راعفٌ جرحُ المروءةْ

هذه القصيدة فازت بالجائزة الثانية ، من مؤسّسة عبد العزيز البابطين ، في الكويت لعام /2001 م / في مسابقة : ديوان الشهيد محمد الدرّة 

                    (ملحمة الشهيد : محمّد الدرّة )

قدَراً قُدِرْتَ ، فما مَحاكَ الماحي      

                                 هيهاتَ .. أنتَ الرَوحُ للأرواحِ

أنتَ الشهادةُ والشهيدُ ، وشاهدٌ

                            يَرويْ ، لِمَن في الأفْق ، مافي الساحِ

أنتَ البَراءةُ كلّها ، وأقلّها :                 

                            أنْ طِرتَ فوق الغيم ، دونَ جَناحِ

غدَروا ..!؟ كذلك يفعلون ، مَخافةً             

                           مِن أنْ يُشابَ فسادُهمْ بصلاح

                      ******************

محمّدُ .. يا أسمَى الكنوزِ ، ويا أغلى 

            وياروضَنا الأبهَى ، وياحُلْمَنا الأحلى

بَلوْتَ صُنوفَ الرُعْب ، ثمّ سَلَوتَها

              غَداةَ رَشفتَ الأمنَ ، في المَلأ الأعلى

تَمازَجَ فيك ، البؤسُ والبشْرُ في ضُحىً

               أمَرَّ مِن الدِفلى ، وأزهَى مِن الدِفلى

                      ********************

أيّها الغصنُ ، الغلامً ، النُورُ .. مَذعوراً سَمَوتْ

صادَكَ الموتُ ، لتحيا ، حينَ صارَ العَيشُ ، مِن حَولِكَ

 كلُّ العيش ، موتاً ، ثمّ موتاً ، ثمّ إنذاراً بموتْ !

جَوقةُ الموتِ ، صَغيري :

كلُّ هذي المفرداتِ الصُفْرِ والسودِ ، من الأشياء ، والناسِ

 – وجُلُّ الناس أشياءٌ - ومِن بَعضِ بقايا الغابرينْ ..

فمِن الصُفرِ وجوهُ الخائفين ..

ومِن السودِ جباهُ المجرمين ..

ومِن الصُفر رَصاصُ الغادرين ..

ومِن السودِ حَديدُ القاتلين ..

اسمع الجَوقة ، تهذي ، يامحمّد:

قفْ .. رصاصْ

مُتْ .. قذيفهْ

ومَضى جَزّارهمْ ، دونَ قِصاصْ

وتوَلّى راجمُ الصاروخ ، مزهُوّاً ، يغنّي

ناشراً كفّيه ، للريح ، بقلبٍ مطمئنّ :

ما الذي يَحظى به الأمواتُ ، منّي !؟

ما الذي يَهذي به الأحياءُ ، عنّي !؟

كل ما يَقضي به القاضونَ ، والقانونُ ، سطرٌ في صحيفهْ

وصراخاتُ ثكالى ، تتعالى في الفجاجْ

ودهاليزُ على جدرانها الزرق عباراتُ رثاءٍ

واعتراضاتٌ وشجْبٌ واحتجاجْ .

           ****************

سمَوتَ ، لتُنبئَنا ، يامحمّدُ ، أن الهبوطَ عَدوّ الحياهْ..

وأن ضَريبتَه الانسحاقُ ، وذلُّ الجِباهِ لغيرِ الإلهْ

وأن بدايتَه الانحدارُ..

وأن نهايتَه الاندثارْ..

وأن السكوتَ على ألِفِ الظلم ، يُوصل للياء ، بَعدَ العَياءْ..

وأن البدايةَ ، أمُّ النهايةِ ، يَدري بها كلُّ طينٍ وماءْ..

وأن بني الأرض للأرض ، إلاّ نفوساً تَسامَينَ ، نحو السماءْ..

وأن الحياةَ بغير إباءٍ ، فناءٌ ، وأن النفوسَ هَباء..

        ********************    

تمَهّلْ ، صغيري ، فما زالَ وَجْديْ  

                لَهيباً ، ومازلتُ أمضغُ جَمْرا

تمَهّل ، فعُمْريْ الذي شلّ قهْراً

              قبَيلَ ارتقائِكَ  ،  ماكان عُمْرا

تجَمّدتَ ، رُعباً ، بحِجْرِ أبيك

             وخَوفاً  عليك ،  تجَمّدَ  ذُعْرا

وجَمّدتِ الأعينَ الشــــاخصات

            ثوانٍ ، جَمَدنَ ،  فأصبَحنَ دَهْرا

وغابَ الزمانُ  ،  وغابَ المَكانُ 

          وكلُّ ابنِ ِ أنثى تحَوّلَ  صِفرا

ولمْ يَبقَ ، إلاّ نُيـــوبُ  الذئاب 

              تُمَزّق ُ شِلواً ، وتَهتِك سِترا

            ***********

عُذراً إلى ( الليكودِ ) و(المِعْراخِ )

          وذئابِ ( شاسٍ ) والقرودِ ب (كاخِ)

أعوانُكمْ ، في داخلي ، غَلّوا يَديْ

        عنكمْ ، وغَطَّوا ، بالطبولِ صُراخي

أحبارُكمْ قد وَرّثوكمْ حقدَهمْ

              وورِثتُ حبَّ الخيرِ عن أشياخي

وعَبيدكمْ نبَذوا  الهُدى ، وتسابقوا

            في الهُونِ ، بين بَلاقـِـع وسِباخِ

أشرَبْتموهمْ عِجْــلكم    فــتهافتوا

             يَحــمــونكمْ ، بمودّةٍ وتــــآخِ

جَرّعتموهمْ شرَّ سُمٍّ ، فانتشَوا

            وتصايَحوا  : سَلِمتْ يَدُ الطبّاخِ

وتساقطوا ، مِثلَ القَنافذِ ، في الدُجى

             يَعوون ، بين مَصائِدٍ وفِخاخِ

سَكنوا القصورَ ، بذِلّةٍ ، وتَصاغَروا

          عن عِزّة الشُرَفاءِ ، في الأكواخِ

وغداً سأ كنُسكمْ  ، وأغسِلُ مَوطِني

         مــــمّا نَثرتمْ  فيه ، مِن أوساخِ

                    *********

في زمان ٍهائمٍ في الأمكِنهْ  

         ومكانٍ هجَرَتهُ  الأزمنهْ

قابعٌ " زيدُ بنُ عَمْرٍو " عُمْرُهُ :

        ثلْثُه قَـــرْنٌ ،   وثُــلْثاه سَنَهْ

يَعرفُ الأعوامَ ، مِن أوجاعِها

      فالذي أدْماكَ ، منهــا ، أثخَــنَـهْ

ما مَضى مِن عُمْرهِ ضاعَ سُدىً

         والذي  لمْ يأتِ أمســَى دَيْدَنَهْ

لمْ يكـــنْ إلاّ يَداً مَغلولةً

         ولسـاناً حــاصَرتْــه الألسنهْ

غارقٌ في صُورةِ الطفلِ ، التي

        جابَت العالَــمَ ، تُخْــزي مـُــدُنَهْ

فــاعفُ عنه ، ياصغـــيريْ ، إنّهُ

        جُثـــةٌ ، لولا نِــــداء المِئذنهْ

هُوَ فَـــرْدٌ ، في قطيعٍ خــانعٍ

           مَضغَ الإذعانَ ، حتّى أدْمَنهْ

عُــذْرُه – لمّا رأى ما قـــدْ رأى –

           أنّـــهُ من أمّــة ٍ مُمْــتحَـنهْ

شَــلّه عنكَ ، وعَنــهُ ، قَــيْـــدُهُ

          وإراداتُ  رُعــاةٍ مُذعِـنهْ

والذي أرداكَ ، أردى عَـــزمَــهُ

      بيـن جدران ٍ، دَعـاهـا " مَوطِنَهْ "

         ********

تناثَري ، يا شَظايا الشمسِ ، في المُدنِ

        من الرِباطِ ، إلى يافا ، إلى عَدَنِ  

إلى دمشقَ ، إلى تـبْريزَ ، مُرسِلةً

      بعضَ الشُواظ ، إلى أحفادِ ذي يَزَنِ

وبارِكي كـلَّ حيٍّ ، في الثرى ، أنِفٍ

          وأحرقي كلَّ مَيْتٍ ناشِطِ البَدَنِ

            **********

تــبَعْـثـــري ..تــبَعْـثــري

             بينَ فِــجـــاجِ الأعْـصُــرِ  

في كلّ رَوضٍ مُـقْـفِــرٍ           

          وكلّ قَــــفْـــرٍ مُـــزْهِــــرِ

وكلّ ليــلٍ مُشْــمِــسٍ

          وكــلّ صُبْــحٍ مُـــقْـمِــرِ

وكلّ قـلبٍ أسْـوَدٍ

             وكلّ ماءٍ أحْـمَرِ

تطايَري وحَذّري

       وهَـوّمي واستنفِري

وبارِكي واستغفري

         أو أحرقي ودَمّري

هذا الذي.. تلك التي..

          مِن بائعٍ ومُشتَر

وبائسٍ وناعمٍ

       وأبيضٍ وأصفرِ

وفارسٍ مكَـبَّـلٍ

     وسادِرٍ مُستهْتَرِ

زُوري الوَرى ، كلَّ الوَرى

   لا تكسَلي ، أو تـفْـتُـري

لاتتركي ثأرَ الفَتى ال

    مظلومِ ، حتّى تَـثأري

   *********

ارمِ ، ياراميْ ، الضَنى والقلَقا

         في مآقيهمْ ، شُواظاً مُحْرِقا

ارمِهمْ ؛ أنتَ بَعيدٌ ، فوقهمْ

      فابعَـثِ السُهْدَ ، لَهمْ ، والقلقا

مزّقوا صدْرَكَ والزَيفَ ، مَعاً

          فتَسامَيتَ ، وأوْدَى مِزَقا

وارتَقى مْجدُكَ ، يُخْزي ذِكرَهمْ

  إنّ دَربَ الخُلدِ صَعبُ المُرتـقى

لا تَـلمْهُمْ ، ياصغيريْ ، إنّهمْ

    منذُ  كانوا ، لمْ يُراعُـوا مَوثِـقا

عَبَدوا العِجْل ، ومُوسى بَينَهمْ

  أفَـيُـرْجَى ، منهمُ ، اليومَ ، تُـقَى !؟

 **************

محمّدُ ، جاءَ الغدُ المُستحيلُ ، الوَسيمُ البَـريءُ الوضيءُ الجَميلْ

أطَلَّ ، بصَيحاتِ :(اللهُ أكبرُ) ، تُحْييْ النُـفوسَ ، وتَـشفي الغَـليلْ

وباتَ المُحيطُ يَهزّ المُحيطَ ، وبين المُحيطَـيْـن يَـعْـلو الصَهـيـلْ

    *************************

والمَنابرْ ..

بعضُها : يَدعو إلى فَتحِ المَعابرْ..

بينَ مَغدورٍ بهِ ، أوْدَى بلا ذنْبٍ ، وغادِرْ..

بعضُها : يَزدَردُ الأحزان ، في صَمتٍ ، على أهلِ المَقابرْ..

بعضها : يَجتاح ـ بالصَوتِ ـ جبالَ الأرضِ ، والشَلاّلُ مِن شِدقيْهِ هادِرْ..

بعضها : يَبكي على مانالَ أبناءَ الأكابرْ..

مِن رَزايا ، أو خَسائرْ..

بعضُها : يَتلو أناشيدَ السَلامٍ العَذبِ ، ما بين العَشائرْ..

وبكـفّـيْه دَنانيرُ ، وأكوابٌ ، وكِيسٌ مِن بَشائر..

بعضُها : يَعزو ، إلى بعضِ المَصادرْ..

طُرفةً أندَرَ مِن كلّ النَوادرْ..

أنّ مَنخوراً ، مِن الأوثانِ ، قد هَـبَّ ، على هَيئةِ ثائرْ..

كيْ يُعيدَ الأرضَ والتاريخَ والمَجدَ ، بألوانِ المَساخرْ..!

             ***************

محمّدُ .. يا أنا ، وأبيْ ، وجّدّيْ

        وذُخري ، في التجَـلّـدِ والتحَدّيْ

وأبنائيْ ، وأحفاديْ ، وأهليْ

    جَميعاً ، والضياءَ العَذبَ ، عنديْ

وتاريخاً تَجَسّد في غُلامٍ

    وجُرْعَةَ حَنظلٍ ، في كأسِ شَهْدِ

رأيتكَ قادماً ، مِن نِصفِ قَـرْنٍ

   تُـثيرُ، بوجهكَ المَحزونِ ، سُهْديْ

غَداةَ شَرَدتَ ، مِن عَكّا ويافا

   تُـقاسي الويلَ ، مِن جُوعٍ وبَرْدِ

وعشتَ ، وعاشت الأحْلامُ ، تَـتْـرى

      وعاش الشوقُ ، في جَـزْرٍ ومَـدّ

وكان وكان ، ما قد كان .. حَسْبيْ

       أثارتْ ذكرياتُ القهْرِ وَجْديْ

     ****************

ياصغيري ..

غاصت المَأساةُ ، في المَلهاة ، حتّى الأذُنَينْ..

لا تَسَلْ : كَيفَ !؟ وأينْ..!؟

إنّها في العَظمِ ، تحتَ الجلد ، في الأضلاع ، خَلفَ المقلتين..

تحتَ أظفارِ اليَدَينْ..!

يَرحَـلُ الآلافُ ، آلافُ المَغاوير الأساطير الأزاهير،

الأباةِ الشُمّ ، خلفَ الشمس ، تحت الأرض .. جَرحى ، ثمّ قتلى ،

ثمّ صَرْعى ، بَينَ بَينْ ..

ثمّ يَختالُ هُواةُ القتل ، أبناءُ الأفاعي..

حينَ يَروي رأسُهم ، للناس ، في شتّى البِقاع..

( سحَـقتْ قوّاتُنا بعضَ الرَعاعِ ) !

وإذا ماعاقبَ الشعبُ المُعنّى ( مُجرمَيَنْ )

قيلَ : عَجّـلْ ، واعتذِرْ.. يا...

قد قَتلتمْ ، في قُراكمْ ( تائهَينْ ) !

   ***************

دَفعْنا ، مُحمّدُ ، جِيلاً فجيلا..    

              رُسوماً ، ضَرائبَ ، ذُلاًّ ذَليلا..

لِماذا !؟ لِمَنْ !؟ كيفَ !؟ لا.. لنْ أقولَ..

                كَرابيجُ تَمنعُـني أنْ أقولا..

دُفِعْنا ، لنَدفعَ ماليسَ يُدفَعُ

          إلاّ إذا أصبحَ الفأرُ فيلا

وإلاّ إذا أصبحَ الفيلُ فأراً

     وليثُ الغَضا صارَ قِرداً هَـزيلا

وقد صارَ هذا وهذا وذاكَ

          وصارَ، لنا ، القهرُ ظِلاًّ ظَليلا !

مُبعْثرةٌ جُثّـتيْ ، يامُحمّدُ

    غَرباً ، وشرقاً ، وعَـرضاً ، وطُولا

هنا مُهجتيْ ، وهنا مُقـلـتيْ

              ونفسيْ تُكابدُ داءً وَبيلا

        *********

دَعْـكَ ، مِنّا ، يا بُـنَيّْ ..

دَعْـكَ مِن هذا الهُراءِ الغَثّ ، واللغْو الغَبيّْ..

كلّنا يَحتالُ ، كيْ يَسرُدَ عُـذْرا

كلّنا يَبتكرُ الأعـذارَ، تَمْويهاً ، ومَكْرا

أينَ مَكرُ الكَهل ، مِن طُهْر الصَبيّْ !؟

أنتَ ، ياراميْ ، حَياةٌ غادرَتْ مَوتَى

وكَمْ مَيْتٍ ، بهِ أنفاسُ حَيّْ !؟

فابْكِ للأمواتِ ، مِن أحيائِنا السارينَ..

في دَرْبِ الشقاءِ المُرّ، والوهْم الشَقيّْ

   **************

إنّ أنْـقى فارسٍ ، في المَلحَمَهْ

فارسٌ يَسلبُه الغَدرُ - بلا جُرْمٍ ، ولا ذنْبٍ - دَمَهْ..

فارسٌ ، طفلٌ بَريءٌ ، لمْ يَكدْ يَفتحُ - لولا دَهْشةُ الذُعْـرِ- فمَهْ !

كان مَشروعَ كَمِيٍّ ، أو زعـيماً عَـبقريّاً..

يُلهِمُ الأجيالَ ، في ساعةِ عِـزٍّ مُلهِمَهْ..

كان مَشروعَ فدائيٍّ مُعَدّ للّياليْ المُعْـتمَهْ

فتغَشّاه الفِداءُ الصعْبُ ، حتّى صار ، في لحظةِ وجْدٍ ،

واحتراقٍ ، وانبِهارٍ .. رَمْزَهُ ، بَلْ عَـلَمَهْ !

أنتَ ذاك الفارسُ الأسمَى ، الذي

في كلّ إحساسٍ ، لَنا مِنهُ ، لَهُ فينا ، سِمَهْ

وَحّدَتْـكَ اللحظةُ الحَمراءُ فينا ، وَحّدَتْنا فيكَ ،

صِرْنا جَمْعَ أحرار، وما في القومِ عَـبْدٌ ، أو أمَهْ

وعَـلِمْنا ، وحَـلَمْنا ، أننا أبناءُ شعْـبٍ مؤمنٍ

لا لحظةٍ مأزومَةٍ ، مهزومَة ، مستسلِمَه

            ************

إذا البَرقُ لمْ يَبرُقْ ، ولمْ يَرعُـدِ الـرَعْـدُ

      فلن يُرتجَى للعَيش ، سَهْـلٌ ، ولا نَجْـدُ

ولن تَبسُمَ الدنيا ، ولن تُورِقَ المُنَى

      ولن تُـثْمِرَ الأحلامُ ، أو يَنبُتَ الوَردُ

إذا ضَنَّ شِريانُ الفؤادِ ، بدَمْعِهِ

    أنَرجو، بدَمْع العَين ، أن يُزُهِـرَ الخدُّ !؟

               **********

رَقِيتَ نَقيّاً ، ومِثلُكَ يَرقَى  

  ونحتاجُ ، نحن ، إباءً وعِـتْـقا

   لنكْسِرَ قَيْداً ، ونَدفِنَ رِقّـا

ونَحتاجُ غَـيْماً ورعـداً وبَرقا

ونَحتاج حُـبّاً وطُهراً وصِدقا

ونَحتاجُ نُوراً ، يَغوصُ عَـميقاً

يُطهّرُ عُـمْقاً ، ويُدفئُ عُـمْقا

ويَنْسَلُّ ، يُوغـلُ بين العُـروق

  يُحَـفّـزُ عِـرقاً ، ويُبْرئُ عِـرقا

ونَحتاج - كيلا يَذِلَّ الرجالُ -

   دَماً ، في الشرايينِ ، يَدفُقُ دَفْـقا

ونَحتاج ألاّ نكونَ قطيعاً

  لِوغدٍ ، يَرى الظُلمَ عَـدْلاً وحَقّا

ونَحتاج ألاّ يَعيثَ بِنا وثنٌ عابثٌ ، يَسحَقُ الشعبَ سَحقا

                *********

راعِـفٌ جُرحُ المُروءَهْ ..

راعِـفٌ ، يَنْهلّ منه الغيثُ ، وَرْديّاً ، ويَأبَى أنْ يَسوءَهْ..

راعِـفٌ ، يا وَردَةً في مَهْمَهِ الرُوح ، وسَطراً في نُبوءَهْ..

يا سراجاً أشعَـلَ الغاباتِ ، في أعـماقِنا ، لمّا اشتعَـلْ..

فتـلَظّى لَهَبُ التَـنّور، يَجتاحُ الحَـنايا والمُقَـلْ..

وتَداعَـتْ حُـزَمُ الأشواك ، أشواكِ الرياءِ المُنـتَـشي فينا ,

وأغصانُ الـدَجَـلْ ..

وتَهاوتْ ، كُـتَلاً فوق كُتَـلْ ..

والمَشاريعُ ، مَشاريعُ الأناسيِّ ، التي نَسعى إلى إنشائِها فينا ،

برَيْـثٍ ، أو عَـجَـلْ..

كلّها هاجَتْ ، كأفراخِ البَراكين .. تَسامَتْ ، كلُّ بُركان بصَدْرٍ،

يَبتغي رأسَ جَبَـلْ ..

ثمّ جَـفّ الزيتُ ، وانهارتْ ذُبالاتُ المَصابيح ، وأجسادُ الشُموعْ..

وتَرامَتْ عـندَ أقدام الفَـتور العَـذب ، ما بينَ الضُلوعْ ..

وتَراكَضنا ، قطيعاً هائِماً خَـلفَ قطيعْ..

هاهُنا لَـفْحَةُ بَرْدٍ ، هاهُنا لَـمْعَةُ تِبْرٍ ، هاهُـنا عَـضّةُ جُوعْ..

إنها اللُعبَة ، في أعـماقنا ، منذُ الأزَلْ..

صَعِدَ اللاعـبُ ، فيها ، أو نَزَلْ.. 

لعْبةُ اليأس ، الذي يَطغى ، فـيُرْديهِ الأمَـلْ

يَعصِفُ الموتُ ، بنا ، قبلَ اكتمالِ الوَهْـج ، لا يُقصيهِ ذُعْـر، أو وجَـلْ !

مانَجا ، إلاّ نَبيّ ، مِن زَلَـلْ ..

أو شهيدٌ ، قبلَ إتمام لياليهِ ، نَما حتّى اكتمَـلْ..

صار بَدْراً ، ثمّ قُـرْصاً مِن عَـسَلْ

وتَسامَى .. وارتَحَـلْ !

     ***************

عُـدْ إلينا يامحمّدْ ..

لا تَعُـدْ شِلْواً مُدَمّى ، أو فؤاداً يَتنهّدْ ..

أنتَ ، في وجداننا ، ذِكرى من النيران والأحزان..

في كلّ صباحٍ ومساءٍ ، تـتوقّـدْ ..

عُـدْ إلينا .. لا..

إلى ماظلَّ فينا ، منكَ .. في أحداقنا ، ممّا رأينا..

دَفْقَ حُـبّ ، نَـفْحَ رَوض ، ضَوءَ فَـرْقَـدْ ..

عُـدْ لنا ، بالـفَرَح الأسمَى ، الذي في كلّ يوم يَتجدّدْ .

أنتَ مَن فَجّـر آلافَ اليَنابيع ، من الحُبّ الذي قد كاد يَنفَدْ .

إنّ بُغضَ الشرّ والأشرار، حُبٌّ لِمعاني الخير فينا ، يا صغيرْ !

إنّ مَقتَ الظُلم والظُلاّم ، عِـزٌّ ، يا أميرْ !

أيّها الرمحُ الرُدَينيّ المسَدّدْ..

أيّها الرَمزُ الذي فينا ، وفي العَلياءِ ، يَصْعَـدْ..

إنّ سيفَ الحقّ بَتّارٌ ، ولكن في قرابِ الجُبْن مُغمَدْ !

عُـدْ ، فإنّ العَودَ ، مِن أمثالك الأبرار، أبناء الغدِ الوَضّاءِ ، أحمَدْ ..

عُـدْ ، فإنّ العَـودَ أحمَدْ .

                  ************

عُـدْ إليْـكْ..  

عٌـدْ إلى ما أنتَ فيهْ..

عُـدْ إلى أعذَبِ شَهْد تَحتسيهْ..

يا سَناٍ ، يا دُرّةً ، يا طَيْرَ أيْـكْ .

      ***********

طِرْتَ ، لا تَحْملُ حتّى بُرتقالهْ..

ياجَواباً ذبَحَ البَغيُ سُؤالَهْ ..

وعـلى الشمسِ ، مِن الحُزن غِلالَهْ..

ورَشَفْنا كأسَنا ، حتّى الثُماله:

قَطرةً مِن بَعدِ قَطرَهْ ..

عَـبْرةً تَطرُدُ عَـبْرَهْ..

نَظْرةً تُحرِقُ نَظْرهْ ..

فِكرَةً تَسحَقُ فِكْرهْ..

جَمْرةً تَأكلُ جَمْرَهْ..

حَسْرةً تَخنُقُ حَسْرهْ..

والدمُ القدسي يَسقيْ القُدْسَ ، كالشّلاّل ، مِن شِرْيان زَهْرَهْ ..

زهْـرةً تَنبُت في أحْضان زَهْـرَهْ..

دُرّةً تَحـرُسُ دُرّهْ..

تَصْعَدُ الرُوح ، إلى الأعـلى ، لتَبقى " دُرّةُ الأرواح " حُـرّهْ..

ولتَبقى غَـضّةً ، في أعْـيُن الأجْيال ، أحْلامُ الغدِ الآتيْ

 المُوَشّى بالمَسَرّهْ .

*************

ياصَديقي .. ياصَغيري..

نحن لا نَرثيكَ ، لا نَبكيك ؛ فالمَوتى ، لدَينا ، مِثلُ ذَرّاتِ الترابْ..

قدْ ألِفْنا مَوتَنا ، حتّى إذا مانام منّا واحدٌ ، تحتَ الثرى ، يوماً ، وغابْ..

قامت الدنيا ، ولمْ تقعدْ ، كأنّا مارأينا ، قبْلَه ، مَيْتاً ، ولمْ نقرأ ، ولمْ نَسمَعْ

بأنّ الموتَ مكتوبٌ علينا ، في كتابْ

أنت قدْ فجّرتنا ، فجّرت فينا الحِسَّ ، حِسَّ الموت ، حِسَّ الحُبّ ،

حِسَّ العَيش ، حِسَّ الاغـتِرابْ ..

نحن لا نَرثيك ، لا نَبكيك ، بلْ نَرثيْ لنا ، نَبكيْ عَـلينا..

كلّ أمّ ، في بلادِ العُـرب والإسلام ، أمُّكْ ..

كلّ أمّ ، مِن بَنيْ الإنسان ، لمْ يَخبُثْ دمُ الإنسان فيها ، هيَ أمُّكْ..

كلّما ضَمّتْ ، إلى أضلاعها ، أطفالَها ، شَوقاً ، تَضُمُّكْ..

كلُّ مَفجوع ، بلا سَيفٍ يَردُّ الظلمَ عنهُ ، وبلا راعٍ يَصّدّ الذئبَ عـنه ،

حيثما كان .. أبوكْ ..

كلّ طفلً ، في فِجاج الأرض ، مَقتولٍ بلا ذنْب جَناه .. هوَ أنتْ..

منذُ كان الظلمُ في الدنيا ، وقابيلٌ وهابيلٌ ، وأطفالٌ توَلّتْهمْ ذئابُ الرُعـب..

كنتْ ..

ياصغيريْ..

عٌـدْ إلى أشواقنا الخُضْر، إلى بِيض رُؤانا..لا إلَينا..

ماحَمَيناك ، وقد نَحميكَ ، يوماً ، إنْ حَمَينا ما لدَيْنا..

مِن لُصوص ، سَرقوا حتّى رغـيفَ الخُبز، من بَينِ يَدَينا ..

إنْ رشَفْنا النورَ، صِرفاً ، فانـتَـشَينا..

ثمّ أسْرَجْـنا الرياحَ الهُوجَ ، خَيْلاً ، وامتطَينا .

إنّنا ، اليومَ ، مَتاعٌ ، أو دُمىً ، أو بَينَ بَينا..

خَيّمَ الذلُّ ، أو الجُبنُ ، أو الذُعْـرُ، أو الجهلُ ، أو الظلمُ ، أو القهرُ.. عَـلينا !

يا فلسطينيُّ ، يا ابنَ المَجْد ، يا ابنَ الشمس ، يا ابن القدْس ، نحوَ الشمس

مَزْهُوّاً ، وصَلتْ ..

سافَرَ النُورُ، الذي في قلبكَ الوَرْديّ ، نحوَ النُور، لمّا صادكَ الغَدْرُ،

فآثرتَ الرَحيلَ المُرَّ ، عـنّا .. فارتحلتْ .

وارتحلنا ، نحن ، نحوَ التِيه ، في أعـماقِنا ، نَسألُ عـنّا ..

فإذا أشخاصُنا مذعـورةٌ ، تَهربُ منّا..

وإذا أكبادُنا مَفطورةٌ ، تَنفِر منّا

وإذا الصبْرُ، لنا ، مَحْضُ احتراقِ..

وإذا الصمْتُ ، لنا ، مَحْضُ انسحاقِ..

وإذا الساعاتُ ، ساعاتُ الفِراقِ..

عـندما سافرتَ عنّا ، حاملاً صَكَّ انعتاقِ..

مَحْضُ مِلحٍ في الشرايين ، ومِلحٍ في المَآقي !

               *********

ياصغيري ..

أيّها الماضي إلى مجْدِ الحياةِ..

أنت قد ترجَمْتَ مأساتيْ ، إلى شتّى اللغات..

أنت مرآتيْ، التي أبصرتُ فيها ، عجْزَ ذاتي..

أسقطتْ مأساتُك الحمراء ، أوهامَ السلام المُرّ، أعـراسَ السَلام الفظّ ،

أحلامَ الصِغار البائسين ..

أوْغلتْ ، في الصِفر، تحتَ الصِفر، في أعماق بِئر الصِفر..أشلاءُ أمانيّ

الحُداةِ الخانِعين..!

يَخْجلُ التاريخُ ، مِن رَجْع النُواحِ..

إنْ تَهاوَى ، في وِهادِ المَوت ، أبناءُ الأفاعيْ..

أفَلا يَخجلُ ، إنْ ضاعت مَعانيْ الحُبّ ، في بَحْرِ الضَياع !؟

وإذا صارت شُعوبُ الأرض ، في الأرض ، رُكاماً مِن أضاحِ !؟

             ***************

أنت شَعْبٌ كاملٌ ، في لجَّة الموتِ مُجسّدْ .

فانتظِرْنا ، يامحمّدْ ..

انتظِرْ أبناءَنا ، أحفادَنا ، الآتينَ مِن فجْرِ غَـدٍ ، غيرِ بَليدٍ ، ودَمٍ يَنصَبُّ

مِن أوصالِنا ، غـيرِ مجمّدْ .

فاعْـفُ عـنّا..

إنّنا نَشهَدُ أنّا ..

قدْ سَئِمْنا الضَيْمَ ، واشتَقنا إلى العِـزّةِ والإقدامِ ..

فاشهَدْ .

وسوم: العدد 711