العودة من حيث المبتدأ

أحمد الجدع

عن أبي هريرة رضي عنه قال : قال رسول الله r : مَنَعَت العراق قفيزها ودرهمها ، ومَنَعَت الشام مُدَّها ودينارها ، ومَنَعَت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم .

يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه .

مسند الإمام أحمد حديث رقم 7249

الحصار

لا عذر لمسلم يقرأ هذا الحديث ولا يفهم معنى ما يحدث اليوم في العراق ، وفي بلاد الشام - وفلسطين جزء من بلاد الشام - وفي مصر .

في لسان العرب :

1- القـفـيـز: من مكاييل أهل العراق .

2- الـمـــد : من مكاييل أهل الشام .

3- الأردب : من مكاييل أهل مصر .

أقول : في مسند الأمام أحمد مَنَعَت (بفتح الميم والنون والعين) .

وهو من باب منعت العراق خيرها عن سائر الأمة ، ومنعت الشام خيرها عمن حولها ، ومنعت مصر رفدها عن إخوتها .

ويمكن قراءة الكلمة هكذا : مُنِعَت (بالبناء للمجهول) .

أي أنها حوصرت فلا يصل إليها خير ، وهذا مشاهد اليوم بوضوح .

النداء لمن كان له عقل : اقرؤوا هذا الحديث الشريف ، فقد صدقنا رسولنا في كل ما قال .

وفي هذا الحديث : " وعدتم من حيث بدأتم " مؤكدة مرتين .

وأنا أسألكم : من أين بدأنا في رفع راية ديننا ؟ ...

 بدأنا من الحجاز ، من مكة ، من المدينة .

هذه القصيدة تقرأ هذا الحديث الشريف ، وأحاديث شريفة أخرى .

نظمت القصيدة في 22/ذو الحجة/1429هـ ، الموافق 20/12/2008م

العودة من حيث المبتدأ

المسلمون ...

كانوا غصناً عانق غصنا

كانوا شمساً ترفد قمرا

كانوا حجراً يسند حجرا

كانوا سيفاً ، كانوا رمحا

كانوا أملاً يشرق صبحا

كانوا البشرى

كانوا اليسرى

كانوا الدنيا زهراً وندى

كانوا الدنيا تنشر عطرا

كانوا الدنيا تغدق مطرا

كانوا الدنيا تعطي ثمرا

كان الناس بظلهم قد قروا عينا

استنفر إبليس عبيده :

أين تحوت الترب ؟ (1)

اين روابض هذا الشعب ؟ (2)

حشد الملعون جنوده

أطلق في وجه القمر الناصع غما

فحّ على وهج النور الساطع سما (3)

أخرج من جعبته  ألف مكيدة (4)

عراق ... عراق ... عراق ...

جبال علمت الأجيال شموخاً وطموحا

وأبو جعفر المنصور أقام المجد صروحا (5)

وصلاح الدين بنى مجداً يزداد طموحا (6)

وجرى دجلة يسقي سهلاً وسفوحا

وفرات الخصب (7)

تمدد في الشطآن سبوحا

والذهب الأسود يجري

كالطوفان يناصر نوحا (8)

واستغوى الناسَ ترفٌ قد هزم الروحا (9)

فغدا الناس جياعاً وعطاشاً

والفَـرَس جموحا (10)

وأبالسة الغرب تنادوا :

هبوا حتى نجري الدم سفوحا (11)

قد سقط العباسيُّ أسيراً (12)

والأيوبيُّ جريحا (13)

وتزلزل بنيان المجد

فلا ماء يجري

أو ذهب يجدي

يا ويلاه ... قد سقط الأسد ذبيحا !! (14)

شام ... شام ... شام ...

يا سيف الله رفعت على اليرموك بنودا (15)

وأمين الأمة يمضي في النصر صعودا (16)

وابن العاص بأجنادين يدك عموداً وعمودا (17)

وابن الخطاب على أبواب القدس يقود أسودا (18)

والشام ترحب بالساعين إليها فرحاً وسعودا

يا بردى صفق بالسلسال (19)

فقد حان لأن تلبس هذي الأرض زهوراً وبرودا

قد جاء الحق

ورفرفت الرايات بنوداً وبنودا

والأعداء يفرون من الميدان وقد مُـسخوا (20)

خنزيراً ... خنزيراً

وقرود ... قرودا

وانتصر الحق

وجاءت سعة الإسلام تبدد ضيق الشرك (21)

وتهدي للناس ورودا

قد عاش الناس بلهنية (22)

ونسوا أسباب النصر

وما عادوا يرعون عهودا

ذرّ الشيطان بقرنيه (23)

ونادى الأتباع حفيداً وحفيدا

قد أغفى أهل الحق

فهيا نحطم ما شادوه عهوداً وعهودا

لا حنطة في أهراء الروم (24)

لا خبزاً نطعم مسكيناً

أو نبقي آساداً

أو نرحم صيدا

يا أهل الشرك لنا يوم

ننشر ظلماتٍ

ونحيل الأرض صحاري أو بيدا

وتضرجت الشام دماً

وفلسطين قد حل بها من قد مسخ الله قرودا

يا ويلاه ... قد صار الأحرار عبيدا

مصر ... مصر ... مصر ...

قالوا : عمرو من عبقر

قلنا : بل هو من : أكبر أكبر (25)

نزل على مصر بردا وسلاما

فاستقبله المصريون بحبٍ

وأطار المصريون حماما

ودعوا أن يجري النيل فيوضاً وعراما

فأجاب النيل سأمنحكم حباً وغراماً

وحنا عمرو ، ودعا عمرو :

ماذا تختارون

فقالوا : إسلاما إسلاما

قال رسول الله سأوصيكم بالمصريين

أصبح  أولاد المصريين لأولكم ولآخركم أرحاما (26)

وهم للإسلام على طول الدهر كنانة (27)

وهم من أسياف الله مضاء

ركزوا في أرماح الدين سنانه

حطين تشهد

بل عين الجالوت بيانه

قالوا انتبهوا

فالطاغوت يقربُ أزمانه

ماذا يفعل شعب بالطاغوت

وقد ... جرَّح أعيانه (28)

ماذا يفعل شعب بالجبروت

وقد ... أدمى فرسانه

ماذا يجدي عمرو الآن

وقد ... قتلوا أقرانه !

ماذا يجدي شعب

قد قطع الطاغوت لسانه !

يا مصر النيل

لماذا النيل أوقف جريانه

يا مصر الأزهر

كيف الأزهر

يفقد في الأرض بيانه

يفقد سلطانه !

كيف الروض يُصَوِّحُ في مصر

ونقطع أزهار الروض وريحانه

كيف قتلنا عمراً

وشنقنا ابن السرح

وأعدمنا سلمانه

كيف تشفى الطاغوت وأعلن :

ذاك العصر مضى

وبنو الأحقاد يدقون الأجراس

وعلى طرسٍ أسود توقيع

يعلن بطلانه !

رباه ... يا رباه

لا زالت طائفة في أكناف الشام (29)

ترتل أوراد النصر وقرآنه

يا رباه

لا زالت في أكناف الشام

رجال تحشد أفراس الخيل وفرسانه

المدينة المنورة ...

يأرز هذا النور إلى بلد النور

يعود الحشد إلى بلد الحشد

ويحتشد الحق بها

ويعلن إيمانه

صرحاً يرفع أهل النور

مرصوص البنيان

قد أرسى الإيمان كيانه

من أفجاج الكون أتوا

فبنوا أركانه

من شام من يمن

ودعوا للنصرة مصراً وعراقاً

ودعوا عمانه

فارتجت جنبات حجاز العزة

تطلق في الكون أذانه

من هذا الترب الطاهر

قد بدأت دعوتنا

ولنا عود

من حيث بدأنا

ولنا نصر موعود

سجِّل في صفحات العز أوانه

قد أزف الموعد

والمذياع ... والتلفاز

وكل فضائيات الأرض

وصحف الكون

تنتظر بيانه

 

إضاءات على النص

1- أين تحوت الترب : التحوت أسافل الناس ، مأخوذ من كلمة " تحت وجمعها تحوت " ، وفي الحديث الشريف : " إذا رأيت التحوت تعلو والوعول تسفل فانتظر الساعة " .

2- روابض الشعب : الرويبضة كل تافه حقير ، مأخوذة من ربض على الأرض بمعنى التصق بها ، وفي الحديث : " إذا رأيت الرويبضة يتكلم في شؤون العامة فانتظر الساعة " قالوا : يا رسول الله: وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه الحقير " .

3- فحّ : مأخوذ من فحيح الأفعى وهو صوتها وهي تنفث السم .

4- جعبته : الجعبة : وعاء السهام ، واستعيرت هنا لتكون وعاء للمكائد ، لأن المكائد أنكى من السهام .

5- أبو جعفر المنصور : الخليفة العباسي الذي بنى بغداد .

6- صلاح الدين : صلاح الدين الأيوبي ، ابن العراق وهازم الصليبيين .

7- فرات الخصب : نهر الفرات .

8- طوفان نوح : الطوفان الذي أنقذ المؤمنين ، وكان تدفقه نعمة ونقمة... وكذلك لو تأملت حال الذهب الأسود في عصرنا : نعمة ونقمة .

9- ترف :الترف مذموم على كل حال لأنه تجاوز الحد في الإسراف والتنعم ، وإذا أسرف الإنسان فقد حكم على نفسه بالهوان والهزيمة.

10- جمح القوس : استعصى على الانقياد .

11- سفوحا : من سفح الدم أنهره وأساله متدفقا .

12- العباسي : رمز للخلفاء العظام من بني العباس .

13- الأيوبي : رمز لكم مسلم أبي يقاوم العدوان ويحمي الذمار ، كما كان شأن صلاح الدين الأيوبي .

14- سقط الأسد ذبيحا : إنما تعني هنا الكيان الإسلامي الذي صمد للأعداء ثلاثة عشر قرنا ، وقد نال منه الأعداء عندما تمكنوا من إسقاط الخلافة العثمانية ، وبسقوطها تم ذبح الأمة المسلمة !

15- سيف الله : خالد بن الوليد المنتصر على الروم في اليرموك ، والبنود مفردها بند وهو الراية .

16- أمين الأمة : أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي كان القائد العام للجيوش الإسلامية الفاتحة لبلاد الشام .

17- ابن العاص : عمرو بن العاص ، المنتصر في معركة أجنادين  بفلسطين ، وكان الانتصار في هذه المعركة هو مفتاح النصر في فلسطين كلها ثم فتح بيت المقدس .

18- ابن الخطاب : الخليفة عمر بن الخطاب الذي استلم مفاتيح المقدس .

19- يردى : نهر بلاد الشام ، وهو دائماً رمز للشام كلها ، وفي شعر حسان بن ثابت ، بردى يصفق بالرحيق السلسل .

20- مسخوا : إشارة إلى ما صاروا إليه من هزيمة وذل ، فقد مسخ الله العصاة من بني إسرائيل قردة وخنازير ، وكل عاص لله لا يرضى بشرائعه فهو مسخ وإن لم يبد في الصورة كذلك .

21- سعة الإسلام : إشارة إلى قول الصحابة لرستم قائد الفرس : جئنا لنخرج العباد من ضيق الشرك إلى سعة الإسلام .

22- بلهنية : سعة في العيش وترف .

23- ذر الشيطان بقرنيه : أظهر حقده وكيده .

24- أهراء الروم : مخازن أقامها الروم في بلاد الشام يجمعون فيها إنتاج الحنطة (القمح) من سهول الشام ، وكان إنتاج بلاد الشام من القمح يكفي الإمبراطورية الرومانية كلها .

25- وصفوا عمرو بن العاص بالعبقرية ، ولم يكن  عمرو قبل الإسلام عبقرياً وإنما الذي فجر فيه العبقرية هذا الدين العظيم ونداؤه بالتكبير : الله أكبر ، هتاف الجهاد الخالد .

26- أصبح المصريون أرحاما، لقد أوصى رسول الله r المسلمين جميعاً بالمصريين لأن لهم رحما ، وذلك لأن هاجر المصرية قد ولدت من إبراهيم الخليل ابنه إسماعيل الذي تزوج في العرب وأصبح نسبه من أصولهم ، فالعدنانيون  كلهم من ولد إسماعيل عليه السلام ، أضف إلى ذلك أن رسول الله r قد تزوج من مارية المصرية فولدت له ابنه إبراهيم .

 إبراهيم الخليل تزوج هاجر المصرية ، ومحمد رسول الله r وهو من نسل إبراهيم تزوج مارية المصرية فولدت له ابنه إبراهيم ... نسب ورحم موصول .

27- في الحديث الشريف " مصر كنانة الله في أرضه " أي أنها مخزن القوة للإسلام ، وقد صدق رسول الله r فقد ارتبط مصير مصر بالإسلام ، وهي التي حملت عبء الدفاع عنه وحققت له الانتصارات... واذكروا حطين وعين جالوت وحرب رمضان ، ونحن بالانتظار .

28- أعيانه : سادته ، عندما تصيب الهزيمة شعباً وتتغلغل في نفسياته تضطرب موازينه فيصوب سهامه إلى سادته ويعلى من شأن السفلة والتحوت والروابض !

29- إشارة إلى الحديث الشريف : لا زالت طائفة من أمتي ظاهرة على الحق قالوا أين يا رسول الله: قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .

30- يأرز هذا النور : في الحديث الشريف : يأرز الإيمان إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ، أي يلجأ الإيمان ويعود إلى المدينة المنورة ، فهي المبتدأ الأول وهي المبتدأ الثاني .

31- تنتظر بيانه : تنتظر انطلاقه ، فكل الحركات الهامة تبدأ انطلاقتها بالبيان الأول !!