مؤرخ حلب يرثي مدينته

التاريخ يعيد نفسه.

عام 1260 ميلادية ،مؤرخ حلب كمال الدين بن العديم يرثي مدينته.

‏10 أبريل، 2014‏، الساعة ‏02:00 ص‏

هذه قصيدة كمال الدين ابن العديم في رثاء مدينة حلب  ،  كنت قد نشرت هذه القصيدة على صفحتي منذ عام كامل وها أنا أعيد نشرها ، فالألم الذي يعتري النفس لدى قراءتها لابد أن يجلب الأمل  عندما يجد القارئ  أن حلب التي وصف ابن العديم خرابها ذاك استطاعت أن تنهض من جديد .

عاش ابن العديم في حلب حتى هجم"المغول" * عليها سنة 658هـ/ 1260م، قَبْلَ معركة عين جالوت بفترة قصيرة، فرحل إلى مصر، ثم عاد إلى حلب بعد خرابها وهزيمة "المغول"*، ولما عاين ما حلَّ بها من الخراب رثاها بقصيدة مؤثرة  قدم لها بقوله :

هو الدهر ما تبنيه كفاك يهدمُ               وإن رمت إنصافًا لديه فَتُظْلَمُ

أباد ملوك الفرس جمعًا وقيصرًا            وأصْمَتْ لدى فرسانها منه أسهمُ

وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم           وما منهمُ إلا مليكٌ معظَّمُ

وملك بني العباس زال ولم يدعْ             لهم أثرًا من بَعْدِهم وهمُ همُ

وأعتابهم أضحت تداسُ وعهدها            تباسُ بأفواه الملوك وتلثمُ

 ثم وصف ماحل بحلب وصفا مؤثرا جاء فيه:

وعن حلبٍ ما شئت قل من عجائبٍ       أحلَّ بها يا صاحِ إن كنت تعلمُ

غداة أتاها للمنية بغتةً                           من المُغْل جيش كالسحاب عرمرمُ

أحاطوا كأسراب القطا بربوعها              تُقلُّ بهم جُردٌ من الخيل طُهَّمُ

ومن بعد ستٍ هاجموها ومالَهُم             من الموت واقٍ لا ولا منه معصِمُ

فما دفعت أسوارها عنهم الذي              دهاهم ولا ما شيدوه ورمموا

أتوها كأمواج البحار زواخراً                      ببيض وسمرٍ والقتامُ مخيمُ

فلو حلب البيضا عاينت تُرْبَها                   وقد عَنْدَمَ الِفضِّيَ من تربها الدمُ

وقد سُيرت تلك الجبال وسُجرت              بهن بحارُ الموت والجوُّ أقتمُ

وقد عُطلتْ تلك العِشارُ وأُذهلتْ              مراضعُ عما أرضعتْ وهي هُيّمُ

فيا لك من يومٍ شديد لغامه                     وقد أصبحت فيه المساجدُ تُهدمُ

وقد دَرَستْ تلك المدارسُ وارتمت            مصاحفُها فوق الثرى وهي ضخَّمُ

وقد جُزِّزَت تلك الشعورُ وضُمخت             وجُبْنَ بأمواه الدما وهي تلطمُ

وكل مَهاةِ قد أهينت سبية                       وقد طالما كانت تُعَز وُتكرمُ

تنادي إلى من لا يجيب نداءَها                 وتشكو إلى منْ لا يَرقُّ ويرحمُ

فما غادروا إلا اليسيرَ وقد أتى                 الحسابُ على الباقين بالحرف يقسمُ

وأضْوَتْ رسومٌ كُنَّ فيها وأقفرت               ربوع بهم كانت(تنهر) ؟ وتُرْسَمُ

فأيقنت أن الأرض مادت وأقبلت               بها الطامة الكبرى والآن تُنْقَمُ

فيا حلبًا أنَّى ربوعك أقفرتْ                      وأَعْيَتْ جوابًا فهي لا تتكلمُ

وكنتِ لمن وافاك بالأمس جَنَّةً                 فما بالُ هذا اليوم أنتِ جهنمُ

بأي جناً منكِ استحقيتِ ذا الذي              أصابكِ والأعداء فيكِ تقحًّموا

وكيف أصابتكِ الحوادث غرة                    بعين الردى والبؤس عنكِ يُترجَمُ

أما كنتِ ملجأ لمن خاف حايراً                 وفيكِ لذي البأساء والضُر أنْعُمُ

أما كنتِ للوفود مقصدا                           يخافكِ ذو شر ويرجوك مُعدَمُ  

يعز على قلبي المعَنَّى بأنني                أرى ربْعَكِ المأنوسَ قَفْرا ويَعْظُمُ

فأين أحبائي الذين عهدتهم                   بربعكِ والقُطَّانُ فيكِ تخيِّم

وأين شموسٌ  كُنَّ بالأمس طلَّقًا            فأين استقلوا بالرِّكاب ويَمَّمُوا

فها أنا ذو وجدٍ يُجُن بأضلعي                 عليكِ وعيشي في البلاد يُذَمَّمُ

أنوح على أهليكِ في كل منزلٍ              وأبكي الدجى شوقًا وأسألُ عنهمُ

ولكنَّما لله في ذا مشيئةٌ                       فيفعلُ فينا ما يشاء ويحكمُ

ولم يُطق ابن العديم الإقامة في حلب بعد خرابها، فعاد إلى مصر مهموماً مغموماً حيث وافته المنية سنة 660هـ/ 1262م، ودفن بسفح جبل المقطَّم في القاهرة.

* كتبتها في الأصل : التتار .و قد نبهني الأخ عبد العزيز الططري بتاريخ15-6-2015 إلى أن الصحيح هو : المغول بدلالة ما ورد في قصيدة ابن العديم ، وعدلتها ابتغاء لصحة المعلومة.

وسوم: العدد 710