شظايا دم
شظايا دم
ابن الفرات العراقي
[email protected]كـأسـي مـحـطّمةٌ ثكلى شراييني
أسـعـى نـهـار ُدمي المنثور ساقيةٌ
ودربُ عـمـري شَـوْكٌ في مفازتِهِ
وَردي حطامُ غدي المزروعُ في طرقي
مُُـخـبَّـأٌ عطشي في رعْشِ أنسجتي
ظـمـآنُ مـلءُ فمي أمواجُ شاطئِه
أجـيءُ نحوي جراحاتي كَسَتْ جسدي
آتٍ وبـي عـطشُ الصحراءِ يلْسَعُني
مـسـافـةُ الـحُلُمِ الموعودِ غادرني
فـيا دمشقُ اهطلي في ساحتي مطراً
أضـعْتُ عنّي ضفافَ الحُبِّ مُذْ قَلَعَتْ
كـيـف السبيلُ ووجهي لستُ أعرفُهُ
بـيـنـي وبين يدي ينمو الجفافُ دماً
آتٍ وقـد فـتـقتْ للثوبِ خاصرتي
خـرجْـتُ وحدي أشيلُ الجرحَ متّكِئاً
قـفـري فـلاةٌ وإظـلامٌ أبـاطِـحُها
أتـيـتُ كـلـي إلـيـك اليوم لائذةٌ
ولـونُ وجـهـي غـبار ُاليتمِ يلبسُه
وزورقُ الـوهمِ في (حاميم) أنسجتي
ومـن جـفافِ سرابِ الأفق في مُدُني
وفـي ضفافِ حروفِ الوجدِ يوجدُني
أفـرُّ مـنّي لنفسي وأهوالٌ تطاردني
مـوزّعٌ نُـتَـفـاً فـي طيفِ طائفها
تـبـدَّدَ الـوجـع الممهور في رئتي
أنـا الـحـنـيـنُ لوعدٍ كنت أعشقُه
فـأنـت وحـدك قـداسـي أقـيمُ له
أنـا تـرابُ الأسـى لم يُروني مطرٌ
آتٍ مـرارةُ قـحطِ الأرضِ في شفتي
تـمـزّقَ الوطنُ الزهيانُ فانصهرت
أنـا الـولادةُ جـذري كان في بردى
وفـي جـذوري نَمتْ أوراسُ سلسلةً
أنـا بـلادي بـلادُ الـعربِ أجمعها
دمٌ وأرضٌ وتــاريـخٌ يـوحِّـدنـا
آتـيـكِ سـنـبلةً يا شام بى عطشٌ
وأنَّ مـابـيَ مـن هـمّ ٍ أضـيقُ به
وجـئـت نـبـعًك ظمآناً أرومُ بهِ
وتـضـمـنـين مقيلي غيرَ مكرهةٍ
* * *
يـا أخـتَ بغدادَ يا شام الهوى دمُنا
يـا رهـبةَ المجد مُذْ هانت مطامِحُنا
وصرخةُ الموتِ في بغداد ما احتَجَبتْ
ومـا تـزال على الطرقاتِ مُصبحةً
يـا شـامُ أدري وضـاقت فيّ شاردة
سـودُ الـرزايـا تـلوكُ اليوم واقعَنا
أتـيـتُ فـيَّ نـزيـفَ الشعر منفلتاً
وتـسـتـبـيـنـى له أحلامُ هدهدةٍ
فـلـملمي الصمتَ وأصغي أِنني عِلَلٌ
فـقـد دجى الخطبُ واربدّت جوانبُه
آتٍ عـلـى غـرقـي أحتاجُ مرتَفقاً
فـألـهـمـيـني نشيداً شبَّ عاطفةً
مـنّـي تـبدّى .وَجُودي في مشاركةٍ
سِـفـري مـفـازتُـه أوجـاعُ أمّتنا
فـأنَّ جـرحـيَ إلـهـامي أبوحُ به
مـن الـدمارِ بضلعي يصطلي وجعاَ
آتٍ عـلـى شـفـتي أبياتُ مجزرةٍ
آتـيـكِ يـا شام .يأساً ضقتُ أحملُه
حـمـلـتُ ناري وتابوتي على كتفي
أمـشـي وإسـفـلـتُ الـدروبِ دمٌ
آتـيـكِـ نهرَ حنينٍ ضاعَ ملتمساً
آويـ إلـيـك ديـاري كم تطاردني
روحـي مـغـرّبةٌ لا شيء يعصمني
جـفَّـتْ بـروحي شراييني وغادرَها
قـطّـعـتُ أوردتي أطفي بها ظمأي
حـتـى غـدوتُ أنـا مرمى نبالِهُم
قـدّوا قميصي وشالوا الثوبَ من دُبُرٍ
أسـعـى ووجهي ارتمى أكفانَ مقبرةٍ
أرضـي يبابٌ وعنها سافرتْ سُحُبي
وضـاجـعتْ غابةُ الأمواتِ أرصفتي
بـانتْ خطوطُ دمي في وجهِ أزمنتي
أنـا جـريـحٌ ومـيـنائي يغادرني
نـفـسي عدوّي وأضلاعي تخاصمني
وبـيـن كـفي وكفي عصفُ معركةٍ
قـتـلـتُ روحي وعمري شالَ جثّته
مـذ كـنتُ وحدي خلايا عبرَ أنسجةٍ
لم يبقَ للأمس أو من أمس غيرُ شجىً
* * *
يـا شـام ضـلـعي أنا سيف توسَّدَه
لـنـا أعـيـدي طريقاً كنتِ قصتَه
وحـدي ونفحُ الأذى في الوهمِ يوقدني
قـد جئتُ من وطنٍ أودى الجنونُ به
ولـلـعـمـائـمِ خـيلُ الشرِّ عاديةٌ
والـمـوتُ أرصـفةٌ للمستجيرِ لظى
ومـن نـزيـفٍ مـلا بطحاءَ باديتي
شعري ارتجاج هديرِ الرعدِ في بلدي
حـتـى السماواتُ غنّتْ رعْشَ بحّتِه
إنـي أودّعُ دهـرا لـفّّـنـي حـنقاً
وفـي الـروابي خيولُ البغي ضابحةٌ
وأنَّ أرضـى التي ريعتْ غدتْ هَدراً
بـهـا تـلـوذ وكـم من كنزِ موهبةٍ
وانَّ يـومـاً عـصـوفـاً سيلُه عرمٌ
فـالـصـابـرين لهم عقبى لصبرِهُمُ
آت وَدَيْـنٌ لـزامـاً سـوف نـدفعُهُ
عـلـى ربـاياك بي أنفاسُها اتّسَقَتْ
يـا شـام شمسي كسوفٌ وانزوى قَلقاً
جـئـنا من العطشِ المجذوذِ يمطرُنا
غـادرتُ عـن مُدني في قاربي وَجِلا
تـمـشـي بـروحي بخطوات مُثقَّلةً
تُـخـفـي مواجعَها في طينِ لوعتِها
لـيلى بروقُ أسىً ضُمّي رعافَ فمي
جـزيْـتُ جـرحي وشتّامي يلاحقني
وراحَ عـمـداً عـلى موتي يُطاردني
وكـلُّ مـا قـالَ بـي مأفونهم حسداً
صـمـتُّ كِـبراً عن الأرذال بي تيهٌ
أنـا الـذي مـا انحني رأسي لداجيةٍ
مـدّوا أصـابـعهم في أضلعي شَرهاً
دعـهـم يـقـيمونَ لي أعوادَ مشنقةٍِ
مـالـي ولـلـنـاسِ أهـواءٌ تفرِّقنا
هُـمْ راودونـي عـلـى أني أشايعُهم
وان أبـيـع إلـى الاوبـاش معتقدي
وان أمـد لـمـن قـدوا قميص أبي
لـكـنَّ نـفـسي أبَتْ من أن تُمالِئَهم
مـا زلـتُ وحدي وإغوائي يراودني
ولـي مـن اللهِ عـن أغـواثِهم مَددٌ
هـم يـصـنعون لحرفي نارَ مجمرةٍِ
فاللهَ اللهَ مـنـ عـصـرٍ تُـسـيِّرُهُ
والله يـا بـلـدي مـن عاقرٍ حَملتْ
مـاتَ الـضميرُ وغاضَ الجدُّ ضائعةٌ
وحـدي وأدري أنـا لا إثـمَ يركبني
سوى امتناعي وكَشفي عُري سوءَتِهم
وأنَّ شـعـري أتـى دُرّاً أرصِّـعُـهُ
وقـد وقـفْـتُ لـهم لاشيءَ يمنعني
* * *
يـا شامُ وجهي احتراقُ الأمنِ فارقني
لـو تعلمينَ بما بي وأوجاعي أعالِجُها
كـفـي التي امتلأت بالأمس منْ نعَمٍ
فـقـلـت يانفس صبراً فالدمار غدا
غـدا سـيُـلقي بهم في جُبِّ محنتِهم
آتٍ حـصـادُهُـمُ يـا شامُ فانتظري
غـداً سـتـأتي قطاراتي على غبشٍ
وقـد تـداسُ نـواصٍ لا عِـدادَ لها
فـالـوعـد آتٍ ونـورُ الفجرِ ألمحُهُوغـصّـة ُالـعمر ِبالغسلين تسقيني
مـلآى شـظاياهُ في صَمْتٍ تشظِّيني
خَـفـقُ الـسـرابِ وإيماءُ البساتينِ
عـلـى شـواطـيـهِ مسكوناً بأتّونِ
وفـي عـيـونـي احتراقٌ للأفانينِ
مـبـعـثـراتٌ بـه شهقاتُ تشريني
وفـوق نـزفـي بـأوجاعي تغطّيني
عـلـى جـنـاحين من همّ ٍ تُلاويني
يـومـي وضـيّـعني بوحُ الأظانين
وعـانـقـيـنـي نشيداً في دواويني
أنـيـابُ حـقـدِهُمُ أغصانَ ليموني
وفـيـ شفاهي نمتْ نارُ البراكينِ؟
ويـعـتـريـنـي ذهولٌ بي يغاديني
وبـانَ مـنّـي الذي ضمّتْ (ثلاثيني)
عـلـى جـراحـي وأعباءُ المساكينِ
بـكـل جـنـسٍ من الآفاتِ مسكونِ
روحـي عـساك عن النيران تؤويني
وصـرخـة القهر ِمن جوعِ الملايينِ
يـجري بأمواجِ زخّاتِ (الطواسينِ)
أنـي الـتـمستُ طريقاً لي يسريّني
سـرٌّ بـأسـرارِ أنـوارٍ( لـياسينِ )
وعـرشُ قـلـبيَ بين الكافِ والنونِ
عـن كـل مـابـي من الآلام يُلهيني
فـرطَ الـتـيـاعٍِ بما عانيتُ تقريني
بـه رواعـدُ ومضِ الحزنِ تطويني
وَعـدَ الـصـلاة به زفرات زيتوني
بـه انـفـرطْـتُ نشيداً من تلاحينِ
حـمـلـتـها ألفَ نبضٍ فيَّ تكويني
عُـصـارةُ الجوع في جنبيَّ تَرميني
وفـي ضـفافِ فراتي شرعُ تدويني
والـنـيـلُ يـمطرُ بالحنّاءِ لي طيني
وأيّ قـطـرٍ بـهـا أهـلي تحييني
ولـلـمـصيرِ سَعتْ عجلى قرابيني
مـن الـدمـارِ وفـي أنفاس محزونِ
بـعـضُ الذي فيكِ يُشجيني ويُؤذيني
وِرْداً لـعـلّـي برغمَ القحطِ يرويني
وفـي نـدى بـردى كـالطفل لُفّيني
* * *
مـن خـنجرِ الغدر يجري نهْر تأبينِ
والـهـمُّ يُـمـطـرُ همّاً في مياديني
لـلآنَ يـصـنـعُـه عصرُ المجانينِ
أكـفـانُ مـوتـي، بقايا من مطاعينِ
بـأنَّ صـوتـي عـلا سفرَ العناوينِ
وتـسـتـبـيـحُ بـنا حلمَ الميامينِ
أبـثُّ مـابـي بـقـلبٍ جدِّ مرهونِ
عـلـى انـفلاتِ مساءآتي تغاديني
وأن نـزفـي احـتـراقٌ غيرُ معلونِ
وفـاضَ جـرحـي ندياً فيَّ يعروني
وكـنـتِ أنـتِ سـميرا لي يواسيني
لـعـلَّ عـمّـا بـه قد قلت تجزيني
وألـبـسـي لـيـلتي أحلى الفساتينِ
يـقـتاتُ من عَصَبي .رعشاً يغاديني
عـن ثـورة الـحـقِّ للثوَّارِ يُغنيني
آتٍـ ومـن رهق بالروح مخزونِ
بـهـا تُـردِّد غـابـاتُ الـقـوانينِ
مـسـافةُ الوهمِ في المجهولِ تُرديني
وجـئـتُ أبـحـث عن قبرٍ يُخبِّيني
مـعـبـأآآتٌ بـه مـذ يوم تَكويني
ومْـضـاً بـأفق مدارِ التيه يطويني
ومـا هـنـالـك بـيتٌ حنَّ يؤويني
مـمّـا ألاقـيَ مـن عَسفِ السلاطينِ
مـاءُ الـحـيـاة ولا نـهري يمنّيني
لـكـنـهـا عجزتْ من أن تُروِّيني
بـكـل وزر عـلى اللاشيء يرموني
وبـانَ زيـفُ ادعـاءآتِ الشياطينِ
بـهـا تـوعَّـدنـي شـراً ليدميني
ولـمـلمتْ شهقةُ الموتى( بساتيني )
وبـدَّدتْ حُـلُـمَ الـتـعـبى ثعابيني
وشـابَ نهرُ انحساري قبل عشريني
وصـرخـةُ الوطنِ المطعونِ تُضنيني
فـمَـنْ تـراه الـذي منّى سيحميني
تـدمـي يـساري يميني كي تعاديني
ورحْـتُ أمـشـي دروباً لا تواريني
حـمـلْـت بدئي به طهري وتَكويني
وغـيـرُ رسـمٍ بـه موتى تصحِّيني
* * *
فـفـي روابيك من ناري أريحيني
بـه اسـتـخـفّت أعاصيرُ المُعادينِ
فمن خمورك في كأس الرضا اسقيني
ولـلـخـلافـاتِ عـرشٌ لـلدهاقينِ
بـنـا أبـاحـت دِمـا شمَّ العرانينِ
بـالـمـوتِ صنّعهُ طيش الأساطينِ
وسْـعَ الـسموات يوري فيَّ تلحيني
بـه يـرتّـلُ مَـنْ سـاموه بالهونِ
وردّدتْ صـوتَـه حـشـدُ المساجينِ
يـدمـي فـؤاديَ بـالبأساءِ يشجيني
تـأتـي الـمساكنَ بين الحين والحينِ
أمـسـتْ مـشـاعاً لحاخامٍ وكوهينِ
نـامـتْ بـقـمقمها جَوْعى مساكيني
آت ٍقـريـبـا ولا مـنـجى لمديونِ
ولـيـس يبقى سوى زاهي النياشينِ
مـهـمـا تأتى بنا من حالكِ الجونِ
وفـيـه مـن بـردى أبهى التلاوينِ
بـرقـي ورعـديَ مخبوءُ الروازينِ
قـحـطٌ ، ويـمـطرُنا فكُّ الميادينِ
تـسـعـى مآتمها في رحلتي دوني
أنـى اتـجـهْـتُ أراهـا فيّ تأتيني
كـأنّـهـا عن دمي المطعونِ تُخفيني
ونـثـري كـأس سهدي في درابيني
أعـمـاهُ زيـفُ ادِّعـاءٍ فـيه يبليني
وبـتُّ حـولي .عيونُ الهونِ والدونِ
عـلـى الـكراهةِ أمراً ليس يعنيني
وَهـمُّ واحـدِهـم بـالأفـكِ يَرميني
ولا إلـيـهـم تـعـرّى مُرْغماً ليني
يـمـزِّعـونَـ بـه لَحْمي لتلقيني
نَـعْـلـي عليهم على طولِ الأحايينِ
لـلـناس دينٌ ولي دونَ الورى ديني
وأن أبـيـعَ لـهـم شِعري وتدويني
وان أديـن لـمـن بالفحش يكسوني
كـفّـى وأصفح عمن راح يهجوني
وأن أكـونَ لـهـم مـثـلَ البراذينِ
وبـي تـنـادي لإغـرائي شياطيني
مـرابـطـاتٌ بـدربٍ غـيرُ مأمونِ
ويـقـذفـون بـهـا حولي ليفنوني
أشـبـاهُ أغـربةٍِ من عصرِ نيرونِ
وتـدّعـي الطهر مذ خاستْ موازيني
كـلُ الـمـقاييسِ والضُّلالُ يلحوني
ولا سـبـيـلَ إلـى رجمي وتهجيني
وهُـمْ إلـى ذاك بـالترغيبِ يدعوني
ومِـن لـظـى حَـمَـأٍ بالنار مسنونِ
سـدّا ًمـن الـموتِ تُدميهم طواحيني
* * *
صـفـوُ الحياةِ على الأوجاع يقريني
مـضـيّـعٌ من مدى عصرِ الفراعينِ
أمـست على الحقد والأغلال تظميني
لابُـدَّ آتٍ لـهـم ،يـاسـاعتي حِينى
عـصفُ الأعاصيرِ في جدِّ السراحينِ
خـيـولَ فـجـري بميدانِ الشواهينِ
مـحـمـلاتٌ بـخـيرِ التمرِ والتينِ
لـكـلّ مَـنْ بـاعَ أعـتابي لمأفون
يـعـلـو الـميادين مزهوَّ النياشين ِ