المرآى المصفّى للأنوثة
طالب هماش
لابدّ من زيت ٍ
تضيء ُبهِ الأنوثةُ ذاتها
ليصيرَ ضوء ُجمالها
مسرى العيونِ إلى جمالِ النورِ
في رؤياهُ
والمرآى المصفى للأنوثةِ
في تفتّحها على الرمانِ
مثل ( زنابقٍ ) سكرى ..
يفوحُ عبيرها
فوحانَ زهرِ الكستناءْ !
* * *
لتصيرَ كالأطياف عذراءٌ
يطرّزُ صدرها الملسوعَ بالأزهارِ
عصفورٌ غزيرُ الدمعِ
أو تعزيمةَ العشاقِ للذوبانِ في ماءِ العذوبةِ
يسكرُ النعناعُ في أقداحِ عينيها الصبوحةِ
وارتعاشُ أناملِ الرمانِ
يشربُ رعشةَ النهدينِ عند الانتشاءْ
* * *
لا بدّ من قزح
يعلمنا الرحيلَ الغيهبيّ
إلى خيالٍ هادىءِ الرؤيا
كظلِّ سحابةٍ في عينِ ماءْ !
* * *
لنصيرَ ماءً في أغاني الحبّ
تشربنا شفاهُ حمائمِ الإنشادِ
وهي تطيرُ من معنى إلى معنى ..
لنبصرَ في صفاءِ النبع صورتنا
كموجةِ نرجسٍ زرقاءَ
تلعبُ كالسنونو في مخيّلةِ السماءْ .
* * *
لا بد من نهرٍ صغيرٍ
لاغتسالِ صبيّة ٍ بلغتْ تمامَ جمالها
في عامها العشرين ..
والأمواجُ تكرجُ مثل أقواسِ النبيذِ إلى
العنبْ .
* * *
لتفوحَ كالتفّاحِ في المجرى الرضيع
روائح ُالأزهارِ..
والمطرُ المصفّى من حليب ِالغيمِ
يهطلُ فوقَ أجراس ِالذهب ْ .
* * *
لا بدّ للناياتِ من شفقٍ حليبيّ
لترضعَ من مدامعهِ الأغاني
و هْيَ ترفعُ صوتها
مثل البلابلِ فوق أسلاكِ الغناءْ .
* * *
لا بدّ للفتياتِ من ليلٍ حجازيّ
ليشهدنَ ازهرارَ شقائقِ النعمانِ
فوق ربى الجرودِ ..
ويقطتفنَ البرتقالةَ من ضياءِ البدرِ
أو ليصرنَ أكثرَ شهوة
من مشتهى الريحانِ
قبل القطفِ
أعذبَ من قراحِ الخمرِ في قدح المساءْ
* * *
لا بدَّ للأيامِ من صوتٍ حدائيٍّ
لتدركَ أحرفُ المدّ الطويلةُ حزنها
لضياعِ مدّ الصوتِ في الصحراءِ ..
والألف الذي يترعرعُ الفقراءُ
تحت نحيبهِ البدويّ
حصّةُ صوتها من هذه الدنيا ،
وصومعةُ النداء ْ .
* * *
لا بدّ من إيماءةٍ
لنرى ظلاماً زاهراً في الليل
أو قديسةً بثيابها البيضاءِ
ماسكةً إناءَ النورِ
في ضوءِ الهلالْ .
* * *
ونرى ازهرارَ الشمسِ
في الفجر الحليبيّ الطلوعِ
كأنها امرأة
تشقُّ قميصها عن صدرها المبيضِّ
مرضعةً بماءِ الشهوة المذروفِ
مولودَ الخيالْ .
* * *
لا بدّ من شجرٍ عجوزٍ في حواكير الرياحِ
يعيدنا لتذكّرِ الموتى
لنجلسَ ساكنينَ ، محدّقينَ
بآخرِ الغيّابْ !
* * *
لا بدَّ من شجرٍ ..
لنسمعَ خاشعينَ (جدودنا الرهبان (
في تنويحةِ الزيتونِ تحت الريحِ ،
والصمتَ الجريح َلحزنِ جدّتنا
التي لبست قميصَ الحورِ
خلف نوافذِ الأحبابْ .
* * *
لنميلَ نحو ظلالِ ماضينا على الجدران
كي نتفقد الماضي المخبّأَ في جرارِ العمرِ
قبل رحيلنا عن هذه الأبوابْ .
لا بدّ من طلليّةٍ
تتمايلُ الناياتُ في شطآنها الظمآى
لنعتنقَ التماثيل التي آلت إلينا في كهولتنا
وندركَ أننا غرباء ..
نبحثُ في المغاربِ عن مطارحَ لم نساكنها
وعن ناس أحبُّونا
وصاروا فوق دمعِ العينِ كالأهداب ْ .
* * *
لا بد من ليلٍ
ليبصرنا ضياءُ الحزنِ في قنديل راهبةٍ
تقدّسُ في الظلامٍ سكينةَ الغيَّابْ.