يا تيه ... !
شعر: فيصل الحجي
يـا تيهُ.. هـل تدري لأيِّ مَدى سيـظلُّ رَهنَ التيهِ مَنْ شَرَدا ؟
أتـرومُ أن نُـلـقى بمُـنقَطَعٍ لا والـداً نـلقـى ولا ولـدا؟
لمّـا عَـصَفْتَ بنا .. رَمَيتَ بنا خلفَ الزّمان .. وخلفَ مَنْ بَعُدا
(أنـسٌ) بـأمريـكا.. وتـابعُهُ فـي جُدَّةٍ.. و ( البنتُ) في كندا
و (الأهلُ) في بلدي .. فوا أسفي لـما هـجرتُ الأهـلَ والبلدا
أرأيتَ عيناً فـارقتْ بـصراً ؟ أرأيـتَ روحـاً فارقتْ جسدا ؟
و (أنا) على كَفِّ الرّمالِ .. فهل تَـهَبُ الرّمالُ الأمـنَ مَنْ قعدا؟
ظَمِئٌ .. وهل تروي الرمالُ فتىً فطمتهُ أيدي البَيْنِ عن (بردى)؟
وبـدا سـؤالٌ فـي مُـخيّـلَتي قـد مـدَّ مـن غَبَشِ اليقين يدا
غَـذّاهُ مـن أشـلائِهِ ظَـفَـرٌ فـي مـذبحِ الـخِذلانِ قد وُئِدا
وسـقاهُ جُـرحٌ نـازفٌ أمـلاً وأضـاعَهُ الـوهمُ الكبيرُ سُدى
فنَـما السّؤالُ وصار في نظري عِمـلاقَ رُعـبٍ ثار مُرتعِدا
ويـقولُ: مـا جَدوى البقاءِ هنا والعُمرُ يمضي.. والخِتامُ ردى؟
مـا قـيمةُ الأفـكارِ فـي زَمَنٍ لـم يـحترمْ فِـكراً ومُـعتقدا؟
راجَـتْ معـاني الجهلِ شامخةً والـعلمُ فـي الأسواقِ قد كَسَدا
نفـقَ النـفاقُ وسـادَ سـادنُهُ والـمخلصُ المسكينُ قد طُردا
والغُـربةُ السّـوداءُ قـد سَلبتْ مـن عزمِكَ الإصرارَ والجَلَدا
وهـناكَ تلـقاكَ الـوجوهُ وقد سَـئمتْ لـقاءَك شـاكياً أبـداً
وإلامَ تـرقُبُ فـجرَ مُعجزة ٍ.. من (صـحوةٍ) بُركانُها خَـمَدا؟
تبـني على موجِ الخَيال ِ.. وما تـجنيهِ فـي يـومٍ يزولُ غـدا
مـا ضرَّ لو أخفيتَ قلبَك فـي صمتٍ.. لتحني للورى جَسَدا؟
تحـني كما أحنى الكثيرُ .. وقد عـادوا يَرَونَ الأهـلَ والبلدا
مـن بـينهم مَـن لا تُـطاولُهُ عِـلماً.. إذا ما اختارَ واجتهدا
ولـمَ العـنادُ وأنـتَ مضطربٌ والموجُ يُقصي كلَّ مَنْ (وَفَدا)؟
وإذا الـفتى مـاتتْ ( إقـامتُهُ ) قـامـتْ قيامتُهُ.. ومـا قَعَدا
وتـرى المصاعبَ كيفما التفتَتْ عـيناكَ.. والـينبوع قد جمدا
الـراتبُ (الـمقطوعُ) مُـنكمشٌ قـد لا يقيمُ لـ (جيشكَ) الأوَدا
فـوقفتُ فـي وجهِ السّؤالِ وبي غـيظٌ يُذيـبُ القـلبَ والكَبِدا
أأُصـدِّقُ الـقولَ المُـزَوَّقَ .. أم أسـترشدُ الله الـذي وعَــدا
وعـدَ المُـهاجرَ بالـعقـيدةِ أن يَلـقى المُراغِمَ وافـراً رغِدا
وتـوعَّـدَ الـقومَ الأُلى رَكَـنوا للـظالـمينَ الـجَمْرَ مُـتَّقِدا
كـم مُـترفٍ يُزهَـى بـثروتـهِ ولأجلِـها نـحوَ الدّيارِ عَـدا
يـخشى العِتابَ فـيدَّعي جَـدَلاً : (قد عاد كي يدعوْ.. وما جَحَدا)
لكـنَّـها الـدنـيـا وزيـنتُـها أغـوتْ بصـيرتَهُ فـما رَشَدا
الـدّينُ والـدّنيا قـد اصـطرعا فـي أنفُسٍ إيـمانُـهـا بَـرَدا
هـذا ابـتـلاءٌ لا يـفـوزُ بـه إلا الذي فـي الضُّرِّ قد صَمَدا
الـلهُ حـاشـا أن يـضـيِّعَـنا والـصابـرون أولئكَ السـُّعَدا
عُوجوا على (الشيشانِ) والتمسوا مـنهـم إبـاءً عـندَكم نَفَـدا
وتعـلَّموا (فِقهَ) الـرّجـولةِ من أبـطالِهم .. واسـتلهموا الشُّهَدا
فلـعلَّ وهـجَ الـعِزِّ يلمعُ فـي أبـصـارِكـم .. فيعالجَ الرَّمَدا
فترَونَ دربَ التَّضحياتِ زَهَـتْ فـيهِ المـفاخرُ.. والـثواب بَدا
وتَـرونَ قُبـحَ العيشِ في خَوَرٍ وجـمالَ مـوتٍ يَزدهي بـفِدا
تقـضي الأخـوّةُ أنْ نـظلَّ معاً فـي عـودةٍ أو غُـربةٍ أبـدا
ضَعْفُ الـعقيدةِ .. ذاكَ غُـربتُنا فـمتى وكيف نصالحُ الصَّمدا ؟
يـا ربِّ هـا عُدنا إليكَ .. فهل تـعفو عـن العبدِ الذي وَفَـدا؟
أنـصارُنا خَـذَلوا.. فليس لنا.. أحـدٌ سـواكَ لـضَعفِنا سَـنَدا
ودلـيلُنا حـيرانُ مُـضطربٌ يقـتادُنـا بهـدىً وغيرِ هُـدى
يـا ربِّ أدركـنا بـحيرتِـنا واجـعلْ طـريقَ حياتِـنا جَدَدا
وأفـضْ لـنا بَردَ اليقين لـكي يَهميْ على حـرِّ القُلوبِ نَـدى
إنّـا بـعونِـكَ لا نـهابُ أذىً وبـدونِ عـونِك نَنـقضي كَمَدا
إن يفـخر العـافـي بمقصدِهِ فـأنـا اعـتفيتُ الواحدَ الأحدا