عائشة حسن مالك تهتف ضد الظلم

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

رأيتها.. وقد اكتسى وجهها بمسحةٍ من الحزن والشحوب، ولوعة الحنين، ولكني رأيت في عينها بريقًا من الصبر واليقين، ونحن في عصر الغربة والكربة، وأبوها وزمرة من الصالحين خلف الأسوار السوداء، ويهزني سؤال قهَّار:

أمثل هؤلاء يُلقَى بهم في المعتقلات؟ ويشدني القرآن الكريم إليه، يوم دعا لوط- عليه السلام- قومه للهدى، والصلاح ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)﴾ النمل.

كلمات من القلب إلى الطفلة الزهرة عائشة) :مزج شعري)

يا صغيرتي: لقد نشأتِ في بيت دين وأدب وضمير حي، وأخلاق طيبة؛ لذلك ستسمحين لي أن أجعل الاستهلال كلمات أوجهها إلى أبيك والذين معه فأقول:

لـو  كنتمو من "جلدة" iiاليهودِ
مـن زمـرة النفاق iiوالسجودِ
فـي ذلـةٍ كـذلـة iiالـعبيدِ
لـزائـف  الـسلام iiوالعهودِ
وسـاسـة  الضياع iiوالتهويدِ





أو في هوى فرعون والجنودِ
تـسـبـيحكم  للظالم iiالكنود
أو  مـوكب التطبيع والتأييدِ
و  مـنطق التهريج iiوالجحودِ
وبـعـتم الأوطان.. iiبالنقودِ

ما كنتمو في السجن والقيودِ

*   *   *

لو  كنتمو  من  شلة  الحاناتِ         ما بين ساقي الخمر "والصاجات"

والكأس تتلو الكأس خذ وهاتِ         والطبل     والمزمار    واللذات

ما صرتمو في السجن كالجناةِ

*   *   *

لكنكم "إخوان مسلمونَ"= بالعزة الشماء تُعرفونَ

محمدُ الرسول" تتبعونَ=  والمصحف الشريف ترفعونَ

وشرعة الجهاد تسلكونَ = لا الظالم الجبار ترهبون

ولا لمال الشعب سارقونَ = بل في متاع العيش زاهدونَ

لكل ذا أنتم تحاكمونَ

فمعذرةً يا صغيرتي فعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء،

فنحن نعيش عصر التزوير والقهر،

عصر الذئاب الذين يعاملون الشعب معاملة السلع،

أو العبيد:

كأنهم بمصير الخلق قد وُكِلوا          فكلُّ من ليس منهمْ عمرهٌ هَدَرُ

يا صغيرتي- وأنت في طفولتك العذرية- أراك في أيامك الخاليات،

في رعاية أب كريم، وأم نقية تقية،

أراك عصفورةً ساحرةً وضيئةً في عشها الراقي الجميل.

تـقـبِّلين ضياءَ الشمسِ كلَّ iiضحى
وتـخـطـرين  فتفديك النفوسُ iiإذا
دنـيـاكِ كـانت نعيمًا باسِمًا iiعَطِرًا
تـهيمنين على عرش القلوبِ.. iiوما
وتـطـلـبينَ عقودَ النجمِ iiيُحضرُها
يـرى  بـعـينيك مَغْناهُ .. iiوعالمَهُ






وأنتِ في العين أنتِ الشمسُ والقمرُ
عَـدَا عـلى الأُفق غيمٌ أو بَدَا iiخَطَرُ
وأنـتِ فـيها الربيعُ الباسم iiالخَضِرُ
تـاجـاك إلا الجمالُ الطفلُ iiوالخَفَرُ
أب  عـظـيـمٌ رقيقُ القلبِ iiمقتدِرُ
فـلـيـس  يـشـبهه في بِرِّه iiبَشَرُ

وآه- يا صغيرتي- لقد رأينا مِن الكبار مَن يشقيهم سعادة الآخرين،

ويسعدهم أن يروا غيرهم وقد أغرقنهم الآلام والأحزان، والشقاء.

وذات  ليل ضَرير صاح iiصائحهُ
جاء  الذئابُ وقهر الخلقُ iiمنطقهمْ
وكـيف تُقبل دعوى إنَّ iiصاحبَها



" لا حاكمَ اليوم إلا النَّابُ والظُّفُر"
بئس الذئابُ وبئس المنطقُ iiالقذر
هو  الدعِيُّ الظلومُ الكاذبُ iiالأشِرُ

لقد خلت قلوبهم- يا صغيرتي البريئة- من المروءة والرحمة،

بل ماتت ضمائرهم، ولست أدري:

مـاذا  يقولون إذْ ما الله iiيسألهم
"ألـم  يجئكم كتابٌ فيه iiموعظةٌّ
أسـاسُه  الحبُّ والإيثارُ iiمنطقهُ
فكيف  هان عليكم دينكمْ iiوغَدتْ




يومَ  القيامةِ حيثُ الهولُ iiيَستعِر
وفـيـه حـق ودينٌ قيمٌ iiعَطِرُ
والاعـتصامُ  بحبل الله والنظَرُ
أوطانكم قد غزاها الظلمُ والأشَرُ

يا صغيرتي هؤلاء "الكبار"- واحرَّ قلباه- استهانوا بالناس وكرامتهم،

وكل القيم الإنسانية.

أمـا قلوبُهُمُ و فالشرُّ ... معدنُهّا
فالصخرُ تجري به الأنهارُ دافقةً


أرَقُّ  منها وربي الجَلْمَدُ iiالحَجَرُ
ومـنهُ ما خشيةً يهوِي iiوينزجرُ

وآه- يا عائشة- يا ليتني أملك القدرة التي تزرع في قلبك الأمن،

والطمأنينة،

وتنسيك الآلام، والأحزان.

لقد هممت أن أهدي إليك وإلى أخواتك ممن غيب آباؤهن وراء الأسوار السوداء،

هدايا تمسح عنكن بعض الأحزان.

ولكن معذرة يا بنتي فإن أغلى ما أملك هو كلماتي التي أكتبها بنبضات قلبي.

حـتى  بقيةُ عمري لستُ iiأملكُها
فـهاكِ  دفترَ شعري إنه iiعُمُري
وسـوف  تلقَيْنَ قلبي فيهِ iiملحمةٌّ



فـقد  توزع في أشعارِيَ iiالعُمُرُ
ومن دمائِيَ قد صيغتْ به السُّطر
فـإنـه  لـضحايا الظلمِ مُسْتَعِرُ

وأقسم يا عائشة- وأنت في طفولتك العذراء- أنني أتمنى أن تفضي إليَّ ببعض أحزانك،

وتحدثيني عما يعتريك من ألمٍ لغياب الوالد الكريم عنك... قولي يا بنتي الملائكية... قولي لعلي أخفف عنك وعن أخواتكِ بعض ما تعانينَ:

بـلْ  فاصمُتي فضميري مثقلٌ iiتعِبٌ
لا  تـذكـري ليَ عمن غاب iiعائلُهُم
مـن بَـعـدِ ما نهبَ الأموالَ iiناهبُها
لا  تـذكـري لي ففي عينيك iiملحمةٌ
قد ينتشي الشر بعضَ الوقت من سَفَهٍ
لـكـنـها  رقصة الطيرِ الذبيح iiبدا
أمـا الـيـقـيـن فباق ليس يهزمه
فـلـتنهضي  بيقين الحق iiوانسلخِي








والـقـلبُ من شدَة الأرزاءِ iiمنفطرُ
فـي  لـيلةٍ غاب فيها العدلُ iiوالقمرُ
مـن "الـصنادِيد" لم يُبقوا ولم iiيَذَرُواُ
فـيـهـا الإدانـةُ والـتبيانُ والعِبَرُ
ظـنـا بأن الذي قد جاءه iiالظَّـفََـرُ
فـي عـنـفوانٍ قوي ثم... يُحتضَر
بـاغ عـتـيٍّ عدا, أو موقفٌ iiعسِرً
مـن  الـرزايـا فإن الحق iiمنتصر

ودولة الحق حتى قيام الساعة.

وأخيرًا يا زهرتنا الجميلة،

لقد استهللت كلماتي بالحديث إلى أبيك العظيم الكريم حسن مالك،

ومن معه من المؤمنين الممتحنين.

وأجد من حقهم عليَّ أن أختم كلماتي بالحديث إليهم أيضًا:

الله  نـعم الحسب iiوالوكيل
فـالصبر  نور رائع iiجليل
فـعن قليل يُنصر iiالأصيلُ



صبر "جميل" يا أخي جميلُ
والصبر  لانتصاركم iiسبيل
نصرًا عزيزًا.. ما له iiمثيلُ

*   *   *

يـاأيـها الإخوان لا قنوطُ
إنـقـاذ  شعبكم بكم مَنوطُ
وفـي غدٍ يطويهمُ iiالسقوطُ



لا يـلتقي الإيمان iiوالقنوط
أمـا "هُمُو" فحظهم iiهبوط
لا بحرُ يحميهم ولا شطوطُ

واللهُ من ورائهم محيطُُ

عائشة هي ابنة الأخ المجاهد حسن مالك الذي اتهم ظلما " بغسل الأموال " .

وحوكم هو وعشرات من الإخوان في محكمة عسكرية . وحكم عليه بالسجن

عشر سنين . وعائشة هي صغرى العائلة ( آخر العنقود ) .