الغيم
د. محمد علي الرباوي
يا هَذِِا الطَّالِِعُِ مِِنْ جَوْفِ جَهَنَّمَ أنَّى تَعْرفُ خَيْلُكَ ذاكَ الإِسْطَبْلَ الآمنَ ؟أَنْتَ الآنَ عَلى مَتْن الرّيح تُسافرُ وَالْغَيْمَةُ تَحْتَ حَوافِرِ خَيْلِكَ تَرْكُضُ جَذْلى وَعُيونُكَ ظَمْأى تَبْحَثُ فيكَ عَنِ الْمَاء الْفَوّارِ لِِتُخْرِجَ يَوْماً بِلَوافِحِهِ جَنَّاتٍٍ أَلْفافاً. إنِّي أُقْسِمُ بِالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ بالْخَوْفِ إِذا أَدْبَرَ بِالْغَيْمِ إذا فَتَّرَ بِالطِّفْلِ إذا كَبَّرَ إنَّكَ لا تَمْلِكُ إلا حُبَّ الإبْحَارِ عَلى ظَهْرِ جَوادِ الْحُلْمِ الْفَضْفَاضِ وَلا تَقْدِرُ أَنْ تَتَسَرَّبَ – إمَّا دَجَّ اللَّيْلُ الْفَتَّاكُ وَإمّا فُلِقَ الصُّبْحُ الْبَسَّامُ-إلى نَهْر الصَّحْو الرَّاكدِ لا تَقْدرُ أَنْ تَتَبَرَّأَ مِنْ ذاتكَ هَلْ تَذْكُرُ يا هَذا الطَّالِعُ مِنْ مُنْعَرَجاتِ الصَّلَواتِ العَشْرِ السَّاكِنُ في أَوْداجِ الْقَلَقِ الْمُتَحَجِّرِ أنِّي أَرْسَلْتُكَ ..بِالأَمْسِ إِلى ذاتِكَ أَنْ أَنْذِرْها مِنْ قَبْلِ مَجيءِ الْغَضَبِِ الفاحِشِ قُلْتَ -وَصَوْتُكَ كانَ- وَما زالَ- يُمارِسُ عَنْ جَهْلٍ فَنَّ العُرْيِ جِهاراً يا ذاتِِ اتّبعي خَطْوَ عَصافيري تَغْفِرْ لَكِِ مِنْ ذَنْبِكِ ما جاءَ وَما سَوْفَ يَجيءُ وَلَكنْ ما كادَ اللَّيْلُ القاتِلُ يُبْحِرُ في عَيْنَيْكَ بِزَوْرَقِهِ حَتّى أَوْحى الْجِنُّ إِلى ظِلِّكَ أَنَّكَ كُنْتَ تَقولُ عَلَيْها شَطَطا. يا لَيْتَكَ تَقْدِرُ أَنْ تَصْمُدَ عِنْدَ مُواجَهَةِ الصَّحْوِ السّاكِنِ عَلَّكَ تَمْنَعُ ماءَكَ أَنْ يَتَسَكَّعَ بَيْنَ مُوَيْجاتِ الْبَحْرْ الْمَخْمورِ فَرُبَّتَما يُخْرِجُ ماؤُكَ بَيْنَ جِبالِ الصَّحْراءِ الثَّكْلى عِِنَباً وَسِلالاً مِنْ بَلَحٍِ رَطْبٍ وَزَرابِيَ مِنْ تِينٍٍ مَنْثورٍ كَاللُّؤْلُؤ حينَ يُكَبِّلُ جِيدَ امْرَأَةٍ فاجِرَةٍٍ لَكَأَنِّي بِكَ أَصْبَحْتَ اللَّحْظَةَ كَالأُنْشودَةِ تَقْتَحمُ الْحُلْمَ الشَّفَّافَ تُبايعُكَ الآنَ أَنامِلُهُ الذَّهَبيَّةُ جَهْراً وَغَلائلُهُ تَتَراقَصُ بَيْنَ ذِراعَيْكَ فَهَلْ تَعْلَمُ أَنّي لَنْ أَسْمَحَ أَنْ تَحْلُمَ بِالْغَيْمَة تَجْمَعُنا بَيْنَ جَنَاحَيْها إلا إِنْ كانَتْ سَتُفَجِّرُ فينا لَهَباً ثَجَّاجاً. بِاللهِ أَيَا هَذا الطَّالِعُ مِنْ جَوْفي أَوْقِفْ خَيْلَكَ بِِضْعَ دَقائِقَ ثُمَّ تَحَسَّسْ ذاتَكَ. هَذا شَيْءٌ مِنْكَ يُفَتِّشُ فيكَ عَنِ الْمَاءِ الدّافِقِ هَلا تُبْلِغُ ذاكَ الشَّيْءَ الضَّخْمَ بِأَنَّ مِياهَكَ لَنْ تُخْرجَ حَبّا وَنَباتاً وَبَساتينَ وَأَعْناباً. ماؤُكَ قَدْ يُخْرجُ رُعْباً جَبَّاراً وَسَراديبَ وَأَحْجاراً فَتَبَرَّأْ مِنْ ذاتِكَ إنّي الْيَوْمَ بَريءٌ منْكَ بَريءٌ مِنْ كُلِّ حَواريِّيكَ وَمِمّا تَعْشَقُ منْ دون الْغَيْمِ الآتي منْ صَلَوات الأَطْفالْ.