هَلْ يَغْسِلُ الْبَحْرُ مَا اسْتَحَتْ مِنْهُ الْقُبُور؟

هَلْ يَغْسِلُ الْبَحْرُ مَا اسْتَحَتْ مِنْهُ الْقُبُور؟

صقر أبو عيدة

[email protected]

تِلْكَ الْقُرَى نَفَرَتْ وَظَنَّتْ خَطْبَهَا بَلَغَ الْمُرَادْ

فَعَتَتْ عَنِ الأَمْرِ الْعَتِيقْ

وَخَلَتْ قُلُوبُ الْعَارِفينَ مِنَ الرَّشَادْ

وَالْوَقْتُ لَمْ يَجْلِسْ لَنَا حَتَّى نُخَبِّئَ ضَعْفَنَا

فَتَكَاثَرَتْ مِنْ بَينِ أَيدِينَا عَنَاوِينُ الْبِلادْ

وَتَقَطَّعَتْ قُدَّامَنَا سُبُلُ الرُّؤَى

وَاحْتَلَّنَا لَيلٌ يُوَارِي خَنْجَرَاً مَسْمُومَ نَصْلٍ في السَّوَادْ

هَلاَّ سَأَلْتُمْ قَرْيَةً فَقَدَتْ بِخَاطِرِهَا عَلامَاتِ الطَّرِيقْ

لِمَ نَاحَ عُصْفُورٌ عَلَى أُمٍّ بَكَتْ نَعْشَ السَّلامْ؟

وَتَنَاثَرَتْ لُغَةُ السَّمَاءِ عَلَى مَجَانِيقِ الْهَوَى؟

لا تَجْأَرُوا

هَلْ تَعْلَمُونَ شُعُوبَ ظُلْمٍ كَيفَ جَاءُوا مُشْهِرِينْ؟

رَايَاتِ حُبٍّ وَانْتِشَاءْ

مِنْ طَيبَةَ انْطَلَقَتْ أَغَارِيدُ الفَلاحْ

نَثَرَتْ مِنَ الإِيمَانِ مَا يَرْوِي ابْتَسَامَاتِ الزُّرُوعْ

لَمَّا تَعَلَّقَ حُبُّهَا بِالْوَحْيِ وَالْكَلِمِ الأَثِيرْ

سَلِمَتْ لَهَا

أَعْنَاقُ أَرْضٍ لَمْ تَكُنْ غَسَلَتْ لَهَا وَجَهَ الْخُنُوعْ

وَتَعَلَّمَتْ في ظِلِّهَا لِمَنِ الْخُشُوعْ

تِلْكَ الْقُرَى نَفَرَتْ وَمَا لَبِثَتْ تَحِيدْ

دَخَلَتْ سَرَادِيبَ اخْتَلَتْ فِيهَا هُرُوبَاً لِلسُّجُودْ

عَبَدُوا الْخَوَاءَ عَلَى خِلافِ الأَوَّلِينْ

ظَنُّوا بِخَلْوَتِهِمْ خُلُودْ

فَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الدُّرُوبْ

وَمَرَاكِبُ الشَّطَحَاتِ أَلْقَتْ عِنْدَهُمْ رَفْشَ الْخَرَابْ

حَفَرُوا بِهَا أَجْدَاثَهُمْ وَاللّغْوُ يَسْكُنُ في الْقِبَابْ

وَتَوَارَثُوهَا في التَّمَنِّي وَالْعِتَابْ

دُنْيَا دَنَتْ

وَبِخَمْرِهَا يَتَطَهَّرُونْ

رَقَصَتْ لَهُمْ عُرْيَانَةً فَتَمَزَّقَ الثَّوبُ الْغَلِيظْ

قُمُصٌ وَأَثْوَابٌ لَهَا رِدْنُ الْهَوَى

حَسِبُوا أَنِ الأَنْفَالَ تَأْتِي دُونَ مَا رُؤْيَا حَرِيقْ

أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الْبِلادَ تَلَوَّنَتْ بِالدَّمْعِ يَومَ تَقَلَّدُوا أَمْرَ الْعَبِيدْ

مِنْ جِلْدِنَا قَدَّتْ عُلُوجٌ خُرْجَهَا

وَالْخَيطُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدْ

فَتَقَطَّعَتْ سُبُلُ اللّقَا بَينَ الأُمُومَةِ وَالْوَلِيدْ

تِلْكَ الْقُرَى

أَوتَادُهَا مَغْرُوزَةٌ وَيَخُطُّهَا قَلَمُ الرَّفِيقْ

حَسِبَتْ لِقَاءَ السِّرِّ يَعْبَقُ بِالرَّحِيقْ

لا تَجْأَرُوا

فَالْقَومُ تَخْبُو نَارُهُمْ يَومَاً كَمَا أَفِلَتْ عُرُوشْ

أَوَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْقُرُونُ قَدِ اخْتََفَتْ مِنْها الشُّمُوسْ

فَلَهُمْ مِنَ الأَمْثَالِ مَا يَكْفِي لِيَرْجِعَ كُلُّ خَتَّارٍ شَمُوسْ

لَكِنَّهَا لَمْ تَدْرِ أَينَ تَسِيرُ أَوْ تَمْضِي بِهَا تِلْكَ الطَّرِيقْ

رُسِمَتْ لَهَا بِلَذَاذَةِ الْعَيشِ الْيَؤُوسْ

وَكَأَنَّهَا شَرِبَتْ عُصَارَةَ ذِلَّةٍ تَكْسُو الرُّؤُوسْ

حَتَّى اسْتَحَتْ مِنْهَا الْقُبُورْ

أَوَلَمْ تَكُونُوا أُمَّةً خَلَصَتْ لَهَا الدُّنْيَا تَخُورْ

تِلْكَ الْقُرَى مَشْحُونَةٌ بِالصَّمْتِ وَاللُّغَةِ الَّتي في حَرْفِهَا مَاضٍ يَفُورْ

وَقُلُوبُهُمْ عِنْدَ الْمَلامِ تَوَجَّعَتْ

لِمَ يلْبِسُونَ لِسَانَهُمْ لَحْنَ الْهَوَانْ؟

قَضَمُوا بَرِيقَ الْفَجْرِ فَانْطَفَأَتْ أَنَابِيبُ الضِّيَاءْ

عَجَباً لَهُمْ

يَثْنُونَ أَشْفَارَ السُّيُوفِ وَيَشْرَبُونَ مِنَ الْجُفُونْ

وَدِثَارُهُمْ رِيحٌ لَهَا صَبُّ النَّوَى

وَالْبُؤْسُ يَنْشُرُ جُنْدَهُ بَينَ الْعِظَامْ

وَالأُمُّ تُلْقِي ضِلْعَهَا دِفْئَاً عَلَى عُشِّ الْحَمَامْ

أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الْقُرُونَ خَلَتْ عَلَى بُسُطٍ مِنَ الْحُطَمِ الَّتي

لَمْ يَنْظُرُوهَا في الْمَنَامْ؟

يَا أُمَّةً خَذَلَتْ بَنِيهَا وَاصْطَفَتْ عَجَمَ الْكَلامْ

لا تَجْأَرُوا بِاللَّومِ وَالعَتْبِ الَّذِي يُرْدِي الْقِيَامْ

تِلْكَ الْقُرَى نَسَلَتْ خُيُوطَ الْفَجْرِ مِنْ عَينِ الْبِلادْ

حَاكَتْ بِهَا ثَوبَ الرَّدَى

وَتَوَضَّأَتْ بِالْهُونِ وَاسْتَحْلَتْ مِنَ الأَلَمِ الْعِيَاطْ

وَالْخَوفُ يُنْسِيهَا لِقَاءَ الْفَرْضِ مِنْ أَثَرِ السِّيَاطْ

أَلْقَتْ نَوَاصِيهَا عَلَى عَتَبَاتِ ذَيَّاكَ الْغَرِيبْ

وَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ بِالْغُسْلِ في صَمْتِ الأَنَامْ

لا بَحْرَ يَغْسِلُ مَنْ بَنَى بُؤَرَ الظَّلامْ