رسالة التعاليم

الإمام الشهيد حسن البنا

الإمام الشهيد حسن البنا

مـقـدمـة

بسـم الله الرحمـن الرحيـم

الحمد لله والصلاة و السلام على إمام المتقين وقائد المجاهدين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن تبع هُداهم إلى يوم الدين .

أما بعد :

فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمُوِّ دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ، إلى هؤلاء الإخوان فقط أُوجِّه هذه الكلمات ، وهي ليست دروساً تُحفظ ، ولكنها تعليمات تنفذ , فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) , (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) .

أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومحاضرات , وكتب ومقالات , ومظاهر وإداريات , ولكلٍّ وجهةٌ هو مُولِّيها فاستبقوا الخيرات , وكلا وعد الله الحسنى .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حسن البنا

أركـان البيـعـة

أيها الإخوان الصادقون، أركان بيعتنا عشر فاحفظوها:

الفهم والإخلاص والعمل والجـهــاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخـوَّة والثقة.

 1- الفهــم

إنما أريد بالفهم :

أن تُوقِنَ بأن فكرتنا إسلامية صميمة و أن تفهم الإسلام كما نفهمه , في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز :

1 - الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ، وهو خلقٌ وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة أو كسبٌ وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء .

2 - والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام ، ويفهم القرآن طبقاً لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف ، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات.

3 - وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده ، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية , ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه.

4 - والتمائم والرقى والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب , وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آيةً من قرآن أو رقية مأثورة .

5 - ورأي الإمام ونائبه فيما لا نصَّ فيه ، وفيما يحتمل وجوهاً عدة وفي المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية , وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات, والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني , وفي العاديات الالتفاتُ إلى الأسرار والحِكم والمقاصد .

6 - وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم, وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقاً للكتاب والسنة قبلناه, وإلا فكتابُ الله وسنة رسوله أولى بالاتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص ـ فيما اختلف فيه بطعن أو تجريح, ونَكِلُهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا .

7 - ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماماً من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته, وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر.

8 - والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سبباً للتفرق في الدين, ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجرهُ, ولا مانعَ من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة, من غير أن يجر ذلك إلى المِراء المذموم والتعصب.

9 - وكل مسألة لا ينبني عليها عملٌ فالخوضُ فيها من التكلف الذي نُهينا عنه شرعاً, ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع , والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد ، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف , ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأوُّلِ مَندوحة .

10 - ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه, نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل, ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء, ويَسَعُنا ما وسِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران:7) .

11 - وكل بِدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه، ضلالةٌ تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها.

12 - والبدعة الإضافية والتَّركِية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي, لكل فيه رأيه, ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان.

13 - ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى, والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ), والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية, مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً في حياتهم أو بعد مماتهم فضلاً عن أن يهبوا شيئاً من ذلك لغيرهم.

14- وزيارة القبور أياً كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة, ولكن الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قُربٍ أو بُعدٍ والنذرُ لهم وتشيدُ القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلفُ بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها, ولا نتأول لهذه الأعمال سداً للذريعة.

15- والدعاء إذا قُرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحدٍ من خَلْقه خلافٌ فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة.

16- والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية, بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها, والوقوف عندها, كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين, فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء.

17- والعقيدة أساس العمل, وعمل القلب أهم من عمل الجارحة, وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب.

18- والإسلام يُحرِّرُ العقلَ, ويحثُّ على النظر في الكون , ويرفع قَدْرِ العلم والعلماء , ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمةُ ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحقُّ الناس بها.

19- وقد يتناول كلٌ من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر, ولكنهما لن يختلفا في القطعي, فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويُؤوَّلُ الظنيُّ منهما ليتفق مع القطعي, فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار.

20- ولا نُكِّفُر مسلماً أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو بمعصية إلا إنْ أقر بكلمة الكفر, أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة , أو كذب صريح القرآن , أو فسره على وجهٍ لا تحتملهُ أساليب اللغة العربية بحالٍ, أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر.

وإذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول, فقد عرف معنى هتافه دائماً (القرآنُ دستورنا والرسول قدوتنا).

2- الإخـــــلاص

و أريد بالإخلاص: أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله, وابتغاء مرضاته وحُسْنَ مَثوبته من غير نظرٍ إلى مغنمٍ أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر, وبذلك يكون جنديَّ فكرةٍ وعقيدة, لا جنديَّ غرضٍ ومنفعة, (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) , و بذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم: (الله غايتنا) و(الله أكبر ولله الحمد).

3- العمـــل

وأريد بالعمل: ثمرة العلم والإخلاص : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105).

ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:

1– إصلاح نفسه حتى يكون: قويَ الجسم, متين الخلق, مثقف الفكر, قادراً على الكسب, سليم العقيدة, صحيح العبادة, مجاهداً لنفسه, حريصاً على وقته, منظماً في شؤونه, نافعاً لغيره, وذلك واجب كل أخ على حِدَتهِ.

2- وتكوين بيت مسلم, بأن يحمل أهله على احترام فكرته , والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية, وحُسْنِ اختيار الزوجة, وتوقيفها على حقها وواجبها, وحسن تربية الأولاد, والخدم، وتنشئتهم على مبادئ الإسلام , وذلك واجب كل أخ على حدته كذلك.

3– وإرشاد المجتمع, بنشر دعوة الخير فيه, ومحاربة الرذائل والمنكرات, وتشجيع الفضائل  والأمر بالمعروف, والمبادرة إلى فعل الخير, وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية, وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائماً, وذلك واجبُ كل أخ على حدته, وواجب الجماعة كهيئة عاملة .

4– وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.

5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق, وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجيرٍ عندها وعامل على مصلحتها, والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مُؤدِّين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان, وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.

ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبرة بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع, مادام موافقاً للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي.

ومن صفاتها: الشعور بالتبعية, والشفقة, على الرعية, والعدالة بين الناس, والعفة عن المال العام, والاقتصاد فيه.

ومن واجباتها: صيانة الأمن, وإنفاذ القانون, ونشر التعليم, وإعداد القوة, وحفظ الصحة, ورعاية المنافع العامة, وتنمية الثروة, وحراسة المال, وتقوي الأخلاق, ونشر الدعوة.

ومن حقها - متى أدت واجبها -: الولاء والطاعة, والمساعدة بالنفس والأموال.

فإذا قصَّرت: فالنصحُ والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق.

6- إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية, بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها, حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.

7– وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ) (لأنفال:39) , (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32) .

وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدة، وعلى كل أخ باعتباره عضواً في الجماعة, وما أثقلها تَبعات وما أعظمها مهمات, يراها الناس خيالاً ويراها الأخُ المسلم حقيقة, ولن نيأس أبداً, ولنا في الله أعظم الأمل (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف:21).

 

4- الجهــــاد

و أريد بالجهاد: الفريضة الماضية إلى يوم القيامة و المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ مات ولم يَغْزُ ولم ينوِ الغزوَ مات مِيتةً جاهلية), وأول مراتبه إنكار القلب, وأعلاها القتال في سبيل الله, وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر, ولا تحيا دعوة إلا بالجهاد, وبقدر سُمُوِّ الدعوة وسعة أفقها، تكون عظمة الجهاد في سبيلها, وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها, وجزالة الثواب للعاملين:(وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (الحج:78). وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم:(الجهاد سبيلنا) .

5- التضحية

وأريد بالتضحية: بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية, وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه, ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية, وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم:(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) الآية: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ..) الآية:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ) الآية:( فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً), وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم:(والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).

6- الطــاعـة

وأريد بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه تواً في العُسرِ واليسر والمَنشط والمكره, وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث:

1– التعريف: بنشر الفكرة العامة بين الناس, ونظامُ الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية, ومهمتها العملُ للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى, إلى غير ذلك من الوسائل العملية, وكل شُعَبِ الإخوان القائمة الآن تمثل هذه المرحلة من حياة الدعوة, وينظمها القانون الأساسي, وتشرحها وسائل الإخوان وجريدتهم, والدعوة في هذه المرحلة عامة. ويتصل بالجماعة فيها كل مَنْ أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها, وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.

2- التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض, ونظام الدعوة – في هذه المرحلة – صوفي بحت من الناحية الروحية, وعسكري بحت من الناحية العملية, وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شكٍّ ولا حرج, وتُمثِّلُ الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة, وتنظمها رسالة المنهج سابقاً, وهذه الرسالة الآن.

والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعداداً تاماً حقيقياً لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات, وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.

3– التنفيذ: وهي مرحلة جهاد لا هوادة فيه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون, ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين في يوم 5 ربيع الأول سنة 1359هـ.

وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة, وتَقبُّلكَ لهذه الرسالة, وتَعهُّدك بهذه البيعة, تكون في الدور الثاني, وبالقرب من الدور الثالث, فقدّر التبعة التي التزمتها وأَعِدَّ نفسكَ للوفاء بها.

7- الثبــات

وأريد بالثبات: أن يظل الأخ عاملاً مجاهداً في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام, حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين, فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية, (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23) , والوقت عندنا جزء من العلاج, والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات, ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.

وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الستة تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ, وكل ذلك مرهون بوقته (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (الاسراء:51) .

8- التجــرد

أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها:(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:138) ,(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4) .

والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد, أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذِمِّي معاهد، أو محايد، أو محارب, ولكل حكمه في ميزان الإسلام, وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء.

9- الأخـوة

وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب, وأقل الحب: سلامة الصدر, وأعلاه: مرتبة الإيثار, (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9).

والأخ الصادق يرى إخوانه أَوْلى بنفسه من نفسه ، لأنه إنْ لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره, (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية), (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71), وهكذا يجب أن نكون.

10- الثقــة

وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).

والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها, وتغلبها على ما يعترضها من عقبات (فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (محمد:20-21).

وللقيادة في دعوة الإخوان حقُّ الوالدِ بالرابطة القلبية, والأستاذِ بالإفادة العلمية, والشيخ بالتربية الروحية, والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة, ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعاً, والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.

ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:

1– هل تَعرَّفَ إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟

2– هل اطمأنَّ إلى كفايته وإخلاصه؟

3– هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعاً قاطعةً لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟

4 – هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب, إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يَرِدْ فيها نصٌ شرعي؟

5– هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة؟

بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد, وثقته به, والقلوب بيد الله يُصَرِّفُها كيف يشاء (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63).

واجـبـات الأخ العامــل

أيها الأخ الصادق:

إن إيمانك بهذه البيعة يُوجِبُ عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لِبنةً قوية في البناء:

1– أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء, واجتهدْ ألا تختم في أكثر من شهر, ولا في أقل من ثلاثة أيام.

2– أن تُحسنَ تلاوة القرآن والاستماع إليه والتدبر في معانيه, وأن تدرس السيرة المطهرة وتاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقتك, وأقل ما يكفي في ذلك كتاب (حماة الإسلام), وأن تُكثرَ من القراءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن تحفظ أربعين حديثاً على الأقل ولتكن الأربعين النووية, وأن تدرس رسالة في أصول العقائد ورسالة في فروع الفقه.

3– أن تبادر بالكشف الصحي العام وأن تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض, وتهتم بأسباب القوة والوقاية الجسمانية وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي.

4– أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي, ونحوها من المشروبات المُنبِّهة, فلا تشربها إلا لضرورة, وأن تمتنع بتاتاً عن التدخين.

5– أن تُعنى بالنظافة في كل شيء في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل, فقد بني الدين على النظافة.

6– أن تكون صادق الكلمة فلا تكذب أبداً.

7– أن تكون وفياً بالعهد والكلمة والوعد, فلا تُخلِف مهما كانت الظروف.

8– أن تكون شجاعاً عظيم الاحتمال, وأفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر, والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب.

9- أن تكون وقوراً تؤثر الجد دائماً, ولا يمنعك الوقار من المزاح الصادق والضحك في تبسُّم.

10– أن تكون شديدَ الحياء دقيق الشعور, عظيم التأثر بالحسن والقبح, تُسرُّ للأول وتتألم للثاني, وأن تكون متواضعاً في غير ذِلةٍ ولا خنوع ولا مَلًقٍ, وأن تطلب أقل من مرتبتك لتصل إليها.

11– أن تكون عادلاً صحيح الحكم في جميع الأحوال, لا يُنسيك الغضبُ الحسنات ولا تُغضي عينُ الرضا عن السيئات, ولا تحملك الخصومةُ على نسيان الجميل, وتقول الحق ولو كان على نفسك أو على أقرب الناس إليك وإن كان مُرّاً .

12– أن تكون عظيم النشاط مدرباً على الخدمات العامة, تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمةً لغيرك من الناس, فتعودَ المريضَ وتساعدَ المحتاج وتحمل الضعيف وتواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة, وتبادر دائماً إلى الخيرات.

13– أن تكون رحيم القلب كريماً سمحاً تعفو وتصفح و تَلين وتحلم وترفق بالإنسان والحيوان, جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعاً, محافظاً على الآداب الإسلامية الاجتماعية فترحم الصغير وتوقر الكبير وتفسح في المجلس, ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب, وتستأذن في الدخول والانصراف ..الخ.

14– أن تجيد القراءة والكتابة, وأن تكثر من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها, وأن تُكَوِّنَ لنفسك مكتبةً خاصة مهما كانت صغيرة, وأن تتبحر في علمك وفنك إنْ كنت من أهل الاختصاص, وأن تُلِمِّ بالشؤون الإسلامية العامة إلماماً يُمكِّنك من تصورها والحكم عليها حكماً يتفق مع مقتضيات الفكرة.

15 – أن تزاول عملاً اقتصادياً مهما كنت غنياً, وأن تقدم العمل الحر مهما كان ضئيلاً, وأن تزج بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية.

16– ألا تحرص على الوظيفة الحكومية, وأن تعتبرها أضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا أُتيحت لك, ولا تتخلى عنها إلا إذا تعارضت تعارضاً تاماً مع واجبات الدعوة.

17– أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش وضبط الموعد.

18– أن تكون حسن التقاضي لحقّك, وأن تؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة بدون طلب, ولا تُماطل أبداً.

19– أن تبتعد عن الميسر بكل أنواعه مهما كان المقصد من ورائها, وتتجنب وسائل الكسب الحرام مهما كان وراءها من ربح عاجل.

20– أن تبتعد عن الربا في جميع المعاملات وأن تتطهر منه تماماً.

21– أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية, وأن تحرص على القرش فلا يقع في يدٍ غير إسلامية مهما كانت الأحوال, ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي.

22– أن تشترك في الدعوة بجزء من مالك, تؤدي الزكاة الواجبة فيه, وأن تجعل منه حقاً معلوماً للسائل والمحروم مهما كان دخلك ضئيلاً.

23– أن تَدَّخرَ للطوارئ جزءاً من دخلك مهما قلَّ, وألا تتورط في الكماليات أبداً.

24– أن تعمل ما استطعت على إحياء العادات الإسلامية وإماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة, ومن ذلك التحيةُ واللغة والتاريخ والزي والأثاث, ومواعيد العمل والراحة ,والطعام و الشراب, والقدوم والانصراف, والحزن والسرور ..الخ, وأن تتحرى السنة المطهرة في ذلك.

25– أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي, والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة.

26– أن تُديمَ مراقبةَ الله تبارك وتعالى, وتذكر الآخرة وتستعد لها, وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمة وعزيمة, وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل, والإكثار من الذِّكْرِ القلبي واللساني, و تَحرّي الدعاء في المذكور في كل الأحوال.

27– أن تُحسِنَ الطهارة وأن تظلَّ على وضوء غالب الأحيان.

28– أن تحسن الصلاة وتواظب على أدائها في أوقاتها, وتحرص على الجماعة والمسجد ما أمكن ذلك.

29– أن تصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً, وتعمل على ذلك إن لم تكن مستطيعاً الآن ذلك.

30– أن تستصحب دائماً نية الجهاد و حب الشهادة وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد.

31– أن تُجدِّدَ التوبةَ والاستغفار دائما وأن تتحرز من صغائر الآثام فضلاً عن كبارها, وأن تجعل لنفسك ساعة قبل النوم تحاسبها فيها على ما عملتَ من خيرٍ أو شر, وأن تحرص على الوقت فهو الحياة فلا تصرف جزءاً منه من غير فائدة, وأن تتورع عن الشبهات حتى لا تقع في الحرام.

32– أن تُجاهد نفسك جهاداً عنيفاً حتى يسلس قيادتها لك, وأن تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك, وتسمو بها دائماً إلى الحلال الطيب, وتحول بينها وبين الحرام من ذلك أياً كان.

33– أن تتجنب الخمر والمسكر والمُفَتِّر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب.

34– أن تبتعد عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية والإثم.

35– أن تحارب أماكن اللهو فضلاً عن أن تقربها, وأن تبتعد عن مظاهر الترف والرخاوة جميعاً.

36– أن تعرف أعضاء كتيبتك فرداً فرداً معرفة تامة, وتعرفهم نفسك معرفة تامة كذلك, وتؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار, وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر, وتؤثرهم بمعاملتك دائماً.

37– أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك, وخاصة إذا أُمرت بذلك.

38– أن تعمل على نشر دعوتك في كل مكان وأن تحيط القيادة علماً بكل ظروفك ولا تقدم على عمل يؤثر فيها تأثيراً جوهرياً إلا بإذن, وأن تكون دائم الاتصال الروحي والعملي بها, وأن تعتبر نفسك دائماً جندياً في الثكنة(1) تنتظر الأوامر.

خـاتمـة

أيها الأخ الصادق:

هذا مجمل لدعوتك, وبيان موجز لفكرتك, وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: (الله غايتنا, والرسول قدوتنا, والقرآن شرعتنا, والجهاد سبيلنا, والشهادة أمنيتنا) .

وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى: البساطة, والتلاوة, والصلاة, والجندية, والخلق.

فَخُذْ نفسك بشدة بهذه التعاليم, وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين.

وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك, كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة, وأنت منا ونحن منك, وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك, وإن تَصدَّرتَ فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر, وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب, فاختر لنفسك, ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ،(1) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ(2) وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :

1- يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.

2- وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

3- وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ.

4- وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسرائيل وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:10-14) .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

               

الهوامش

(1) يشير الإمام إلى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسند علي بن أبي طالب ح(1041) والذي صححه الألباني في صحيح الجامع، ح (7520)، ونصه: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله (عز وجل)، وأخرج الطبري في "الكبير"، ح(14795)، من طريق عمران بن حصين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

(1) في الأصل "أخو".

(2) أخرجه الحاكم في "المستدرك"، "1/330)، وقال:"هذا حديث صدوق رواته، شاهد لما تقدمه، متفق على الاحتجاج برواته إلى السائد بن حبيش، وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن طريق الثقات". وقد قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"، (1/102) "حسن صحيح".
(3) أخرجه البخاري في "الصلاة"، باب:"تشبيك الأصابع في المسجد وغيره"، ح (459). ومواضع أخر، ومسلم في "البر والصلة والآداب"، باب: "تراجم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم". ح (4684).

(1) يشير الإمام إلى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسند أنس بن مالك" (رضي الله عنه)". ح(11664):"إن القلوب بيد الله عز وجل يقلبها".

(1) الخنوع: الخضوع والذل، خنع له وإليه يخنع خنوعاً: ضرع إليه وخضع، وطلب إليه وليس بأهلٍ أن يُطلب إليه (لسان العرب، مادة "خنع").

(2) الملق: الود واللطف الشديد وأصله التلين، وقيل الملق "شدة لطف الود وقيل: الترفق والمدارة، والمعنيات متقربات، ملق ملقاً وتملق وتملقه وتملق له تملقاً وتِمِلاقاً، أي: تودد إليه وتلطف له (السابق مادة "ملق").

(1) الثكنة: مركز الجند على رايتهم، ومجتمعهم على لواء صاحبهم. (العين، مادة "سكن").