حِسٌ و تراب

خلّيهِ يبحثُ عن مداهُ يوماٌ سيُدرِكُ مُنتهاهُ

قهرتْ رُؤاهُ خيالَهُ, يهوى الرحيلَ وما حواهُ

ويظلُّ يوقِظُهُ اليقينُ بعالَمٍ شكٍّ خُطاهُ

فلطالما انكشفتْ لهُ حُجُبٌ مدائنُها رؤاهُ

مُزِجتْ بهِ أشياؤهُ, كوناً تراهُ وما تراهُ

حتى تظنُّ وجودَهُ طيفاً بلا أملٍ لقاهُ

بمزاجهِ مُتناقضٌ يبكي ويضحكُ مِن جواهُ

غضبا يثورُ وتارةً سمحاً يُلاطفُ خافقاهُ

في صمتهِ نبتَتْ لغاتٌ والأنينُ وما عناهُ

وتوارثت أحلامَهُ حقبُ الكلامِ ومحتواهُ

 أيامهُ وهمٌ يطاردُ ما دعاهُ وما ادّعاهُ

وكأنَّ أزمنةً تحاصرُ روحهُ تخشى مُناهُ

ويظلُّ يزعمُ أنّهُ شيءٌ يعمُّ سناهُ

لكنّهُ كتبَ الوجودَ بأسطرٍ سكبت دماهُ

لهبُ الحروفِ تئنُّ منهُ وتشتكي ممّا هواهُ

ظمأُ النفوسِ إلى التُرابِ سجيّةٌ ملكتْ رضاهُ

وبمائهِ سبحتْ عوالمُ تشتهيهِ على رَداهُ

نارٌ تُرابيٌّ وماءٌ والهواءُ وما علاهُ

نسبُ الترابِ يضيعُ في جوفِ الترابِ و مُنتهاهُ

مَن أنتَ يا إنسانُ ؟ مِن عجلٍ خُلقتَ و مِن سواهُ

جسدٌ يبينُ مع الوجودِ بأزمُنٍ كتمت خطاهُ

هي وحدها الروحُ الّتي ملكتْ مشاعرَ ما حواهُ

إحساسُهُ يُخفي حقيقةَ أمرهِ وهماٌ رآهُ

وحواسُهُ ليست تُرى لكنّها فيها هداهُ

فرحٌ, وحزنٌ, نظرةٌ, سمعٌ, بكاءٌ مُبتداهُ

غضبٌ بنشوةِ غائبٍ طفحَ اشتياقا مُلتقاهُ

نطقَ الّلُغات وخيّبتْ إحساسَهُ فيما عناهُ

بأنينهِ بكتِ السماءُ نجومَها تشدو شجاهُ

جسدٌ يلامسُ بعضُهُ فوجودُهُ كلٌّ رثاهُ

ويحنُّ للأرضِ التي منها ابتداهُ ومنتهاهُ

تبقى النفوسُ مشاعراً مخفيّةً وبها نُهاهُ

كلُّ الأحاسيسِ اختفتْ بمماتهِ هجرتْ سماهُ

ليعودَ من بعدِ الرّحيلِ لأمِّهِ تنعي ثراهُ

وغدا يعودُ ليلتقي بمشاعرٍ تُبدي مداهُ

النارُ موعدُهُ وجنّةُ ناسكٍ فيما جناهُ

وسوم: العدد 731