هل هذه بغداد؟

هل هذه بغداد؟

يحيى السَّماوي

[email protected]

أغمَضتُ عن شجر ِ الهوى أحداقي

فاسكبْ طِلاكَ على الثرى يا ساقي

ورمَيْتُ عني بُرْدَة ً أبليْتها

في حَرْب ِ أشجاني على أشواقي

وبِصَخْر ِ صَبْر ٍما التحفت ُ بغيرِه ِ

وأنا أجوبُ متاهة َ الآفاق ِ

ما عُدْتُ تنورا ً لخبز ِ صبابة ٍ

سُفنُ المَسرَّة ِ آذنتْ بِفِراق ِ

جفَّ الصُّداحُ على فمي وتخثرتْ

لغتي ... وفرَّ الحرفُ من أوراقي

وتعبْتُ من صوتي أُنادي لاهِثا ً

وطني ونخلَ طفولتي ورفاقي

وأحِبَّة ً مرّتْ على بستانِهمْ

خيْلُ الغزاة ِ فأصْحَرَت ْ أعماقي

وأنينَ ناعور ٍ وضحكة َ جَدْوَل ٍ

ورذاذ َ فانوس ٍ وجَمْرَ وِجاق ِ(1)

أشفقتُ  من خوفي  عليَّ فأحْرَقتْ

نارُ الفؤاد ِ سُلافة َ الإشفاق ِ

أدْمَنتُ خسرا ً منذ فجر ِ يفاعتي

وهْمُ المُنى ضرْبٌ من الإخفاق ِ

غرَسوا الظلامَ بمُقلتي .. فتعطلتْ

شَمْسي ونافذتي عن الإشراق ِ

المُطلِقونَ حمائمي من أسرِها

شدُّوا الترابَ وماءَهُ بِوِثاق ِ

فإذا بتحريرِ العِراق ِ وليْمَة ٌ

حفلتْ بما في الأرض ِ من سُرّاق ِ

ما العُجْبُ لو خانَ الفؤادُ ضلوعَهُ ؟

إنَّ الذي خانَ العراق َ عِراقي ..!!

المُسْتغيث ُ من الظلام ِ بِظلمَة ٍ

أدْجى .. ومن مُسْتنقع ٍ بِذعاق ِ(2)

فإذا النضالُ نِخاسة ٌ مفضوحة ٌ

فاحَتْ عفونتها بسوق ِ نِفاق ِ

وإذا الطِماح ُ مناصِبٌ مأجورة ٌ

يُسْعى لها زحْفا ً على الأعناق ِ

ولقدْ رأيْتُ النخلَ يلطِمُ سعْفه ُ

خجَلا ً من الماشينَ مشيَ نِياق ِ(3)

هل هذه ِ بغدادُ ؟ كنتُ عرفتها

تأبى مُهادَنَة َ الدّخيل ِ العاق ِ

تأبى مُساوَمَة ًعلى شرفِ الثرى

وتجودُ  قبل المال ِ بالأرْماق ِ

ورثتْ عن "الحُرِّ"الحُسامَ وعزمَهُ (4)

وعن " الحسين" مكارمَ الأخلاق ِ

هل هذه بغداد ؟ تأكلُ ثدْيَها

فإذا بِها وعَدوَّها بِوِفاق ِ...؟

لو أنّ ليْ أمْرا ً على قلبي فقد

عَجَّلتُ من تِهْيامِها بِطلاق ِ

عَقدَتْ على طينِ العراق ِقِرانَها

نفسي فمَهْري  خافقي  وصِداقي

أخفقتُ في عشقي فكنتُ غريبَهُ

إنَّ التغرُّبَ مُنتهى الإخْفاق ِ

هذا دمي يا نخلُ .. مُصَّ رفيفهُ

فلقد رأيتك َ ظامئ الأعْذاق ِ

أسْعِفْ خريفي بالربيع ِ لينتشي

وردُ المُنى في روضة ِ المُشتاق ِ

واكنسْ ظلامَ الطائفيّة ِ بالسَّنا

وأعِدْ لِدِجلة َ زورقَ العشاق ِ

فعسايَ أبتدئ الحياةَ ..فلا أرى

وطني ذبيحا ً والدماءَ سواقي

 *  *  *

يا أنت يا قلبي أمثلك في الهوى

يشكو مواجعَ غرْبَة ٍ وفِراق ِ؟

أوَلسْتَ مَنْ صامَ الشبابَ مُكابرا ً

عن ماء ِ أعْناب ٍ وخبز ِ عِناق ِ ؟

والمُثمِلات ِ لذاذة ً بِمَباسم ٍ

والمُمْطِرات ِ عذوبة ً بمآقي ؟

يا مَنْ أضَعْتَ طفولة ً وفتوَّة ً

ماذا ستَخْسَرُ لو أضَعْتَ الباقي ؟

هل في جِرار ِ العُمْر ِ غيرُ حُثالة ٍ؟

أطبِقْ كتابَكَ .. لاتَ وقتَ تلاقي !

           

(1) الوجاق : موقد الحطب

(2) الذعاق : المرّ

(3) إشارة الى اشخاص بعينهم ذكرهم بول بريمر في كتاب مذكراته

 "عام في العراق "

(4) الحر : هو الحر الرياحي