وَِصية الشاعِر المُتمرد

د. مصطفى المسعودي

[email protected]

سأغني ..سأغني..

سأغني فِي حَضرتكمْ

كالمجنونْ

سأغني هَذي الأشعَارَا

سَأغنيهَا ..وسَألقِيهَا..وسَألقِيهَا

حَتى  يَخبوَ شِعْري

بخيَالي ..

وتصِيرُ التفعِيلاتُ بحَلقي أحْجارَا..

سَأغني.. هَذا قدَري

هَلْ نمْلِكُ نحْنُ الشعَراءْ

أنْ نعْترض الأقدَارَا...؟

سَأغني..وسَأرقصُ ِفي ساحَتكمْ

مَذبوحاً مِن ألمٍ كالدّيكْ..*

وسَأرقصُ ..أرْقصُ ..أرْقصُ

حَتى الدّوخةِ حَتى الدّورَانْ..

حَتى أرَى ذاكَ الدّيكَ حِمَارَا*...

سَأغني وأنا أعْلمُ أني

بغِنائِي أصْنعُ حَتفِي مَوْتاً ودَمَارَا

أعْلمُ أنّ السّلطانَ العَربيّ

المُتألهَ يَكرَهُنِي

أعْلمُ أنهُ قدْ يُرسِلُ مَنْ يَقتلنِي

لكِنْ لاضيْر ..

مَا عُدْتُ أخافُ الأخطارَا

هَذا قدَري

هَذا قدَرُ الشاعِر لمّا اختارَا ..

اختارَ المَوْتَ دَليلا

لِيَرى الناسَ حَوَاليْهِ

قدْ صَارُوا أحْرَارَا ..

سَأمُوتْ ..لاضيْرْ..

لكِنْ أرْجُوكمْ ..بَعْدَ مَمَاتِي..

مُدّوا أيْدِيكمْ ..

رُشوا مَاءَ الوَرْدِ عَلى قبْر رُفاتِي ..

رُشوا مِنْ دِيوانِي الغائِب أشعَارَا

فعَسَى أنْ تكبُرَ هَاتِيكَ الأشعَارُ سَنابلَ نُور

أوْأزهَارَا..

أوْ رُمّاناً ..أوْ زيْتوناً..

أوْ غضَباً شعْبيّاً ..أوْنارَا ..

وَعَسَى مِنْ قلب العَاصِفةِ الهَوْجَاءِ

سَيُولدُ أبْناءُ بلادِي

وَكمَا كانوا دَوْماً أحْرَارَا

 

سَأغني.. فلتشتعِل الآنَ شمُوعُ الدّارْ

فلتشتعِلْ...

فأنا لاأدْري أيْنَ سَيَأخذنِي عُنفُ الإعْصَارْ

لاأدْري حِينَ يَعُودُ جَوادِي كالظلّ وَحِيداً

يَمْشِي مِنْ سَاريَةٍ

وَإلى سَاريَةٍ

وَإلى دَالِيَةٍ ..

مَاذا سَيَقولُ الناسْ..

سَيَقولونَ: لقدْ غابَ وَرَاءَ سُدُوفِ مَدَى ..

ضَاعَ كصَوْتِ صَدَى ..

سَيقولونَ: كوَتهُ النارْ..

سَيقولونَ :فلوْ أنهُ مَا طاوَلَ قامَتهُ

مَا طالتهُ النارْ ..

سَيقولونَ ..يَقولونْ ...

لكِنْ يَامَن ظلمُونِي ..لمّا ترَكونِي

وَحْدِي فِي الكهْفِ

أقاتِلُ وَحْش التنينْ ..

وَحْدِي فِي قلب النارْ ..

كفوا عَني أحْكامَكمُ الجَاهِزةَ الجَوْفاءْ ..

فأنا المَوْتُ بسَاحَتِكمْ

حَاصَرنِي بيْن خِيَار وخِيارْ؛

أنْ أحْيَى كالكلب ذلِِيلا

فِي أوْطان يَحْكمُهَا الفجّارْ

أوْألقِي بجمِيع كِيانِي نحْو لهيب النارْ

وأنا بيْن خِيَار وخِيارْ

والدّمعُ غزيرٌفي قلبي المَكسُورْ

قلبي المُحْتارْ

اخترتُ  لهيبَ النارْ

النارَ ..النارَ..النارْ..

اخترتُ وقلتُ:

عَسَى مِن قلب لظاهَا

أولدُ ثانِيَة ً..

أولدُ دَالِيَة.. ًتمْتدُّ رُبَاهَا

لِتعُمّ زوَايَا الدّارْ

فأيَا مَنْ ظلمُونِي .. أرْجُوكمْ..

لاتفشوا بَيْنَ الناس هَلاكِي

لكِنْ قولوا:ذاكَ الشاعِرُ قدْ غَابْ..

لكِنْ سَوْف يَعُودْ..

حَتماً سَيَعودُ قريباً

مِثلَ لقاحِ الأشجَارْ

سَيعُودُ قريباً

إمّا فِي كفّ البُركانْ ..

إمّا فِي دَمْع الإنسَانْ..

إمّا فِي  حُزن الأشعَارْ.

*تناص مع المتنبي

*تناص مع أبي نواس