الرّيحُ ليست تَعشَقُ الأسرارا

صالح أحمد

[email protected]

لا صوتَ للصّحراءِ..

في عُمقِ المَرايا قُنبُلَة

ماذا يقولُ صَدًى تبقى حين أعلنَتِ الحياةُ حُدودَها حجَرًا ومِفصَل

خطُواتُنا في الأرضِ تزرعُنا كأغصانٍ تسامت فوق موجِ الصّوتِ..

                                                    فوق الجاذبيّة

أوجاعَهُ اللَّيلُ يدعونا.. ويحفُرُ في المدى صرَخاتِنا لغَةً...

ويحفظُنا على رشّاته مَطَرٌ... ويأبى أن يعودَ لنا خراجُه.

يا نَخلتي... لا تكذِبُ الأرياحُ حينَ تَهُزُّ خصرَكِ ثم تمضي...

 لمضاربي في ظِلِّ لونِكِ... تعتري الأشكالَ والألوانَ...

                                            تكسوهُم سُخونَة

بل يشهَدُ الموتُ المُعَتَّقُ في خطوطِ الرّملِ، يَشهَدُ:

- صلنا كثيرا... بيدَ أنّ الرّيحَ ليست تحفظُ الأسرارا

- جُلنا دُهورا... بيدَ أنّ الرّملَ لا يوفي النّذورا

كم مُتعَبٌ يا صوتُ أنتَ! فنَم على شَفَتي إذا انفرَجَت أخيرا

كم مُتعَبٌ! والبيدُ ترحَلُ.. والشِّتا...

يمضي ليسكُنَ في مَذاقِ العشبِ بحثًا عن حكاية.

كم مُتعَبٌ! والرّملُ يزحَفُ... والنّدى...

يسترشِدُ الشُهُبَ التي شابت برأس غمامة تُؤوي القبيلة.

كم مُتعَبٌ! والعُمرُ رائحةُ التّرابْ..

ها لم تَعُد تتَفَتَّقُ الأيامُ عن لَهَفاتِنا.

كم مُتعَبٌ! واللّيلُ يُخلِعُني مَعاطِفَهُ...

ويعبِقُ في المدى لونُ الشّكاية.

أوَ كُلّما ارتَحَلَ النّهارُ تفَلَّتت مثل النّهارِ صِفاتُنا؟

من نحنُ؟ من إذن صِرنا؟ وكيفَ بصَمتنا ارتَسَمت بداية؟

فلنَنفُضِ الرّملَ المكَدَّسَ في عيونِ الشّمسِ كي يجِدَ النّخيلُ لهُ مَواطِن.

اللّيلُ يزحَفُ، ينتَشي..

اللّيلُ خيمَةُ عُمرِنا..

للّيلِ ألفُ حكايةٍ غُزِلَت... وسِرّ.

هل يفقَهُ التّاريخُ سِرَّ عُبورنا...

من عازِفات الرّيحِ حتى صارَ قلبُ اللّيلِ قوسُ المرحَلَة؟

لا يا سَحابةَ عمرنا !

للسِّجنِ ألفُ غِوايَةٍ.. ماتت هُناكَ.. وقامَ حارِس.

ومضيتُ أبحَثَ في شقوق الأرضِ عن لُغتي... فتُنكِرُني الفَواصل.

في رحلَتي للأمسِ أهداني الصّدى جِهَةً.. وخانَتني المَواقف..

ليَكُن إذن.. لن أنحَني كي يحتويني الدّربُ، لن أنسى خساراتي... أنا

من كنتُ خلفَ عَناصِرِ الإشراقِ شُرفَةَ موجَةٍ ...

راحت إلى زَمَنٍ تَغَشّاني، وصِرتُ ظلالَهُ...

ما عِشتُ أذكُرُ كيفَ فرَّت موجَتي من بَحرِ أيامي لتُهديني إلى

              رَملِ المَواجِعِِ لونَهُ المخطوفَ من فَزَعِ الحِكاية.

أوَ هل أصيرُ رَجاكِ يا بَغدادُ إن عشِقت خُطوطَ يدي نَداكِ؟

لم أرسُمِ الصّوَرَ الحزينَةَ يا عيونَ القُدسِ، بل ..

أسلَمتُ قلبي للشّفاهِ الباسِماتِ، فهل تُعيدُ تعانُقَ الأرواحِ في لُغَةِ المَدينَة

أو هل أصير صفاكِ يا بغدادُ إن يغدو هوايَ يطيرُ مَوفورَ الحَنينِ لِرافِدَيكِ؟

لم أرسِم الوَجَعَ المُقيمَ على ثُغورِ القُدسِ، بل...

أسلَمتُ روحي للنّداءِ المُستَفيقِ على شِغافِ جَراءَتي المُضناةِ من أرَقِ المَدينَة.

للصَّمتِ ألفُ حِكايَةٍ...

الصَّمتُ سِجنُ الطّامحينَ بلوغَ أبراجِ المدى من شُرفَةٍ...

الصَّمتُ لونُ سَماكِ يا بَغدادُ ترسمُ بالظّلالِ ظلالَنا..

والقُدسُ تَفتَعِلُ السّكينة

لم أرسم اللّونَ الذي يقتاتُ من وَجَعِ المدينة تَحتَ جنحِ الرّيح...

والريحُ والأسوارُ ليست تعشَقُ الأسرارا