اكْتِنَاهُ الآخَر
سعيد ساجد الكرواني
أَجُوسُ خِلاَل الْمَقَابِرِ
فِي غَسَقِ اللَّيْلِ
أَنْشُرُ وَجْهِيَ
فِي الْأُفْقِ فَجْرَا
أُغَازِلُ هَمْسَ السُّكُونِ
يُعَانِدُنِي
فَأَبُوحُ بِمَكْنُونِ
سِرِّ الْهَوَاجِسِ جَهْرَا
أُبَادِلُ هَذِي بِأُخْرَى
فَتَعْبَقُ بِالصَّبَوَاتِ الْهَوَاجِسُ
تَتْرَى
.........
وَعَيْنَاكِ غَرْنَاطَتِي
تُغْرِيَانِ صَبَابَةَ عِشْقِي
تُؤَجِّجُ جَمْرَ الْمَوَاجِدِ
بَيْنَ حَنَايَا حَنِينِي وَشَوْقِي
صَبِيَّتُنَا أَنْتِ
طُهْرُ الْبَرَاءَةِ
كُنْتِ
وَمَا زِلْتِ
فِي الْقَلْبِ ذِكْرَى
تَعَالَى بِمَرِّ الْعُصُورِ
وَ تَنْشُرُ مِنْ حَوْلِهَا النُّورَ نَشْرَا
وَمَا زِلْتِ لِلنُّورِ رَمْزاً
وَ بُشْرَى
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ عِشْقِنَا الْمُجْتَبَى
يُعَاكِسُ سَهْمَ النَّدَى السَّيْفُ
فِي الْبُوْصَلَةْ!
إِذاً كَيْفَ سَاقُوكِ قَسْراً
إِلَى الْمِقْصَلَةْ؟
مَحَاكِمُهُمْ فَتَّشَتْ فِي ضَمَائِرِنَا
كُلَّ حَاشِيَةٍٍ
ثُمَّ عَاثَتْ فَسَادَا
فَأَكْدَاسُ أَسْفَارِنَا فِي الْمَيَادِينِ
أَضْحَتْ رَمَادَا
وَنَزْفُ الْعُقُولِ اسْتَحَالَ
بِمِحْرَقَةِ الْفِكْرِ
شَوْكاً قَتَادَا
بِوَعْثَائِهِ قَدْ نَأَى ثُمَّ أَعْلَنَ فِي
مَأْتَمِ الْعِلْمِ عَنْهُ الْحِدَادَا
.........
زَمَانٌ مَضَى بَعْدَ حِينْ
وَيَخْشَوْشِنُ الْجِلْدُ حِيناً
وَحِيناً يَلِينْ
زَمَانٌ سَنَابِكُهُ كَرَّةً
تَكْتَوِي بِالْحَصَى
وَأُخْرَى تُجَرِّعُهَا غُصَصَا
وَتَزْرَعُ حَوْلَ الرُّمُوشِ الشُّحُوبْ
فَطَوْراً يُقَاسِمُنِي الْهَمَّ وَجْدٌ
وَطَوْراً مَعَ الشَّمْعِ يُصْهَرُ
أَوْ فِي الْجَلِيدِ يَذُوبْ
فَتَنْبُتُ فِي لِثَّةِ الْمِلْحِ مِنْهُ نُدُوبْ
تَسُدُّ الثُّغُورَ
وَتَمْحُو الصَّدَى
بِوَحْشَةِ مَقْبَرَةٍ
أَشْرَبَتْ رُوحَهَا لِلرَّدَى
وَيَبْقَى مَعَ الْمِلْحِ دَمْعُ الْعُيُونْ
يُذِيبُ الْجُفُونْ
حَمَامٌ يَحُومُ جِوَارَ الْحِمَى
قَوَادِمُهُ انْثَالَ مِنْهَا النَّدَى
فَهَلْ أَسْلَمَ الْخُلْدُ سِفْرَ الْيَقِينْ
لِيَرْسُوَ فِي شَاطِئِ الْمَجْدِ
حَبْلُ السَّفِينْ؟
.........
لَقَدْ حَانَ وَقْتُ الْجُمُوعْ
وَسُلَّتْ سُيُوفٌ بَرَاهَا
بِأَغْمَادِهَا الْحُمْرِ جُوعْ
وَقَدْ أَقْسَمَتْ أَنْ تُبَارِي الْغُيُومْ
فَيَا لَيْتَ نَشْوَتَهَا!
.........
كَيْ تَدُومْ
.........
هَبَطْتِ بِطِيبٍ مِنَ الْأُقْحُوَانْ
فَهَلْ تَذْكُرُ الذِّكْرَيَاتْ
حِوَاراً جَرَى بَيْنَ مَقْبَرَةٍ
قَدْ جَثَتْ خَلْفَ سُورِ الزَّمَانْ
وَمَرْكَبَةٍ زَارَتِ الشَّمْسَ يَوْماً
لِتَصْحَبَنَا فِي رِحَابِ الْوَدَاعَةِ
حَيْثُ الْأَمَانْ
يَرِفُّ عَلَيْنَا بِأَجْنِحَةٍ
مِنْ شُفُوفِ السَّكِينَةْ
يَنُثُّ النَّدَى حَوْلَ قَرْيَتِنَا
فَتَرِقُّ الْمَدِينَةْ؟
أَيَا مُهْجَتِي هَلْ رَحَلْتِ كَحُلْمٍ
نَأَى دُونَ أَنْ يَتَنَاسَى جُفُونَهْ؟
وَفِي مَاءِ عَيْنِي يُفَجِّرُ يَنْبُوعَهُ
ثُمَّ يُجْرِي عُيُونَهْ؟
فَأَجْمَعْتُ جَأْشِي
وَرَابَطْتُ أَعْلَنْتُ
أَنِّي اسْتَعَدْتُ لِعَرْشِي
صُرُوحَ غَدِي الْمُشْرِقِ
فَكَيْفَ إِذاً لَمْ أَذُبْ
بِسَنَا الْمَشْرِقِ؟
.........
وَبَوْحِي اعْتِرَافٌ
بِسِرِّ الْقَوَافِي
وَإِنْ سَالَ دَمْعِي
لِيَسْقِي الْفَيَافِي
فَإِنَّ بِقَلْبِي فَضَاءً
يُرَدِّدُ أُنْشُودَةَ الْعَائِدِينْ
يَسُوقُ قَطِيعَ الثَّعَالِبِ إِذْ تَمْكُرُ
وَيَمْحَقُ سُلْطَانَهَا
شَهْوَةً ثُمَّ لاَ تَأْمُرُ
.........
أُقَاسِمُهَا مُهْجَةَ الْعُمْرِ
أَبْنِي الْجُسُورْ
وَ أُتْقِنُ فَنَّ الْعُبُورْ