خيام الغجر
شعر: محمد منلا غزيل
وتسألني نجـمتي في خــفر عن الزاد زاد النوى والسفر
وما أفصحت بالسؤال الشفاه ولكنه اللمح ... لمح البصـر
يبلغ بوح العيون الظـمـاء ويذكي بأعماق قلبي .. الشرر
ويتلو حكاية وجـد عمـيق به جـذوة من شعاع الـسور
فيقتات شوقاً عميق الجـذور تشعّب في مهجتي واسـتـتر
روى نسغه السلسبيل الطهور وندّى حناياه ضوء القـمـر
وكم هدهدته أكف الأصـيل وضمّته ثملى ضلوع السحـر
رويدك يا لمـح إنّ الـفـؤاد طواه الحنين .. ومـا من وزر
رويدك إن انصداع الشغـاف بوهج الشعــاف بعيد الأثر
وحسبك منه اندلاع الحروف وحسـبي زاداً سـناك الأغر
* * *
بنـفسي يا شوق تلك الرمال عـلى الشط ظمأى وذاك النهر
وقـلبي المـعـنى على تـربها حـصاة تـلوَّى ومـا تـستقر
تمـزّقـه حـشرجات انتظار مـريـر وشكـوى لهـاث أمر
وعنـد الحـصاة بـقايا رماد رمـتـها العـواصف في المنحدر
وألـقت بهـا الريح في هـوة هـبـاء تبـعـثـر ثـم اندثر
وولى جـفاء حـطـام الهشيم وأوشـك يـتـبـعـه المحتظر
وكـادت تحـطم تلك الحصاة وتـودي قنـوطاً ويذوي الزهر
ويخـمد فيها البصيص الضئيل ويـقضي رسيس المنى .. ينتحر
ولـكـنه اللمح .. لمح الصفاء ولـلـه إيـمـاؤه إذ غـمـر
أطـل ائتـلافـاً تجلى هـدى يـضيء الوجود ويـزكي العمر
* * *
بنـفسي يا لمـح تلك الدروب وشـجو الغريب وتـلك الصور
وأطـياف (منبج) عـند المغيب وأحـلام (منبج) بـين الـشجر
فـهذا جـناح على الـغابرين وهـذا جـناح إلـى المنـتظر
ويـمتـد درب المعـنَّى الغريب فيـمضي وئيـد الخطى يستمر
وتعصف في نـفسه الذكريات ويـطـويه طياً عباب الفكر
وتطفو رؤى الأمـس أمـواجه خـفاقاً ثقالاً .. ومـا تنحسر
ولكـنه الشوق شوق الشغاف لـوهج الشعاف طغى وانتصر
ولاقى (دمشق) على (قاسيون) بـبوح الحنايا .. وخفق الوتر
فأشرق لمـح الشعاع الحـبيب نقيّاً .. كجمر اللظى.. يستعر
وغـنى الـغريب صدى وجده فـلـله تـسكـابه إذ زخر
* * *
أيا وجـد سحـاً على أضلعي شـآبـيب والهـفتا للـمطر
طوى الجدب عني رؤى العنفوان وصـوح روض المـنى المزدهر
شآبيـب يـا وجـد إن البقاع سـتمرع يحـنو عليها القدر
وتخـضر في روضـنا السنبلات رطـاباً عـذاباً وتـؤتي الثمر
وإنا سنرسي الجـذور الصناع ونـستأصـل اليابسات الأخر
فـأعـماقنا ما غـزاها المتـاع وحـب الشـوامخ فيها بذر
ويـا زيف إني أحـس الصراع يهـز الرعـاع يـدك الحجر
يحـطم أوثـان أرض الضـياع ويـلقي بـها في ظلام الحفر
وإنـي أحـس انبثـاق الشعاع وألـمح فـيه انطلاق الزمر
غـداً فـي غد يضمحل القناع ويصحو مع النور ركب البشر
* * *
فـيا نجـمة الطـهر في أفـقه أحـس ائـتلاقك صبـحاً سفر
تـنفّس عـبر اختلاج الضلوع فنـعمى لـها بانـبلاج الغرر
ومست خيوط سـناه الوضـاء سويـداء قـلبي .. فيا للظفر
ويا خـيبة الصمت في كيـده ويـا حـسرة العنكبوت القذر
تـغلغل بـين الخـيام العجاف لنـفث الزعـاف وبث الخور
يـزيّن ورد المـتاع الـقليـل ويـقلي لمـن يستجيب الصدر
لـه الويل صمت العـبيد الذليل وهـان المـتاع وذل الـوطر
ويا نجـمتي طاب خوض الكفاح وحـسبي من الزاد وهج الشرر
أيا نجـمة الطـهر إنّ الـسراب سـيمضي جفاء وضحلاً عكر
وتـبقى القـلاع وتـفنى الرقاع وبئـست خـياماً رقاع الغجر