لَهفي على بغداد

عدنان علي رضا النحوي

(1)

شعر الدكتور: عدنان علي رضا النحوي *

قـدْ كنتِ يـا بغدادُ جنَّـةَ أمّةٍ     ورَواحَ أفـئدةٍ وعـزَّ مكانِ

فـعُرفتِ داراً للسلام وقُبَّةَ الـ      إسـلامِ دارَ خـلافةٍ وأمانِ

يا غُرَّةَ الدنيا! جمعتِ الرافديــ     ـنِ لطائفَ الأبداعِ والإتقانِ

وجـمعتِ من طرفِ الحياةِ نديّةً     تَـغنَى وتَـروي لهفةَ الظمآنِ

يا زهـرةَ الدنيا وأنـفاسَ الهوى     ورفيفَ  أشواقٍ وخفقَ حَنانِ

زهرتْ علومُك في الحياةِ وفوَّحتْ    عـطرَ الورودِ ونفحةَ الريحانِ

فلـكم دفـعتِ إلى البريّةِ أمـةً     مـن عبقريِّ  العلم والأفنانِ

في كـلِّ ميـدانٍ رفـعتِ منائراً    ومـنابراً ورفـعتِ من بُنيانِ

ولكم قصمتِ من الضلالِ وخُضتِ  من لُججٍ وأهوالٍ منَ الحدثانِ

مـهما تبدَّلَ فوقَ أرضك من هوى  سيظلُّ عـهدُك عروةَ الإيمانِ

دارٌ مـجـلـلةٌ بعـزَّةِ أمــةٍ    كـم زانها التاريخ من تيجانِ

تـاريـخُ إسـلامٍ وثـروةُ  أمةٍ     أو زهـوُ  آمال  وعزُّ كيانِ

*     *     *

ويحـي ! أتوكِ على بوارج كالقلا   ع وزحمـة الآلات والرُّكبانِ

زَحـفوا بـدبابـاتهم! بالـطائرا   تِ! بـآلةٍ جـبّارة  الطغيانِ

زحفوا عليك كأنهم موجٌ من الـ    إعصارِ والإظـلامِ والطوفانِ

بالنـار! بالصاروخ يُلقي فوقـها    هولَ الجحيم ودفقة الأضغانِ

ورمـوك باللّهب المدوّي!  ويحهمْ    وصـواعـقٍ مجنونة ودخانِ

فكـأنّما تـرمي السّماءُ لهيـبها    والأرض تطلق غضبة البُركانِ

وتـدفّق الحـقدُ الشديد قواصفاً    وعـواصفاً منهم ومن أعوان

كم مـن صـبيّ راحَ بين  لهيبها    وصـبيّة  طُويتْ على أحزانِ

تتـناثر الأشلاء  مـن أطـفالها    ومـن الشيوخ وطلعةِ الفتيانِ

تتـواصلُ الغاراتُ  دونَ  هَوادةٍ    قصفاً على  الساحاتِ والبُنيانِ

تهـوي العَـمائر بين هول دويّها   ولهيـبها وجـحيمها ودخانِ

تنـصبُّ أهـوال الصواريخ التي   جُنّت على الساحاتِ والكثبانِ

فـالأفقُ مـسودٌّ بسـودِ فِعالهم   والأفـقُ من خَجل بلون دهانِ

كُشفت مزاعمهم وبـان ضلالهم   وبـدا فسـاد الزُّور والبُهتانِ

*      *      *

لهـفي على بغداد وهـي حرائقٌ    شـتى  تواصلُ في رُبـا بغدانِ

فـإذا نظرتَ فلا ترى أبداً سوى    لهـبٍ تلـظّى  واقتحام دُخانِ

فـكأنه لم يُبـقِ في  سـاحـاتها    بَـشراً ولا أثـراً  إلى بُـنيانِ

زعـمَ الطـغاةُ المجـرمونَ  بأنهم   حَمَـلوا إليكَ نوازعَ الإحسانِ

حـريّة ونـداوةً! يـا ويحـهم!   حمـلوا إليـك  فواجعَ النيرانِ

والمـوتَ والتدميرَ والإفناءَ! تلـ   ـكَ شريـعةُ الطغيان والبُهتانِ

حمـلوا مطامعـهم وفورةَ  نهمةٍ    يُخـفونها في زُخـرفٍ وبَـيانِ

وبقـيتِ وحدكِ والذين أتوك في   مدد مـن  الصدقِ  الوفيِّ الحاني

ثم انـطوت زمر النفاق وأدبروا    زمـراً مـن الذؤبان والجرذانِ

*      *      *

طال الحصارُ عليكِ!كلُّ سنيه من   ظُلـم الطـغاةِ  وشدَّةِ الطغيانِ

عجباً لصبركَ بعدَ طول حصارهم   لكَ يا " عراقُ " وقسوةِ الحرمانِ

المجرمونَ عصابةٌ  في الأرضِ أعـ   ـتى من وحوش الغاب والحيوانِ

شدُّوا! عليكَ وضيّقوا! فصبرتَ في  أمـلٍ  يُـطلُّ  وعـزّةٍ من شانِ

فالأمهاتُ يرَين من أطفالهـــ    ـنَّ تـأوّه الأحشـاءِ والأبدانِ

صَرعى من المرضِ الشديدِ! فلا دَوا   ءَ ولا غـذاءَ! ضحيّةُ العدوانِ

هذي الملايين التي سقطت ضحـا    يا الظـلمِ والإحصارِ والبُهتانِ

*      *      *

عجباً لصبركَ يا "عراقُ" على شديـ   ـد  حصارهم وفواجع الخذلانِ

أنّى نهضتَ من الحصارِ، مـن الجرا  ح، من الدّمارِ، وهجمة الكفرانِ؟!

ظنّوا بأنـك بـالحصار لسوف  تر  كعُ دونـهم وتمـيل للإذعـانِ

وصـبرتَ لم تـركع! فظنّوا أنـه   لا بدَّ مـن حـربٍ عليك عَوانِ

فشلَ الحصارُ! وخابَ كلُّ رجائهم!  هبّوا على غـضبٍ! على غليانِ

لجـريمة كبرى ! وقـصفِ  مرابعٍ   بـالنار، بـالصاروخ، بالطيرانِ

وبـكلّ آلاتِ الدّمار، وكلِّ حقـ   ـقد في الصّدور ونزوة الإمعانِ

فنـهضتَ مـن بين الحصار مدوّياً   عـزمـاً  أشدَّ  تجول في الميدان

*      *      *

"بـغدادُ"! و أسفـاه ! هذا حالُنا    لمّا ابتـليتِ! فمن تراهُ الجاني ؟!

ضاعـت معالمهم! وكـلٌّ يـدّعي    شـرفَ البطولةِ أو يدَ الإحسانِ

ضاعـتْ موازينُ العدالةِ واختفتْ    وَيحـي! فـأين عـدالة الميزانِ

لهـفي على "بغـداد: بين  ديارها    حمـمٌ تفجّرُ في لـظىً  ودخانِ

*      *      *

بغـداد  لا تستسلمي  وتـوقّدي    شُعـلَ العـزيمةِ! وثبةَ الفرسانِ

وتوقّـدي لهباً  يصبُّ  على العِدى   حمـمَ الجحيمِ وغـضبةَ البركانِ

لا تـيأسي بغـدادُ  إن طال المدى   فـالنصر عـزمة صـابرٍ طعّانِ

والحـربُ جـولاتٌ ليُجلى عندها  شـرفُ العهود وعـروة الإيمانِ

فـثبي وخلّي الأرضَ تحت جنودهم  وعتـادهم وقـداً من النـيرانِ

ومـن الزحوف كأنها زحفُ الجبـا  لِ عـليهم وعـواصفُ الكثبان

وقـواصفٌ تـرمي بوارج حقدهم   وتهزُّ مـن  عـمد ومن أركانِ

تـلك البطولةُ! مـا أجـلَّ وفاءَها   مـن كل وثـاب على الميدانِ

*      *      *

بـغداد! حـبل الله  أوثق عـزمةٍ   فتـمسّكي ! لهـفي على بغدانِ

شُـدّي عُـرا الإيمانِ!  نَصْرُك آيةٌ   لـله إن  أوفـيتِ بالإحـسانِ

بشـرى تظـلُّ تطـلُّ  من آفاقنا   أمـلَ القلوبِ وفـرحةَ الأزمانِ

*      *      *

 (1) جزء من ملحمة لهفي على بغداد.

*الموقع على الإنترنت: www.alnahwi.com

البريد الإلكتروني: [email protected]