الأندلس.. بحثًا عن الهوية الغائبة

بدر محمد بدر

[email protected]

العنوان: الأندلس.. بحثا عن الهوية الغائبة

المؤلف: خوليو رييس روبيرو (المجريطي)

المترجمان: غادة عمر طوسون، ورنا أبو الفضل

الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة

عدد الصفحات: 288

الطبعة: الأولى 2014

في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في أوروبا في الفترة الأخيرة، تتداعى أصوات غربية عاقلة، تبحث عن "المشترك الحضاري" بين الغرب والشرق، وتدعو إلى "التعاون والحوار"، بدلاً من "صراع الحضارات"، والنزوع إلى "الهيمنة والصدام".

وضمن هذه الأصوات يأتي مؤلف هذا الكتاب، الذي يدعو بلده "إسبانيا" إلى القيام بدور أكبر، في إطار مبدأ "تحالف الحضارات"، وأن تستعيد "هويتها الغائبة"، وهي الهوية المشتركة بين المسيحية والإسلام، أو بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، اللتين التقتا زمنا على أرضها.

ومؤلف الكتاب هو باحث في التاريخ، وبخاصة التاريخ الأندلسي، وله مؤلفات عدة في هذا المجال، وهو من مواليد "القرية الملكية" التي أنشأها المسلمون "مدريد" (عاصمة إسبانيا حاليا)، ولذا يلقب نفسه بـ"المجريطي"، نسبة إلى الاسم العربي لمدريد.

مبادئ الإسلام

وينقسم الكتاب إلى عشرة فصول، تتناول الثلاثة الأولى شرحًا تفصيليًا ومبسطًا عن الإسلام، كدين وحضارة وثقافة، وتقدم شرحًا لمفاهيم عدة منها: الوحي– القرآن– مبادئ الإسلام– العقيدة– النبوة– معنى لا إله إلا الله، وغيرها.

والمؤلف في هذه الفصول يسعى لتقديم "معلومات ضرورية" للقارئ الغربي عن "الإسلام"، الذي يتعرض في رأيه للكثير من التشويه والافتراء، والملفت أن معظم المادة العلمية في هذه الفصول الثلاثة استقاها المؤلف من كتب المفكر الإسلامي الباكستاني "أبي الأعلى المودودي"، والذي يصفه بأنه "كرس حياته كلها للدعوة إلى الله، والدفاع عن الحقيقة، من خلال تحليله للنص الديني، أي "تفسيره للقرآن الكريم".

إن الهدف الأخلاقي– كما يقول المؤلف– من هذا الطرح البسيط لتعاليم الإسلام ومبادئه الأساسية، هو "التمكن من إنارة عقول كبار المسئولين السياسيين في العالم، وأن يحققوا السلام بين كلتا الحضارتين، وذلك لقناعاتهم الأخلاقية و/أو الدينية".

ويتناول الفصل الرابع قصة الفتح الإسلامي لشبه القارة الأيبيرية (الأندلس)، والذي يقرر أنه كان "سمحًا تمامًا حيث قام على المعاهدات و/أو التسليم بشروط، وكان هذا هو النظام الذي اعتاد المسلمون استخدامه في التوسع نحو الشرق، حيث كان مقابل الجزية المفروضة للإنفاق على فرق الجنود، التي وصلت لشبه الجزيرة، يمنحونهم الاحترام المطلق لحياتهم وأموالهم ومعتقداتهم الدينية وحرية العبادة، ولا يسلبونهم شيئًا من أملاكهم، وحدث ذلك في إشبيلية وقرطبة وماردة ولشبونة وطيطلة وبانبلونة...إلخ".

وطبقًا لما هو مدون فقد كانت الجزية "عبارة عن دينار واحد، وأربعة أمداد من الشعير، وأربع قصعات من الخل، واثنتين من العسل، وواحدة من الزيت على الرجل الحر في العام الواحد، وعلى العبد نصف ذلك، مقابل الدفاع عنهم".

لكن الأمور لم تستقر طويلاً، وسرعان ما دبت النزاعات والحروب والصراعات الداخلية، خصوصًا في زمن ملوك الطوائف، حتى انتهى الوجود العربي والإسلامي في الأندلس، مع نهاية القرن الخامس عشر، وتحديدًا في عام 1492م.

تألق حضاري

ويتحدث المؤلف في الفصل الخامس عن التراث الإسلامي في الأندلس، ويشير إلى أنه على الرغم من التدهور الحربي العربي في ذلك الوقت، فإن الأمر المثير أن الحضارة الإسلامية تقدمت وتألقت بشكل فريد، ورغم قلة عدد العرب، بالنسبة للإسبان والبربر، فقد كانت "العربية" مرادفة للعلم والبلاغة، كما حققت الحضارة الإسلامية تطورًا مهما في مختلف فروع العلم والأدب، مثل الشعر، والنثر، والموسيقى، والتاريخ، والجغرافيا، والفلسفة، والتصوف، إضافة إلى العلوم الطبيعية كالطب والصيدلة والفلك، لكن الممالك المسيحية بعد ذلك سعت إلى محو آثار هذه الحضارة بكل عنف!

وفي الفصل السادس يناقش المؤلف قضية الأدب العربي والأدب الإسلامي، ويقدم نُبذة مختصرة عن بعض شعراء العصر الجاهلي قبل الإسلام، ومنهم: امرؤ القيس، وعمرو بن كلثوم، وطرفة بن العبد، ولبيد، وعنترة بن شداد، والنابغة الزبياني، والأعشى.

كما يتناول بعض الشعراء والأدباء والمؤرخين في العصر الإسلامي، ومنهم: أبو تمام، والمتنبي، وأبو العلاء المعري، وابن الفارض، وبديع الزمان الهمداني، والحريري، والواقدي، والمقريزي، وابن خلدون.

ويشير إلى أنه بعد سقوط بغداد على يد المغول عام 1258م، بدأت فترة من التدهور في الأدب العربي، باستثناء إسبانيا، التي استمرت نهضة الأدب فيها لمدة قرنين بعد ذلك، ودخلت الآداب العربية ابتداءً من القرن الخامس عشر، في مرحلة من السبات، لم تستيقظ منها حتى العصور الحديثة.

ويخصص المؤلف الفصل السابع للحديث عن مصادر القانون الإسلامي، والعلوم الشرعية في القانون الإسلامي، وكذلك التراث الإسلامي في العلوم التشريعية الإسبانية، ويعرف القانون الإسلامي بأنه "تنظيم المشيئة الإلهية لكل تصرفات المسلم"، ومخالفة هذا التنظيم تعد في الأساس "ذنبا"، وبالتالي تجب المعاقبة عليه.

ويتحدث بشيء من الإيجاز عن أربعة من مصادر التشريع الإسلامي وهي: القرآن، والسنة النبوية، والإجماع، ثم القياس، كما يتناول "علم التشريع في القانون الإسلامي" والذي يسمى "الفقه"، وما يتصل به من "علم الحديث الشريف"، ويشير إلى أعلام الفقهاء: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، وأبو داوود.

ويتناول هذا الفصل أيضًا كيفية وصول الفقه والحديث إلى إسبانيا، إلى أن أصبح المذهب المالكي هو المذهب الرسمي لمسلمي الأندلس.

حلقة وصل

ويتناول المؤلف في الفصل الثامن الدور الإسباني، بوصفه حلقة الوصل بين الشرق والغرب، بإعتبار أن إسبانيا صاحبة هوية ثقافية مزدوجة، وعلى سبيل المثال هناك خمسة آلاف كلمة عربية دخلت اللغة الإسبانية، ولا تزال تستخدم حتى الآن، إضافة إلى التراث المعماري والحضاري والعلمي، وحتى في الجيش والزراعة والأدب والفلسفة والطب والهندسة.

ويتوقع المؤلف أن تتحد الحضارتان، الغربية والشرقية، في المستقبل بشكل إيجابي، وسوف يكون مطلوبًا من الحضارة الشرقية أن تعيد التوازن والروحانية المفقودة للحضارة الغربية، الغارقة حاليًا في حالة من المجون الأخلاقي وخلاعة التقاليد.

ويرى أن إسبانيا مؤهلة لتقوم بدور التقريب بين الحضارتين، من خلال العمل بشجاعة على إحداث تغيير عميق، بهدف استعادة الهوية الشرقية الغائبة، من خلال برنامج يحقق لها هذا الهدف، وحتى يحدث ذلك لابد من إدخال "العربية" كلغة ثانية أو ثالثة في التعليم الابتدائي، وتشجيع الاتفاقيات الثقافية المتبادلة مع الدول العربية، والأمر الآخر تغيير محتوى القوانين المدنية والجنائية فيما يتعلق بمصادر القانون، وجعل القانون الإسلامي مصدرًا احتياطيًا، ليطبق على الجالية الإسلامية الموجودة حاليًّا بإسبانيا.

كما يطرح المؤلف وسائل أخرى على المستوى الدولي: الإطار التشريعي، والدبلوماسي، والعسكري، ودمج الشعوب الناطقة بالإسبانية في الهوية الشرقية، وهي شعوب أميركا الجنوبية.

ويقترح الفصل التاسع الاستفادة من آلية "التحكيم الدولي"، في تقديم حلول سلمية للصراعات الناتجة عن التقاء كلتا الحضارتين، ويقدم رؤية للجهاز التحكيمي، والتشريعات الدولية المطلوبة، والمنهج التحكيمي، ويرشح إسبانيا للقيام بدور عملي أكبر في هذا المجال، باعتبار استعادة هويتها الغائبة.

منظومة سلوك

أما الفصل العاشر والأخير فيتناول الروابط التاريخية بين الشرق والغرب، وحتى يمكن أستعادة الترابط والتعاون الحضاري بين الشرق والغرب، لابد من "منظومة سلوك" يقترحها المؤلف، ويراها ضرورية لتحقيق الهدف، ومنها مثلا: أن على الغرب المسيحي الاعتراف بالإسلام كدين سماوي، يقف على قدم المساواة مع المسيحية، إضافة إلى عدم تدخل الغرب في الحياة السياسية والاجتماعية للشعوب المسلمة، وأيضا عدم التدخل العسكري في الشرق، لفرض حلول سياسية من أجل (إسرائيل).

وفي هذه الحالة فإن على الشرق الإسلامي أن يعترف بالمسيحية كدين حقيقي (وهو قائم فعلا)، والاحترام المطلق لأساليب الحياة في الغرب، وتطوره السياسي والاجتماعي.

وهذا، في رأيه، سوف يؤدي إلى إعلان مبدأ الصداقة والتعاون بين الحضارتين، والتخلي التام عن الأعمال العسكرية، والاحترام المتبادل بين الدول، وعدم التدخل في التطور السياسي والاجتماعي للدول المنتمية لكلتا الحضارتين.

الكتاب إذن دعوة لاستعادة إسبانيا هويتها "الإسلامية المسيحية"، كي تشارك في تأسيس ودعم مفهوم تحالف وتعاون الحضارات بشكل عملي، باعتبار أن هذا التعاون – كما يرى المؤلف – قادم.                                                  

عندما يترك العقل .. لكي يمارس وظائفه الطبيعية.. سيصل إلى الحقيقة.