أُماهُ ... يا وَطني

أنمار محمد محاسنة

[email protected]

* ليست الأم وحدها التي تلد... بل الوطن هو الأم التي أوجدتك وترعرعت في حضنها وكنفها وليداً ... وأنبتت من عمرك سنين.

(1)

أُمَاهُ ... يا دَمع السَّواحِلِ في الغروبِ

أُمَّاهُ ... يا زَهرَ البساتينِ القشيبِ

يا بَيلسانَ العُمرِ ... يا تِرياقَ كوبي

يا سَيلَ أنهاري ... من الذِهنِ الخَصيبِ

يا مَوطِنَ الأَزهارِ ... والرَشَأ الرَّبيبِ

أُمَّاهُ ... يا وَطَني ... وَيا شفق المغيبِ

يا مَن تناجيني على الغصنِ الرَّطيبِ

أُمَّاهُ ... كيف أَرُدُّ بعضَ مَحاسِن ٍ..

آثَرتِنيها ... فوقَ أحمالِ الخطوبِ

سأقولها :

عيناكِ مثل مَراهِمِ الجُرحِ الرَّغيبِ

عيناكِ آخِرُ ما رَأيتُ ... من الحَرارَةِ واللهيبِ

عيناكِ آخِرُ ما تبقى من أَعاجيبِ الحُقوبِ

عيناكِ آخرُ زَورَقَينِ يُسافِرانِ إلى دُروبي

وَيُحَطَّمانِ ... وَيَغرَقانِ ...

ولا تذوبي .....

(2)

يا مَوطِنَ الأَسوارِ ... يا بوحَ الطيوبِ

يا مَنْ تسافِرُ كُلَّ عامٍ ... في سَماواتِ الغيوبِ

هل بعدُ يسكنُ مَوطِني ...

سيفاً مُضيئاً ... من شراراتِ الحُروبِ؟

هل بعدُ من وَطنٍ ... يُوَحِّدُ غُربَتي

ويُعيدُ آمال الشعوبِ ؟

هل من بِناءٍ سوف يُبنى ...

للمُشَرَّدِ والغَريبِ ؟

هل كانَ مكتوباً عَلينا ...

أنْ نموتَ على الصَّليبِ ؟

أو أن نكونَ عَبيدَهُمْ ...

نبكي على المَجدِ السَّليبِ ؟

وَنصيحُ كالأطفالِ ... نرجو عطفهم حيناً

وَنَلعَقُ ما تبَقى من حَليبِ ؟

(3)

أمَّاهُ ... إنَّ الغدرَ وَحشٌ طامِعٌ

والناسُ يملؤها الذهولْ

والذئبُ يَسرَحُ في المَراعي والحُقولْ

والحارس  المسكينُ  يَبكي صامِتاً ... ماذا يقولْ ؟

أكلَ الخِرافَ الذِّئبُ ... في غلسٍ طويلْ"2"

فالحارس  المسكينُ  يَغرَقُ في الشخيرِ المُستطيلْ!!!

والحاكِمُ  الملعونُ  يَبطِشُ تارَةً ... وَيُقيمُ حّدَّاً للقتيلْ

أو تارةً أُخرى ... يًُعَذبُ كُلَّ ناصِيَةٍ ... يُذيلْ "3"

ويقولُ أنَّ الظلمَ مَرتعُهُ وَبيلْ

أُمَّاهُ ... إنَّ الشَّمسَ خائِفة ٌ من الليلِ الطَويلْ

الليلُ يَحمِلُ خِنجَراً للغَدرِ ليس لهُ مَثيلْ

يا هل ترى ...

ذاك الطريقُ الوَعْرُ يَقصُرُ أم يَطولْ ؟

وَسُباتُ أهلِ الكَهفِ ... في بَلدٍ ... يطولُ ولا يَزولْ ؟

هل بعْدَ شَمسِكِ سوف تشرِقُ رايَةُ المجدِ الأثيلْ ؟

وَيَعودُ كلُّ مُناضِلٍ ...

بجَبينهِ ... راياتُ نصرٍ لا تزولْ ؟

أُمَّاهُ ... هل من بعدِ نصرِكِ سوف تصهَلُ كلُّ خَيلْ ؟

وتعودُ آياتُ البُطولةِ ... فوق ناصِيَةِ الخُيولْ ؟

أُمَّاهُ ... لا لا يَستقيلُ الليلْ

أُمَّاهُ ... لا لا يَستقيلُ الليلُ ....

مهما حارَبَتهُ فوَيقةُ الشَّفقِ الظَّليلْ

فالشمسُ إنْ غابت تسافر في أفول

كذلك كُلُّ نورٍ للأُفولِِ ...

فلا يدومُ ولا يَطولْ

(4)

أُمِّي أجيبي ... فالجراحُ توَسَّعتْ

والجُرحُ ضاقَ بِهِ المَكانْ

أُمِّي أجيبي طِفلكِ المَطعون في الأعماقِ ...

والذكرى ... يُبدِّدُها الزَّمانْ

أُمِّي أجيبيني ... كفاكِ تكتماً ...

فالمَرءُ يأبى أن يُهانْ

هل نحنُ في زَمَنٍ يُحَتمُ أن نكونَ ...

كحاكِمٍ كهْلٍ ومَقطوعِ اللِّسانْ ؟

هل يا ترى دَفنوكِ في وَضَحِ النهارِ ...

أو حَطَّموكِ كمثل تحطيمِ الكمانْ ؟

هل نحنُ في العصرِ الحَضارِيِّ المُثقفِ ...

أم نحن في العصرُ المَغولِيُّ المُهانْ ؟

هل يَرحَلُ الكابوسُ من أحلامِنا

وَيَعودُ وَجهُكِ مُشرِقاً كالأُقحوانْ ؟

(5)

هل ذلك التاريخُ تاريخُ العَرَبْ ؟

أم أَنهُ تاريخُ مَنْ يَهوى الطَّرَبْ ؟

هل قِصَّةُ الراعي مُجَرَّدُ كِذبَةٍ ؟

أم أنها  حقاً  أَساطيرُ العَرَبْ ؟

هل طعنَةُ التحريرِ كان لها صَدىً

في قلبِ أعدائي...وكان بها لَهَبْ ؟

********************

أُمَّاهُ ... قد قتلوكِ أَسوَأَ قتلةٍ

غَرَزوا سُيوفهُمُ كَسَيفِ أَبي لهَبْ

زَرَعوا خناجرَهُمْ وَمَصُّوا نصلَها...

في وَسْطِ خاصِرَةٍ وَرأسٍ مُنتصِبْ

قتلوكِ  ظلماً  مثل أَيِّ فراشَةٍ ...

سَرَقوا مواردنا ... وأنهارَ الذهَبْ

ثرواتُ عينيكِ الحِسانِ تناثرَتْ

لم يَبْقَ منها غيرُ صَرْخاتِ الغَضَبْ

أُمَّاهُ لا تتأَلمي وَجَعاً ... فَصَدرُكِ مَوطِني

فيه العَراقةُ والثقافةُ ... فيه يَنبوعُ الأدَبْ

أُمَّاهُ لا تبكي ... فدَمعُكِ مَورِدي

وَعُيونكِ الزَّرقاءُ بَرقٌ مُلتهبْ

أُمَّاهُ ... قد أَسَروك ِ مثل غزالةٍ

الناس قد فرَّتْ ... ولا أَدري السَّبَبْ ...

(6)                    

أُمَّاهُ ... هَيَّا نستعن بالله كي ...

يمحو ظلام الليل من أُفقِ الجَبينْ

أُمَّاهُ ... بات العدلُ طِفلاً عاجزاً

وَمُيَتماً في الحَربِ ... مَبتورَ اليَمينْ

والشَّرعُ مَسجونٌ ... بأَيِّ جَريمَةٍ

حَكمَتْ عليهِ مَحاكِمُ الإرهابِ ...

بالسِّجنِ المُؤَبَّدِ بعد آلافَ السنينْ ؟

كلُّ القضاةِ المُرتشينَ تبَجَّحوا

سَفكوا حُقوقَ الكادِحينَ المُعدَمينْ

فالكونُ  يا أُمَّاهُ  أصبَحَ كاذِباً

والناسُ أمست في ثِيابِ مُنافِقينْ

لم يَبقَ رُكنٌ صامِدٌ نأوي إليه ...

لم يَبقَ في الأَرواحِ بُنيانٌ مَتينْ

لم يَبقَ إلا سَقفُ رَبِّيَ ثابِتاً

فلنمضِ هيا ... مُتقينَ وتائبينْ

كلُّ الجنانِ استعمَروها ... لم تنلْ

شَفتاكِ ... من عِنبٍ ... وزَيتونٍ ... وَتينْ

الله يعرف أنهُم قتلوكِ ... يا نُوَّارَتي

سَرَقوا البَلابِلَ من شِفاهِكِ ... فانمَحَتْ

كلِماتُ شِعرِكِ من كِتابِ العاشِقينْ

أَسَروا عُيونكِ بعدما ...

كان البيانُ يَموتُ كي ...

يَجدَ التعابير التي ترقى ...

ولا تفني حُظوظَ المُعجَبينْ

 أبَداً  فلا تتحَيَّروا ...

إذ ما بَكى ...

شَجَرُ الصَّنوبَرِ بعدها ...

وانشَقَّ عُودُ الخيزُران ِ...

وَماتَ زَهرُ الياسَمينْ

***************

إنَّ الطفولةَ حقُّ كُلِّ الحالِمينْ

إنَّ البَراءَةَ حقُّ كُلِّ مُسالِمٍ ...

وَرَغيفُ خبزٍ ساخِنٍ ...

حقٌّ لِكلِّ الجائِعينْ

أُمَّاهُ ... إذ يَكفيكِ فخراً ... أَنَّ شَمسَ الله تمنحك اليَقينْ

واللهُ يَشهَدُ أَنهُمْ قتلوكِ ...

إذ ظلموكِ ...

إذ صَلبوكِ ...

إذ قتلوا مُروءَتهُمْ

والله يَشهَدُ طُهرَكِ وَعَفافكِ ....

والله خيرُ الشاهِدينْ .....

والله خيرُ الشاهِدينْ .....

              

"1" غلس : آخر الليل.

"2" يذيل : يهين .