنّ شميمَهُ للعِطر ِ عِطرُ !!
نشقْتُ لهاثها لمّا تراختْ
فحَمْحَمَ في فمي للثم ِ مُهْرُ
تدَحْرَجَ من مَرايا الجيدِ ثغري
وجاز النَّحْرَ فاسْتغْواهُ صدرُ
لثمتُ حمامة ً وشمَمْتُ أخرى
ومَسَّدَتِ الحريرَ البضَّ عَشرُ *
سكرْتُ فلستُ أدري كيف فرّتْ
كعصفور ٍ يدي والعشُّ خصْرُ
نسَجْتُ لها من القُبُلات ِ ثوبا ً
وقد نام الظلامُ وقام فجْرُ
أمِثلُ أميرتي روحٌ وراحٌ
ومثلُ رضابها شهدٌ وخمرُ ؟
غزوتُ ورودَها شمّا ً ولثما ً
فحربي في الهوى : كرُّ .. وكرُّ
أشبُّ صَبابة ً .. وتشبُّ مثلي
ويُطفِئ جمرَنا الوحشيَّ جمْرُ
عَلِقتُ بها وأدري أنَّ حَظّي
بلا حَظّ ٍ .. وأنَّ الحَتمَ خُسْرُ
إذا ضحِك الهوى ليْ بعضَ يوم ٍ
فإنَّ بُكاءَهُ الصُّوفيَّ دَهْرُ
فيا تفّاحَ " آدمَ " لا تلمني
إذا امْتدتْ يدايَ وجُنَّ ثغرُ
ل " آدمَ " عُذرُهُ .. وأنا لثغري
وجوع ِ يَدي وللأحداق ِ عُذرُ
____________________
* عشر : أصابع اليدين