أشْجان النّيل الأزرق

روي أن محمد بن عبد الله بن مسلم أنشد عبد الملك بن مروان لنفسه وهو متنكّب قوسه:

وأبكي ولا ليلى بكت من صبابة        لباكٍ، ولا ليلى لذي الودّ تبذل

وأخنع بالعتبى إذا كنت مذنبـــــــــــــــــــًا وإن أذنبت كنْـــــــــــــــت الذي أتنصّل

فقال له عبد الملك: من ليلى هذه؟  لئن كانت حرّة لزوّجتكها، ولئن كانت مملوكةً لاشترينّها لك بالغةً ما بلغت، فقال كلا يا أمير المؤمنين، ما كنت لأصعّر بوجه حرّ في حرمته ولا أمَـتِـه، واللهِ ما ليلى إلا قوسي هذه، سمّيتها ليلى، فأنا أنسب بها.

كـــــــــنْ أنـــــتَ أنـــــــت ...

دعْ ما ترســّــــــــم قبْلــــــــــكَ الــشُّــــــــــــــــعراءُ

واسكبْ جراحك، إنهـــــــــــنَّ كِـــفــــــــــاء

وافتحْ ســــبيلا أنت فــــــي أكـــــــــــــنافهـــا

ألـــــــــــفٌ مخــــــــــــــــــــــــــــــــــــدّرة وأنــــــت اليـــــــاءُ

واطرقْ عيونَ الشّــعْــر لم يُــلْـــــــــمِــمْ بها

مــــــــــن قبلُ لا أوسٌ ولا الخــــــــــــــــنساءُ

كــــنْ أنت أنتَ وخلِّ خلفك أمّــــةً

ملَـــــــــــــــــــــــــــــــــكتهُم الأبواقُ والأضـــــواءُ

حسبي بأن الشّــــــــــــــــعر عندي لوعـــةٌ

يحدو صبابتـــــــــــــــــــــــــــهم بها القُــــــــــــــــــــرّاءُ

إلى ليــــــــلى صــــــدى الآبـــــــــاد

إلى ليلــى، وبي ظمـــــــــــــــــــأُ الدُّهُــــــــــورِ

ولا ظمأ الرّمــالِ على الهـــــــــــــــــــــــجيرِ

إلى ليــلى، صدى الآبــــــــادِ بــــــــــــــــاقٍ

إلى يوم القيـــــــــــــــــــــــــــــــــــامة والنُّـــــــــــشورِ

إلى ليلى ...وما ليلـــى؟ شهَـــــابٌ

من الرحمــــنِ يُــشْرقُ في الصّـــــــــــدور

تجلّـــــــــــتْ بيرقــــــــــــــــــاً في يوم بـــــــــــــــدرٍ

ونجمًا ثاقبًا يــــــــــــــــــــــــــــومَ الغديـــــــــــــــــرِ

أرى في صوتــــــــــها الموعـــــــود أمِّـــــــــي

تهدهدُ، وهْــــــــــي ساهرةٌ، ســـــريري

ولؤلؤتيــــــــــــــــــــــن ضوّعتا نشـــــــيدي

وصاحــــــــــبةً توطِّئ لي مســــــــــيري

وريّــــا واحــــــــــــــــــــةٍ قربت وطابــــــتْ

وراحَ العُـمْـرِ في الزّمَــــــــــــــن العســـــير

إذا رضِــــــــــــــيتْ فـــــــرَوْحٌ من نعيــــــمٍ

وإن غضبــتْ فــــــــــــــزوبعةُ العُـــصورِ

لمن تكتب الشّــــــــــــــــــــــــــــــعْر؟

- لمن تكتبُ الشّعـــــــــــــــــرَ؟

-   للــسّـــــــــيف مشتعلًا في يد الفاتحين

  وللأقحوانِ المرابط في دمْعة العاشقين

- لمن تهَـــبُ القلْبَ؟

- للغرباء المحــــــــبّــــــــين عــــــــــفُّــــــوا فماتوا

وللقابضين على الجَــمْرِ                                      

في زمن سَـمْــــتُــــهُ القهُر والطَّعناتُ                                  

-تكسَّــــرَ نصْــــــلُـــــــكَ

لا ضير. رُبّ فؤادٍ كسيرٍ

تداوي جراحاته الكلماتُ

تفـــــــــــــرَّقَ صحْــــبُكَ.

وانفضَّ من حولك النَّــــــــــــــــــاسُ

-   لستُ أبالي إذا ما تفَـــــــــرَّق صحْـــــــــبي

فلي صاحبٌ لا يغادرني: ذِكْــــــرُ ربِّي.

ترجّــــــــــــــلَ كلُّ الفَــــــــــــوارسِ

واستمرأ الناسُ عيش الحُـــــــــــــــــــــــفَـــــــرْ

ولكنني سأصلّي

ولسوفَ أسابقُ ظلّي

وإن طالَ هذا الطريق

وأنضى جوادي

وخالط زادي

دمي، وغبار السفَــــــــــــــــــــــرْ

فإن قيل: أيَّـــــانَ تمضي

ودربُك هذا فلاةْ

أقولُ: سأتّخذ الصّبر لي صاحباً والصلاةْ

إلى أن يطالعني الموعد المنتظـــــرْ.

تسْــــــــكنني امرأةٌ لا أعْرفُها

تسكنني امرأةٌ لا أعرفها

لكنَّ خواطرها تتهجَّاني

تقرأ في صمــْــــتٍ أحزاني

وترابط في نبض كياني

تسكنني امرأةٌ لا أعرفها

لكــــنَّ ملامحها

تتقَـــــــرَّى باطن وجداني

وتخبئ أحرفها الخضراء بديواني

تسكنني امرأةٌ تزري بالحورْ

إن طلعتْ من خلف حجابٍ مستورْ

امرأةٌ لا أعرفها

تتجلّى نخلةَ إيمان

وسط الواحات القدسيّة

تسكنني امرأةٌ لا أعرفها

تأتيني في صورة شعْــــــــبٍ مقهور

أو في شكل حمامٍ مأسور

أو تأتيني

في شكل بلاد منْــــــســـيَّة

تحيى من أجْل الحُـــرِّيّــــــة

غنْيّـــــــت لامرأة تُغنّــــــــــــــــــــــــي ...

غنّيتُ لامرأةٍ لها بيت النبوة موئلُ

غنيت لامرأة تغنّي :

يا أحبّتنا الذين تحمّــــــــــــلوا

بالله لا تتعجّــــــــــــــــلوا

من بعد ( فخٍّ ) صار موكبكُم إلى الغرب

فخذوا إذن معكمْ ...خذوا قلبي

عَــــلِـــــقَـــــتْ ثيابي ثوبَ إدريسَ المباركِ

يا أحبّتنا الهداة تمهَّـــــــــــــــــــــــــلوا

بالله لا تتعجَّـــــــــــــــــــــــــــــــــلوا

غــــنَّـــيْـــتُ لامرأةٍ

رأى فيها الملــــــــثًّــمُ، يوسفٌ، حلم الشَّـــــبابِ

فأضاء من مشكاتها التاريخُ،

كان كتابُها فصْــــلَ الخِطابِ

ورأى بها المهديُّ رؤياه المقدَّســــــةَ

التي طُويتْ بها الأرض المسوَّرةُ المدى طيَّ الكتابِ

وهفا لريح قميصِها يعقوبُ

فامتشقتْ ربـَــــاطَ الفتْــــــــــــــــــــــــــحِ مئذنـــــــــــــةً

تُــــــسَـــبِّــــــــحُ باسمِ من أجْـــرى إلى أجلٍ

سحاباً من منازله تَــــــــدفَّــــــقَ في الوطابِ

وتردُّ عاديةَ القراصنــــــــــــةِ:

اصطخابُ الكأسِ في اليسرى

وفي اليمنى مضرَّجةُ الحـِـــــــــــــــــــــــــــــرابِ

…..........

…..........

وأبو عنانٍ شاقَـــــــــــــــــــــــــــهُ ذِكْـــــــــــــــــــــــــــرٌ

فجَـــــــــــــــــرَّ عِـــــنانـَـــــهُ شوقًـــا

إلى الصّوتِ المرابطِ في السَّحابِ

غنَّـــــــــــــــيْـــــتُ لامرأة مطهّــــــــــرةٍ، بَهــــــــــــــــــــــــــــــــــــيٍّ ثوبُها،

 من دونها قُــــــــــــــــــتِـــــلَ الملوكُ الصِّــــــــــــــيدُ في وادي المخازنِ

لم تُخـــــــــــيِّــــبْ ظنَّ فارسِها اصطفاها

فارتوى النَّــــخْـــلُ السِّجِــــــــــلْمَاسيُّ من راووقها الفضّـــيِّ

وائتلقت محاريبُ الرشيدِ،

وأشرق الليلُ البهيمُ،

وكانَ صوت أبي، بطلْــعَــتِــهِ،

يمـُــــــــــــدُّ لأرضِ أندلسٍ جوادي

ويقول لي: لا يستقيم الأمر يا ولدي

إذا لم تــــــــــــــــــــــــدَّرِعْ حُـــــــــــلَلَ الجهادِ  

عبد الله بن ياســـــــــــــــــــــــين

كلُّ وقتٍ يجيءُ

يُــــــــــــقَــــرِّبُــــني من مدائنِ عينيكَ

كلُّ سهادٍ طويلْ

وكلُّ صباحٍ جميلْ

يوحِّــــــــــــــــــدُ بيني وبين خزائنِ لَــــــمْـــــــــــــتونَـــةَ الآبدة

كــــــلُّ فجْــــــــــــــــرٍ يُـــــــــــــــغَــــنّي

وكـــــــــــــلُّ جناح يُـــــــــحَـــــــــــوِّمُ حول بلابلِ روحي

يُــــــــــــــــــــــــقَــــرِّبُـــــــني من محاريبك الشاردة

كلُّ قطرة حُـــزْنٍ تسيلْ

تطهِّــــــــــــــــرني من دُجُــــــــــــــنَّــــــةِ يأسي

ومن حُــــــرْقتي الواقــــــدة

كلُّ يـــــــــــــومٍ تولَّـــــــــــى

يباعد بيني وبين جروحي

ويَــــجْــــبُـــــــــــرُ غُـــــــــــــصَّــــة عظمي الكسيحِ

ويمْـــــــــنحني صوتَ مئذنةٍ واعدة

سيِّـــــــــــــــدي

إنَّ عودي يعوذُ بوجه الذي صوَّركْ

وأجرى على قَــــــــــدَرٍ زورقَ الفاتحين

أعوذُ بنورِ الذي هو في بحْــــرِه سَـــــــيَّــــــــــــرَكْ

أعوذُ بنورِ الذي هو في أرضه اسْــــــــتَـــــــعْــــمَركْ

وأطلعَ من نخلكَ النورَ

من أن أحيد عن الخطوِ،

أو أتولّى عن المعتركْ

فأنا الآن أعلمُ علْـــمَ اليقينْ

أنَّ كل ابتهالِ

وكلَّ عراجينِ تسبيحةٍ من شفاه الرِّمالِ

تبــــــشِّر، لا ريبَ يا سيِّدي،

بلآلئِ لمتونةَ الخالدة

                                                     أحْمــــــــــــــــد مطَـــــــــــــــــــــــــــر                         

أضحى حُـــــــــواةُ الحــــرْفِ

يلتمسون بيع الشِّـــــــــــعْــــرِ في سوق الكسادْ

ويظلُّ يركضُ في حقول المـــــوتِ

       مؤتزراً بهِــــــــــمَّـــــــــته الجــوادْ

مستأنسًا وحِــــــــــــــــــدًا ويأنفُ أن يقادْ

ويظلُّ يكتب هذه الأشعارَ

بالدمِّ عبر مملكة الرمادْ

إن صادروا منه المــــدادْ

مُصابـــــــــــــــــــــــــــرة

وأرْفـــــــــــــــــــعُ قلْـــــــــــــــــــــــــــــــــــعتي فــــــــــــوْق الرِّمَــــــــالِ

وأرْتَـــــقِـــــــــــــبُ الهبَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء ولا أبالــــــي

وأطْــــــــــــــــــــــــــــوي هذه البيْــــــــــــــــــــــــــــــــــــداءَ فرداً

وأقْــــــــــــــــــــضي العمْــــــــــــــرَ مــــــــــــــن آلٍ لآل

فإن قالــــــــــــــــوا: ضـــــــــــــــــــلالٌ ما تُـرَجّــــــــي

أجبتُ: مقَـــــــــــــــالُكمْ عيْــــــــــــــــــــنُ الضلال

وإن قـــــــــــــــــــــــــــــــــالوا: لقـــــــــــــــــــــاؤكمُ محــــــــــــــالٌ

رأيت العيْــــــــــــــــــش في طلَــــــــــبِ المحــــــــــــــالِ

سبْــــــــــــــــــــــــعٌ شِـــــــــــــــــــــــــــداد

سبعٌ شِــــــــــــــــــــــــــــدادٌ قد خلَــــــــــــوْنَ

فهل عسى عامٌ يغاث النَّـــاسُ فيــــــــــــــه ويعْصرونْ؟

ها أنتَ أقربُ ما تكونُ إلى الجنونْ

والموتُ أقربُ ما يكونْ

من بعد سبعٍ أدبرتْ أحلامُك البيضُ الحسانُ حسيرةً

وتولّــــــــــــــتِ الآمالُ،

وانهارتْ قلاعك والحصونْ

وتفـــــــــــــــــــــــــــرَّقَ الأحبابُ، يا قلبي الطّـــعينْ

فبمن نلوذُ؟

بمن نلوذُ؟

وسطوةُ الهجْــــرِ استطالتْ،

والحرائق دونهم حمراءُ ...والدمُ …والمنونْ ...

ما أنتِ يا دُنيا؟

شِـــــــــــبَــــــــــــاكُ غِـــــــــــــوايةٍ

إلا لِـــــمحْـــــــزونٍ مضى أرِقَ الجُـــــفونْ

إنَّ الهوى يُـــرْدي، فحاذرْ أن تولِّــــــــيَــــــهُ،

ولُـــــذْ بعباءةٍ نُسِــجَــتْ غلائلها بكفٍّ من يقينْ

يا صاحبي!

مالي وللدنيا تمدُّ بساطَـــها

كيما تهدَّ ركائبي؟

وغدوتُ وسْط بحارها الغضْبى

كأني أزرع الأوهامَ

لا أجني سوى الرِّيح العقيمْ

تلهو بمركبتي،

وألهثُ خلفها شَـــرِهاً،

وليست غير ظلِّ زائلٍ بعد المقيلْ؟!

ما هذه الدنيا؟

شِراكُ غِـــوايـــــــةٍ

إلا لِـــمحْـزونِ الفؤاد مسَـــهَّـــــــدِ

متذكِّــــرٍ…

    متفكِّـــرٍ …

        متطَـــهّـــــرٍ …

             مسترشدٍ …

                    متعبّـِـدٍ …

                         متَــهجِّدِ …

يحدو به الشَّوقُ القديمُ إلى حِــــمــــــى

سكَّـــــــــــانُ أربُــــــــعِـــهِ أَحِــــــــــــــبَّــــــــةُ أحْـــمدِ

ويمدُّ للغيب المهِــــيبِ جنــــــــــــــــــاحَـــــــــهُ

والنَّــفْس بين مصـــــــــــــــــــــوّبٍ ومصـــــعّدِ

ما شــاقها إلا نــــــــــــــــــــــــــــــــداءُ يمامـــــــــــــــــةٍ

قامت مسبِّـــــــــــــــــــــــــحةً بليـــلٍ مجــــْــــهــــــدِ:

لا تصـــــــــلحُ الدُّنيا سوى لمــن اتّقــــــــى

ظنُّ الجــــَـــهولِ سواه غيـــرُ مُســـــــــــــــدَّدِ

صــــــــــــــــــــوَّامةٌ …

    قــــــــــــــــــــــــــــــوَّامةٌ …

           لــــــــــــــــــــــــــــــــــــوَّامةٌ …

تُــرْدي الدُّجــــــــى بقنوتهــــــا المتوقّـــــــــــدِ

أوّابةٌ …

    توّابةٌ …

نوَّابةٌ …

لم يثنها نزعُ الشّــــــــــــوى عن مقصــــــدِ

وتريك من حسن الشّـــــــــــمائل جَـــنَّـــةً

تسبي الخليَّ بحسْنها المتـــــــــــــــــــــجدّدِ

أوصدتُ من فرطِ الــسُّـــهادِ مدائنَ القلب الـــــــــمُــــــجَــرَّحِ،

فاستوتْ في الروح مئذنةً، وميلاداً جديداً،

أقبلتْ، ما استأنستْ،

ما سلّــــــــــــــــمتْ

وكأنها بَــصُـــرَتْ بقلبي غير مسكونٍ وفيه متاعها

هي من إذنْ؟

هي صبوة المستضعفينَ

وكعبةُ العشَّاقِ

والسِّـــــرُّ المصونْ

كغمامةٍ وطفَـــــــــــــــــــاءَ

تسْكُــــــــن ظهريَ امرأةٌ

لها في كل فاصلةٍ يَــــدٌ

وبكل نبضٍ صيحةٌ

وبكل سطْــــــــرٍ من حروفي شهقةٌ

فإذا هي ائتلقتْ

أسمّيها بلادي، لستُ أنكرها

أنصِّبُ حبَّـــــــها علماً

وأمنحها دمي.

وإذا غدتْ طيفا

وأصبح حُــــبُّـــــــها منفى

أسمّــــــــيها، إذن، ليلى

ولا أدري لها نعتا ولا وصفا

ولكني أغنيها:

دعي بيني وبينكِ – كي أراكِ – مسافةً

وتدفقي بالنُّور والأشْعارْ

فإنَّ الشَّمسَ، يا ليلى،

إن اقتربتْ

تكاد الشمس يخطف ضوؤها الأبْـصارْ

ليلى نداءٌ من سماء الغيبِ يختزن الشُّموسْ

وقصائد الشوق الجنونيِّ القديمْ

ليلى! ويورق حقلُ أحلامي الـــــرِّغابِ  

ليلى! وتفتح دون آمالي

مصاريعُ التراتيل المطهَّرة العِــــــــــــــــــــــذابِ

ليلى! ويوقد في ظلامِ الرُّوح مصباحُ الهداية 

بعدما ضلَّـــــــــــــــــــتْ ركابي

ليلى! أأَصْــــــدَقَــــكِ الأحبَّــــــــــةُ ما يليــــــــــــــــــــــــــــقُ

بصوتك القدسيِّ، في زمن التوجُّـــــــــــــــسِ،

أم صبأتِ إلى سوايَ

وقد رأيتِ هواجر البيد الغِـــضابِ؟

 يأكـــــــــــــــــلنْ من لحمي،

ومنْ عظمي،

وتشربُ هذه الدُّنيا الدنيَّـــــــــــــــــــــــــةُ من شبابي؟

كم من شبا ظُــــــــــــــفـــــرٍ ونابِ

كم مخلبٍ ضارٍ خبيءٍ

راح يَـــــطْمعُ في ثيابي

لا وتْــــــــرَ عندهم لديَّ

سوى احتكامي لامتشاق الحقِّ

في زمنِ الخديعةِ والسَّرابِ

ليلى! وما ليلى؟

صلاة الياسمينِ،

وشهقة الوردِ

وكتيبة الإيمانِ،

تتلو سورة الرَّعْــــــــــــــــــــــــــــدِ

ليلى نشيدُ الدِّفْءِ في الليل الشتائيِّ الطويلْ

وسفينة المستضعفين، وراءهمْ ملكٌ غشومْ

ملَّكْـــــتُها قلبي، وميراثي، وينبوعَ الشُّــعورِ

وطردتُ عطْــــــشَـــتَـــــها بتسنيمٍ تفَــجَّــــــــــرَ من صخوري

هي منْ إذنْ؟

هي نفحةٌ زارتك في وقت الهجيرِ

مِسْـــكِـــــــــيَّـــة الأكنافِ من ريح الصَّبا

هي إن دنتْ رؤيا مقدَّســـــــةٌ

وإن تبعدْ أضاءتْ كوكبَا

تستوطن الشهبُ البعيدةُ عِـــــــطْــــــفَهَا

وتجوس ليلى الأخيليَّــةُ في بياض كتابِـــــها

وتطلُّ خولةُ من شهيقِ تُـــــــرابها

وتخبِّئ الأقمارُ

ســـِـــــــــــــــــرَّ الكوكب الدُّرِّيِّ تحتَ ثيابِـــــــــــــــــــها

هي كعبة الفقراءِ والأمل المــرابطُ في الجفونِ

فكيف؟ كيف تُــــــظاهِــــــــرُ الأعداءَ؟

كيف يضيع ميثاقٌ غليظ عمْـــــرُه العُــــمْــــــــــــــــــــــرُ

وأنا الذي ملَّكتُــــــها أمري،

وهذا الماء من نبضي،

ينابيعا وأنهارا إلى أعراقها يجري

( أينكرني دمِي ؟ )

فاستوسقتْ من نبعهنَّ السنبلاتُ

كما على الملِكِ، النَّجاشيِّ العظيمِ، استوْسقَ الأمْـــــرُ

إذا قالوا: لقد أزرى بك الـــدَّهْــــــرُ

أقول لهم: ألا إنَّ الهوى مصْـــــرُ

ليلى! أنادي، فاسمعي فصْلَ الخِـــطابْ

إني تركتُ وراء ظهْري زُخْرُفَ الدّنيا وباطلها

                       فلا عجبٌ إذا قَـــــــــــــلَّ الصحابْ

لا شيءَ يجمعنا إذا ما فاتنا نور الكتابْ

وجميع ما أضحى على الدُّنيا

                           ترابٌ في ترابْ

أحسبت أن الطِّـــــين يقدر أن يوحِّدنا

                إلى يوم الحسابْ؟

جسدي على الصحراء، يا ليلى، تحيط به الذئابْ

وتنوشه السُّـــمُّ الحرابْ

ليلاي، مدَّ بنوك أيديهمْ إلــــــيَّ،

                      بما تقَــــــــــــــرُّ به عيون الشَّانئينْ

وأنا الذي أطعمتهمْ لأَسُـدَّ غلَّـــــــتهمْ عيوناً من لبنْ

ولكم مددتُ يدي إليهم ناصرًا

كم ذدتُ عن أعراضهم

ولكم حميت حياضهم

لكنَّهم قلبوا لأبناء الحمى ظهْر المجَـــــــــــــــــــــــــنّْ.

أنا النيلُ، لا خيري بخــــــافٍ علــــــــــــيــــــــكمُ

إذا أغدقتْ كفِّي وكم جـــــــــــئتُ آســـــــــيا

أنا الأزرق المــــــــــــوَّار، أمنحكمْ دمـــــــــــــي

وكم من يدٍ عندي لديكم، فما ليــــــــــــا؟

ألم أك نارا يصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــطليها عدوّكمْ

وحرزا لما ألجأتُــــــــــــــــــــــــــــمُ مــــــــــــــن ورائيا؟

وباسط خيرٍ فيكــــــــــــــــمُ بيــــــــــــــــــمينِـــــــــــهِ

وقابض شَـــــــــــــــــــــــرٍّ عنكم بشـــــــــــماليا

لماذا تحْجُبيـــــــن الشّمس؟

لماذا تحجبين الشَّمس عن بُستان أحلامي

وتعتقلين أجنحة العصافيـــــــــــــــــــــــرِ؟

لماذا تُــسْلمين حصونيَ الأعداءَ؟

همْ لم يطلبوا رأسي وحيداً، فاعلمي،

لكنّهم طلبوكِ إذ طلبوا دمايَ،

فحاصروك وحاصروني

واسترهبوني...

حرضوا ضدّي العشيرةَ

والأحابيشَ التي نهشتْ دمي طفلا

وهــــــــــــــــرَّبَتِ ( الفلاشا ) في ثيابٍ من نخيلي المستباحْ

ولو استطاعوا هــــــــــــــــــرَّبوا الأهْـــــرامَ من غيظٍ،

وباعوا قُــــــــــــــــــــرْطكِ الذَّهبِــــيَّ يا ماريّةَ التاريخِ للأحبارِ.

يا ليلى، رفعتُ الإصر عنكِ

فلا تبيعي العِــجْــــلَ أحلامَ الطفولةِ

درَّةَ الفاروقِ.

دمْعَـــته.

وعُــــهْـــدتَـــهُ لأهلِ القُــدْسِ.

سيفَ أبي عبيدةَ.

حنكة ابن العاصِ.

                 سيفْ أبي تُرابْ.

أو ما رأيت العجل مزهــــوًّا

               بما شربته من دمِنا الحرابْ؟

ظنَّ الأحبَّــةُ أنّني خنت الأمانةَ بعدهمْ

وجعلت ظهريّــاً، وقد بدت الأسِـنَّـــةُ، عهْــــــــدهمْ

 أحبابَ قلبي! إن بعض الظنِّ إثْـــــمٌ.

هكذا نطق الكتابْ

أحبابَ قلبي! إن هذا الظــــــــنَّ مزرعةُ الخطايا

أأغــــــــــــــلُّ ميراثي؟

إذن غُــــــــــلَّــــــــتْ – بما صنعتْ – يدايا

كيف الســــــــــــــــــلوُّ وقد سكنتمْ في سويداءِ الفــــــــــــــــــــــؤادْ

وأنا الذي نَصَّــــبْــتُ نُـــوَركُــــمُ دليــــــــــــــــــــــــــلي

واتَّـــخّــذْتُ – إذا ادلَــهَـــمَّــتْ – ودَّكُـــمْ في وحشة الفلَـــــــــوَات زادي

 وجعلت حبَّـــــــــــــكُــمُ عتادي

ومضى الأباعدُ يرجفونَ بأنني الإرهابُ ..

والدمُ ..

والظّلامُ ..

وأنا المحبَّــــــــــــةُ منذ كنتُ، أنا الوئَـــــــــــــــــامُ

وأنا السلامُ

أحبابَ قلبي! قد وَضَـــعْــــــــتُ القلب بين أكفِّــــكُمْ

لا تطعنوا ظهْري إذا هجمتْ على حقلي الذئابُ

فأنا لكم فئةٌ وظهْــــــــــــــرٌ، إْن تكسَّرت النِّصالُ،

وثلَّ من عضِّ الصوارم في يمينكم الضرابُ

أو ما سقيتكم على ظمأ زلالا في الهجير

                فكان مائي عندكم نعْمَ الشَّرابُ؟

أو لم تكن داري لكم دارًا،

وقد بشمتْ بأرضكم الثعالبُ،

واستقلَّ برأيه فيكم زنيمٌ

لو دعا جُــعَــلا إليه لا يجابُ؟

كان الدَّمُ الدَّمَ ، فاذكروا،

والهـَـــــــــــــدْمُ كان الهَـــــــدْمَ.

كيف تراهُ ينتقض البنا

ويؤوده من بعد عُـــمْرانٍ خرابُ؟

صبيـــَّـــــــــةٌ تقــــــــــــرأ القُـــــــــــــــــرآن

لتركستانَ هذا الوعْــــدُ محمولا بأضلاعي

يسافر بي ..

يسافر بي ..

يلبِّي دعْــــــــــــــــــــــــــــــوَةَ الداعي

لقَـــــــــــــــانِـــــــتَــــةٍ تُـــــــــــــــــهَـــــــرِّبُ مُصْــــحَــــــــفاً في اللَّــــيْـــــلِ للأبْـــــــــــناءْ

وتَــــحْـــــــمِـــلُ للمُــــــــــــرابطِ آخـــــــــــــــــــرَ الأنبــــــــــــــــــــــــــــــاءْ

وهبْــــــــــــــــــــــــتُ دمي

جعلت القلْـــــــــــــبَ للإصْباحِ مفتاحا

..

رأيتُ فتىً بظــــلِّ ( أوَيْـــــسٍ الــــقَـــــــــرَنـــيِّ ) شطآن الهرهورة: إشارة إلى أول مخيم مشهود، جمع قادة العمل الإسلامي من أجل الوحدة، في متم سبعينيات القرن العشرين.

مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالك حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدّادHorizontal Scroll: مـــــالك حـــــــــــــــــــــدّاد

قد كنتَ تعرفُ ما تقولْ

يا أيّها القمرُ الذي غزلتْ غدائـــرَهُ

عذارى ( سْطيفَ ) ، يا وترًا  يــئــنُّ،

ويستعيرُ من الشَّهادة عطْــــرها

              وشموخها الألق البتولْ

قد كنت تعرف أن سرّ الشّمس يزهر في الجوانــحِ،

حين نتَّشِــــحُ البلاد بيارقاً تزهو فتخضرُّ الفصولْ

قد كنت تعرفُ:

هذه اللغة المقدّسة التي كنّا رضعنا

من ثُــــــــــــــــــــدِيِّ الأمَّـــهَــــــــــاتِ

هي التي تحمي مراكبنا

إذا ارتفع الرصاصُ، وداهم البومُ الحقولْ

قد كنت تعرف أن تقولْ

قد كنت تعزف لحنك الأوَّابَ، والظُّلماتُ تزحفُ:

ليس بعد الليل إلا الفجْــــرُ،

لكــــــــنَّ الرصاصة وحدها لا تفتح الأبوابَ،

حين يـــضِــــلُّ حاملُها الطريقَ،

    ويستجير بظلِّ قاتله القتيلْ. 

جمـــيلـــــــــــــــــــــــــــــــة

ثوري لأرضك يا جميلــةْ

واسترجعي أحلامك الريَّا الجميلةْ.

وهْـــــــــــــــــــــــــــــرانُ ما زالت تئن بوطأة الطاعونِ،

طاعون التدابرِ،

والتنافرِ،

والتناحرِ،

والأمانيَّ القتيلةْ

لي فيكِ يا وهْران عهدٌ لم أكن لأبيعهُ

كم رحْــــتُ أحمل طاقة الريحانِ والبشْرى،

ولكن ليس لي في الأمر حيلــةْ

هل تذكرين عبيرَ وجْـــــــــــــدَةَ؟

والرجالَ الذائدين؟

وَسَـــجْــــــــدَةَ الفجْـــــــــــــــــــــــــر الجليلة؟

وسفينةً طلعتْ من الناظورِ

(طيفُ سفينةٍ يزهو-بما حملت – على البسفورِ)

كالأحلام، كالشّوق المخبّـــأ في عيون العاشق النجديِّ،

                                            كالقيم المطهَّرة النّــــبيلـــــــــــةْ

هل تذكرين دماءنا

تسقي سويًّا حقل أمّتنا المباركَ،

                          يوم أمّتنا عليلــةْ؟!

فمن الذي ألقى بذور الشكِّ فيما بيننا؟

ومن الذي اغتصب البراءة وافترار الشّوقِ

      في المقَــل الكحيلـــــــــــــــــةْ؟

[1]  - أويس القرني مسجد من مساجد اسطانبول ، منسوب إلى الرجل الصالح الذي حرص عمر رضي الله عنه أن يسأله الدعاء ، تصديقا لوصية الرسول عليه السلام .