في النقد الأدبي الإسلامي

للدكتور إبراهيم عوضين

فرج مجاهد عبد الوهاب

النقد الإسلامي وسيلة بناء "أياً كان النقد أدبياً أم اجتماعياً أم سلوكياً – بعكس النقد العقدي الوافد من أوربا فهو في حقيقته معول هدم يتستر في العقيدة، ويتخفى وراء الدين، ترفعه الكنيسة الأوربية فوق هام الأدباء الخارجين عليها لتهوي به عليهم فتسكتهم، وتخيف الآخرين منهم، وترهب به المتلقين لتدفعهم إلى الإحجام تماماً عن تلقي هذا الأدب.

ثم يشير المؤلف إلى الرؤية الإسلامية للنقد الأدبي مبيناً أنها كالرؤية الإسلامية لسائر الأنشطة البشرية، وحين نقول "الرؤية الإسلامية" لا نعني حتمية ذكر كلمة (إسلام) أو ما يعادلها أو ما يومئ إليها – كما قد يتبادر إلى الأذهان -

فالنقد الأدبي في الرؤية الإسلامية – كما يراه الدكتور عوضين- هو وزن الأعمال الأدبية بميزان الأدب في صورته النموذجية للتعرف على مكانه من تلك الصورة، تمهيداً لتقويمه، وهذا يعني أن النقد الأدبي عملية مزدوجة، يعني شقها الأول بالتعرف على الصورة المنشودة إنسانياً للعمل الأدبي، ويقوم شقه الثاني على مطابقة ما بين يديه من واقع أدبي على ما يطمح إليه الإنسان السوي من ذلك العمل، لبيان أوجه التوافق وأوجه التخالف والنقص.

وإذا توقفنا في الباب الثاني عند سمات الناقد الإسلامي نجد أن النقد الأدبي الإسلامي يفرض على الأديب الناقد أن يكون محيطاً بالثقافة العامة في أبعادها الزمانية والمكانية المختلفة، والثقافة الخاصة بالأديب المنقود.. إحاطة يتمكن بها الناقد من قراءة النص المنقود –في ظاهره وفي باطنه- قراءة تقفه على المثيرات الأصلية التي حركت في الأديب انفعالاته، ووجهت عواطفه، وتعينه في الوقت نفسه على استشفاف ما يرمي إليه الأديب من وراء رموزه وإشاراته، وما يخفيه وراء تصريحاته المباشرة، ثم يتحدث عن بعض سمات الناقد، فلا أحد يستطيع أن يتصدى للعمل الأدبي بالنقد إلا إذا توافرت فيه سمات وخصائص من أهمها:

1) أن يكون ذا موهبة فطرية له حظ مناسب من قوة الإدراك والشعور مبيناً أنه كي يحقق وظيفة النقد على الوجه الأفضل عليه أن يهتم بتحقيق عدد من المقاصد، التي يهدف إلى تحقيقها من وراء النقد، وحتى لا يكون النقد ترفاً أو نشاطاً سلبياً، فلا بد له من:

(أ) تهيئة البيئة الخصبة أمام المبدعين لنمو الأعمال الأدبية والكشف عن المجالات الإنسانية والكونية الرحيبة التي لا تحد الأديب الإسلامي فيها حدود ولا يقف دونها حواجز، متجاوزاً بذلك الحدود المذهبية المصنوعة، والحواجز الفلسفية المفروضة.

(ب) تمكين الأديب من الانتشار الحقيقي، وذلك بربط الأدب بمشكلات العصر، وإظهار دوره الخاص في معالجتها.

فالناقد الإسلامي يرى أن العالمية الحقة هي الذيوع الرأسي، الذي يعني الانتشار من جيل إلى جيل والانتقال من عصر إلى عصر، شأن الأعمال التراثية الخالدة.

(ج) تحديد مكان العمل الأدبي من الأدب في عصره، لتحقيق تميز الناقد الإسلامي عن غيره، حين يزن هذا العمل بموازين عصره، ويتعرف على دور هذا العمل في أدب عصره، ومدى تلاؤمه مع الاتجاه العام، ومدى تأثره بغيره من الأعمال الأدبية إلى غير ذلك.

(د) الكشف عما ينطوي عليه العمل الأدبي من توجيهات إنسانية أو توجيهات غير إنسانية شاذة أو منحرفة؛ ليقف المتلقي على ما يشتمله من عناصر الأدب الإسلامي وما ينقصه منها.

فالناقد الإسلامي في توجهه إلى الأديب نفسه عليه أن يقصد التقويم الشمولي، بوضعه تحت مجهر دقيق يبرز هويته الفكرية والعقائدية والثقافية، ويبين أبعاد تميزه في عمله الأدبي.

كما يجب على الناقد الإسلامي في توجهه إلى المتلقين أن يظهر لهم الفوارق الدقيقة بين الأدب الإسلامي وغير الإسلامي، وما يشتمله الأدب غير الإسلامي من قصور وانحراف.

هذه خلاصة مركزة لما يحتويه هذا الكتاب القيم من بحوث في البابين الأولين، فإذا جئنا إلى الباب الثالث والأخير فإننا نجده يتحدث عن مواطن النقد الإسلامي مفصلاً الحديث عن الصيغة الفنية، والوجدان والخيال، إذ يتحدث عن الموضوع الأدبي والجمال الفني، فالناقد الإسلامي هو الذي يحدد مواطن الجمال في العمل الأدبي، توجيهاً وإرشاداً لمن يحاول السير على الطريق، وهو الناقد المستوي على الفطرة في تقويم الجمال وتحديد دوره ومكانه من الحياة، إذ يراه وسيلة لا غاية.