أبو الحسن الندْوي
20تشرين12007
أ.د/ جابر قميحة
الشيخ علي أبو الحسن الندوي |
أ.د/ جابر قميحة |
توفي عن عمر يناهز 87 عامًا في رمضان 1417ه، وله عشرات من الكتب. وقد أسس رابطة الأدب الإسلامي بالهند، ثم انتقل إلى الرياض 1986م، وألقيتُ هذه القصيدة في حفل التأبين الذي أقامته رابطة الأدب الإسلامي العالمية بجمعية الشبان المسلمين، بالقاهرة مساء الإثنين 17 من شوال 1420ه، يناير 2000م.
أبـا الـحَـسَـنِ الندْويََ، والروحُ وقـد فـاضَ دمـعي من تواصُلِ محنتي فـصـرْتُ كـيـانًـا ضـائعًا في متاهةٍ أأرثـيـكَ؟ لـكـنْ مَـنْ أعزِّي، وإنني فـفـي الأرض مـن هولِ الفجيعة، مأتمٌ مـشـارقُ تـبـكـي يُتْمها، ومغاربُ.. وإنـك يـا نـدْويُّ بـالـحـق أمَّـةٌ.. أتـتـركـنـا والـقدسُ في أسر عُصْبَةٍ * * * وهـذي شـعـوبُ الـمسلمين وأرضها تـجـبَّـرَ فـيـهـا قـادةٌ مـن صَنيعِه وإمـا اشـرأبّـتْ لـلـخـلاصِ رقابُها وأهـلُ الـنـفـاقِ النذلِ سادُوا وعربدوا سـلاحُـهُـمـو الإفـكُ الكذوبُ، وإنهم فـقـالوا لأضْرى القوم في البخل "حاتمٌ" وقـالـوا لـرأسِ الـجـبن إنك "عنتر" وأنَّ الـذي خـانَ الـقـضـية "مخلِصٌ" ضـمـائـرُ مِـنْ عِـهْنٍ تُباع وتشتَري * * * سِـجُـلـكَ يـا نـدْويُّ بـالنورِ ناطقٌ.. ضـربـتَ كـما ضْربِ الكليم، ففُجِّرتْ ومـشـربـهـا عـلْـم غـنيٌّ يرومهُ.. فـعـيـنٌ تُـروِّى الـروح َبـالكلمِ الذي وعـيـنٌ لـفـقـهٍ صـادق .. متسامح فـمـا كـان ديـنُ الـحـقِّ إلا توسُّطًا وعـيـنٌ لـدسـتـور الدُّعاة إلى الهدَى يـردُّ سـهـامَ الـكـائـديـنَ لنحرهمْ.. وعـيـنٌ لآدابِ يِـعِـزُّ نـظـيـرُها.. وعـلّـمْـتَـنـا أن الـفـنونَ رسالةٌ.. تَـشـيـدُ وتُـعـلـي في بيانٍ مؤثرٍ.. تـنـزَّه عـن طَـمْـثٍ يـسمى "حَداثةً" وأهْـدَيْـت أبـنـاءَ الـعـروبةِ صادقًا. وعـيـبـك يـا إقـبـالُ إنـك مسلمٌ.. * * * قـرأتُـك يـا نـدْويُّ بـالأمِـس يـافِعًا وعـشـتُـكَ فـي سُؤْلٍ عن العالم الذي حـضـارتُـنـا بـالأمـس قادتْ مسارَهُ فـقـامـتْ ثـقـافـاتٌ، وعمَّتْ عدالةٌ فـلـمـا جـفـونْا شرْعنا هانَ أمْرُنا.. وفـي أدبِ الـرحْـلاتِ قـدَّمْتَ رائعًا: سـيـاحـاتِ حـقٍّ قد طويْت بها المدى إلـى الله تـدْعـو، والـظـلامُ مـعربدٌ وضَـمَّـرهـا الـحـزنُ الأليمُ .. لأمَّةٍ وعـشْـتَ بـقـلب ساعرِ النبضِ مؤمنٍ يـفـيـضُ بـه الإصرارُ والحقُّ والسَّنا فـكـنـتَ رفـيع الرأسِ كالطودِ شامخًا وآثـرت عـن دنـيـاك أخـرى زهادةً كـمـثـل أبـي حـفـص بعام "رمادة" فـمـا كـنـت "يـا نـدْويّ" إلا بـقيَّة * * * "أبـا الـحـسـن الـندْويَّ" يلقاكَ سيدي فـبـلِّـغْـه عـنـا فـي الجنان رسالةً وأنــا رصْـدنـا لـلإلـه جـهـادَنـا ونـنـصـرَ ديـنَ الله أنّـي تـوجهت وكـيـف نـهـابُ الـموتَ، وهْو شهادةٌ وكـل شـهـيـدٍ فـي الـجـنانِ مخلَّد | مثقلٌبـكـلِّ عـوادِي الـحزنِ والقلبُ فـمـا أوقـفَـتْ هـمِّـي مدامعُ تذرفُ تَـهُـبُّ عـلـيـهـا الناكباتُ، وتعْنُفُ قصيرُ مدَى الأشعارِ، والكونُ يَرْجفُ؟(1). تُـقـيـمُ بـه الأحـزانُ حَرَّى.. وتعكفُ وقـد غِـبْـتَ عـنْها، والنوازلُ تقصف إمـامٌ جـلـيـلٌ، زاهـدٌ، مـتـعفِّفُ.. تـزعَّـمَـهـا لـصٌّ .. بغىٌّ .. مزيفُ * * * أبـاحَ حـمـاهـا غـادرٌ.. مُـتـصلِّف إذا وعـدُوا خـانـوا، وخـابوا، وأخلفَوُا فـلـيـسَ لـهـا إلا حبالٌ وأسْيُفُ(2). وهـمُّـهـمُـو مـالٌ، وجنسٌ، وزخُرف بـكـل سَـلـولىِّ المناهج.. أعرفُ(3). ومَـنْ فـاقَ فـي قـبح الملامح "يوسُف" وَمَـنْ قـد عَداه الحلمُ والعفوُ "أحنفُ"(4). وكـلَّ ظـلـومٍ فـاسدِ الحُكْمِ "مُنصِفٌ". نـمـتـهـا قـلـوبٌ بـالرذائِل غُلَّف.. * * * وإن سـجـلَّ الآخـريـن .. تـكَـلُّف عـيـونٌ عن السحر الحلال تكَشَّفُ(5). ويـنـهـلُ مـنـهُ الـظـامئ المتلهِّف يُـنـقِّـي مـداهـا بـاليقين.. ويُسْعِف جـلـيـل الـعـطـايا لم يكنْ يتعسَّفْ وقـصـدًا، وعـدلاً لـم يَـشُبْهُ تَطرُّف يَـخـطَ إلـى الـحقِّ الدروبَ.. ويَزْلفُ وفـيـهـم دَعـيُّ الـعـلْـمِ والمتفلسفُ كـمـثـل نَدىَ الأسحارِ، بل هي ألْطفُ مـن الأفـق الأعـلـى تـعُبّ وترشِفُ سَـمَـا مـنْـهُ تـصويرٌ وفكرٌ وأحْرفُ ومـا هـي إلا فـتـنـةٌ.. وتـخـلـفُ "روائـعَ إقـبـالٍ" كـمـا اللحن يُعْزَفْ. ولـو كـنـت بـوذيًّـا.. لهامُوا وأزلفُوا * * * وكـهـلاً وشـيـخًا .. بالمعارفِ يُشْغَفُ هـوىَ "بـانـحـطاط المسلمين" يُخرِّفُ ومـن نـورِها تَخْزَى الشموسُ وتكْسَف ومـنـبـعُـهـا القدسيُّ عزمٌ ومصحفُ كـأنـا غـثـاءُ السيل، بل نحنُ أضعف رُؤى ودروسًـا بـالـيـقـين .. تّعرِّف مـن الـشـرق والـغربِ البعيد تُطوِّفْ وكـلُّ غـوِيٍّ بـالـمـفـاسـدِ يـهتفُ غـدت فـي قـيود الجهلِ والذل ترسفُ يُـخـيـفُ الأعـادِي، وهـو لا يَتَخوَّفُ مَـضَـى فـي سـبـيـل الله لا يَتوقّف وفـي كـلِّ جُـلَّى لم يَهُنْ لك موْقف(6) وعـشـتَ كَـفـافًـا، لم يشدّك زخرفُ يـجـوعُ ويـمـضي للجياع ويَغْرِفُ(7) مـن الـسـلـفِ الـميمونِ للحقِّ تهدِف * * * "مـحـمـدُ" خـيرُ المرسلين .. وأشرفُ بـأنـا دعـاةَ الـحـقِّ لا نـتـوقـف لـيُـقْـهَـرَ عـادٍ، كـافـرٌ، متغطرِف كـتـائـبُـنـا، لا يـعـتـرينا تخوّف وفـيـنـا اشـتـيـاقٌ نـحوها وتلهفُ يـعـيـش نـعـيمًا غامرًا ليس يُوصف | ينْزِفُ
(1) يرجف، يهتز ويتزلزل.
(2) اشرأبت: امتدت وتطلعت.
(3) سلولي: نسبة إلى عبد الله بن أبي بن سلول راس النفاق.
(4) الأحنف: بن قيس: أشهر العرب في الحلم.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا قد علم كل أناس مشربهم ...) (البقرة: 60).
(6) الجلي:الأمر الخطير العظيم.
(7) عام الرمادة سنة 18ه. وفيه كانت أشد مجاعة عرفها المسلمون