أحلام حفيد صاحب الرأس

قـــــــــــــــــال تـــــــعالــــــــى:

لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْإِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴿٨إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْوَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴿٩

ســــورة الممتـــحــنة

قــــــــــال أخـــــــــــــو مــــــــــازن فــــــي رثـــــــــــاء نــــــفــســه:

تذكّـرتُ من يبكي عليّ فلـــــــــــــــــــــــم أجدْ

سوى السيفِ والرمـــح الردينيّ باكــــــيا

فيا صـــــاحِبَيْ رحلي دنا الـــمـوت فانزلا

برابـــــــــــيـــة إنـــــــــي مقــــــــــيم ليــــــــــــــــــــــــــــالــيا

خـــــــــــــــــــذاني فــــــــجُرّاني ببردِي إلـيــــــكـمـــــا

فقد كنت قبـــل الـيوم صــــــــــعباً قـــياديــــا

يقولون: لا تبعدْ، وهـــــــم يدفـــــــــــــنــونني

وأيــــن مكــــان البــــــــــــعـــد إلا مـــــــــــــــــكانيا؟

ويا صــــــاحبي إما عرضتَ فبـــــــــــــــــــــلّغــــنْ

بــــــني مازنٍ والـــــــــــريب ألا تــــــــــــــــــــــلاقــــيا

وعـطّـِلْ قلوصــــــــي في الركـاب فإنـــــــــــــــها

ســــــتبــرد أكـــــــباداً وتـــــبكي بواكــــــــــــــــــــــيـا

أحلام حفيد صاحب الرأس

ولّى كصدْرِ الســـــــــــيفِ، لم نَعرفْ مصيره

منْ بعد ما أَلقى تحيّـتَـهُ، وصلّى ركــــــــــعتينْ

لم يحــــتملْ غيَر الـــــتقى زاداً

وشــــــــــــيءٍ ما أمــــــــــَـيّزُهُ

ولمْ يَكتُبْ وصــــــيّـتهُ الأخيرة

قــــيـــــــــــــلَ: انتضى ســــيفاً، وقاتلَ تحت أســـــــــــــــــــوار الخليلِ

وقيــــــــــــــلَ: مات بســجن تَـدْمـُـر والــــــــسلاســـــــــلُ في اليدينِ

وقيـــــــــــــل: شوهدَ وهْـو مؤتزرٌ غبارَ الخيل في البيـــــداءِ

كان مرافـــقاً أســـــماءَ،

وهْــو فتى تعشّقـت الجبالُ عبيــرهُ

وتدثّرت بصــــــلاته، وأظلّت الغابات صولَتهُ،

وكانت بعضَ جُندهْ

أسماءُ تحمل تحت ردءِ الليل للفقراءِ رفدا

وهْـو يحملُ، من مواجده ، المسدّسَ والذخيرة

وقضى شهيداً عند كابولَ الأسيرة

وأنا بـَصُـرْتُ به يُصاحِبُ كلّ صعلوكٍ بطنجةَ

أو يَـطُـوف بمجلس الفقراءِ في مُــرّاكشٍ

ويمـــــــــدّ للأوراس زنــــــــدا

كـان مُـدّرِعاً بجوف الليل آياتٍ من الأنفالِ والتوبة

قلتُ: اتخذني صاحِباً..

قـــال: استعدّ إذن، ولا ترتبْ بما يُلقى إليكَ،

طريقُنا الإقلالُ والغربة

*  *  *

يا أيّــها الحلمُ المدجّـجُ بالتوتّر والكآبة

القلبُ منْـك كتيبةٌ شهباءُ

زاحـــفةٌ إلى مُــدُنِ الدخانْ

والوجه نهـرٌ ساكنُ القسماتِ، مضطرمُ الجوانحْ

من أيّ أفــــــــقٍ؟ أيّما أرضٍ تفجّرت الســحابة؟

من أي زاوية تدفّـق ذلك النبع المحمّل بالأمانْ

من أيّ صــــــــــقعٍ جـــــــــــاءَ؟

من أيّ العصورِ الضارباتِ دمي المكافــــــــــحْ؟

عيناك تـــــشتعلان مثل حــــمامتــــينِ.

غمامتين تغادران غُديّـةً نهرَ الرمــادِ

وتُـضْـرِمان النارَ في أشلاءِ موتانا، فينتفض العبادْ

أَوَ إنه يوم المَعادْ؟

                                    أم إنه الطوفان عاد؟

أم إنه الموتُ الكبيرُ يلفّ في بُـــــــــــرْدَيـْـهِ

من لم يستجبْ للفجر واتّشحَ السّــوادْ؟            

*  *  *

آتيك مشبوبَ الإرادة

آتي وأنوارُ اليقين تفيض من قلبي

وفي شفتي تراتيلُ العبادة

هـــذا دمي متوهّجاً ...  يا معشر الأحبابِ

من أين الطريقُ إلى عراجيـــن الشـــــــــــهادة؟

لي إخوةٌ يحْيونَ ما بين الــرّصاصةِ والــرّصاصةِ،

بين شدّ القَـــــوْسِ والسّـهْــمِ المسافــرِ نحو صدْري..

بين مِـطْـرَقَــةٍ ومِـنْـجَــلْ

لــوددت أني الآن أُقتلُ.. ثم أُبعث ثم أُقـــــتلُ..

ثم أُبعــــــــث ثم أُقـــــتلْ...

             فـــــــــتــأهّـــــــــــــــــــــــــــــبي

يا خيل ربّي وارْكَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبي.

يا فارسي النبويَّ، لو تُــرِكَ القَــــــــــــطا...

يــا فارسي الأمْــثَـــلْ

عرفتـُـكَ في مواسم خِــصْــبِــكَ الأوّلْ

عرفْـــتُـــك قبل أنْ تَــرْحَــلْ

صلاةً تـعْــبُــرُ الأمواجَ من أدنى حدودِ المـغْـــرِبِ العَـــرَبيِّ

خاشعةً إلى الأقْــصــى

      تُـقِضّ مضاجــعَ الطّـــاغوتِ،

تنبضُ فيكَ مِـشْــكاةُ الصَّــحَــابَــةِ،

تَــرْكَــبُ الأمْـــواجَ دون شِــــــــــــــــــراعْ

               كَـــعِـــطْــرٍ ضَــــــــــــــــاعْ

عرفتُــكَ: صوتك الفـــــوّاحُ يأتيني

على ظهْـــر الجريدةِ، في قصائدِ شاعِـــرٍ ملتــــــــــــاعْ

ومن صبواتِ هذا الشَّـــعْـــبِ يُـــدْنيني

تجلّى القَـــلْــبُ جِــسْراً

يحْــمِـلُ الزيتونــةَ الخضْـــــراءَ من شِـــوْقٍ

إلى مكْـــناسَةِ الزيـــــتونِ.

*  *  *

في باريـــــــسَ كان لقاؤنا، في مسجد (ســــتاليــــنغَــــراد)

أطَـــلَّ وجْــهُـــكَ، كان بـــانَـــةْ

أتُـــنْــكِــرُكَ الجوانحُ؟ كانَ قَــلْــبُــكَ نَــخْــلةً هَــيْــفَاءَ،

تُـلْقي الأبْــيَــضَ المُـــتَـوَسِّــط الدَّامي

على أقْـــدامِ شَـعْـبِكَ سنديانة

لباريــــــسَ لونُ الـــرَّمــادِ

ورائحةُ التّـبْــغِ والجِــنْــسِ والخَــمْــرَةِ الــــوَاغِـــلـَـةْ

وفتىً أسْــلَـمَـتْـهُ رِيَاحُ الهَــوى لــسَــرَادِيبَ مُـوحِـشَةٍ،

ليسَ تُـفْــضي بأسْــرارِها للْـــغَـــريبِ،

                        ولا تَــرْحَمُ السابلةْ

نَـفَـقٌ، وخَيَـــالٌ، وكَـلْــبٌ وفِـيٌّ، ولَــوْحَـةْ:

                       (إنّـنا جائعــانِ...)

وقيثارةٌ أخْــــرستها الريـــــــــــــاحْ

أيّـــــــــــــــــهذا الــــفتـى، أيّنا جائـــــــــــعٌ؟

أنـــــــــــا؟ أم أنــــــــــــتَ؟ أمْ هـــــــــــــــوَ؟

أم هذه الغَــجَــرِيَّةُ تُــلْقي بوجْــهِ الحَضَـارَةِ في لـحْــظَةٍ،

تحت أحْـــذِية العَـــابِــرينْ.

لباريـــــسَ لونُ التوجّسِ، واللّحظــة الجارحة

ورائحـةُ الـــرُّعْـــبِ، والطّـعنة الغادرة

وهوىً يتسلـّقُ في غَفلةٍ

طِـفلـةً تتساقطُ، كالتّوتِ، في العاشرة

لباريــــــسَ رائحةٌ ما لَــها رائحة

ولونٌ تنـاثرَ منْ غير لـونٍ

وأنا أيّها الغافــــقيُّ

       أيها الفَــــاتح العربيُّ

أحْـــتَــمِي، حين يأتي المسَــاءُ، بأغصانِ ظلّـكَ.

كانت سماءُ المدينةِ تلبًــسُ لونَ الجِـــــرَاحْ

وكانت سَمَاوَاتُ روحِكَ زرقاءَ، زرقاءَ كالبرتقالــــــــــــة

أنت لم تتبطّــنْ بها كاعباً أو غزالـــــــــــــــة

أنت لم تتبطّــنْ بها غير جرحـــــــــــكَ،

                    غير غزالــةِ شعبــكْ،

                            وأنهــــارِ حُـبّـكْ..

فــمــــــاذا أقــــــــــــــــول؟

أأذكــر يا صاحبي حاجـــــــــتي

أم الـــمُــــــعْــــصِــِراتُ كفتني المؤونـــة؟

أم الـمِقْصَلاتُ الخـــؤونة؟

أم البُــنْــدُقـــيـّاتُ يلْمعَـنَ في الحَـــــــــــرَمِ الجامعــــــــيِّ

ويصْـــدأنَ حين تُــطلّ حِــرابُ الغُـــزاةِ؟

تــــنطُّ الغزالةُ ... تركُـضُ ... تسرَحُ في عُـشْــــبِ ذاتــــــــي

وتعْـبُرُ غاباتِ حُـــــــــــزْني

أقولُ إذا هي مدّتْ إلى الصّدْر جَـــمْـــرَتَــهَا واحتوتني:

تَـدقّينَ في آخرِ اللّيل بابي

ويظمأُ خلْفَ عيونِكِ رشحُ العذابِ

وأقبيــةُ الاكتئابِ

وتستعرضينَ أمامي وجوهَ صِحابي

وتستعرضينَ جراحَ بلادي وصبوَتَــــها الآزفة

ولكنّ دِفْءَ الفِــــرَاشِ يُـبَـطّـئُني عنكِ

والجسدُ المتدثّــــرُ بالشَّــهْــوَةِ النازفة

وصوتُ هُـــــــــدى واعْـــتــمــــــادِ.

 *  *  *

أحِــــــــــــــبُّـــكِ، مـا هيّـنٌ أن أحِـــــــــــــــــبَّكِ،

هذا اعْترافي بعَجْــزي وضعْفي وذلّ احتضاري

أحبّك، هذا قــــــــــــــــــــــــراري

وأعلم أنّك مُـحْـصَـنةٌ، ومُـحَـصّـنَةٌ، كالصحاري

وأن الدروبَ مُـرصّعــةٌ بالورودِ، ومفْضيةٌ للجحيمِ

غير ما دربك الصّعْــــب هذا المفضّض بالنّــار والانفجارِ

أحـــــــــــــبّـــــكِ، أعلم أن الطريقَ إليكِ

تحُـــفُّ جوانِـــبَـــــه الزوبعاتُ الضواري

ولكنّ حُـبّي بعيـدُ الـــــــــــــــــقرارِ.

*  *  *

يــا أيّها القلبُ الشّـــريدُ بكلّ دارِ

وعَــــــلى الجَـــبينِ أطــلّ جــرحٌ ثمّ جرحُ

بُــحْ باسمِ من تهْــوَى، فــإن العشْـــقَ بـوحُ

أســرجْ جيادكَ، واقتحــمْ مُــدُنَ الحصـارِ

يا أيّهــا الوطــنُ المبلّــلُ بالخيانــةِ

من يفُــكّ القيــدَ عنْــكَ،

ومــن يردّ مخالبَ الــــرّومِ الضواري؟

هـــذا يشُـــقّ الثّـــوْبَ عنــكَ

وذاك يستعـــدي البُـــغَـــاةَ

وذا يُكسّر نصْــــله فوق النّـــصَالِ،

ويستبيحُ دمِــــي المكلّـــــلَ بالغبارِ

وطَـــــــني المُـبــلّـل َبالّدماءِ

ولَـعْـنَـةِ البترولِ فـــوْقَ مـَـوائدٍ خضْـراءَ

يا وطَـــــــــــني.. لأضْــيَــعُ أنتَ من أعمى،

يُـفـتّشُ في دجى غــرْناطَــةٍ

               عــن صاحبٍ يُغْــــــنيــهِ

                     أو عن ملجأٍ يــؤويـــــهِ

يا وطَني المسجّــى في الــزّنازنْ.

لا تَــــنْـــدُبِــيـــنِ إذا غفــوتُ على جبيني، أمّ مــازنْ

لا تندبيــنِ إذا سقطتُ مضرّجــا

بدمي فتلك هي البداية

هــاتيكَ مَــمْـــلكتي، فهل رفعـــوا لمجدي فيكِ راية؟

آهٍ لـَـوَ اَنّ العُــمْــرَ يـــرْجِــعُ بي قليلا

ولَـوَ اَنّ هــذا الَّلـــيْــلَ يُـــمْــهِـلُني قليلا

                   حتّى أقيسَ مـــواجِــــعي

وأبثَّ حُــزْني للحمامِ إذا توحَّــــد بي هديلا

آهٍ لَـــوَ اَنّ الكأسَ لم تطْــــفَـــحْ،

ولم تنْمُ العِـضَـــاهُ بكلّ زاويةٍ على جسدي

لَـــو اَنّ العُـــمْــرَ يَــرْجِعُ بي

لأرشفَ صحوة الشّاي المـــُـنَــعْــنَــعِ

مِـن يديْـك وأحْــتــمي بكِ من جنـــوني

وأفجّـــرَ الأنهار، يا حُـــلمي المجنّحَ،

أو يصيرَ دمي نداءً في العقيدة، أصطفيه ويصطفيني

                        ********

ذهبتْ قريشٌ بالمكارم كلّها

              وقبائلُ العَـــرَبِ

                   السّادةِ النُّـــجُـبِ

طلقاءُ مكّــةَ أقبلُــوا

وبنو حَنيفـــةَ أوْغلُوا

أكلتْ حنيفةُ ربّهــَـا

زَمَنَ التقحّــمِ والمجاعة

وهوتْ لبطْـنِ الواديـــين ، هوت قُضاعـةْ

وهوتْ خزاعة

وهوت تميمٌ،

طــــــــــيّـــــــــــــــــــــــــئٌ،

     أسَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدٌ،

        هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوازنْ.

وفتى تهامة

باع الأمـــانةَ، وابتغى عَــــرَضاً،

 وقاتلَ تحت ألوية اليمامة

                        ********

غــنِّــيَاني قيْــنَــتَــيَّـا

     أرْســــلا لحناً نـَـديَّــا

ليت أمْــريكــا أطاعـــتْ شيخَـهَــا

ســـادِنَ النفـــطِ، وكبـْـــشَ الملْـتحـمْ

واستبــدّتْ بالصعـــاليكِ الأُلــــى

ذكّــــرونـــا يــومَ تَحْــلاقِ اللِّـممْ

آذنتكـمْ بالحــرب، فاعتصمــوا من الطوفـانِ

تلك قبــائلٌ تدعوكَ للجُلَّى، وتستعدي عليكَ الــ FBI

ومــرازبَ الكبــراء من رومٍ ومــن فرسِ

الوالغيـــن دماءنا في موسم العــــرسِ

الضـــاربيــن مســـاجدَ القُــْدسِ

هات، نَـدْماني، طعــاماً وشرابا

هات صنجــاً وربــابا

غـنّـياني قيـــنتـيّا

أرسلا لحنــاَ شجــيّا

غنّــيا في رَمَـــلٍ أو في خَــبَـبْ:

نحــن في المشتـــاةِ ندعــو الجَــفَــلى

          مِـــن يهـــــودٍ ومجـــوسٍ وعــــــربْ

وفلسطيـــنُ كتــــــابٌ مُــشْـرعٌ

         زَبَـــــرتْـهُ  فاسُ مـــن مــــاء الذّهَـــــبْ

وفلسطيـــنُ خِــــوانٌ رائـــــعٌ

فهلـــمّــوا يــا ســــراةٌ ، يـــا نُــجُــــبْ

ليـــت أشيــــاخي أجــابوا دعـوةً

        إنمـــا الخـــائنُ مــن لــــم يسْـتـــــــجبْ

*  *  *

ولقد أبيتُ على الطوى وأظَــلُّـــهُ

ضــنّاً بلحمـــي مِـنْ مقاريضِ القبيلــة

يــا أيّهــا العُشّـاقُ، ليـلاكُـمْ قتيلــة

فتـــزوّدا بالصبـــرِ

      أو فتــزوّدوا بالـــثأرِ

         أو فتـــزوّدوا بالأمنياتِ المستحيــــلة..

يــا صـــاحِـبَيْ رحْـلي، إذا سهـــمٌ رمـــاني

لا تطلبــا جدَثــاً لـخِـدْنِــكُمـا

ولكـــنْ عـلّلاني بالأمــاني

....

فَـنِـــــيَــــــــــــــتْ؟

نعمْ، يــبســــــــــــــــــــتْ على شفــة الزمــانِ

يا صـاِحِــبَـيْ رحْـلي، ألا لا تُـعجلاني

إنّـي مــقيمٌ بالبـــلادِ ليــالياً

إنّــي على العهـــدِ الذي قــد تعْلمـانِ

....

يــا صاحِـــبَـيْ سِــجْني :

نـــداءُ الموت منتشــــرٌ

وهــذا الليــلُ معتـــكرٌ

وصــوتُ الفجـرِ منتظــرٌ

ففيــمَ تُــراكُمــا تستفتــيانِ؟

....

يا صــاحِــبَيْ سِجْني..

إذا شـــالتْ نَعامَـتُنــا، وآبَ الأهــلُ للأهلِ

فلتــرْقُبا قَــوْلي :

لا تَذْكُــراني عند ربّكُمــا، ولكن بلّغـا عنّي:

ما يبتغــي الجــلاّدُ منّي؟

ما يبتغي الجلاّدُ من سَــجْـني ومن نفْـــــيي وقتلي؟

إنَّ سَــجْـني خلوةٌ

وسِــياحــةٌ نفْـيي

وفي قتلي الشّهـــادةْ.

فلتحفــظا عنّي

يا صاحبَيْ سِـجْـني:

في الأرض للســـاعين مُـتّـسعٌ

وفي المــوتِ الـــولادةْ.

....

يــا صــاحِــبَـيْ سِـجني

هنــا ظمــأ ومخمَصــةٌ، وإنســـانٌ يمــوتْ

المــوتُ يدنــو مــن (غُــلُـوّ) عَمــامةٍ

أو من جنــاح حمــامةِ

حـطّــت بباب الغــارِ

أو مـن ظــلّ خيط العنكبـــوتْ

المـوت يدنــو في القصيــدةِ

في افتتاحِـيَـة الجريدة

المــوتُ يدنو من مواقعنــا الجديدة..

أصــداءُ أغنيــةٍ من المــذياعِ تجلدُ حلمنا الـــــمُـــــكْــــره :

( شعبٌ يُـغنّي والقلــوبُ تُصَـفِّقُ )

              والمسجدُ الأقصى جـراحٌ تَفهــقُ

وصلاةُ شيخٍ يستجيــرُ،

وصوتُ والهــةٍ مضتْ تستصرخ العــربـــــــــــــــــــــا

ودمٌ، وقُــربانٌ على أعْـــتــابِ من يمْشي على أشلائنا طربا

ما ضـرّ لو ركضتْ على جدَثي جيادُ المترفينَ

وحــوّلت أيّــامنا عَـبــره

من بعد ما سرقتْ كنوزي، واستَرقّــتْ قُـبّـةَ الصخــرةْ

فلعــلّ في دم عاشــقٍ عِــبْـرةْ

أصداء ثـــــــــــــانــــــــــــــــــــــية..

            وســـــــــــــــــــــابــــــــــــعة..

                        وينطلق المغني:

( هـــــــــــــذي دمــــــــــــــــــــــوعُ الشـــــــــــعــبِ من فــــــــــــــــرطِ الـــــــــــــــهــوى )

عجــباً، أمــن فرطِ الهَــوى كان البُـــكا،

               أم كـــــــــــــــــان من فَـــــــــــــــرْط الطّـــــــوى؟

                            ونـــــــــــــــــجــوعُ، ثـــــــــــــــــــمّ تــــــــــــــــجوعُ،

يهتفُ برلمانيّ قديمٌ، كلّما وهبــوه عمراً ثانياً في مجلس النوّابِ:

يحيا الشعبُ، يحيا الشعبُ، يحيا الشعبْ...

وكأنّ شعبكَ، أيّهــا الموهوبُ عُمْـرا

               يا أيّهــا الموهوبُ جَمْـرا

ربٌّ صنعنــاهُ من الحلــوى، ونأكله إذا جعنا..

فيا جَمْر الغضا، يا خنجراً يسعى على جسدي،

يغوصُ من الوريدِ إلى نياط القلبْ

لنْ تستقــرّ بأرضنا الأوثانْ

الآن تعوي الريحْ..

ثم تخِــرّ للأذقــانْ

*  *  *

إنّي نـــذرتُ دمَ الوتيـــنِ

من قـبلِ أن تستجوبوني

من قبل أن تسري سياطكُمُ على ظهــري

وتعلــو الكبرياء على جبيني

قــولوا إذن عنّي...

وقولــوا ما يُـزيّنــهُ لكمْ رجمُ الظنـــونِ

فـأنا ابن هذي الأرضِ، قد أعلنتُ عن ميلادِ أمّتيَ السجينِ

وأنا ابن هـذا الشعبِ، أعلنتُ انتمائي

يوم أعلنتُ انبثاقَ الفجْــــرِ من  (طـــــــــه) و  (ن)

وهـــــتفتُ : يا خيــلُ اركـــــــــــــــــــــــبي

ورِدِي الحــــــياضَ المدلــــــــــــهِمّــةْ

لا.. ليس ما صادرتموه الآنَ ظــلَّ قصيــدةٍ

لكنّــه تاريخُ أمـــــّــــــةْ

ليس الذي أهرقتمــوه على مذابحكمْ

دمي المسنونَ يرسفُ في السّلاسلْ

لكنّــه دمُ أمــــــتي الفــذُّ المـــــُــــقَاتِــلْ

تمت في رجب1403 / أبريل 1983

________________________________________

إضاءة : اعتماد وهدى: كريمتا الشاعر.

" ما من أحد أضيع من أعمى في غرناطة " ( شاعر إسباني ) .

وسوم: العدد 719