قصيدة مأساة غزة العزيزة

حمّودان عبد الواحد

حمّودان عبد الواحد *

[email protected]

بمناسبة الذكرى الأولى للمجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي منذ 28 دسمبر من سنة 2008 وحتى 18 من يناير 2009 ، ظلماً وعدواناً ، وعلى مرئى ومسمع من الجميع ، في حق الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة المحاصرة إلى يومنا هذا برّاً وجوّاً وبحرًا من طرف حكام وصانعي قرارات أمريكا وإسرائيل ومصر وحكومات عربيّة أخرى تنتمي لما يسمّى بلغة سياسة الهيمنة والخداع " محور الاعتدال " ...

قابيلُ الرصاص وأمثالُه

(1)

واندلع بعد صمتٍ غريبْ

كصراخِ الأمِّ المجنونة

صوتُ ُ رهيبْ

مزّق الزرقة َوالزوارقْ

في السماءِ والبحرْ

خنَق زقزقة َالطيورْ

في حناجر الصغارْ

شنَق الابتسامة

على شفاه الحمامة

حبَس الزغاريدَ والوعودْ

صلّب الماء في الجداولْ...

في لحظة

من بعيدْ

اِنفجرَالحقدُ الدفينْ

كالبركانْ

من قلبِ الجبّارْ

شراراتِ جمارْ

كراتِ نارْ

وبردَ حديد...

 وتجبّرَ الرصاصْ

في الأرضِ والسماءْ

أمام الأطفالِ والنساءْ

والشيوخِ والضعفاءْ

وتجرّعَ الطيرُ والشجَرْ

والحيوانُ والحجرْ

وحتى الحوت في البحَرْ

سمومَ الرصاصْ...

وفاقت غزّة على صمتِ موتاها

وأنينِ الجراحْ

فبكى الشيَّبُ والشبابْ

واحمرّتْ عيونُ الدنيا

من كثرة العذابْ

وحلّ الدمارُ بالأرض والخرابْ

ووَلوَلتِ الرياحْ

في دروبِ النفسْ

وغابتِ الشمسْ

في متاهاتِ نُواحْ

شديدِ السوادْ

وسادَ الحِدادْ

الحدادُ الحدادْ...

 (2)

لكنْ وراءَ الدخانِ وبين اللهبْ

في وجهِ القناّصْ

قابيلِ الرصاصْ

شوهِدتْ في الحقولِ والتلالْ

وفِجاجِ الجبالْ

جماعاتُُ ُوجماعاتْ

من الأبرياءِ الشهداءِ الأحياءْ

الفسفورَ التنّينْ

يَتَحَدّونْ

يَسْقونْ

بغزّة َالفداءْ

أمَّهمْ فلسطينْ

يَروُونْ

بغزّة َالدماءْ

عروقَ التينْ

جذورَ الزيتونْ

لِتحلّ في أغصانِ الأشجارْ

وتدخلَ جحورَ النملْ

وتسكنَ جباحَ النحلْ

فتطير أجنحة َعسلْ

ناشرة ًفي الهواءْ

رائحة ًورديّة

حرّيّة ًبنفسجيّة

ريحانة ًمرْضيّة

نسمة ًزكيّة ًطريّة ً فتيّة

تتنشّقها الفراشاتُ والأزهارْ

تلاعبُ الشحرورَ في حلزونيّة

تداعبُ العصفورَ  في دَعْسوقيّة

تحملها الريحْ

إلى عالمِ الروحِ واللوحْ

فينطقُ القولُ الحقّ

وتكونُ هي الرعدُ والبرقْ

ويعتنقها الفجرْ

إنّهُ يتنفّسْ

(3)

ويقف الغربُ والشرقْ

أمام العارْ

على حافةٍ هاويّة

يتفرّجْ

والأرضُ عاريّة

حائرة

تنتظرْ

وقواها خائرة

هل من جديدْ ؟

ونظلّ ننتظرْ

وكلّ صغيرٍ وكبيرٍ فينا يحتضرْ

وكلّ إنسان فينا قُتِّلَ وأُقْبِرْ

كانتِ الحربْ

وما زالتْ والحصارْ

الجوعَ والمرضَ والموتْ

يزرعانْ

والحقدَ والغضبْ

يحصدانْ

كانت الجريمة وما زال الدمارْ

وها هو بعد عامٍ من الفرارْ

يُعلِنُ حلفُ " المبارَكين " الغدّارْ

نادي الساسةِ الحكماءِ الأقوياءْ

إلى غزّة َالمظلومينَ الضعفاءْ

إلى فلسطينَ التوّاقةِ إلى الحقّ

إلى العالمِ الحالمِ

بالعدلِ والظلِّ

والحبِّ والسلامْ

عن تضامنِ الفولاذِ مع الرصاصْ

عن مولودٍ غريبٍ سمّوهُ الجدارْ

يالَلْعارُ ياللعارْ !

(4)

غزّة ! خطيئتكِ أنّكِ فلسطينيّة

وفلسطينْ عربيّة

والعربُ استبدادْ

عصبيّةٍ قبليّة

قفصٌ ضيّقٌ تختنقُ فيهِ الحريّة

والشعوب في انقراضْ

غزّة ! يكفيكِ أنتِ أنّ شعبكِ هو القضيّة

هوَ الحقُ

هوَ العدلُ

هوَ الأفقُ هوَ الكونيّة

وأنتِ إذ تُسجَنينَ وتُحاصرينْ

وإذ تظمئينَ وتجوعينْ

وإذ تمرضينَ وتتضرّعينْ

وإذ أرادَ العالمُ الحرّ ُ" المسكينْ "

أن تكوني أسيرة

وتظلّي على مَرّ الأيامِ والسنينْ

أسيرةً ودَوْماً أسيرة

تُهانُ كرامة ُالإنسانيّة

ويَتلفّظ الكونُ أنفاسَهُ الأخيرة  

(5)

قابيلْ !؟

أين أخوكْ ؟

ماذا فعلتْ ذئابُكَ الجياعْ

بأخيك ؟

قابيل !؟

لِمَ تركتَ جثة َأخيكَ للضبّاعْ ؟

أنظر إلى أخيك !

لِمَ تقتلُ نفسَكْ ؟

أنت كل يومٍ في ضياعْ !  

ضياعْ...

ضياعْ...

ضياعْ...

              

* دكتور في اللسانيات العامة، حاصل على شهادة تأهيل للتدريس في التعليم الثانوي ، عضو في هيئة تحرير مجلة " سيميائيات " المغربية ، أستاذ وباحث ، أقطن بفرنسا.