مقابسات

1 - هشيم

كم ذا تَرنَّـحت البصيرةُ، واستوت   بي شِقوتي  يوماً على جُرُفِ المهالك

فَطَفِقْتُ أخصِفُ من هشيم الوهمِ ألتمسُ  النجاة فـلا  تساعفني المسالك

حـتى  إذا أمَـلي  أشاحَ، أُحيطَ بي   أيـقنتُ أنّيَ أينما يَمـمتُ هالك

بَـعَثَ ادّكـارُكَ في الـفؤاد جُذَيّةً    وأذابَ ذِكرُكَ  لجَّةَ الظُّلمِ الحوالك

وتمـاسَكَ الجُـرُفُ المـرنَّحُ  بعدما    أقعى ليسجدَ، فاحتبيتُ أنا كذلك

وذكـرتُ عـفوكَ ساجدا ً، ولربما    -رباه- عفوكَ باتَ يكلؤني هنالك

2 – شاعر

مضى.. كم توطَّنَ فيه الرَّحيلُ     وكم  صاولته  طيوف الغيابْ

مضى.. يتـعثرُ  بالـذكريات     فـيوقظها ، ويَـؤمُّ السَّراب

تجـادله هـينماتُ  السُّكونِ      وتُـومي له  صورٌ من ضباب

تبـعثرُهُ  فِـكرٌ  عـابثـاتٌ      وتجمـعُهُ  خَطراتٌ غِـضاب

وتصرعُ فـيهِ الظُّنونُ الظّنُونَ      ويُـغرق  فيه  العُبابُ العُباب

*     *     *

مضى.. غـيرَ أنَّ العيونَ تراهُ     وتلـمسُ منهُ  الأكُفُّ الإهاب

وتَجترُّهُ –بالخطى الذاهلات-    الـدُّروبُ، مجيئاً بها، أو ذهاب

ومـا داؤه؟! قبل –واهاً له-     صحيحٌ.. سوى حُلُمٍ من تُراب

شـفيف الجوانِحِ، إن مَسَّـهُ     مـن السِّحرِ مسٌّ رقيقٌ أصاب

فأورده العِشقَ، يا للشراب!!     فـجاشَ، وحـنَّ، وأنَّ، وذاب

3 - بباب المعِز

إلـهي..  أقـام مـع الطارقـينَ   يُـسائلُ سُودَ الخطايـا الأُوَلْ

ويجأرُ: يا جار ذي الرَّوعِ من لي؟!   فوافت عُروشُ الندى، فاستظل

بـبابكَ عـبدٌ – وإن عـزَّ يوماً   على الناسِ - فهو الحقير الأذل

يَنـوءُ – بمـا يَـزِرُ- الثَّـقلانِ   ويُـربـعُ  في أصغريـه الزَّلل

بـآثـامـه  يَـرْجَحـِنُّ  النّهارُ   ويـهوي بـه الليلُ إمّـا نَزَل

سألتُـكَ بالنّورِ ، والنّورُ وجهُكَ،   والـليلُ طـوّقـني  وانسدل

ومـوجُ الخـطيايا  تعاظَمَ حولي    فـغَيَّبَ عـنّي شـراع الأمل

فـلما  ذكـرتـُكَ لاحَ قريـباً     فـما خابَ عـبدٌ إليك ابتهل

سألتُـكَ ربـي، إلـيك فزعتُ     فـهلاّ استـجبتَ لعبدٍ سأل؟!

4 – رشيفُ الدَّهر

شـَرْخٌ بروحِـكَ نَزَّافٌ تـداريهِ   خـوفَ المماتِ، وأنيابُ الرَّدى فيهِ

أسيـانَ، تجـأرُ:  يا ربّاهُ يرحلُ بي   مـوجُ الخـطيئةِ مـن تيهٍ  إلى  تيهِ

لـو كنتُ أجحدُ أنَّ الموتَ  منبذرٌ   بيـنَ  الأضـالع يطـويني وأطويهِ

أو كنتُ أذهلُ عـن آي البريّةِ، في   لألائـه الثَّـرِّ  للأبـصارِ مـا فيه

أو كنتُ أومِنُ أنَّ  الكونَ لا صَمدٌ     يُـرسى عُـراهُ ، ولا  مولىً يُواليهِ

أو كـنتُ أجهلُ أنَّ  الدهرَ ترقُبُني    - هوناً ، وتفضَحُ أضلاعي- ثوانيه

بيـنَا تُعـلِّلُ منّي الـطينَ  أشهرُهُ     بـالأمنياتِ، ومـا تغـنى أمـانيهِ

حتّى إذا رُحـتُ، والأيامُ  ترشفُني     شِـلواً يحِـنَّ إلى رَمسٍ  يـواريهِ

قـامت إليَّ سِنُـو عمري مُنشِّرةً       منّـي الصحائفَ  عن ماضٍ تجاريهِ

مـا إن نسيتُ، وفي جَنبيَّ  ذو غِيَرٍ     زادي على صـهوتيه وهو  ناسيه

يـواثبُ الموجَ، لا يأوي إلى جبلِ!     قلبي!! وبين يَدَيْ غيري مراسيهِ!!

لكنَّني - يا ويلتا- ربّـاهُ، يرعدُني     بـردُ اليـقينِ ومـا أفتا أُقاسيهِ!!