أين رمضان؟
خالد البيطار
قـالوا: أتـى رمضان ثم مضى وتـكاد تـأتي ليـلةُ النَّـحْر
فعجـبتُ مـن أمري وأمـرِهمُ رمضانُ يأتي دون أن أدري؟!
أنـا لـم أغِبْ يوماً عـن الدنيا وكـذا -يقيناً- لم يَغِبْ فِكْري
عجباً! فكيف أتى؟ وكيف مضى؟ أم كيف مـرَّتْ فرحةُ الفطر؟!
أيـنَ المساجـد وهـي ضاحكة مغمـورة بـالخير والبِـشْرِ؟
وكـأنها مِـنْ حسن مـا لبست تـختال فـي تـاجٍ من الدُّرِّ
والنـاسُ فـي أنـحائـها زمرٌ في العـلم والصلواتِ والذِّكْر
كـم تـائبٍ صـارتْ له سكناً فـي الصبح تلقاهُ وفي العصر
كـم نـاشيءٍ عرضَتْ له الدنيا جمـالـها.. وجمالُها يُـغري
وتـزيَّنـتْ وأتَـتْهُ طـائعـةً فأبـى وفضَّلَ ركعـةَ الفـجر
أيـن المـآذنُ فـي تـلألئـها بـالنور والتـكبير إذْ يَسْري؟
أيـنَ التـراويحُ التي أهـوى وأشـدُّ فـي ركعاتها أزْري ؟
والاعـتـكـافُ وكـم له أهفو متـجـرداً لله فـي العـشر؟
أخـلو مـع الرحمـن ملتمساً رضـوانـه فـي ليلـة القدر
وسـألتُ نـفسي بعدمـا ذهبوا أتـريْن تـفسيراً لما يَجري؟!
أيَـمُـرُّ هــذا كـلُّه وأنــا لاهٍ فمـا شأنـي وما أمري؟!
... وفهـمتُ منهـا أنها لمحتْ طيفاً سريـعَ الخطو في السير
جـاز الديـارَ ومـا أقامَ بـها إلا كخـفقـة ذلـكَ الطيـر
لَمَـحَ الظـلامَ بـكلِّ شـِرَّتِـهِ وسـطَ النهار يَعيثُ في الفجر
لَمَـحَ الشياطينَ التـي ظـهرتْ فـي كـل أرضِ دونما سِتر
ورأى الفسـادَ وأهـلَه اجتمعوا في البر أبصرهم وفي البحر(1)
فأبـى الإقامة هـا هنـا ومضى يشـكو كمـا تشكو من الضُّر
لا يستطيـعُ الطهـرُ أن يحـيا في الأرض بين الرّجْس والشَّرِّ
هـوِّنْ علـيك إذا انتهى ومضى سيعـودُ رغـمَ الجَوْر والكُفر
ستعـودُ بـهجتُـه إلـى الـدنيا ويعـودُ نَفْـخُ الطيب للزهرِ
وستشـرق الأنـوارُ سـاطعـةً ويعـودُ أهـل الحـق والخير
وهنـا رجعتُ وقد ملئتُ رضىً وطَرَدْتُ طيفَ الحزْن من صدري
ورجـوتُ أن ألـقـاهُ ثـانيـةً والأرضُ فـي ثـوبٍ من الطُّهر
ـــــــــــــــ
(1) في البر والبحر: في القرى والمدن كما ورد في بعض التفسير للآية الكريمة "ظهر الفساد في البر والبحر".