الحصاد رواية الرسائل التربوية

الحصاد رواية الرسائل التربوية

جميل السلحوت

[email protected]

رفعت زيتون

صدرت رواية "الحصاد" للكاتب جميل السلحوت للأطفال عام 2014 عن منشورات الزيزفونة في بيتونيا - رام الله.

رواية التوجيه والرسائل التربوية للأهل، وكيف يجب أن يكون تعاملهم مع الأطفال، فالأب والأمّ ملتصقان روحيّا بالطّفل الذي يسأل فيجيبان ويفسّران ويوجّهان.

ومن الرّسائل التربوية التي يريد الكاتب إرسالها للأهل:

- الحرص على الأبناء - فالأب والأمّ ظهرا في صورة الرّاعي الحاني، بينما نرى عكس هذه الصّورة في المجتمع، فهناك من يرسل الأطفال للعمل في المهن الخطرة جسديّا عليهم من أجل حفنة من المال. فالحرص كان موجودا دائما وهذا يساهم في البناء الصّحيح لجسم الطفل.

- التوجيه – والتوجيه يكون في سياسة( افعل ولا تفعل) مع تبيان أسباب الفعل أو عدمه وهذا يساهم في البناء التربويّ للطفل.

- حسن الاستماع: وجدنا الأب معلّما للطفل ومجيبا عن كلّ أسئلته دونما تذمّر أو انزعاج، وهذا يساهم في بناء الطفل من ناحية علميّة ومعرفيّة.

حسن الصّحبة: وجدنا الأب والأمّ صديقين مبتسمين دائما للطفل، وهذا يملأ لديه بعض الفراغ رغم أن هذا لا يكفي، فهو أيضا بحاجة لأقرانه، لكنّ وجود الأب والأمّ في هذه المرحلة كأصدقاء يخفف من اختلاطه مع الكثير من الأصدقاء، فيصبح أكثر انتقائيّة في ذلك، وهذا التّواجد للوالدين يساهم في البناء النّفسي للطفل.

- الدعم المعنوي- وجدنا الوالدين يعزّزان توجّهات الطفل في بعض الأمور حتى في الأمور التي لا يستطيعها، فمثلا يحاول الطفل أن يحمل الفأس فلا يستطيع، فلا تغلق الأمّ عليه الأبواب بل تحاول أن تخلق البديل بأن تجلب له فأسا صغيرة تناسب حجمه وقدراته، وهذا يساهم ببناء الثّقة بالنّفس لدى الطفل، ولعلّ هذه من أهم الأمور في بناء الشخصيّة المبدعة في المستقبل.

- الجانب السّلوكي – ركّز الكاتب على فكرة السّلوك الصّحيح، وفيه عدم التّهاون أمام السّلوك غير الصّحيح، فعندما خطف محمود الطّير من بين صغاره وأفزعهم قامت أمّه على الفور بتوبيخه على سلوكه غير الصّحيح، موجّهة إيّاه الى الفعل الصّائب، وأثنت عليه عندما صوّب نفسه.

هذه بعض النّواحي التّربويّة التّي حملتها تلك الرّسائل عبر سطور الكاتب.

وعندما نكتب رواية للأطفال يجب أن يكون كلُّ حرف فيها في مكانه ، ومدروسا بدقّة وإلّا كانت النّتيجة عكسيّة. ومن هنا تأتي قيمة العمل الأدبيّ في كمّ المعلومات والمواضيع ونوعيتها واختيار الألفاظ والمستوى المناسب لهذا العمل الأدبي.

ومن الإشارات والمواضيع التي أكسبت الرّواية قيمة أكبر ما يلي:

- الإشارة إلى المسجد الأقصى والحثّ على الصلاة فيه - الكاتب هنا تحدّث عن المسجد الأقصى، والذّهاب إليه للصّلاة خصوصا في أيّام الجمعة، الأطفال سوف يقرأون فتتعزّز لديهم فكرة الصّلاة والتّعلق بالمسجد الأقصى، في هذا الوقت العصيب الذي يتعرّض له المسجد لتلك الهجمة الشّرسة للسّيطرة عليه. ولي هنا ملاحظة على الكاتب الذي جعل الوالد يأخذ ابنه للصّلاة في المسجد الأقصى ولم يأخذ ابنته، بينما ساوى بينهما في فكرة الرّكوب على الحمار والسّير مشيا على الأقدام ،ولا أدري لماذا قفز إلى ذهني كاتبنا الكبير محمود شقير الذي لو كان حاضرا لجعل الوالد يأخذ البنت قبل الولد رغما عن أنف المجتمع.

ومع أن الكاتب قد أنصف الأمّ في وصف ما تقوم به من أعمال في البيت ليل نهار، إلا أنّ ذلك لم يشفع له بعدم المساواة بين البنت والولد في زيارة الأقصى.

- الإشارة إلى الأماكن - الكاتب يصف الطّريق إلى المسجد الأقصى ذاكرا أسماء الأماكن والقرى والشّوارع، حتى ترتسم هذه الأماكن في ذهن الطفل القارئ، حتى ولو كان سكنه بعيدا عن القدس، وربما هو ممنوع من دخول مدينته. وكان الوصف إلى حدّ ما دقيقا بحيث ترتسم الصّور أمامه، ولكنّه لم يدخل بالتّفاصيل الدّقيقة للمكان.

- الإشارة إلى حبّ الأرض - الكاتب تحدّث عن الزّراعة والفلاحة والأرض، وكان الحديث من خلال الحوار مع الطفل وبمشاركته ووجوده، وهذا أكثر تأثيرا على الطّفل القارئ من أن يلقن الكاتب لوحده الأطفال حبّ الأرض. فالطّفل يعلم الطّفل بشكل أسرع وأكثر تأثيرا. وهذا استخدام ذكي لتمرير الفكرة يحسب للكاتب.

- الإشارة إلى الوضع السّياسيّ - لم يخفِ الكاتب عن الأطفال الوضع السياسيّ في البلد، فتحدّث عن الاحتلال وعن الحواجز أيضا بالحوار مع الطّفل، وهذه إضافة ذكيّة أخرى. لقد راعي الكاتب عقل الطّفل الصّغير وطبعا عقل أقرانه من القرّاء الصّغار، فلم يثقل عليهم بالمعلومات السّياسة ثقيلة الظلّ والمستعصية على فهم العامّة فها هو يقول لإبنه "عندما تكبر ستفهم ذلك يا محمود"، فهو من ناحية وضعهم في الحالة العامّة ولم يدخل في التّفاصيل المرهقة.

- الإشارات المعلوماتيّة – أضاف الكاتب بعض المعلومات عن أساليب الزّراعة

ليتعلمها الأطفال ذاكرا بعض أسماء النباتات، والتي ربّما يسمع البعض منّا أسماءها

لأوّل مرة، وكمثال على ذلك نبتة الذّبيح التي أسمع بها للمرّة الأولى. وكذلك المعلومة عن تصرّف الحيوان عند فقد صغيره.

كذلك ذكر بعض أسماء المستوطنات، وذكر أسماء أصحاب مالكي الأرض الحقيقيّين مثل،

مستوطنة كيدار المقامة على بيدر العبد في منطقة الخلايل.

- الإشارة إلى وسائل الإعلام وتأثيرها – فقد تحدّث الكاتب عن المسلسلات

الهادفة التي يسمح للأطفال في سنّ معيّنة مشاهدتها، كتلك التي علمت الأطفال

أن من لا يعمل لا يأكل، كما قال الحكيم للكسول في المسلسل. وهذه إشارة تربويّة هامّة للأهل لكي ينتبهوا لهذا الجانب الخطير الذي هو وسائل الإعلام والاتصال.

- الإشارة إلى ضرورة التّرفيه – أخذت الرّحلة في البرّيّة حيّزا لا بأس به من رواية الكاتب جميل السلحوت بكلّ تفاصيلها، ولا أظنّها تأتي إلا في سياق تلك الرّسائل والإشارات التي ساقتها الرّواية، فالتّرفيه خارج البيت ضروريّ للصّحة النّفسيّة للأطفال وكذلك للكبار على حد سواء، وهناك من يحرمون أنفسهم وأبناءهم من ذلك، وهناك الأسوء كالذين يرفهون عن أنفسهم ويحرمون أبناءهم، هذه الرّحلة لم تقتصر على التّرفيه فحسب بل كذلك على المعرفة، فالأطفال تعرّفوا على المناطق وأنواع النباتات والطيور وغيرها.

- التعاون بين الأسرة والمدرسة في عملية البناء – فما حدث بعد الرّحلة التّرفيهيّة من المدرسة في السّماح للطفلة أن تتحدث عن رحلتها أمام زميلاتها، وكذلك اقتراح الرّحلات المدرسيّة والتعاون مع أولياء الأمور، كلّ ذلك يشير إلى أنّ هذه العمليّة التّربويّة والتّعليميّة إنّما هي عمليّة مشتركة بين المؤسّستين، مؤسّسة الأسرة ومؤسّسة المدرسة.

الرواية لم تكن فقط توجيهيّة تربويّة، بل كانت رواية اجتماعيّة وسياسيّة. فقصة منع الجنود لأبي محمود من دخول الأقصى للصّلاة، وضياع ابنه منه، وعودته للصّلاة في الشّارع، قصّة تتكرّر كلّ يوم، إمّا على مداخل الأقصى أو على الحواجز العسكريّة والبوّابات والمعابر التي قطعت أوصال الوطن.

كذلك فقد اشتملت الرواية على الكثير من العادات وأسلوب الحياة اليوميّة في المجتمع الريفي الفلسطينيّ، في عمليّة الطّهي والتّخزين والمواد المستخدمة، والبيع والشّراء وأساليب الزّراعة والحصاد وغيرها.

فالحصاد رواية ريفيّة بامتياز، وفيها عبق البراري ورائحة الحقول وأصوات الحيوانات والصباحات الباكرة، وجلسات العائلة في المساء.

إذن نحن أمام رواية بأحداثها وشخوصها وحوارها وصراعها، وفيها التّشويق والزّمان والمكان بشذى الرّيف والشّرق والأصالة.