محبوبتي

د. محمد عبد المطلب جاد

[email protected]

أستاذ سيكولوجيا الإبداع

جامعة طنطا-جمهورية مصر العربية

فلتسمحي لى أن أمزق عنك ثوب الخدعة

ليراك عشاق الجمال بغير ستر غلالة

ولتسمحي لى أن أمر بكل جزء واصفا

ما بالربوع من السهول بما حوت للربوة

وبأن أزيل خمارك الملصوق حينا واسمحي

لى بالتحدث عن ذويك برهة محبوبتى

وأغوص فى أيامهم وأشق بطن حياتهم

وأشف عن أحلامهم ولتغفرى لى جرأتي

*  *  *

محبوبتى نبتت عظامي من خصيب ترابها

فجرت سواعدها تدعم بالمحبة بنيتي

محبوبتى فى حجرها قد عشت أيام الصبا

ونموت فى أحضانها من بدء بدء طفولتي

ودرجت كالعصفور أقفز فوق ساحة صدرها

متنقلا لم أدر للأيام غير النشوة

محبوبتى أمي التى هى فى الفؤاد وحبها

أنشودة لا تنتهي محبوبتى هى قريتي

*  *  *

ما كان أسعدني إذا سطرت عن أحلامها

وشدوت أمنياتها للفجر من قيثارتي

الناس إن ذكروا الحبيبة يذكرون نعيمها

وأنا بذكرك لا أراك بغير ثوب الشقوة

ماذا أقول عن الذين جميعهم بل جلهم

يتخبطون تحيرا فى قاع بهو الظلمة

أجسامهم ماذا أقول ، مزارع وملاجىء

وأكاد أقسم ما خلت من عيش أية علة

هذى الأخاديد التى تنشق فى أقدامهم

فى جوفها نار ومن يدرى بأية حرقة

ما ذنبهم وهم الأرومة هم أصول فروعنا

ماذا أقول وهم ذوى وهم جميعا أخوتي

*  *  *

ماذا أقول ونسوة تغسلن فى قنواتها

وصغارها كالدود يلفظ عند فاه الترعة

ماذا أقول وقد رأيت عراتها وحفاتها

تحت الهطيل رواجفا  والريح تسلخ جلدتي

تلهو بهم وكأنها خلقت لهم ورأيتها

نفذت إلى أجسامهم بعد انتزاع الخرقة

ورأيتهم يتكورون زواحفا وضممتهم

وهم الجماد أو الجليد مشربا بالزرقة

وحضنتهم تحت الضلوع غسلتهم من عبرتي

ماذا أقول وهم ذوى وهم جميعا أخوتي

*  *  *

عند المساء تضمهم أكواخهم بحنانها

من حول مدفأة تفيض على ضياء الشعلة

يحكون عن آلام يوم مدبر من عمرهم

هم يحتسون عذابهم والقوت كسر الكسرة

وترى ابتسامة مؤمن يتقاسمون رغيفها

ويهدهدون صغيرهم ببشاشة وبفرحة

ونبيت نلتحف البقايا جمعت وجميعنا

متعانقون لصحوة للكدح أو لمنية

والشعلة الحيرى رفيق ساهر يدعو لنا

أن لا يفرقنا الإله بقبضة أو غربة

ونقوم نحن الكادحين على تمام فروضنا

ونجل من رفع السماء على أقل النعمة

*  *  *

حتى إذا ما الفجر دق على ظهور كهوفنا

قمنا كما الديدان تزحف من ثقوب الفوهة

بعثت جموع الكادحين إلى الشقاء فلا ترى

وجها لهاتيك الحياة بغير لون القسوة

يمضون للآلام طوعا يحصدون شقاءهم

تالله ما زرعوا بهذا العيش غير الطيبة

لا يهنأون براحة أو ينعمون بلذة

ماذا أقول وهم ذوى وهم جميعا أخوتي

*  *  *

يمضون فى نار الهجير نهارهم ومساؤهم

ألم يردد ما يعانى الجسم فى الزنزانة

يسعى الحفاة على لهيب الأرض يصلى جلدهم

والشمس تلفحهم وتبكى ذلهم فى حرقة

فإذا أتى وقت الغذاء تدافعوا لشجيرة

سكري يغازلها الذبول مباغتا للسكرة

فى ظلها يتلاحمون ويأكلون قديدهم

وشرابهم ماء القناة بما اكتوى من جمرة

سكري يلوذ بها السكارى من لظى قيلولة

كتبت على أجسامهم للأرض أبدع رحلة

*  *  *

فلتغفرى لى هذه الزفرات يا محبوبتى

ولتغفرى لى أن غرقت وتهت فى أنشودتي

ولتغفرى لى أن كشفت عن الحفاة وعيشهم

ولتغفرى لى أن وقفت وقد أطلت بوقفتي

فأنا ابنهم عانيت من آلامهم وعذابهم

وتمازجت يا أم دمعات العراة بدمعتي

وأنا ابنهم وجروحهم ما زلت أشعر نارها

وأعيش يومهم الطويل وحلمهم هو شعلتي

لا تعتبي يا أم إذ مزقت عنك ستائرا

لا تعتبي أنى فضضت كوامنا بصراحتي

أنا إن دعيت لجنة فيحاء يهطل عطرها

فلأنت بالعرق الذكي وبالمعاول جنتي

لا عزة لى فوق أرض ليس لى أهل بها

وأعز فيك وإن سئلت لقلت عز الشقوة

*  *  *

إلى الجموع العاملة فى قريتي

إلى أبى وأخوتي

بمداد من عرقهم سطرت هذه الزفرات