أيّها الشّهداء

صالح محمّد جرّار/جنين فلسطين

[email protected]

أترانا نحسن أن نخاطبكم ؟! آهٍ لتفاهة الكلمات أمام الدّماء ! آهٍ لهزالة السّاقية في مواجهة البحر ! آهٍ لميوعة المداد على سطح النّجيع !

 أين نحن منكم ؟ أين الثّرى من الثّريّا ؟

 أيّها القادمون إلى قلوبنا بلا استئذان , أيّها الطّارقون فجراً بصلاةٍ وأذان , أيّها الصّادحون فينا آن الأوان ! الحديث عنكم لا ينتهي , ولا تملّه الآذان , فكيف ينتهي الحديث عن المجد والعزّ ونصرة الإنسان ؟ كيف ينتهي الحديث عن صنّاع الفجر بعدما نهشته عتمة الليل ووحشيّة الظّلام ؟!

 أيّها الشّهداء , من نور عيونكم نستعيد قناديلنا , ونردّ البسمة للخيام , للقرى , للمدن , للقدس , للمسجد الأقصى مسرى النّبيّ الكريم , لمحراب صلاح الدّين , ومقابر الصّحب الكرام , ليافا وحيفا , للكروم والبيّارات , وحراج يعبد , لأزقّة الشّابورة وجباليا والشّاطئ والشّجاعيّة ,لأحياء خان يونس وبلاطة والشيخ رضوان , لمرابض البطولة ومرابط الجهاد , في نابلس والبريج وتلّ السّلطان !!

 أيّها الشّهداء ,من ذكريات رجولتكم تدبّ الحياة فينا , فنعشق الحور العين , ونطلب بوابات الآخرة وعتبات الاستشهاد !

 آهٍ ما أثقل الأيامَ !! غابت عنها سبحات خلودكم ووهج عطائكم ! سلامٌ عليكم , وقد بلغتم الشّهادة , ليس قبل الأوان , ولكن قبل فوات الأوان !

 استشهدتم حين عزّت الشّهادة وندر الرّجال , هكذا كنتم أزهاراً وغيثاً في ربوع ديارنا ! طابت معكم أحلام الغلبة والتّمكين ,فتطاولت الأعناق , واشرأبّت , وفاحت الأجواء بالأريج والشّذا !!

 هكذا كنتم رجالا في زمن أقعى فيه الفعل , وندرت الرّجولة , وتقاصرت النيّات والهمم , وتطأطأت الجباه والقيم !!

 أيّها الرّاحلون إلى معالي الشّمس ودوح الجنان , اذكرونا , ونحن نلتمس الطّريق إليكم , لعلّ خطانا تغذوها بعض سٍيرتكم , فأنتم وجدان هذه الأمّة , وتاريخ الحياة فيها !!

 تالله لقد حققت دماؤكم ما عجزت عنه أعمارٌ من الكلمات والمؤتمرات ,

انتصر الدّم على السّيف وبحرت العين في المخرز وهاوشتْه , فكان النّصر والحضور والشّهادة !!

 فأنتم صفحاتٌ مضيئة في ظلمة غيابنا , وأنتم وشوشات الفجر لصحوة جيلنا , وعودة خيولنا , وأنتم رايات لهداية ركبنا !!

 أيّها الشّهداء , أنتم علّمتمونا بأن الأرض لا تُحفظ إلاّ بالجهاد , وأنّ الكرامة لا تصان إلاّ بالشّهادة , فعلى هدي خطاكم نغذّ السّير , ونستحثّ الخطا , ونصعد المعالي !!

 ماذا نكتب عنكم , وأنتم كنتم في أرض الرّباط ترسمون الصّورة , وتصنعون الأسطورة ؟ ماذا نكتب ؟ فأقلامنا خجلى , وغمدنا صدأ سيفه , وتآكلت شفراته ! ماذا نكتب ؟ وأنتم كنتم في غزّة والقدس ورام الله ونابلس وجنين , تعيدون للصرّاع وجهته الحقيقيّة !! فليغادر قلمي رحابكم , فهو عن وطنكم بعيد , ولتتفضل كلمات الشّهيد ( سيّد قطب ) لنعالج من خلال ظلالها عميق معاني الشّهادة , وتزكيات الدّماء !! " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون " صدق الله العظيم

 يقول الشّهيد سيّد قطب : " إنّ هنالك قتلى سيخرّون شهداء في معركة الحقّ , شهداء في سبيل الله , قتلى أعزّاء أحبّاء , قتلى كراماً أزكياء , فالّذين يخرجون في سبيل الله , والّذين يضحّون بأرواحهم في معركة الحقّ هم عادة أكرم القلوب , وأزكى الأرواح , وأطهر النّفوس – هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتاً , إنّهم أحياء , فلا يجوز أن يقال عنهم أموات , لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشّعور, ولا أن يقال عنهم أموات بالشّفة واللسان, إنّهم أحياء بشهادة الله سبحانه , فهم لا بد أحياء , إنّهم قتلوا في ظاهر الأمر , وحسبما ترى العين , ولكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السّطحية الظّاهرة, إنّ سمة الحياة الأولى هي الفاعليّة والنّموّ والامتداد ,وسمة الموت الأولى هي السّلبية والخمود والانقطاع , وهؤلاء 44الّذين يقتلون في سبيل الله فاعليتهم في نصرة الحقّ الذي قتلوا من أجله فاعليّة مؤثّرة , والفكرة التي من أجلها قتلوا ترتوي بدمائهم وتمتد , وتأثّر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد . فهم ما يزالون عنصراً فعّالا دافعاً مؤثّراً في تكييف الحياة وتوجيهها , وهذه هي صفة الحياة الأولى . فهم أحياء أوّلاً بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا النّاس , ثم هم أحياء عند ربّهم , إمّا بهذا الاعتبار ,وإمّا باعتبار آخر لا ندري كنهه , وحسبنا إخبار الله به " أحياءٌ ولكن لا تشعرون " لأنّ كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود , فهم أحياء , ومن ثم لا يغسلون كما يغسّل الموتى , ويكفّنون في ثيابهم الّتي استُشهدوا فيها . فالغسل تطهير للجسد الميت , وهم أطهار بما فيهم من حياة , وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنّهم بعدُ أحياء . أحياء فلا يشق قتلهم على الأهل والأحبّاء والأصدقاء , أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحبّاء والأصدقاء , أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم , ولا يتعاظمها الأمر , ولا يهوّلنّها عظم الفداء . ثمّ هم بعد كونهم أحياء مكرّمون عند الله , مأجورون أكرم الأجر وأوفاه . ففي صحيح مسلم : " إنّ أرواح الشّهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنّة حيث شاءت , ثمّ تأوي إلى قناديل معلّقة تحت العرش , فاطّلع عليهم ربّك اطلاعة , فقال ماذا تبغون؟ فقالوا : يا ربّنا , وأي شيء نبغي , وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ثمّ عاد عليهم بمثل هذا , فامّا رأوا أنّهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا : نريد أن تردنا إلى الدّار الدّنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرّة أخرى , لما يرون من ثواب الشّهادة , فيقول الرب – جل جلاله –إنّي كتبت أنهم إليها لا يرجعون ... الخ

 وفي مناسبة قوله – تعالى – " ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون , فرحين بما آتاهم الله من فضله , يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون, يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ."

 أخبر عنهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم – فقال : " إن أرواحهم في أجواف طير خضر وأنها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش , فلمّا رأوا طيب مسكنهم ومطعمهم ومشربهم قالوا : يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النّعيم , وما صنع الله – تعالى – بنا كي يرغبوا في الجهاد , فقال الله - تعالى: أنا مخبر عنكم , ومبلّغ إخوانكم , ففرحوا بذلك واستبشروا , فأنزل الله – تعالى –تلك الآية السّابقة .!

 إنّ الشّهداء لمختارون , يختارهم الله من المجاهدين , ويتّخذهم لنفسه - سبحانه , فما هي رزيّة ولا خسارة أن يُستشهَد في سليل الله مَن يُستشهَد , إنّما هو اختيار وانتقاء وتكريم واختصاص ! إنّهم شهداء , يستشهدهم الله - تعالى – على هذا الحق الّذي بعث به للنّاس ,يستشهدهم فيؤدّون الشّهادة , يؤدّونها بجهادهم حتّى الموت في سبيل إحقاق هذا الحق , وتقريره في دنيا النّاس , يستشهدهم على أنّ ما جاءهم من عنده الحقُّ , وعلى أنّهم آمنوا به وتجرّدوا له , وأعزّوه حتّى أرخصوا كلّ شيء دونه , وعلى أن حياة النّاس لا تصلح ولا تستقيم إلاّ بهذا الحقّ , وعلى أنّهم استيقنوا هذا , فلم يألوا جهداً في كفاح الباطل وطرده من حياة الناس وإقرار هذا الحق في عالمهم , وتحقيق منهج الله في حكم النّاس , يستشهدهم على هذا كلّه فيشهدون , وتكون شهادتهم هي هذا الجهاد حتى الموت , وهي شهادة لا تقبل الجدل والمحال !!

 يجود بالنّفس إذ ضنّ الكريم بها والجود بالنّفس أقصى غاية الجود

 إن الشّهادة دلالة وفاء لمبدأ , واحترام لعقيدة , وافتداء لإيمان

وقد  كان فوت الموت سهلا فردّه          إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعرُ

تردّى ثياب الموت حمراً فما أتى          لها الليل إلاّ وهي سندسٌ خضرُ

إنّ الشّهداء هم سادة الحياة وملوك الآخرة !! والشّهيد هو مؤمن بالله, صادق الإيمان , صحيح العقيدة , وفيّ لربّه , وقد أدّى ما عليه , وحمى مقدّساته , وبذل روحه ليستبقي الأرض بعده أرضا إسلاميّة , يصيح المؤذّن فوقها بكلمات التوحيد, وتكبير الله وتمجيده , بذل دمه ليستبقي الأرض بعده أرضا إسلاميّة كما أسلمها إلينا الفاروق عمر بن الخطّاب , ونسلّمها نحن لمن بعدنا أرضا إسلاميّة , ووجه الإسلام فوقها نضير , وتاريخه فوقها كبير !!

إنّ الشّهداء هم من بين الرّكع السّجود الّذين يطلبون ما عند الله , ويزدرون ما عند النّاس . إنّ الشّهيد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا , إنّه اعتنق الحقّ وأخلص له وضحى في سبيله , وبذل دمه ليروي شجرة الحقّ به ! إنّه يأبى الدّنيّة ويرفض المذلّة والهوان . فإن الله - سبحانه - جعل العزّة للمؤمنين , فإذا حاول أحد أن يستذلك فدافع , وإذا حاول أحد أن يجتاح حقّك فقاوم !

جاء رجل إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال : يا رسول الله , أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال فلا تعطه مالك . قال أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله , قال أرأيت إن قتلني ؟ قال فأنت شهيد , قال أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النّار .

وجاء في السّنن أيضا : " مَن قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فه شهيد , ومن قتل دون دينه فهو شهيد , ومن قتل دون أهله فهو شهيد . "

فالمسلم ينبغي أن يتشبث بحقوقه , وأن يدافع عنها ,وألاّ يجعل الدّنيّة صفة له . فكيف يذل ويستسلم وقد غزي في عقر داره ؟ كيف يتقاعس عن الجهاد وقد دنّس أعداء الإسلام مقدساته , وقد أخرجوه من أرضه ؟ كيف يجبن ويهون والعدو يهدم مسجده وداره ؟ وكيف يستسلم ويخضع والعدوّ يسفك الدّماء في مساجد الرّحمن , ويبطش بنا في كل زمان ومكان ,وينحر الفضيلة والقيم , وينقض العهود , ويخفر الذّمم , ويحارب الله وراية التّوحيد ,, ويرفع راية الشّيطان ,وعلم الاستيطان في أرض الإسراء والمعراج و وعلى ترابٍ ضمّخه الآباء والأجداد بدم الشّهادة وعرق الجهاد وشذا الإيمان ؟!!

إنّ القائد الشّهيد في معركة بلاط الشّهداء على مشارف باريس الفرنسية كان جهاده يومها فرض كفاية , فساحة القتال في فرنسا , وعاصمة الدّولة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة . لقد بعدت الشّقة وترامت المسافات بين أرض المسلمين وأرض الأعداء , ومع ذلك استجابوا لدعوة الله والجهاد في سبيله , مرخصين النّفس والمال في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى !

واليوم والعدوّ يجتاح بلادنا , ويدنّس مقدّساتنا , ويسومنا خسف العذاب وألوان الذّل والاضطّهاد , من قتل وسجن وضرب ونفي وتدمير ومطاردة لفتيان الإسلام , وطمس لمعالم الحقّ , كلّ هذا وأشدّ منه يكون !! أفلا يكون الجهاد عندئذٍ فرض عين يا مسلمين ؟!

 لقد نهى الإسلام عن الوهن والدّعوة إلى السّلم طالما لم تصل الأمة إلى غايتها , ولم تحقق هدفها , واعتبر السّلم في هذه الحالة لا معنى له إلاّ الجبن والرّضا بالدّون من العيش " فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون , والله معكم , ولن يتركم أعمالكم " !!

 إنّ السلم في الإسلام لا يكون إلا عن قوّة واقتدار , ولذلك لم يجعله الله مطلقا , بل قيّده بشرط أن يكفّ العدوّ عن العدوان , وبشرط ألاّ يبقى ظلم في الأرض , وألا يُفتن أحد في دينه . فإذا وجد أحد هذه الأسباب فقد أذن الله بالقتال , فتسترخص الأنفس , ويضحّى بالمهج والأرواح " ولا تهنوا في ابتغاء القوم , إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون , وترجون من الله ما لا يرجون " !! " يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا , واذكروا الله كثيرا لعلّكم تفلحون , وأطيعوا الله ورسوله , ولا تنازعوا فتفشلوا , وتذهب ريحكم , واصبروا, إنّ الله مع الصّابرين ."

 ومن مشكاة النّبوّة قوله - صلّى الله عليه وسلّم – " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدّنيا وما فيها . " "كل ميت يختم على عمله , إلا الّي مات مرابطا في سبيل الله , فإنّه ينمي عمله إلى يوم القيامة , ويأمن من فتنة القبر . " " إنّ مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً ." من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنّة ." " لا يكْلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله - إلاّ جاء يوم القيامة وجرحه يشغب دماً ,اللون لون الدم والرّيح ريح المسك " " أيّها النّاس لا تتمنوا لقاء العدوّ , وسلوا الله العافية , فإذا لقيتموهم فاصبروا , واعلموا أن ّ الجنّة تحت ظلال السّيوف . "

 ألا فاعلموا أيّها المسلمون أنّ الشّهداء برفقة الأنبياء والصّدّيقين والصّالحين . " ومن يطع الله والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين , وحسن أولئك رفيقا ,ذلك الفضل من الله , وكفى بالله عليما ."

 ومن يسقي ويشرب بالمنايا إذا الأحرار لم يُسْقَوا ويَسقوا ؟!

 حقّا لم يبق في السّاحة مَن يذبّ عن حمى الدّين والوطن والأعراض إلاّ الأيدي المتوضئة والقلوب الخاشعة لله تعالى , عشّاق الشّهادة وطلاّب الفردوس الأعلى , أولئك الّذين استعلَوا على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان , استعلوا على أوضاع الأرض :" كتب الله التي لم ينشئها الإيمان , استعلوا مع ضعف القوّة وقلة العدد وفقر المال .

 أمّا أولئك العبيد الذين يهربون من الحريّة , ويقفون بباب أسيادهم مغتصبي البلاد والعباد , يتزاحمون وهم يرون بأعينهم كيف يركل السّيّد عبيده الأذلاء بكعب حذائه , وكيف يطأطئون هاماتهم له , فيصفع أقفيتهم باستهانة , ويأمر بإلقائهم خارج الأعتاب ,ولكنهم بعد هذا كله يظلّون يتزاحمون على الأبواب ,وكلّما أمعن السّيّد في احتقارهم زادوا تهافتا كالذباب يستجدون السّلام الهزيل ,ويستعطون الفتات الحقير , لأن في نفوسهم حاجة ملحّة إلى العبوديّة , فلهم حاسّة سادسة أو سابعة , هي حاسّة الذّل , ولابدّ لهم من إروائها !! فالحريّة تخيفهم , والكرامة تثقل كواهلهم , ومع هذا فأولئك العبيد جبّارون في الأرض , غلاظ على الأحرار شداد ,يتطوّعون للتّنكيل بهم ,ويتلذّذون بإيذائهم وتعذيبهم , لأنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتّحرّر , فيحسبون التّحرر تمرّدا ,والاستعلاء شذوذاً , والعزّة جريمة " ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين , ولكنّ المنافقين لا يعلمون ."

 ومع ذلك كلّه , فالمستقبل للأحرار لا للعبيد ولا للسّادة الّذين يتمرّغ عل أقدامهم أولئك العبيد .:" كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي , إنّ الله قويّ عزيز , وأنّ جندنا لهم الغالبون .". " ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا , فإن حزب الله هم الغالبون ."

 حقّاً إنّ دم الشّهيد هو وقود حياة الأمّة , وهو الطّاقة التي تشقّ للأمة طريق الخلود والمجد , وتظللها بسحائب الرّحمة والخير والطّمأنينة والرّخاء . إن الشهداء من الأمة بمثابة القاعدة من البناء ,فعلى جثثهم يرتفع بناء الأمّة , ويعلو شموخا وعزّة وإباءً .

 وأخيرا هاكم نموذجا شعريّا ينبض بطلب الشّهادة والسّعي إليها :

 قال الشّاعر الفلسطيني عبد الرّحيم محمود :

سأحمل   روحي   على  iiراحتي
فإمّا     حياةٌ    تسرُّ    الصّديق
ونفس    الشّريف   لها   iiغايتان
وما العيشُ ؟ لا عشتُ إن لم أكن
إذا   قلت  أصغى  ليَ  iiالعالَمون
لعَمْرُكَ    إنّي    أرى   iiمصرعي
أرى  مقتلي  دون  حقّي  iiالسّليبِ
لعمرُك    هذا    ممات   iiالرّجال
فكيف  اصطباري  لكيد iiالحسود؟
أخوفاً   وعندي  تهون  الحياةُ  ii؟
بقلبي    سأرمي    وجوهَ   iiالعداة











وألقي  بها  في  مهاوي  الرّدى ii!
وإمّا    مماتٌ   يغيظ   العدا   ii!
ورودُ   المنايا   ونيل   المنى  ii!
مخوفَ  الجناب  حرامَ  الحمى ii!
ودوّى   مقاليَ   بين   الورى   ii!
ولكنْ    أغُذّ    إليه   الخُطا   ii!
ودون   بلادي   هو  المبتغى  ii!
ومَن   رام   موتاً   شريفاً  فذا  ii!
وكيف  احتمالي  ليوم  الأذى ii؟!
وذلاًّ    وإنّي    لربُّ   الإبا   ؟!
وقلبي   حديدٌ   وناري  لظى  ii!!