سآتيك بالسّيفِ والأُقْحُوانِ

وقال لي: لا تيأس مني، فلو جئت بالحرف كله ســــــــيئة كان عفوي أعظم.

وقال لي: لا تجترئ عليّ، فلو جئت بالحرف كله حسنات كانت حجتي ألزم.

النفري في (المواقف)

إذا نزل الــــــــــــــــروح علــــــــــــــــــــى قلـــــــــــــــبي

تضعضع تركيبي وحــــــــــــــــنّ إلى الغيب

فأودعــــــــــني مـــــنه علوماً تقدّســــــــــــــــتْ

عن الحدس والتخمين والظن والريب

ابن عربي

ولأنــــــــــت أحـــــــــــسن إذ بــــــــــــــــــــرزت لــــــــــــــنا

يوم الـــــخروج بســـــــــــــــــــــاحــــــــة القـــــــــــــــــــصر

                     

مـــــــــــــــــن درّة أغلى الملوك بــــــــــــــــــــــــــها    

ممــــــــــــــــــــــــــــــا تربّــــــــــــــب حــــــــــــــــــائر البـــــــــحر

بيضاء لو مــــــــــــــــــــــرّت بذي نـــــــــــــــــــــــــسك 

 يتلــو البيان يلـــــــــــوح فــــــــــــــــــي الزُبــــــــــــــــر

متــبــتّـــــــــــــــــــــلٍ عـــــــــن كـــــــــــل فاحــــــــــــــــــــــشة  

 ســــــــــــــــــــكن الصــــــــــــــوامع رهبة الـــــــــــــــوزر

لرأيــــــــــــــــــــــــــــته حـــــــــــــــــــــــــيران يذكرهـــــــــــــــا    

يخـــــــــــــــــتار رؤـيتــــــــــــــــــها على الذكـــــــــــــــــــر

حسان بن ثابت

إلى الأبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

يعاتـــبني فيـــكِ مـن ليـــــــس يـــدري

ويـــجهل فيــــك حقـــيقــة أمــــــــــــــــــري

ويـحـــسب أنـــك بنــــــــــــــــــــــت الــتراب

وأنـــك بعـــــدي رهـــــــــــــــينة قــــــــــــــــــــــبر

عذيـــــريَ مــن عــــــــاذلٍ جــــــــــــــــــــاهلٍ

بأني لـــــولاك مــــــا فاض بـــــــــــــــــحري

وأنــــــت الحقيقة، أنــــــت الطلـــيقة،

أنــــــت الغديقة في حــــــقل عـــــــمري

ولــــــولاك لم أكتــــب الشــــــــعر يوما

ولـــــــــــــم أتبتّــــــــــــــل بليـــــلة قـــــــــــــــــدري

يســــــــــــائلــــــــــــني عنــــك هـــذا الوجود

ويقـــــذف بالجــــــمر أســــــــــــوار صبري

ولكنني ســــــــــــوف أطـــــــوي الجناح

وما كنــــت يوما لأهتــك ســــــــــــــــــــرّي

فـــــــــــــــــي البـــــــــــــــــــــــــــدء

{1}

في البـــدء حنّـــت إلــى شفـــتـيَّ الفصـــولْ.

{2}

وفي أول الخطو أوقدتُ فوق الصخور فناري

وأعددت للفقر تجفــــافـــاً،

استقبلتني الريــــاح بما أنا أهل له

وانتظــرت، انتظرتك حتى تضايق مني انتظاري

{3}

وفي أوّل الخطو

والدرب في أدمعي مبهمٌ

رأيْــتُـــــهـــمُ يعبـــرون دمي

يُـــلوِّح لي دمُهم من بعيـــد

فتنهــض في أضلعي وردة،

وسيـــفٌ صقيـــلْ

رأيتهمُ في تبوك، وفي كربلاء

ونخل سجلماسّــة الغضِّ

نـــادوك: هـــذا أوان الرحيلْ

ومن يا ترى سيدثّرني إن أنا عدت للبيت مرتعشاً

                بعد ليل طويلٍ طويــــلْ؟

ومن سيكون رفيقي وأمني

وواحةَ عمْري إذا ما خرجتُ؟

ومن سيُــخبّئ في صدره سرّ حلمي الجميلْ؟

ويبكي على شرفة الذكريات إذا أنا كنت القتيلْ؟

{4}

ولمـّـا تضايق منّي انتظاري

نقشتكِ في عالم الظنّ أيقونةً

لم تلامس تضاريسَها ريشةٌ

ثم قلتُ: خذيني بأجنحة الحلْم نحو تخـوم نهاري

نشرتً القلاع

وقلت: الأحبّـةُ قد لــوّحوا، والدّماء الدليلْ

تغربتُ عشريــن عاماً بمملكة الشّعْـــرِ

أطلبُ مملكةَ السَّيفِ والأقْحـــوان

وأوغلت حتى نعَـــتْـــنِي الطلــولْ

وفي آخر الخطــو، قبل انهياري

وجدت انتصاري

لأني وجدتك في ذلك الأرخبيلْ

احْتفــــــــــــــــــــــــــــال

تأجَّجت النَّارُ في شرُفات الوطنْ

فــسُـــدِّي النوافذ، سُـــِّدي النوافذَ،

إنَّ الرّياحَ تجيءُ من الغـــرْب مثْــــقلةً بالرصاص، وطعم الوهَـــنْ

ومُــدِّي الرداء، نُـفَكّـكْ ـ مع الفجر ـ أزرار حلْـــمٍ يخبِّــــئُـــه القلبُ

مُــدّي الرداء، ولا تعبئي بزئير العواصفْ

نبايــعْ على أن نقاتل حتى انفراد السَّوالفْ

تأججت النارُ...مُــــدّي يديك

فلا صبْــــر لي كي أسافــــــــــرَ وحدي

وأرتاد حَـــــــرَّ الهواجِـــــرِ وحدي

ولا أيْــــــدَ لي كي أقاتل جالوتَ وحدي

وهذي الرياح تجيء من الغَـــرْبِ مــؤْذنــةً بالخراب

 ومحوِ المآذنِ والعندلات

وهل يطفئ الدمعُ طعمَ اللهيــب؟

وهل يغسلُ الــدَّمُ هذا الدَّرن؟

وحين رأيتكِ تغتسلين بنهر الحروف

تجلّيتِ رؤيا تؤسس عرشَ المساكينِ،

تهـــزأ بالنَّــطْع والمقصلة

أتستكثرين إذا هيَّــــــأ الأيكُ أسراره

لترتاح عصفورةٌ من لغوب المساء؟

أتستكثرين احتفال القصائدِ بالسنبلة؟

الدخول إلى حدائق إقبال السُّــــــنْدســــــــــــــيـّـــة

(ها إن الأزهار والورود في الغابة بانتظار أن تُسقى بهذا الدم القاني، فترفل في حلته، وقد قــدِمنا لنزرع نفوسنا، ونريق دماءنا في هذه الأرض النائية، لتخصب الإنسانية بعد جدب طويل، ويحل الربيع بعد انتظار شاقٍّ، طال أمده ).

(قصيدة دعاء طارق: محمد إقبال)

{1}

نارُ البداية فوق احتمالي، وفوق ظنوني

تجرجرني غربةُ الرّوح نحو انشطاري

وترمي شظايا دمي للمسافاتِ.

كم بين أمطار شكّي

وعصف يقيني؟

وكم بين خضرة أيكي

وبين جنوني؟

كم من الصبوات المضيئة تجمع بيني وبينكِ؟

بيني وبينك أرجوحة الشّــعْر/ تغريبة العــــــمْر

مئذنةُ الرُّوح/إشراقة الجمْـــرِ،

عصفورُ حزنٍ يزقزق في أضلعي، ويحزّ وتيني

وبيني وبينك سرّ التراب المسيّج بالكبرياء الجــــــــريح، وبالياسمـــــــــــــين

وثأرِ المساكين، حين تغوص السـّـــــــــــكاكينُ،

لو تبصرين انبعاثك بين خرائب روحيَ سيفا

وبين انهيار الشباب المكين

{2}

يضـــوّئ صوتُك شوقَ العنادلْ

يجيء إلى القلب من شرفات القرون

يهيئ لي ظلّ زيتونة في الهجير

يحرّر أشواق روحي الكسير

ويوقظ في الغيم حلم السنابلْ

يخبئ صوتكِ لي وردة من دمٍ

ومملكةً من غبار المعارك كالقلب واسعةً وعريشا

وغلائلَ تقوى، وريشا

ويفضح أكذوبة السَّلمْ تحت حراب الكنيسْتِ

التي جعلتْ-ساعة السّلم -كسرَ عظام الصّقور/

الرياحين لُــعْــبَــتَها الجارحة

تقول لي الأرض: (ما أشــــبه اليوم بالبارحة).

يجيء إلى القلْـــبِ صوتكِ،

 يمنحني وجهه، وغضاضته، وصلابته،

ورصاصَ احْتجاجي

وبــوابةً لأعانق أحمدَ في سجنه

وأبرْي ضلوعيَ قوسا

وأحرق بعد الرحيل إليك سفيني

{3}

أعـــدو، أنا المشــدود للقـــــــوس

كالسهـــم نحو معــارج القدس

وتخبئ الأســــــــــــــــــــرار حنجرتـــــي

فيريقهــا قلبـــــــــــــــي على الـطـِـْـرس

وأنا الذي أخشى صنيع يــــدي

وأخـــاف من نفسي على نفسـي

{4}

يعرج بي صوتك حين ينادي في شهر المعراجْ

يُســكن مني الروح رياضا مونقة دمثاتْ

ومدائن تبهجها الصلوات

يغمسني في النور الوهــاج

{5}

دثّريني

دثّريني

إنني المقرور في عـــزّ الظهيرة

وأنا المطلوب، دون الناس، وحدي يا أميرة

دثّريني

دثّريني

واحملي أوتاركِ الجذلى إلى روحي

انهضي شامخة الرأس، اتبعيني     

إنني أعددت أعراش اليقينِ

{6}

ومضت تسْرح في بستانِـــكَ اليوم غـــزالــة

يا أسير النُّــــورِ، فاحمل كأس أنوارك، واشرب للثمالة

{7}

تلك المسالك لا ظلّ فيها

والدليل يتيه بأغوارهنّ، ولا عجبٌ أن يتيها

فديتكِ لا تطئيها

فلا ظلّ فيها

وبقعر الخوابي رياحُ السَّموم

لهنّ شهيق يرج الأضالع ، يشوي الوجوها

وتلك المصابيح كاذبةٌ فاحذريها

سيوغر صدركِ ضدّي المرابون والمرجفون

سينتشرون

سيعلون راية تنّينهم فالفظيها

ولا تقربيها

وصوني كنوزك بالدّمع في الظلمات

وبالسجدة الموقنة

يرفّ الدثار فتحرسه الجبهة المؤمنة

ويسقط ظلُّ المنازل تحت الغبار

فتنهض شامخةً من دماء بنيها

{8}

تُمـَـــــوْسقني كلماتكِ، تقْرع باب سمائي

أُكـتّـم وقع الـــــزّلازل في الروح،

يفضحني الشعر حين يضوع،

وتفضحني شهقة الزنجبيلْ

ويسألني القلب: ماذا دهاني؟

وماذا من الطعنات اعتراني؟

ويملكني، حين يشتبك السيف بالأقحوان، الذهولْ

فأهتف: بالله ردي عليّ كياني 

{9}

أتيتكِ من بعد ليل طويل

وفي راحتيّ أكاليل من نبضاتي

أتيت لأغسل قلبي بوادي المخازنِ

من بعدما لــوّثته ملوك الطوائف في دارة السامريّ

            وأشحــــذ سيفي الكليل

تخون عهودي الحروف التي رُضتها زمناً

في سموات (أكــرا) و (ووهــران) و ( الدردنيــل)

وتنكرني الكلمات التي وهبتْ صولتي أجنحه

تتواطأ ضدّي ملوك الطوائفِ

تلقي إلى ملكِ البرتغال المواثيق كي يبدأ المذبحة

وتشرب نخب اغتيال الصباح الجميل.

{10}

يباغِتني طائر الشوق في البيد، مثل انهمار السماء

فأفتح صدري لبلقاء تنفي صهيل المنافي

وتوقد في الصدر نار القوافي

كأني أغادر لحظتها حجر أمي

وأشرع نافذتي للهواء

فــكَيف تمكَّـــنتِ في أوّل العمْر من محو كل النساء؟

وكيف تشظيتُ في آخر العمر مثل إنــاء؟

يباغتني طائر الشوق، أرنو وحيدا على بابة الخلد،

                                    أنعى احتضاري

وأعلن في الناس بدء انتصاري

وما كان حبي اختيارا

وهل تملك الشمس أي اختيار

لتسبح في غير هذا المدار؟

{11}

سـأخلع نعلي

إذا جـنّ ليلي

وأطلق نحو السموات نبض افتقاري وذلي

سأرسل دمعا تضيء مصابيحه طرقاتي

سأعقد حلفا مع الريح،

إن هي ألقت ضفائرها المشتهاة على شرفاتي

وإن حركت في الهزيع الأخير ستائر روحي

لتنهض ورقاء من بين أطلالها

تضمّد لمستها من جروحي

تقدَّم إذنْ أيها السيف، تلك دمائي

فضمّخ شفاهك قبل الغروب

لتنكشف الحُــجْــبُ بيني وبين حبيبي

                                       1994

نـــــــــــــار    ســـــــــــــــرنــْديب

ومن عجب الأيـــــــــــام أنــي مـولــــــــــــــــــــع       

 بمــن ليس يعنيـه بكائي ولا سـهدي

أبيت عليلا في سرنديب ســـــــــــــــــــاهــرا     

  أعالج ما ألقـــــــــــــــــاه من لوعــة وحـــــــــــدي

(البارودي في منفاه)

{1}

 أرى زهرة العمر تذوي

وقافلة الـنور تهــوي

ونار سَــــــرَنْديب تكوي

ضلوع فتى يستجير من الطّعنات

بآهاته ورداء الغيوم

فكيف يُدمّر مملكة الشّعر من أجل مملكة الأقحوان؟

وكيف يجرّد في آخر العمر سيفا كليلا لقطف النجوم؟

فيا أيها القلب رفقا

إلام تغالب موتك عشقا؟

أفي كل أرض هوى يستجدّ

ويلقى الشراع إلى أفق لا يحد؟

{2}

أرى شمس تبريز ترحل نحو حدائق شيرازَ

يفرش أهدابه قمرٌ، ويُـكـحّل أجفانه بتراب خطاها

ويحملها لمحاريب مجنون عائشة المتدثر بالاحتراق

فتنهض عائشة المستحمة في نهَر من ضياء

كلؤلؤة لا تقدّر، تنهض نجمة حزن بهيِّ المطارف في القصر

يطلع من شفتيها نشيد المنافي

وتوقظ في الروح شمس القوافي

ليتّحد السيف بالأقحوان

ولكن...

أرى زهرة العمر تذوي

وما من عزاء سوى جذوة الشعر تفتح بوّابة الانعتاق.

{3}

وكحدّ السيف النابض في كف شهيدٍ

تخرج عائشة القدّيسة/

 من أشعار المجنون العاشق،

تتوضّأ بالنور، تُمشّط كفُّ الليل غدائرها المرمية

في رحم الظنّ،

تُـنـَشّر أجنحةً بيضاءَ على الغدران المنسية

تُشعل نارَ سرنديبَ

فلا جبل الأولمب يطاول قامتها الشهباءَ،

ولا عشتارُ تقاوم سيفَ تصوّفِها الوهّاج،

الطَّالع من أنوار بساتين القصرْ

عائشة تلبس تاج التقوى الأزليّ

وتبعث في ذاتي الجرداء بهاء الشعر.

مكــــــــــــابداتُ ابنِ عُــــــــــــــمر

 (إنـــــــــــــــما الكـــــــــرم قلـــــــــــب المومـــــــــــــن)

حديث شريف.

انظر خليلي، بباب جــــــــــــــــلّق ، هل

تبصر دون البلقـــــــــــــــــاء مـــــــــــــن أحـــــــد

حسان بن ثابــــــــــت

وهـــل أنا إن عللت نفسي بـــــــسرحةٍ

من السـّــرْح مســــدودٌ عليّ طريـــــــــــــــق

حميد بن ثور الهلالي

{1}

يــســــــــــاورني في طــــــريقي الجفاف

ويــــغرق قلــــــــــــــــــبي بنهر الظــــــــــــمأْ

وتـشربني حشـــــــــــــرجات الوجود

كـنجم تألــق... ثــــــــــــــــم انـــــــــــــــــــطفأ

فتنــقذني نجمة من صــــــــــــــقيعــــي

وتــــــــــــــحمـلني لربيــــــــــــع بــــــــــــــــــــــــــدأ

وتدفــئني كقصــــــــــــــيدة شـــــــــــــــــــــعر

وتجعل من خـــــــــافقي المتكـــــــــــأ

تغني فيصــدح هــــــــــــذا الوجــــــــــود

من الشوق، إن شاء أو لم يشأ

ويسكــر من شــــــــــــــــفتيه الرضـــاب

ويجلو الهـدى ما به من صـــــــــــــدأ 

فما نـــابني، يا تـــــــــــرى، بغتـــــــــــــــة

لأعلــن أمـــري أمـــــــــــــــــام الـمــــــــــــلأ؟

أسميك جهــرا

وماليَ والسرح أدعو به وأكنّي؟

وأنثر أوراق حزني

وأغتال شكي بسيف يقيني

وأرفع صوتك في الناس، أرفعه فوق عرش مكين

وأهتف باسمك حتى حدود انفجاري

وأعلم أني ألوذ بناري

وأمشي على ربوات العذاب

وأعدو على شفرات المحن:

إذا وطن رابني

فكل بلاد وطن.

فتحتُ كتاب المساء الحزين

وأحرقت كل الرؤى المبهمة

وأعلنت أنك لي الملهمة

تحاملت دهرا على همّتي وشبابي

تحاملت حتى استطالت ليالي العذاب

شهدت المشَـــاهد، أسهرتُ ليلي،

وأظمأت عشقاً نهاري

وأعددت فقريَ زادا ليوم الحسابِ

يداهم هذا الحروريّ مالي

ويحجز مروان رزق عيالي

فأكتم زفرة رمحي اتّقاء الفتن

أما للتقى من ثمن؟

{2}

أمرُّ على الربع، ربع الأحبّة، أغمض عينيّ

                     (إنّ الشجا يستثير الشجا)

وأقرأ بين الصلاة وبين الصلاة:

{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }

 فأرسل دمعي العصيّ البهيج

ويوقد مصباحَ قلبي النشيج

ويأتي، كماء الينابيع، صوتك

أطلق نحو السماء بلابل صدري

فلا تعجبي من ذهولي،

وقد أورقتْ في دمي الكلمات،

 وتلك القصائد تترى

وقلبي إذا ما ذكرتك يغبطه الشعراء

وأغفو على الحزن إغفاء طائر شوق بكى

أتوضأ ثم أصلي

أقول: اتبعيني إلى وطن الأنبياء

وصوني ثيابك، واتشحي بالتقى

فمملكة الله للأتقياء.

{3}

أرى قمر القصر يرفل في النور،

يسكب ثورته في صهيل الجياد

يعيد إليّ دمي، وصفاء بلادي

يعيد إليّ تباريح شوق تجلّى

كما يبعث السيف من جذوة في الرماد

وينبض في خافقي طارق بن زياد

يرصّ الفيالقَ

يعلي البيارق

يقطع بحرا تدثـَّــــر في صمته بالسواد

وينهض ظلّ العمامة من جبل الريف ملتهبا

بين صوت الرصاص وبين اشتعال المداد

فأتبعه طائعا وأنادي:

أيا قمر القصر بالله كن في طريق جهادي

مواكب أمني وزادي

{4}

رسولي إليك جميل اصطباري

وتمتمة الحرف عند انكساري

أمام بهائك، يا لانكساري!

لأني اصطفيتك شمساً بمملكة الليلِ،

أنئيك عن طعناتي، وعن لفح ناري

وعن زمجرات الهوى المستثار

وأعطيك سرّي

وأحداقَ شعري

وأعطيك ما خبّأته من اللؤلؤ الفرد والصلوات بحاري

وأقنع منك بما وهبت شجرات المحار

وريح تجيء محمّلة بربيع ادّكار

فأهتف: واهاً لريح الأحبّةِ.

لستُ أكنّي، ولست أقاوم،

لست أجهّز جيشا لفك الحصار

وأستبق الوقت:

أعطي المساكينَ بستانَ عمري

وأكتب في اللوح أمطارَ شعري

ليقرأه الناس تحت ضيائك قبل انهياري

{5}

يقولون لي:

اخترتَ في ساعة الغمرات الوقوفْ

أترهب حد السيوفْ؟

وتنسى النشور؟

- أنا ما اعتزلت القتال اختيارا

ولم أعتزله اتقاء الــحُـــتُــوفْ

ولكن تشابه من بعد صفّينَ في نظراتي الطريق

هبــونيَ سيفا يميّز بين التقيّ وبين الكفور

وبين العدو وبين الصديق.

{6}

تأوَّبني ليلُ حسّانَ بعدكِ، حتَّى تعجَّبَ منّي السهرْ

فلا شمسُ طيبةَ بَــعْــدَ الأحبّةِ تجلو الهموم

ولا في سماء دمشقَ قمرْ

وخُـلّـفتُ من بعدهمْ

ولا عذر لي غير بـــرْد الظلال

وهذا العريش الذي يستحمّ بضوء السَّــحــرْ؟

أجيئك، تسبقني نبضاتي

أما كان آباؤنا هاهنا يضفرون غدائر فجر بهيّ

وتصدح في خاطر الراسيات بنادقهمْ،

تفْتح الشرفات ليعْـــبُــرَ صوتُ السَّلامِ؟

يباغت صوتُ الغزالة قلبي

 فيصغي وحيدا

 ويمشي وئيـــدا

يقول: خذوا شهوات الخلافة عني

فما زال في البيد متّسعٌ للقطا

وما زال في الأرض متّسعٌ للأنامِ

خذوا سَــقْــسَقَــاتِ الــرُّصافةِ عنّــي

خذوا بَـــرَدَى، والبَـــــريصَ، وقصْــرَ هِــــشَامِ

أنا حَــسْــبي قصيدةُ شِــــــعْـــرٍ

على شفَـــةِ الكَـــرْمِ، تنسابُ ظِـــلَّ يَـــمَامِ.

حكايةُ الشـّـــــيخ الصنـْعاني وما جرى له

 مع سيّدة القصر

"إني أحترق الليلة من جوى العشق، ولم تعد لي طاقة لتحمل إيلام العشق. أين العمر لأصف ذلتي، أو لأتيه بكامل إرادتي؟

أين الصبر حتى أكفّ أو أن أعاقر الكؤوس كالرجال؟

أين الحظ حتى تصحو عزيمتي أو تعينني في عشقها؟

وأين العقل حتى يكون في العلم قدوتي، أو بحيلة العقل أمثل أمامها؟ أين اليد حتى أضع تراب الطريق على مفرقي أو أن أرفع رأسي من تحت التراب والدم؟

هكذا غاصت عيناه بالدمع، وفمه بالسم، وكأنه قد سقط في فم التنين القاهر.

ما إن رأى الشيخ رفاقه من بعيد، حتى رأى نفسه يتوسط في لجة من نور، وخجلا مزق الرداء الذي كان يرتديه، وبيد العجز والذلة نثر التراب على رأسه، وكان أحيانا يذرف دمعا داميا كالمطر، وأحيانا ينفض يده من روحه الزكية، وكانت حجب الفلك تحترق بآهاته،كما كانت دماؤه تحترق حسرة على ما أصاب جسده، عاد إليه دفعة واحدة كل ما ضاع منه من حكمة وأسرار وقرآن ومعرفة.

بعد ذلك، رأت الفتاة في منامها أن الشمس سقطت بجوارها، وفتحت الشمس فمها في ذلك الوقت، وقالت:

عليك بالإسراع خلف شيخك، واعتنقي مذهبه ...كوني على طريقه، فحينما جاءك كان يسير في طريقك من باب المجاز، فعليك أن تسلكي أنت طريقه من باب الحقيقة".

فريد الدين العطّار في (منطق الطير)

{1}

كان صنعانُ على سجّادة النّــور يُصلّي

وبعينيه بريق كقناديل المغارات،

كأشواق الينابيع، كأحـزان المحيطات، كأفراح التجلّي

كان يجلو، مطمئنا، صدأ القلب بآيات من الأنفال والليل

وآهاتٍ على نحر السَّــحَــرْ

ولصنعانَ مع النجم حكاياتٌ وأشياءُ أخَـــرْ

ولصنعانَ مريدونَ كثيرونَ يقصُّــــــون الأثـــــــــــــرْ

{2}

قال صنعانُ، وهْو يُلقّن أصحابه حكمةَ الاشْتعال:

مرّ بي طائر اليُمن، فامتلأتْ سلَّتي بالغلال

فـرِدُوا وكُــــلُوا يا مساكينَ مملكتي

واحفظوا ما روته الميازيبُ، واعتصموا برداء الجَمال

 واسجدوا للجلال.

مر بي طائر اليمن، فانتشرت في دمي دافقات الطيوبِ

وسفكت دمي.. فرأيت حبيبي

فبأيّ لسان على الفضل أشكر مولاي؟ أيِّ مقال؟

{3}

كان صنعانُ إذا رتَّــــــــلَ في اللَّيل:(ألم يَانِ)

بكى شوقا إلى الجنة

وتمتم خاشعاً: مولاي، جنّبني لظى الفتنة

وغَسِّلْني ببحْـــرِ النور، غسّلني

ودثّرني بثوب التوبِ، دثّرني

لك المنّــــــــــة

لك المنّــــــــة

بكى صنعانُ من شوق إلى الجنة

وقبل تبلُّـــــــــجِ الفجْـــــرِ

رأى في نومه دمَـــهُ يُـــغطّيهِ

من القدمين للنّحْـــــرِ

رأى في البيد خرقته كإبهامِ القطاةِ،

كدمعةٍ في عينِ عاشقٍ استحالت كوكباً يعدو إلى نجمه

بكى صنعانُ وارتعدتْ فرائصهُ:

إلهي، كاشف الغُــــمَّـــــة

أبَــــعْــــدَ توهُّج الساحات بالأوراد والذِّكْـــــرِ

تُــــــنازعُ نفسيَ الدنيا

وتُـــلْقي شهوةُ الأيام بي في قَــــعْــــرِ مُظلمةٍ

وتصليني قرار جحيمها المـــــُـــــــــــــــــرّ؟!

{4}

ورأى والشَّـــوُق بحْـــــــــرٌ لا يحدُّ

كوكباً نحو مدار النّجم يعدو

وله والنّجم أنباءٌ، وأشياءُ أخَـــــرْ

قال: يا صحبي، اتّقوا الدنيا،

اتّقوا النفس، ففي الأرض مروج مشرئبّـــاتٌ

وفي الصّدر تباريحُ، وفي الوجه نظَــــرْ.

{5}

ورأى صنعانُ في الحلْم غَـــــــــزالة

سرقتْ منه ابتهالَــــــه

فتغشَّاه الكدرْ

وبكى شوقا إليها

وعلى أعتابها القلبُ انكسرْ

لم تكن تلك الغزالة

تقْـــــــرَع النَّاقوسَ في الدّيْـــــــرِ،

ولا عاشقُها يعقِدُ زُنَّــــــــــارًا، ويحسو خمْره حتى الثُّمالة

خَـــــرَّ كالمجذوبِ صنعانُ، وقد خطّ مقاله:

"أنت مصباح لقلبي

أنت ينبوع بصحرائي

ونور فوق دربي

أنت سرّ بحثت عنه ضلوعي

أنت ذنب طهّرته

في المحاريب دموعي

كيف لا أنشر في بحر مغانيك القلاعا؟"

وتجلَّت قمرًا في شُرفة القصر ينادي:

" يا عصافيرَ بلادي

أنت أذكيتِ لظى الشّــعْـــرِ بأعماقي، وألهبت فؤادي

فأعينيني على بعضِ مرادي

ليس من أغمض عينيه بمنأى عن رصاصات الطِّــــــرادِ

كلُّ من هللّ أضحى غرضاً للنَّطع والسَّيف ونيرانِ الأعادي

هلّلي وابتهلي

هلّلي وامتشقي السَّيف إلى يوم التنادي

واجعلي تيجانكِ الحبَّ بأعراس الجهادِ

واصدحي في كل وادِ

يا عصافيرَ بلادي"

وتجلّتْ والصّبايا حاسرات حولها

وهْي لا تهتك للستر قناعا.

وبكى العاشقُ والدّمعُ بعينيه حجرْ:

هذه الخرقةُ كانت دون أنواركِ سترًا وحجابا

فاشهدي، أخلعُها الآن، وأعْدو نحو محرابكِ كالمجذوبِ،

كالظمآنِ في الصحراءِ، يستهويه سرُّ الماء دفّاقا،

 ولو كان سرابا

صار صنعانُ على سجَّادة القلب يُصَـــــلّي

ويذيبُ الـــرُّوحَ في نور التجلِّــــي

والغزالة

كالنّدى يسكب في الليل ابتهاله

ويمدُّ الصوتَ نحو الله: كنْ أمني وزادي.

{6}

مسّ قلبي جناحُكِ فاحترقتْ أضلعي

وتلجلج في خافقيّ السؤالْ:

كيف تُـــــسْلمني للّهيبِ الـــرِّياحُ وأنتِ معي؟

ليتني لم أذقْ حكمةَ العشْــــقِ

يا ليتَ قلبي بشمْسِ المعارفِ لم يحترقْ

ليتَ، إذ فاتني موكبُ الشُّــــــهداءِ،

ومن عرفهم ما اصطبحتُ ولم أغــتبقْ

ليتني كنت أرعى الوعولَ برأس الجبالْ.

الحــــــــــــــــــريــــــــــــــــــق

{1}

يشبُّ الحريقْ

فأطلب إطفاءه بدموعي

وبالـــــزَّفرات التي يتململ صدريَ من نفثها ويضيقْ

تراني ضللتُ الطّـــــريقْ؟

{2}

 يشبُّ الحريقْ

فتهوي الفراشاتُ مزهوَّةً بدمِ الشّهداءِ

وأبقى أنا في ذهولي الغريقْ

ترانيَ ضيّعـــتُ خطوي

وأظْــلَــمَ في ناظريّ الطريقْ؟

{3}

وحين تخونُ الدماءَ العروقْ

ويَـــرْكَـــنُ للظلّ من كان في النائبات الدليلْ

أحنّ إلى كلماتك تنقذني من صقيعي

وترسل أنداءها الطّيباتِ لروح النّخيلْ

وأرسي قلاعي لديك، كأني شراعٌ

يلامسُ من بعد غيَّبته مرفأه

فألقى الذي لم يخبِّــــئْــهُ صدرُ امرأة

{4}

تضيق المسالكُ،

تهربُ من جمرات الدواة الحروف العصيّـــــة

فمن يوقظ الآن جمرًا توثّبَ تحت الـــرَّمادِ

ومن يبعث الحلْم بين شعاب الفؤادِ

ويجعلني طلقةً ووساما

على جبل الرّيف والأخضرية؟

من حـــــــــــــــــــــراء

غيّــبكَ الصمت طـــويلا

وانـقــطع الوحـي طـويلا

فتوجّســـتُ طويــــلا

أظلـم الكون، بعينيّ، طويــلا

ضاقت الأرض وكادت أن تزولا

فتعجّلت الرَّحيـــلا

ويح جهلي

كيف يا قلبيَ أُنْسيـتَ بأنَّ النُّـــــــــــورَ

من بعد طويلِ الليل يهديك السبيلا؟

وبأن الغيث من بعد انحباسِ القطر يغدو سلسبيلا؟

                                                 سَــــلْ سبيـلا

أشرقتْ شمسيَ من بعد غروبِ

إذ تلقّتنيَ من بعد انتظار

كلماتٌ حبَلتْ منكِ بأسرار الطيوبِ

وتملّكت الضياء المستحيلا

عندليبُ الشوق لن يصدح بعد اليومِ

 إلا عند باب السنبلة

وهي في شرنقة النّور المهيب

تتحدّى القتلة

كيف لا يأسرني الزهو طويلا؟

كيف هذا الحرف لا يغدو بكفّيَّ صقيلا؟

يا ربيع القلب، إذ تُـــحْــدق أنيابُ الليالي

                       ووجوه كالسعالي

فإذا شرنقة النور سناها

عفّة تهتك أسرار الظلام

ويدٌ أيّــدةٌ خاشعة تهْدم أسوار الطغاةِ؟

كيف لا أزهو وهذا حرفك الأخضر

      نبض في وريدي، وضياء في دواتي؟

كيف لا أزهو وهذا فرعك الشامخ يعلو

فوق جرح من لهبْ

         وقوافيك جلاء للـــرِّيــَـــبْ

كيف لا أغبط زهر الأقحوانِ؟

وهو في حجْرك تسقيه أباريق الحنانِ؟

              أبـــدا...

لا تاجُ بلقيس من الفتنة يدنيكِ

ولا أقراطُ ماريّــةَ تغريكِ

ولا نفــط العربْ

أنت، أنت

بعتِ أقمارا من الفضة نشوى،

                      وشموساً من ذهبْ

ورددت الكاسَ والآسَ

            وحفْناتٍ من الماسِ

                   وأحواض عقــيقْ

وعناقيد من اللــؤلؤ أدماها البريق

                               كبساتين العنب

بعتِ أضواء المدينة

واشتريت النور غضا

يجتلي رائحة الوحْي، وأنداء السكينة

وبجوف الليل قمتِ

فتلقّيت، وقد أدلج منك القلب نحو الله،

                      (يا نعم العطاء)

سـفْــركِ الأول من غار حراءْ

إنّ هذا أوّلُ الخطو، لقدْ

 ربح البيعُ، فكوني أنت أنت

حدّثتني السنبلة:

(أنا لا أبغي من البحر الزَّبَـــدْ)

قلت: لا أبغي من البحر الزَّبَــــــــدْ

ولذا جئتُ إلى محرابك الميمونِ،

كالنحلة أمتصّ الرَّشَدْ

بعدما أحرقتُ من بعدي السُّــفُـــنْ

ثم أعددتُ من الجـــرْح الكفنْ

 ومن الحبِّ السَّــكَــنْ

وكلانا، يومها، آنس ناراً لا تشيخْ

لكلينا غربةٌ مشتعلةْ

وعلينا من دمِ العُــشَّاقِ سؤرٌ ووشاحْ

وأنا دونكِ مقصوصُ الجناحْ

فلنرتِّـــل، يا ابنة النّـــُور، سويّا:

(فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

آي الرّمــــــــــــــــــــاد

صدى الصّحـــراءِ يشربُ مــن شؤوني

ويتــركني كمصبـــــــــــــــــاح الــشُّــــــــــــــجـــــون

هبينــي من ضيائك، أختَ سعـــــد،

وإن خفْــــتِ العيـونَ فأرضعيــــــــــــــــــــــني

أبـــــــــــــــو زرع أنــــــــــــــــا، يـــــــــــــــــــــــــا أمّ زرع،

وقــــــــــــــــــــد أعـــــــــــــــــددتُ أعراش اليقيــن

وأنســف كلّ مملــــــــــــــــــكةٍ ســــــــــــــــــــــواها

وأحســـــــــــــــــــو النور مـن وِرْدٍ مَعيــــــــــــــنِ

فـصُـبّــي من بهائك فـــــــــي حـــــــــــــــــروفي

وصُبــِّـــــــــــــــي مـن مضـــــــــــائك في وتيني

وكوني الأقحــــــــــــــــوانَ بحقــل عـــــــــــمري

وكـوني الســّــــــــــــيفَ يلمع في يميـــــنــــــــي

************************

كلمــــــــــــــــاتــــــــــــــــــــك العذراء تهزمــــــــــــــــني

أنـــــــــــــــــــــــــا المنقــــــــــــوع في بحر الكلامْ

وأنا المدجّج بالتحدّي، واشتعال الكبرياء،

                               إذا بدا سيف الظّــــــلامْ

ومضت عساكِــــرُه تناجزني،

 وتَـشْـحَط من دمائي عند بابي

من أي نبع تستـــقين؟

     فيورق الحجر الأصمّ، إذا شكوتُ،

                   ويغدق السرُّ المرابط في السّحابِ

أفراسكِ الشَّهباء تحملني لمملكةٍ

لها ميراثُها الأبهى،

وتجعلني على عرش الحروف مليكها الشاكي السلاحْ

أأنا المتوّج، أم جبينكَ يا صباحْ؟

يا فارسًا كلّتْ مضاربُ سيْــــفهِ

وكبَــتْ أعنّتهُ وقد سَدّت منافذه الرياحْ

ونعاه صوتُ الأهل مذ سارا

أرستْ بوارجَها لديك السنبلة

بالمنّ والسلوى، تجيئك مُثقلة

وتزفّ للفلوات أمطارا

وتبثّ بالأشعار للأشعار شكوى ظبية متبتّـــلـــة:

قوموا اسألوا العرش المخضّب من دمي

يا أيها الأحباب، في جسدي، أما خبروا الرّماحْ

يا نبعة الشعر المؤيَّــــــــدِ من سماء الغيبِ،

يا إشراقةً إشْعاعُها نجوى يخضّلها ربَاحْ

إني أنا الصَّــقْــرُ الذي خَــبَــرَتْـــهُ ألويةُ البطاحْ

لكنّني، إن غاض بحر النُّـــــــورِ، مقصوصُ الجناحْ

فتدفّقي نورًا وقافيةً، تخضِّبُ كلَّ ساحْ

آي الرماد محجَّـــــةٌ،

وجيادكِ الشَّهباء زادٌ في ميادين الكفاحْ

وأنا...أنا المغموس في بحر الكلامْ

وأنا المدجّج بالتحدّي، واشتعال الكبرياءِ،

إذا بدا سيفُ الظلامْ

أدعـــــــــــــــــوك.

وسوم: العدد 723