قصيدة مجهولة عن الشيخ الفضيل الورتلاني

د. مولود عويمر

أقام زعماء العرب والمسلمين بالقاهرة حفلا شعبيا لتكريم العالم والمناضل الجزائري الشيخ الفضيل الورتلاني (1906-1959) الذي عاد إلى مصر بعد نجاح ثورة الضباط الأحرار. وقد عاش الورتلاني بين عامي 1948 و1952 مطاردا ومشردا ثم مختبئا في لبنان لمدة خمس سنوات، لأنه كان متهما بالمشاركة في ثورة الجمهوريين في اليمن، والمساهمة في اغتيال حاكمها الإمام يحي حميد الدين (ت 1948).

وأشرف على تنظيم هذا الحفل المجاهد والصحافي الفلسطيني الأستاذ محمد علي الطاهر (1896-1972) يوم 28 نوفمبر 1952 في فندق سميراميس. وألقى بهذه المناسبة الشاعر الكبير علي بن أحمد باكثير (1910-1969) قصيدة عبّر من خلالها عن تقديره لبطل التحرير العربي: الشيخ الفضيل الورتلاني. وظلت هذه القصيدة مجهولة لدى الباحثين رغم قيمتها الأدبية والتاريخية.

وفي وصف أجواء هذه الحفلة الكبرى نتوفر على ثلاثة مصادر. الأول؛ هو رسالة مراسل جريدة البصائر من القاهرة (محمد عبد الكريم) تحدث فيها عن هذا الحفل في فقرة قصيرة جدا، أشار إلى حضور جمع كبير من المفكرين والقادة دون ذكر أسمائهم باستثناء الشيخ محمد البشير الإبراهيمي (1889-1965). وكان هذا الملتقى الثقافي مناسبة لهم لتبادل الآراء حول عدة قضايا عربية وإسلامية.

والمصدر الثاني هو عبارة عن مقال للطالب الجزائري بدار العلوم بالقاهرة تركي رابح الذي أسهب في الكلام عن خطاب الشيخ الإبراهيمي، ثم لخص مداخلات الآخرين في هذه العبارات: " وقد تكلم عدة خطباء في الإشادة بجهاد الورتلاني، وعظيم تضحياته في سبيل العروبة والإسلام منوهين بقوة الجزائريين بصفة عامة في الكفاح، وصبرهم على الشدائد، وثباتهم على المبادئ وصلابتهم في الوطنية، وما يمتازون به من غيرة وشهامة ورجولة مما حفظ عليهم دينهم ولغتهم هذه المدة الطويلة كلها رغم اتحاد كل العوامل ضدهم ".

أما المصدر الثالث فهو السجل الذي أعدته لجنة التكريم، فقد احتوى على مجموعة من الصور وبجوارها بيانات، ولم يشمل هذا الدفتر الخطب والقصائد التي ألقيت بهذه المناسبة. وهو المصدر الوحيد الذي تحدث عن مشاركة الأستاذ علي أحمد باكثير في ذلك الحفل وإلقائه "قصيدة عصماء يصف فيها جهاد صديقه الأستاذ الورتلاني ومتاعبه مع المستعمرين."

وللإشارة فإن الأستاذ باكثير شاعر يمني ولد في 21 ديسمبر 1910 بأندونسيا لأبوين يمنين. وفي عام 1920 عادت أسرته إلى الوطن لينشأ أبناؤها نشأة عربية إسلامية.

سافر علي بن أحمد باكثير إلى الحجاز ثم إلى مصر. حيث التحق بالجامعة المصرية فتحصل منها على ليسانس في الآداب عام 1939 والإجازة من معهد التربية للمعلمين عام 1940. وعمل بها مدرسا للغة الإنجليزية في مدارس المنصورة والقاهرة ثم انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي.

توفي باكثير في مصر في 8 نوفمبر 1969 إثر أزمة قلبية حادة، تاركا وراءه تراثا أدبيًا غزيرا. وقد جمعت أشعاره المتناثرة في الصحف والمجلات العربية بعد وفاته في دواوين منها:: أزهار الربى في أشعار الصبا، سحر عدن وفخر اليمن... أما أهم مسرحياته فهي: هكذا لقي الله عمر، الدودة والثعبان، أحلام نابوليون، مأساة زينب، مسمار جحا، عودة الفردس، إمبراطورية في المزاد. أما رواياته نذكر منها: الثائر الأحمر، سيرة شجاع، الفارس الجميل...الخ.

نشرت هذه القصيدة الشعرية التي بين أيدينا في جريدة "العرب" الصادرة في باريس لصاحبها يونس بحري (1903-1979). وهذا الأخير هو من مواليد عام 1903 بمدينة الموصل في العراق. زار مصر، الهند، إيران، أفغانستان، العديد من الدول الأوروبية، وبلدان المغرب العربي. 

نعم، حقيقة زار يونس بحري مدينة قسنطينة في عام 1930 قادما من مدينة طنجة المغربية. لكن هل شارك في الحملة الدعائية التي قادها الأمير شكيب أرسلان (1869-1946) في المغرب الأقصى في تلك الفترة ضد الظهير البربري؟ لا ندري. نزل بحري ضيفا عند السيد مامي إسماعيل صاحب مطبعة وجريدة النجاح. ويبدو أنه اتصل بأعلام هذه المدينة وفي مقدمتهم مدير جريدة الشهاب الشيخ عبد الحميد بن باديس (1889-1940).

كما سارع العديد من المثقفين الشباب إلى التعرف عليه والإنصات إلى مغامراته، ومنهم مالك بن نبي الذي انبهر بشخصية هذا المغامر والرحالة العربي. كان اللقاء في مكتبة النجاح بصحبة مامي إسماعيل. ومما قاله بن نبي وهو يصف هذا اللقاء المؤثر: " تزيا (يونس بحري) بالزي الحديث، الطربوش وربطة العنق والبنطال. كان بناؤه الرياضي يعطيه مظهرا جميلا بالإضافة إلى أنه يملك ناصية اللغة العربية. وقد جعلت له هذه الملكة تأثيرا عميقا في جماهير شمالي إفريقيا، حين أخذ يتحدث إليها من مذياع برلين أثناء الحرب العالمية الثانية...إذن كان الرجل يملك ما تتعطش إليه تلك العقول المجتمعة في مقهى بن يمينة، الباحثة عن الجديد سواء كان في السياسة أو الأدب أو الأخبار العادية. وكانت لديه أقاصيصه الشخصية. وسواء كانت صحيحة أم مختلقة فقد داعبت أحلامنا. وكان يبدو لي خاصة أحد الرحالة أو الباحثين عن الآفاق الجديدة. وحينما حدثني عن رحلته إلى أستراليا وهي في الغالب خيالية فتح لنزعتي إلى التنقل والتشرد بعدا جديدا".

وقد شكل حضور بحري واتصالاته بالنخبة الجزائرية مصدر قلق لسلطة الاحتلال الفرنسية التي كانت تصفه بشخص"غير المرغوب فيه".

وانتشرت شهرة يونس بحري في العالم العربي بفضل حصته الإذاعية التي كانت تبثها محطة برلين العربية خلال العربية الثانية. لقد كانت لحصته أصداء كبيرة في الجزائر إذ كان يتابعها الجزائريون من خلال جهاز الراديو الذي بدأ في الانتشار آنذاك بالمقاهي الجزائرية. كما ألف مجموعة كتب منها: الجامعة الإسلامية (باريس 1948) تونس (بيروت 1955)، دماء في المغرب العربي، (بيروت 1955)، الجزائر (بيروت 1956)، الحرب مع إسرائيل وحلفائها، (بيروت 1956)، ليبيا (بيروت 1956)، المغرب، (بيروت 1956)، موريتانيا الإسلامية (بيروت 1961)، العرب في المهجر (بيروت 1964). وتوفيّ في بغداد عام 1979.

وقد أصدر يونس بحري عدة جرائد: الحق والإسلام ) (1930، العقاب (1931) والعرب (1948) التي نشرت فيها هذه القصيدة المجهولة (العدد 218، 6 جانفي 1953) والتي نعيد نشرها في جريدة البصائر إحياء لذكرى هؤلاء الأعلام المجاهدين: الفضيل الورتلاني، محمد علي الطاهر، علي بن أحمد باكثير ويونس بحري رحمهم الله.

هذه هي قصة قصيدة "تحية المجاهد الكبير الأستاذ الورتلاني" للشاعر علي أحمد باكثير. أما محتواها وقيمتها الأدبية والمعنوية فسأترك القارئ يكتشفها هو بنفسه.

أفـضـيل هذي مصر تحتفل
أنـظـر  تجد مصرا iiمحررة
بـعـثت إليك لكي تراك iiوقد
وانجاب عنها البغي وانفسحت
غـادرتـهـا  والظلم iiمكتهل
الـجـيـش حررها وطهرها
حـدث بـه عزت، وعز iiبها
الـوثـبـة الكبرى بها iiسبب
سـتـعـم  بـعد غد iiمبادئها
مـن  شـك فلينظر إلى iiمثل
وطـن الـعـروبة كله iiوطن
تـغـشـاه  مـن بلد إلى iiبلد
تـبـغـي لـه عزا iiومكرمة
تـسـمـى  فلا سأم ولا iiكلل
تغشى  المخاطر غير iiمكترث
حتى  امتحنت بما امتحنت iiبه
أمـسـيت  لا أهل ولا iiوطن
لـم تـقـترف جرما تدان به
إن  الـفـساد إذا اعترى iiبلدا
فـاحـمد  إلهك أن تقشع iiعن
وإذا  الـكـنـانة عن iiموئلها




















بـلـقـاك، فانعم أيها البطل!
مـذ تـم فـيها أكادت iiالجلل
دنـت  الـمنى وتحقق iiالأمل
لـلـمـكرمات  أمامها السبل
وقـدمـتـهـا والعدل iiمقتبل
والشعب حول الجيش iiينتضل
وطن (للكتاب) السهل iiوالجبل
تـحـيـا بـه أمجادنا iiالأول
وطـن الـعروبة فهو iiمتصل
فـي  بـردتيك فإنك المثل ii!
لـك  ظـلت بين رباه iiتنتقل
يـحـدوه  منك القول والعمل
لـلـه  لا غـنـم ولا iiنـفل
شـيحان،  لا خوف ولا وجل
حـتـى كـأنك دونها iiالأجل
ونـبـت عليك السفن iiوالابل
وغـدوت لا سـفر ولا نزل!
كـلا  ولـكـن هذا البطل ii!
فـالـمجرمون به هم الرسل!
أرض الـكـنـانة ذلك iiالهبل
عـزت  بها من يعرب iiالدول

القاهرة – علي أحمد باكثير