الصبح القريب

من أين أبدؤها؟.. حكاية صبحنا الحلو الحبيب

من أين؟.. ودَّ القلب لو غمست بأشذاء الطيوب

من أين؟.. ودَّ القلب لو غرست بأعماق القلوب

من أين أبدؤها؟.. وطيف الليل مسعور النيوب

متلصص..  يجتاحه الإشفاق من زحف الغيوب

متوجس حيران .. يسترق الخطا عبر الدروب

ماذا وراء الوهج والإشعاع من سرٍّ غريب

هل يجرؤ النور الصريع على الدجى العاتي الرهيب؟

هيهات .. لن يقوى الرماد على عطاءٍ من لهيب!

هيهات .. وانحطم العتاة بوطأة القدر العجيب

فتزلزل الليل الطويل بحرقة الجرح الخضيب

وتألق الفجر الوضيء وشعلة الصبح القريب

وتمزق الديجور .. محترقاً بإيمان الشعوب

من أين أبدؤها؟.. وتنساب الرؤى في القلب بوحا

مخضوضل التسكاب ثراً فائض التسنيم سمحا

من أين أبدؤها؟.. ويعبق في دمي الإلهام فوحا

من تربة الشهداء تياهأ ويذكو الوحي قدحا

متغلغلاً عبر الضلوع يهز في الأعماق جرحا

فإذا الطلائع والزحوف بطولة تبدو وتضحى

والعاديات على الطريق .. تخوضه بذلاً وضبحا

والمؤمنون مضوا بدرب الحق .. إيماناً وفتحا

فتهاوت الظلمات والعقبات .. إيواناً وصرحا

وأطل فجر الوحدة الشماء في التاريخ .. صبحا

***

لله ركب الفتح .. منطلقاً بدعوته .. مضيا

يلوي الصعاب مجاهداً في الحق .. يتبع النبيا

وحلاوة الإيمان .. ما الخمر العتيق؟ وما الحميا؟

مست شغاف المؤمنين .. هدى وإسلاماً رضيا

فتألق التوحيد في الأعماق .. وقاداً سنيا

وتصاغر الطاغوت في الآفاق .. منحسراً شقيا

وتدفق السيل العتي .. على الورى غمراً سخيا

بالحق.. بالخير العميم .. يروده نهجاً سويا

بعقيدة .. زحفت جيوش الموقنين بهديها نحو الثريا

وشريعة .. العدل كان بظلها .. ثمراً جنيا

***

لله ركب الفتح .. منطلقاً بدعوته.. ولله المعسكر

يطوي الطغاة من الوجود .. بقوة الحق المظفر

ويزلزل الظلمات .. والأصنام.. بالنصر المؤزر

ويحرر المستضعفين .. بعزة .. ويزيل منكر

بيمينه "كسرى" انطوى .. وتطيح يسراه "بقيصر"

والكون .. يا لسؤاله اللهفان .. مشبوباً .. تسعر؟

ما باله العربي ابن البيد .. في الدنيا تغير؟..

عهدي به .. صنو الشقاق المر .. والشمل المبعثر

ما باله؟.. حطم التخوم بقوة .. تعتو وتزخر

ما باله؟ ... زحم النجوم برفعة .. أسنى وأطهر

ما باله؟.. وطوى السؤال .. جواب ركب الحق يزأر

بالوحدة الكبرى .. وصوت "بلاله" .. الله أكبر

"الله أكبر" .. هزت العربي .. فانطلقت زحوفه

عبر الزمان .. تشق وجهتها .. تظللها سيوفه

تقفو هدى الفرقان .. تهديها إلى الحسنى حروفه

تطوي الدجى المسدول .. بالتقوى .. فتستخزي سجوفه

والطين ينبض بالسنا .. ويموج متقداً رفيفه

والفكر يسطع بالعقيدة .. والهدى تزهو قطوفه

فالله جل جلاله .. رحمانه الهادي .. رؤوفه

وبفضله زال الضلال عن الدنى .. ولت طيوفه

واليوم يشتعل الهدى .. والكفر تخنقه كهوفه

ما زال يشغل "شرقه" عن به الباقي "رغيفه"

"والغرب"!. ويل الغرب .. يلهيه عن المولى تريفه

مجنون .. قد فقد "التوازن" يعبد الدنيا حصيفه

والمسلم العربي – يا لليث ما زالت تكبله صوفه –

متوثب .. بيقينه .. للجولة الأخرى .. وللطاغي حتوفه

فغداً سيسمو غرس وحدتنا .. يظللنا وريفه

تلك الصروف على ضراوة فتكها تغدو رمادا

يوم انطلاق الزحف يطوي الدرب سعياً وارتيادا

يوم انبثاق الفجر يطوي الليل هدياً واتقادا

يطوي السجائف والحدود بشعلة تذكو جهادا

يطوي العوائق والسدود غداً ويطوي الإنقيادا

لا الشرق يخدعه ولا الغربي مذ عرف "الحيادا"

هيهات يلقي المسلم العربي للنير القيادا

ما دام هدي الدعوة الغراء في القلب اعتقادا

يطوي الدخيل بوحدة تحمي العقيدة والعبادا

وتطل راية مجدها الشماخ تحتض البلادا

***

الله أكبر شعشع الإشراق فليمت الشقاق

وليندثر كيد العدى وليرتحل هذا النفاق

وليخسأ الأقزام أعداء العقيدة "والرفاق"

بئس "الرفاق" أللدخيل يكون صوتك يا عراق؟

ضجت من الكفار هذي الأرض والسبع الطباق!..

ما بالهم؟ يحلو لجمعهم بغير سبيلنا أبدأ سباق

يحلو لقافلة العبيد النير ليس الانعتاق

والحر لا يهوى سوى العلياء من دمه الصداق

فاسمع نداء الوحدة الكبرى يؤججه انبثاق

بالحق يهدر: في سبيل الله طاب الانطلاق

دمشق – شباط 1959

*  *  *

وسوم: العدد 831