الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة والإمامية الإثني عشرية

السّيّد محب الدين الخطيب

الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها

دين الشيعة والإمامية الإثني عشرية

السّيّد محب الدين الخطيب

الطبعة العاشرة عام 1410 هـ

فهرس الكتاب

مقدمة الأستاذ إسماعيل

مقدمة الأستاذ محمد نصيف

موضوع التقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية

الفقه الإسلامي

مسألة التقية

الطعن في القرآن الكريم

كذبهم حتى على علي

فرحة المبشرين

رأيهم في الحكام

الحقد على أبي بكر وعمر

تعظيم قاتل عمر

عقدة الحكم

من التشيع للشيوعية

عقيدة الرجعة

تفكيرهم لم يتغير

التحايل على التاريخ الثابت

الغيب للأئمة

منزلة الأئمة فوق الرسل

خيانات العلقمي وابن أبي الحديد

النجاة لا تكون إلا بولاية آل البيت

الشيعة تخالف المسلمين في الأصول وليس فقط في الفروع

انشقاق النصيرية

حكاية الباب والسرداب

ولاء المسلمين

الحب والمودة بين الخلفاء الراشدين

لماذا نتبرأ منهم

الشيعة أنفسهم لا يريدون التقريب بل نشر المذهب

فتنة البابية

تلخيص ما ورد في هذه الرسالة وغيرها من فروق الاعتقاد بين السنة والشيعة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين.

وبعد: فإن الدعوة التي قامت في السنوات الأخيرة للتقريب بين دين الشيعة الإثني عشرية ومخالفيهم من أهل السنة والزيدية والإباضية، قد لفتت الأنظار إلى دراسة هذا الموضوع دراسة علمية، وقد قام صاحب الفضيلة الكاتب الإسلامي الكبير السيد محب الدين الخطيب بهذه الدراسة من أمهات كتب الشيعة، لتحري وسائل التقريب فيها. وقد تبين له استحالة ذلك، واضعي أسس الدين الشيعي، لم يتركوا في أصولهم أي وسيلة لهذا التقريب، بعد أن أقاموه على دعائم منافية لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليه أصحابه، وتركهم بعده على محجة واضحة منيرة لا ينحرف عنها منحرف إلا هلك.

ولما كانت النقول التي وردت في هذه الدراسة مأخوذة من الكتب المعتمدة عند الطائفة الإمامية الإثني عشرية، ومدلول عليها بأرقام صفحاتها، وبيان طبعات الكتب المأخوذة منها، ولا يستطيع أن يماري فيها أحد، لذلك رأينا أن نضعها أمام أنظار الناس، ليحيا من حيّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، والله ولي المهتدين.

كتبه                                                        

محمد نصيف

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع التقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية

التقريب بين المسلمين في تفكيرهم واقتناعهم واتجاهاتهم وأهدافهم من أعظم مقاصد الإسلام، ومن أهم وسائل القوة والنهوض والإصلاح، وهو من الخير لشعوبهم وجامعتهم في كل زمان ومكان.

والدعوة إلى هذا التقريب إذا كانت بريئة ولا يترتب عليها في تفاصيلها ضرر يطغى على ما يرجى من نفعها، فإن على كل مسلم أن يستجيب لها، وأن يتعاون مع المسلمين على إنجاحها.

وقد كثر الحديث - في السنوات الأخيرة - عن هذه الدعوة، ثم تطور التأثر به وبها حتى بلغ الأزهر، وهو أشهر وأضخم معهد ديني لأهل السنة المنتسبين إلى المذاهب الفقهية الأربعة، فتبنّى الأزهر فكرة التقريب هذه بأوسع من نطاقه الذي التزمه بلا انقطاع من أيام صلاح الدين الأيوبي إلى الآن، فخرج الأزهر عن ذلك النطاق إلى رغبته في التعرف إلى المذاهب الأخرى، وفي طليعتها مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، ولا يزال الأزهر حتى الساعة في بداية هذا الطريق، لذلك كان هذا الموضوع الخطير جداً بالبحث والدراسة والعرض من كل مسلم له إلمام به، ووقوف على ما يلابسه وما يؤدي إليه من عوارض ونتائج.

ولما كانت المسائل الدينية بطبيعتها شائكة، فإن معالجتها ينبغي أن تكون بحكمة وبصيرة وسداد، وأن يكون المتصدي لدراستها عللا بينة من دخائلها، وعلى نور من الله وإنصاف في التحري والحكم لتؤدي هذه المعالجة الغرض المطلوب منها ولتنتج النتائج النافعة إن شاء الله.

وأول ما نلاحظه في هذا الأمر - وفي كل أمر له علاقة بأكثر من طرف واحد - أن من أقوى أسباب نجاحه أن يكون هناك تجاوب بين الطرفين، أو الأطراف ذات العلاقة.

ونضرب لذلك مثلا بمسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، فقد لوحظ أنه أنشئت لدعوة التقريب بينهما دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية، وهذه الدولة الشيعية "الكريمة" آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمي، وضنت بمثله على نفسها وعلى أبناء مذهبها، فلم تسخ مثل هذا السخاء لإنشاء دار تقريب في طهران - أو قم - أو النجف - أو جبل عامل – أو غيرها من مراكز الدعاية والنشر للمذهب الشيعي(1).

وإن مراكز النشر هذه للدعاية الشيعية صدر عنها في السنين الأخيرة من الكتب التي تهدم فكرة التفاهم والتقريب ما تقشعر منه الأبدان، ومن ذلك كتاب اسمه "الزهراء" في ثلاثة أجزاء نشره علماء النجف وقالوا فيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه كان مبتلى بداء لا يشفيه منه إلا ماء الرجال... وقد رأى ذلك الأستاذ البشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر عند زيارته الأولى للعراق. فالروح النجسة التي يصدر عنها مثل هذا الفجور المذهبي هي أحوج إلى دعوة التقريب من حاجتنا نحن أهل السنة إلى مثل ذلك، وإذا كان الافتراق الأساسي بيننا وبينهم قائماً على دعواهم أنهم أكثر منا ولاءاً لأهل البيت، وعلى دعواهم أنهم يبطنون بل يظهرون - الحقد والضغينة لأصحاب رسول الله الذين قام الإسلام على أكتافهم إلى درجة أن يقولوا مثل هذا الكلام القذر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقد كان الإنصاف يقتضي أن يبدأوا هم بتخفيف إحنتهم وضغينتهم عن أئمة الإسلام الأولين. وأن يشكروا لأهل السنة موقفهم النبيل من آل البيت وعدم تقصيرهم بشئ من واجبات الإجلال والتكريم لهم، إلا أن يكون تقصيرنا نحو آل البيت في أننا لم نتخذهم آلهة نعبدهم من دون الله، كما هو المشاهد في مشاهدهم القائمة في الناحية الأخرى التي يراد التقريب بيننا وبينها.

إن التجاوب لا بد منه بين الطرفين المراد تفاهمهما والتقريب بينهما، ولا يكون التجاوب إلا إذا التقى السالب بالموجب، ولم يقتصر نشاط الدعوة إليه، والعمل لتحقيقه على جهة واحدة دون الأخرى كما هو حاصل الآن.

وما يقال عن انفراد التقريب بدار واحدة في عاصمة أهل السنة وهي مصر دون عواصم المذهب الشيعي ومراكز النشر النشطة جداً للدعاية له والبغي على غيره يقال كذلك عن إدخال مادة هذا التقريب في مناهج الدراسة الأزهرية قبل أن يكون لذلك مقابل ومماثل في معاهد التدريس الشيعية. أما إذا اقتصر الأمر - كما هو الواقع الآن - على طرف واحد من الطرفين أو الأطراف ذات العلاقة، فإنه لا يجرى له النجاح، هذا إذا لم يترتب عليه رد فعل غير حميد .ومن أتفه وسائل التعارف أن يبدأ منها بالفروع قبل الأصول.

الفقه الإسلامي

فالفقه الإسلامي عند أهل السنة وعند الشيعة لا يرجع إلى أصول مسلّمة عند الفريقين ،والتشريع الفقهي عند الأئمة الأربعة من أهل السنة قائم على غير الأسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة، وما لم يحصل التفاهم على هذه الأسس والأصول قبل الانشغال بفروعها وما لم يتم التجاوب في ذلك من الناحيتين، في المعاهد العلمية الدينية للطائفتين، فلا فائدة من إضاعة الوقت في الفروع قبل الأصول ولا نعني بذلك أصول الفقه، بل أصول الدين عند الفرقين من جذورها الأولى.

مسألة التقية

وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه - التقية - فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب، وهم لا يريدون ذلك، ولا يرضون به ولا يعملون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد، مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة . ولو توصل ممثلو دور التقية منهم إلى إقناعنا بأنهم خطوا نحونا بعض الخطوات فإن جمهور الشيعة كلهم من خاصة وعامة يبقى منفصلاً عن ممثلي هذه المهزلة ولا يسلم للذين يتكلمون باسمه بأن لهم حق التكلم باسمه.

الطعن في القرآن الكريم

وحتى القرآن الكريم الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب نحو الوحدة فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى غير ما فهمه منها أئمة الإسلام عن الجيل الأول الذي نزل عليه القرآن. بل إن أحد كبار علماء النجف وهو الحاج ميرزا حسين ين محمد تقي النوري الطبرسي - الذي بلغ من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320هـ أنهم دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف في إيوان حجرة بانو العظمى بنت السلطان الناصر لدين الله، وهو ديوان الحجرة القبلية عن يمين الداخل إلى الصحن المرتضوي من باب القبلة في النجف الأشرف بأقدس البقاع عندهم - هذا العالم النجفي الف سنة 1292هـ وهو في النجف عند القبر المنسوب إلى الإمام علي كتاباً سماه - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب - جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه. وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران سنة 1289هـ وعند طبعه قامت حوله ضجة لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم، ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد تطبع منه ألوف من النسخ ويطلع عليه خصومهم، فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفة وألف كتاباً آخر أسماه - رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب، في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب - وقد كتب هذا الدفاع في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين ،وقد كافئوه على هذا المجهود في إثبات أن القرآن محرف بأن دفنوه في ذلك المكان الممتاز من بناء المشهد العلوي في النجف.

ومما استشهد به هذا العالم النجفي على وقوع النقص من القرآن في إيراده في الصفحة 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة - سورة الولاية - مذكور فيها ولاية علي "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم . الخ" وقد اطلع الثقة المأمون الأستاذ محمد علي سعودي - الذي كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، ومن خواص تلاميذ الشيخ محمد عبده - على مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق براين، فنقل منه هذه السطور بافوتوغراف وفوق سطورها العربية ترجمتها باللغة الإيرانية.

وكما أثبتها الطبرسي في كتابه - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب - فإنها ثابتة أيضاً في كتابهم - دبستان مذاهب - باللغة الإيرانية لمؤلفة محسن فاني الكشميري وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على الله العلامة المستشرق نولدكه في كتابه - تاريخ المصحف - ج2 ص 102 ونشرتها الجريدة الآسيوية الفرنسية سنة 1842 ص 431-439.

وكما استشهد العالم النجفي بسورة الولاية على أن القرآن محرف استشهد كذلك بما ورد في صفحة 289 من كتاب - الكافي - طبعة سنة 1278 بإيران، وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين، فقد جاء بتلك الصفحة من كتاب الكافي ما نصه : "روى عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام - أي أبو الحسن الثاني علي بن موسى الرضا المتوفي سنة 206 - قال : قلت له جعلت فداك ، إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ونحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم و فهل نأثم؟ فقال: لا. إقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم" ولا شك أن هذا الكلام قد اختلقته الشيعة على إمامها علي بن موسى الرضا، ولكن معناه عندهم الفتوى بأنه لا يأثم من قرأ القرآن كما يتعلمه الناس في المصحف العثماني، ثم إن الخاصة من الشيعة سيعلّم بعضهم بعضاً ما يخالف ذلك مما يزعمون أنه موجود أو كان موجوداً عند أئمتهم من أهل البيت.

والمقارنة بين هذا القرآن المزعوم الذي يسر به بعضهم إلى بعض ولا يجهرون به عملاً بعقيدة التقية وبين ذاك القرآن المعلوم والشائع في المصحف العثماني هي التي ألف حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابه - فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب - للقيام بها ومهما تظاهر الشيعة بالبراءة من كتاب النوري الطبرسي عملاً بعقيدة التقية(2)، فإن الكتاب ينطوي على مئات النصوص عن علمائهم في كتبهم المعتبرة يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف ومؤمنون به، ولكن لا يحبون أن تثور الضجة حول عقيدتهم هذه في القرآن. ويبقى بعد ذلك أن هناك قرآنين أحدهما عام معلوم، والآخر خاص مكتوم، ومنه سورة الولاية، وهم بذلك يعملون بالكلمة التي افتروها على إمامهم علي بن موسى الرضا" اقرأوا كما تعلمتم، فسيجيئكم من يعلمكم".

ومما تزعم الشيعة أنه سقط من القرآن آية "وجعلنا عليا صهرك" زعموا أنها أسقطت من سورة "ألم نشرح" وهم لا يخجلون من هذا الزعم مع علمهم بأن سورة "ألم نشرح" مكية، ولم يكن علي صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وإنما كان صهره الوحيد فيها العاص بن الربيع الأموي الذي أثنى عليه صلوات الله عليه على منبر مسجده النبوي لما أراد عليُّ أن يتزوج بنت أبي جهل على - فاطمة - فشكت ذلك فاطمة إلى أبيها صلوات الله عليه وإذ كان علي صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم على إحدى بناته فقد جعل الله عثمان بن عفان صهراً له على ابنتيه الاثنتين، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم لما توفيت الثانية :لو كانت لنا ثالثة لزوجناكها.

ويزعم عالمهم أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي أحد مشايخ ابن شهر أشوب المتوفى سنة 588هـ في كتابه - الاحتجاج على أهل اللجاج - إن علياً قال لأحد الزنادقة "ولم يذكر اسمه": وأما ظهورك عليّ تناكر قوله تعالى: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء" وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء، ولا كل النساء يتامى، فهو ماقدمت ذكره من إسقاط المنافقين(3) من القرآن - بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن.

كذبهم حتى على علي

وهذا من كذبهم على علي رضي الله عنه، بدليل أنه لم يعلن في مدة خلافته على المسلمين هذا الثلث الساقط من القرآن في هذا الموضع منه، ولم يأمر المسلمين بإثباته والإهتداء بهديه والعمل بأحكامه.

فرحة المبشرين

وعند ظهور كتاب - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب - وانتشاره في الأوساط الشيعية وغيرها في إيران والنجف والبلاد الأخرى قبل بضع وثمانين سنة - وهو مشحون بالعشرات والمئات من أمثال هذه الأكاذيب على الله وصفوة خلقه - استبشر به المبشرون من أعداء الإسلام وترجموه بلغاتهم، ذكر ذلك محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي في الجزء الثاني ص 90 من كتابه (أحسن الوديعة) وهو ذيل على كتابهم "روضات الجنات".

وهنالك نصّان صريحان في بخاريهم الذي يسمى (الكافي) للكليني، الأول منها في الصفحة  منه طبعة سنة 1278 بإيران، وهو: "عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده".

وكل شيعي يقرأ كتاب الكافي هذا الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عندنا، يؤمن بهذا النص، أما نحن أهل السنة فنقول: "إن الشيعة كذبوا ذلك على الباقر أبي جعفر رحمه الله بدليل إن سيدنا علي رضي الله عنه لم يكن يعمل في مدة خلافته وهو بالكوفة إلا بالمصحف الذي أنعم الله على أخيه سيدنا عثمان رضي الله عنه بجمعه وإذاعته في الأمصار وتعميم العمل به في جميع الأعصار إلى الآن وإلى يوم القيامة، ولو كان عند علي مصحف غيره - وهو خليفة حاكم لا ينازعه أحد في نطاق حكمه لعمل به ولأمر المسلمين بتعميمه والعمل به، ولو أنه كان عنده غيره وكتمه عن المسلمين لكان خائناً لله ولرسوله والدين الإسلامي.

وجابر الجعفي الذي يزعم أنه سمع تلك الكلمة الآثمة من الإمام أبي جعفر محمد الباقر وإن كان موثوقاً عندهم فهو معروف عند أئمة المسلمين بالكذب. قال أبو يحيى اللحماني سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء ولا أكذب من جابر الجعفي - انظر مقالتنا في مجلة الأزهر ص 307 سنة 1372هـ - .

وأكذب من هذا النص الأول كتاب (الكافي) عن أبي جعفر النص الثاني المكذوب على إبنه جعفر الصادق وهو في (الكافي) أيضاً صفحة 57 طبعة سنة 1278 بإيران وهو: "عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبدالله.. إلى أن قال أبو عبدالله - أي جعفر الصادق-: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام.. قال: قلت وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد".!

هذه النصوص الشيعية المكذوبة على أئمة أهل البيت قديمة العهد، وقد سجلها محمد بن يعقوب الكليني الرازي في كتاب (الكافي) قبل أكثر من ألف سنة، وهي أقدم منه لأنه يرويها عن أسلافه من أعلام الكذب ومهندسي بناء التشيع، ويوم كانت أسبانيا تحت سلطان العروبة والإسلام كان الإمام أبو محمد بن حزم يتناظر مع قسسها في نصوص كتبهم، ويقيم لهم الحجج على تحريفها بل ضياع أصولها، فكان أولئك القسس يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا أن القرآن أيضاً محرّف فأجابهم ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن، ولا على المسلمين لأن الشيعة غير مسلمين(4).

رأيهم في الحكام

والحقيقة الخطيرة التي نلفت إليها أنظار حكوماتنا الإسلامية أن أصل مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - التي تسمى أيضاً الجعفرية - قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه - حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لها بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما هو قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد حكومات مغتصبة، والحكام الشرعيون في دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الأئمة الإثني عشر وحدهم، سواء تيسر لهم مباشرة الحكم أو لم يباشروه، وكل من عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من أبي بكر وعمر إلى من بعدهم حتى الآن مهما خدموا الإسلام ومهما كابدوا في نشر دعوته وإعلاء كلمة الله في الأرض وتوسيع رقعة العالم الإسلامي، فإنهم مغتصبون إلى يوم القيامة.

الحقد على أبي بكر وعمر

ويلعن الشيعة أبا بكر وعمر وعثمان وكل من تولى الحكم في الإسلام غير علي. وقد كذبوا على الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بأنه أقر شيعته على تسمية أبي بكر وعمر "الجبت" و "الطاغوت" فقد جاء في أكبر وأكمل كتبهم في الجرح والتعديل وهو كتاب(1) (تنقيح المقال في أحوال الرجال) لشيخ الطائفة الجعفرية العلامة الثاني آية الله المامقاني ما نقله عن الشيخ الجليل المحقق محمد بن ادريس الحلي في آخر كتاب (السرائر) عن كتاب (مسائل الرجال ومكاتباتهم إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليه السلام) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى قال: "كتبت إليه أسأله عن الناصب (أي الذي ينصب العداوة لآل البيت) هل أحتاج إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت (أي تقديمه الشيخين صاحبي رسول الله أبي بكر وعمر) واعتقاده إمامتهما؟

فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب. أي يكفي لأن يعد أي إنسان عدواً لآل البيت إذا قدّم أبا بكر الصديق وعمر الفاروق واعتقد إمامتهما. وتعبير الجبت والطاغوت يستعمله الشيعة في دعائهم الذي يسمونه (دعاء صنمي قريش) ويعنون بهما وبالجبت والطاغوت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وهذا الدعاء في كتابهم (مفتاح الجنان) ص 114 وهو بمنزلة "دلائل الخيرات" في بلاد العالم الإسلامي ونص دعائهم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما... الخ" ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين "عائشة" وأم المؤمنين "حفصة" رضي الله عن الجميع.

تعظيم قاتل عمر

وقد بلغ من حنقهم على مطفئ نار المجوسية في إيران والسبب في دخول أسلاف أهلها في الإسلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن سموا قاتله أبا لؤلؤة المجوسي بـ "أبي شجاع الدين".

روى علي بن مظاهر - من رجالهم - عن أحمد بن إسحاق القمي الأحوص (شيخ الشيعة ووافدهم) أن يوم قتل عمر بن الخطاب هو يوم العيد الأكبر، ويوم المفاخرة، ويوم التبجيل، ويوم الزكاة العظمى، ويوم البركة، ويوم التسلية.

"عقدة الحكم"

ومن أبي بكر وعمر وصلاح الدين الأيوبي وجميع الذين فتحوا للإسلام ممالك الأرض وأدخلوها في دين الله والذين حكموها باسم الإسلام إلى هذا اليوم الذي نحن فيه - كل هؤلاء في عقيدة الشيعة التي يلقون الله عليها - حكام متغلبون ظالمون ومن أهل النار، لأنهم غير شرعيين ولا يستحقون من الشيعة الولاء والطاعة الصادقة والتعاون على الخير، إلا بقدر ما تبيحه لهم عقيدة التقية والطمع في الأخذ منهم والمداجاة لهم، ومن عقائدهم الأساسية أنه عندما يقوم المهدي - وهو إمامهم الثاني عشر - الذي هو حي الآن وينتظرون خروجه - أي ثورته ليثوروا معه - وإذا ذكروه في كتبهم يكتبون في جانب اسمه أو لقبه أو كنيته حرفي "عج" أي - عجل الله فرجه.

عندما يقوم هذا المهدي من نومته الطويلة التي زادت على ألف ومائة سنة، وسيحيي الله له ولآبائه جميع حكام المسلمين السابقين مع الحكام المعاصرين لقيامه - وعلى رأس الجميع الجبت والطاغوت أبو بكر وعمر فمن بعدهما - فيحاكمهم على اغتصابهم الحكم منه ومن آبائه الأحد عشر إماماً - لأن الحكم في الإسلام حق لهم وحدهم من الله منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، ولا يحق فيه لأحد غيرهم - وبعد محاكمة هؤلاء الطواغيت المغتصبين يقتص منهم، فيأمر بقتل وإعدام كل خمسمائة معاً حتى يستوفي قتل ثلاثة آلاف من رجال الحكم في جميع عصور الإسلام، ويكون ذلك في الدنيا قبل البعث النهائي في يوم القيامة، ثم بعد موت من يموت وعدام من يعدم يكون البعث اكبر للمحشر، ثم إلى الجنة أو النار، الجنة لآل البيت والذين يعتقدون فيهم هذه العقائد، والنار لكل من ليس بشيعي، والشيعة يسمون هذا الإحياء والمحاكمة والقصاص باسم - الرجعة، وهي من عقائدهم الأساسية التي لا يرتاب فيها شيعي واحد، وقد رأيت من طيبي القلب من يزعم أن أمثال هذه العقائد قد عدل عنها الشيعة في العصور الأخيرة، وهذا خطأ كبير مخالف للواقع.

من التشيع للشيوعية

 والشيعة من أيام الصفوية إلى الآن متمسكون بهذه العقائد أكثر مما كانوا قبل ذلك، وهم الآن إما مؤمنون بكل ذلك أو متعلمون تعليماً عصرياً انحرفوا به عن هذه الخرافات إلى الشيوعية فالشيوعية في العراق وحزب تودة في إيران يتألف من أبناء الشيعة الذين تبينت لهم أساطيرها فأصبحوا شيوعيين بعد أن كانوا شيعة وليس فيهم حزب وسط، إلا من يتظاهر بالتقية لمآرب مذهبية أو دبلوماسية أو حزبية أو شخصية ويضمر غير الذي يتظاهر به ولأجل أن تعلم عقيدة الرجعة من كتبهم أذكر لك ما قاله شيخ الشيعة أبو عبدالله محمد بن محمد النعمان المعروف عندهم باسم (الشيخ المفيد) في كتابه (الإرشاد في تاريخ حجج الله على العباد) ص 398- 402.

 وهو مطبوع على الحجر في إيران طبعة قديمة لم يذكر تاريخها ولكنها طبعت على خط محمد علي محمد حسن الكلبابكاتي ، روى الفضل بن شاذان عن محمد بن علي الكوفي عن وهب بن حفص عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (يعني جعفر الصادق): ينادى باسم القائم (أي إمامهم الثاني عشر الذي يزعمون أنه ولد منذ أكثر من أحد عشر قرناً ولم يمت بعد لأنه سيقوم ويحكم) ينادى باسمه في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء، لكأني به في اليوم العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبريل عن يمينه ينادي: البيعة لله، فتسير إليه الشيعة من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه، وقد جاء الأثر بأنه يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل نجفنا، ثم يفرق الجنود منها في الأمصار.

وروى الحجال عن ثعلبة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام (أي محمد الباقر) قال: كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة وسار إليها من مكة في خمسة آلف من الملائكة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد، وروى عبدالكريم الجعفري قال: قلت لأبي عبدالله (يعني جعفر الصادق) كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: سبع سنين، تطول الأيام حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فتكون سنون ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، قال له أبو بصير : جعلت فداك، فكيف يطوّل الله السنين؟ قال: يأمر الله الفلك باللبوث وقلة الحركة، فتطول الأيام لذلك والسنون . وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله، فينبت الله لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين ، ينفضون شعورهم من التراب.

وروى عبدالله بن المغيرة عن أبي عبدالله (أي جعفر الصادق) عليه السلام قال : إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟! (إنما استغرب ذلك لأن الخلفاء الراشدين وبني أمية وبني العباس. وسائر حكام المسلمين إلى زمن جعفر الصادق لا يبلغ عددهم عشر معشار هذا العدد) قال جعفر الصادق: نعم، منهم ومن مواليهم. وفي رواية أخرى: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء.

وروى جابر الجعفي عن أبي عبدالله قال إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط، يعلم فيها القرآن على ما أنزل(4) فأصعب مايكون على من حفظ اليوم - أي على ما حفظه الناس من المصحف العثماني كما هو في زمن جعفر الصادق، لأنه يخالف فيه التأليف. وروى عبدالله بن عجلان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد حكم الناس بحكم داوود، وروى المفضل بن عمر عن أبي عبدالله قال: يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسليمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً !! وهذه النصوص منقولة بالحرف، وبكل أمانة، من كتاب عالم من أعظم علمائهم، وهو الشيخ المفيد مروية بأسانيدهم المكذوبة - بلا شك - على آل البيت الذين كان أكبر مصائبهم أن يكون هؤلاء الكذابون خاصة شيعتهم، وكتاب المفيد مطبوع في إيران، ونسخته الأثرية محفوظة وموجودة.

عقيدة الرجعة

ولأن عقيدة (الرجعة) ومحاكمة حكام المسلمين هي من عقائد الشيعة الأساسية، كان يؤمن بها عالمهم السيد المرتضي مؤلف كتاب (أمالي المرتضي) وهو أخو الشريف الرضي الشاعر وشريكه في تزوير الزيادات على نهج البلاغة، ولعلها أكثر من ثلث الكتاب، وهي التي فيها تعريض بالصحابة وتحامل عليهم، فقال السيد المرتضي المذكور في كتابه "المسائل الناصرية": ان أبا بكر وعمر يصلبان يومئذ على شجرة في زمن المهدي (أي إمامهم الثاني عشر) الذي يسمونه (قائم آل محمد) وتكون تلك الشجرة رطبة قبل الصلب، فتصير يابسة بعده.

تفكيرهم لم يتغير

ان أعلام الشيعة وأحبارهم في جميع العصور واقفون هذا الموقف المخزي من صاحبي رسول الله ووزيريه أبي بكر وعمر، ومن سائر أعلام الإسلام وخلفائه وحكامه وقادته ومجاهديه وحفظته. وقد سمعنا داعيتهم الذي كان قائماً على دار التقريب وينفق عليها يزعم لمن لم يتسع وقته لدراسة هذه الأمور ان هذه العقائد كانت في الأزمان السالفة وأن الحالة تغيرت الآن. وهذا الزعم كذب وغش، فالكتب التي تدرس في جميع معاهدهم العلمية تدرس هذا كله وتعتبره من ضروريات المذهب وعناصره الأولى، والكتب التي ينشرها علماء النجف وإيران وجبل عامل في زماننا هذا شر من مؤلفاتهم قديماً، وأكثرها هدماً لأمنية التقريب والتفاهم. ونضرب المثل لذلك برجل منهم ما فتئ يعلن في صباح كل يوم ومسائه أنه داعية للوحدة والتقريب وهو الشيخ محمد بن محمد مهدي الخالصي الذي له أصدقاء كثيرون في مصر وغيرها ممن يدعون إلى التقريب ويعملون له بين أهل السنة.

فإن هذا الداعية إلى التوحيد والتفاهم نفى عن أبي بكر وعمر حتى نعمة الإيمان وقال في كتابه (إحياء الشريعة في مذهب الشيعة) الجزء الأول ص 63- 64: وإن قالوا إن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذي نص على الرضا عنهم في القرآن (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) أو عن الذين بايعوك  لكان في الآية دلالة على الرضا عن كل من بايع ولكن لما قال (لقد رضي الله عن "المؤمنين" إذ يبايعونك فلا دلالة فيه على الرضا إلا عمّن محض الإيمان).؟!

ومعنى ذلك أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان، فلا يشملهما رضا الله. وقد تقدم قبل هذا ما قاله النجفي مؤلف كتاب الزهراء عن عمر بن الخطاب: وأنه كان مبتلى بمرض لايشفيه منه إلا ماء الرجال!! فهذان عالمان شيعيان معاصران لنا ومن أصحاب الدعوى الطويلة العريضة في الغيرة على الإسلام والمسلمين والحرص على مافيه صلاحهما ومصلحتهما، فإذا كان هذا ما يقررانه في مؤلفاتهما العصرية المطبوعة والمنشورة عن عقيدتهما في أبي بكر وعمر وهما خير المسلمين بعد رسول الله، أو على الأقل من خير المسلمين في تاريخ الإسلام. فأي أمل يرجوه أمثالنا في التفاهم والتجاوب للتقريب بين المذاهب، وهل هؤلاء كلهم إلا طابور خامس في قلعة المسلمين؟!.

وحينما ينزلون بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان وجميع حكام المسلمين بعدهم إلى هذه الدركة المخزية، مع أن هؤلاء هم الذين أقاموا صرح الإسلام، وأوجدوا هذا العالم الإسلامي فإنهم يزعمون لأئمتهم ما يتبرأ منه أولئك الأئمة، وقد سجل الكليني في كتاب (الكافي) الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين، نعوتاً وأوصافاً للأئمة الإثني عشر ترفعهم من منزلة البشر إلى منازل معبودات اليونان في العصور الوثنية، ولو شئنا أن ننقل ذلك عن (الكافي) وكتبهم الأخرى المعتبرة عندهم في الدرجة الأولى لملأ ذلك مجلداً ضخماً، لذلك نكتفي بنقل عناوين الأبواب فقط بنصها وبالحرف عن كتاب (الكافي) منها: "باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل"، و "باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم".

و "باب أن الأئمة يعلمون علم ماكان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شئ"، و "باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب يعرفونها على إختلاف ألسنتها"، و "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله"، و "باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء"، و "باب أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داوود ويسألون البينة"، و "باب أنه ليس شئ من الحق في أيدي الناس إلا ماخرج ماعند الأئمة وأن كل شئ لم يخرج من عندهم فهو باطل"، و "باب أن الأرض كلها للإمام"(5).

الغيب للأئمة!!

وبينما يدعون لأئمتهم الإثني عشر ما لا يدعيه هؤلاء الأئمة لأنفسهم من علم الغيب، وأنهم فوق البشرية، فإنهم - أي الشيعة - ينكرون على النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله به إليه من أمر الغيب، كخلق السماوات والأرض، وصفة الجنة والنار، وقد سجلت ذلك مجلة (رسالة الإسلام) التي تصدرها دار التقريب في القاهرة إذ نشرت في عددها الرابع من السنة الرابعة صفحة 368 بقلم رئيس المحكمة العليا الشرعية الشيعية في لبنان، ويعدونه من ألمع علمائهم العصريين، مقالاً بعنوان "من اجتهادات الشيعة الإمامية" نقل فيه عن مجتهدهم الشيخ محمد حسن الأشتياني أنه قال في كتابه (بحر الفوائد) ج1 ص 267: أن الرسول إذا أخبر عن الأحكام الشرعية أي مثل نواقض الوضوء وأحكام الحيض والنفاس - يجب تصديقه والعمل بما أخبر به، وإذا أخبر عن الأمور الغيبية مثل خلق السماوات والأرض، والحور والقصور، فلا يجب التدين به بعد العلم به أي بعد العلم بصحة صدوره عن الرسول صلى الله عليه وسل" فضلاً عن الظن به -.

فيالله العجب!!

يكذبون على الأئمة فينسبون إليهم علم الغيب ويؤمنون بذلك، مع أن نسبة ذلك إلى الأئمة ليست قطعية الثبوت، ويستبيحون لأنفسهم عدم وجوب التدين بأخبار الغيب التي صحت عن الرسول بما هو قطعي الدلالة كالآيات والأحاديث في خلق السماوات والأرض وصفة الجنة والنار، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما صح عنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

والذي يقارن بين ما نسبوه لأئمتهم، وبين ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الغيبيات يتبين له أن ماثبت من ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن والأحاديث المتواترة والصحيحة لا يبلغ جزءاً يسيراً مما زعمته الشيعة للأئمة الإثني عشر من علم الغيب بعد انقطاع الوحي الإلهي عن الأرض، وجميع رواة الغيبيات عن الأئمة الإثني عشر معروفون عند علماء الجرح والتعديل من أهل السنة بأنهم كانوا كذبة، لكن أتباعهم من الشيعة لا يأبهون لذلك ويصدقونهم فيما رووه من الغيبيات عن الأئمة، في حين أن مجلة (رسالة الإسلام) التي تصدرها دار التقريب، وقاضي محكمتهم الشرعية العليا في لبنان، ومجتهدهم  محمد حسن الأشتياني، يصفقون ويهللون لدعوى عدم وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من الأمور الغيبية، ويريدون أن يحصروا مهمة الرسالة المحمدية في مسائل نواقض الوضوء وأحكام الحيض والنفاس وأشباهها من الفروع الفقهية. بينما هم يرفعون مرتبة أئمتهم في الأمور الغيبية فوق مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه هو الذي كان يوحى إليه وهم لم يدّعوا لأنفسهم الوحي، ولا ندري أي تقريب يمكن أن يكون بيننا وبينهم بعد ذلك؟!.

التملق والنفاق

ومما لوحظ في جميع أدوار التاريخ على جماهير الشيعة ومواقف خاصتهم وعامتهم من الحكومات الإسلامية، أن أي حكومة إسلامية إذا كانت قوية وراسخة يتملقونها بألسنتهم عملاً بعقيدة التقية ليمتصوا خيراتها، ويتبوؤا مراكزها فإذا ضعفت أو هوجمت من عدو انحازوا إلى صفوفه وانقلبوا عليها، هكذا كانوا في أواخر الدولة الأموية، عندما ثار خلفائها بنو عمهم العباسيون، بل كانت ثورة العباسيين عليهم بتسويل الشيعة وتحريضهم ودسائسهم.

ثم كانوا في مثل هذا الموقف الإجرامي مع دولة بني العباس أيضاً عندما كانت مهددة باجتياح هولاكو والمغول الوثنيين لخلافة الإسلام وعاصمة عزه ومركز حضارته وعلومه. فبعد أن كان حكيم الشيعة وعالمها النصير الطوسي ينظم الشعر في التزلف للخليفة العباسي المعتصم مالبث أن انقلب في سنة 655 محرضاً عليه ومتعجلاً نكبة الإسلام في بغداد وجاء في طليعة موكب السفاح هولاكو وأشرف معه على إباحة الذبح العام في رقاب المسلمين والمسلمات أطفالاً وشيوخاً، ورضي بتغريق كتب العلم الإسلامي في دجلة حتى بقيت مياهها تجري سوداء أياماً وليالي من مداد الكتب المخطوطة التي ذهب بها نفائس التراث الإسلامي من تاريخ وأدب ولغة وشعر وحكمة فضلاً عن العلوم الشرعية ومصنفات أئمة السلف من الرعيل الأول التي كانت لاتزال بكثرة إلى ذلك الحين وقد تلفت ما لم يتلف من أمثالها في تلك الكارثة الثقافية التي لم يسبق لها نظير.

خيانات العلقمي وابن أبي الحديد

وقد اشترك مع شيخ الشيعة النصير الطوسي في ارتكاب هذه الخيانة العظمى زميلان له أحدهما وزير شيعي وهو محمد بن أحمد العلقمي والآخر مؤلف معتزلي أكثر تشيعاً من الشيعة وهو عبدالحميد بن أبي الحديد اليد اليمنى لإبن العلقمي وقد عاش عدواً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شحن به شرحه الخبيث لكتاب نهج البلاغة من الأكاذيب التي شوهت تاريخ الإسلام.

ولا يزال ينخدع بها من يجهلون حقائق ماضي الإسلام ودخائله حتى من أذكياء أفاضلنا ومؤلفينا، إن ابن العلقمي الذي قابل بالخيانة والغدر تسامح الخليفة المستعصم وكرمه باتخاذه إياه وزيراً له، نزع به عرق الخيانة واللؤم بما جزى به إحسان من أحسن إليه، ولا تزال الشيعة إلى هذه العصور المتأخرة تتلذذ بالشمات وتتمتع بالعداوة للإسلام بما حل به في نكبة هولاكو، من شاء فليقرأ ترجمتهم للنصير الطوسي في جميع كتب التراجم التي ألفوها وآخرها (روضات الجنان) للخونساري، فهو مليء بمدح السفاحين والخونة، والشماتة بما وقع يومئذ للإسلام، والتشفي من ضحايا تلك النكبة من خاصة وعامة، والسرور بما جرى من الذبح العام للمسلمين والمسلمات حتى الأطفال والشيوخ مما يخجل أن يظهر سروره به أعدى الأعداء وأقسى الوحوش قلباً.

الشيعة تخالف المسلمين في الأصول وليس فقط في الفروع

لقد طال هذا الموضوع مع الحرص على اختصاره، والإقتصار فيه على النصوص المقتطفة من أوثق الكتب الشيعية، ولنختمه بنص آخر يتعلق بموضوع التقريب ليعلم كل مسلم إمكان التقريب بين أبناء الطوائف والمذاهب الأخرى واستحالتة مع الشيعة على الخصوص وذلك بإعترافهم الصريح الآتي بيانه:

نقل الخونساري مؤرخ أعلام الشيعة في كتابه (روضات الجنات) ص579 من الطبعة الثانية بطهران سنة 1376 عند ترجمته المطولة للنصير الطوسي أن من جملة كلامه الحقيقي الرشيق والصادر عن مصدق الحق والتحقيق قوله في تعيين الفرقة الناجية من الفرق الثلاث والسبعين وأنها الإمامية قال: "إني اعتبرت جميع المذاهب، ووقفت على أصولها وفروعها فوجدت من عدا الإمامية مشتركة في الأصول المعتبرة في الإيمان، وإن اختلفوا في أشياء يتساوى إثباتها ونفيها بالنسبة إلى الإيمان ثم وجدت أن الطائفة الإمامية يخافون الكل في أصولهم، فلو كانت فرقة ناجية ممن عداهم ناجية لكان الكل ناجين ، فدل على أن الناجي هوالإمامية لا غير".

قال الخونساري: وقال السيد نعمة الله الموسوي - بعد نقله لهذه العبارة - :" تحريره أن جميع الفرق مطبقون على أن الشهادتين وحدهما مناط النجاة، تعويلاً على قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" أما هذه الفرقة الإمامية فهم مجمعون على أن النجاة لا تكون إلا بولاية أهل البيت إلى الإمام الثاني عشر، والبراءة من أعدائهم (أي من أبي بكر وعمر إلى آخر من ينتمي إلى الإسلام غير الشيعة حكاماً ومحكومين) فهي مباينة لجميع الفرق في هذا الإعتقاد الذي تدور عليه النجاة " .

وقد صدق الطوسي والموسوي والخونساري.. وكذبوا... صدقوا في أن فرق المسلمين متقاربة في الأصول ومختلفة في الأمور الثانوية، ولذلك يمكن التفاهم والتقارب بين الفرق المتقاربة في الأصول، ويستحيل هذا التفاهم مع الشيعة الإمامية لأنها تخالف جميع المسلمين في أصولهم، ولا ترضى من المسلمين إلا بأن يلعنوا الجبت والطاغوت أبابكر وعمر فمن دونهم إلى اليوم، وبأن يتبرأوا من كل من ليس شيعياً حتى آل البت من بنات رسول الله اللائي صاهره عليهن ذو النورين عثمان بن عفان، والأموي الشهم النبيل العاص بن الربيع الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم على منبر المسجد النبوي على ملأ من جميع المسلمين لما أراد علي أن يتزوج بنت أبي جهل ويجعلها ضرة لبنت ابن عمه فاطمة فشكت ذلك إلى أبيها.

وأن تشمل البراءة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وسائر آل البيت الذين لم ينضوو تحت لواء الرافضة في عقائدهم الملتوية التي منها إدعاء أن القرآن محرف وقد زعموا ذلك في جميع عصورهم وطبقاتهم على ما نقله عنهم وسجله لهم نابغتهم العزيز عليهم الحبيب إلى قلوبهم الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) الذي اقترف جناية كتابة كل سطر منه في جانب قبر الصحابي الجليل أمير الكوفة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه الذي تزعم الشيعة أنه قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

إن الشيعة يشترطون علينا للتفاهم معهم ولرضاهم عن اقترابنا منهم أن نلعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نبرأ من كل من ليس على دينهم وفي طليعتها زيد بن زين العابدين ومن على قدمه في استنكار منكرات الرافضة. وهذا هو الجانب الصادق من النص المنقول عن النصير الطوسي، وتبعه فيه السيد نعمة الله الموسوي وميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري الأصبهاني ولا يخالفهم فيه شيعي واحد من المتجاهرين بالتقية أو المتخفين بها.

وأما الذي كذبوا فيه فهو ادعاؤهم أن مجرد النطق بالشهادتين هو مناط النجاة في الآخرة عند غير الشيعة من المسلمين ولو كانت لهم عقول أو معرفة لعلموا أن الشهادتين عندنا عنوان الدخول في الإسلام وقائلها - حتى لو كان حربياً - يصير معصوم الدم والمال في الدنيا، أما في الآخرة فبصحبة الإيمان، وان للإيمان - كما قال أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز -: فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان".

ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، وليس منها حتى التصديق بوجود ثاني (عشرهم) فإنه شخصية موهومة، نسبت كذباً (للحسن العسكري) الذي مات عن غير ولد، وصفى أخوه "جعفر" تركته على أنه لا ولد له، وللعلويين سجل مواليد كان يقوم عليه نقيب في تلك الأزمان لا يولد منهم مولود إلا سجل فيه، ولم يسجل فيه للحسن العسكري ولد، ولا يعرف العلويون المعاصرون للحسن العسكري أنه مات عن ولد ذكر، ولكن لما مات الحسن العسكري عقيماً ووقفت سلسلة الإمامة عند أتباعهم الإماميين، رأوا أن المذهب مات بموته وأصبحوا غير إماميين لأنهم لا إمام لهم.

انشقاق النصيرية وحكاية السرداب

فاخترع لهم شيطان من شياطينهم يسمى: "محمد بن نصير" من موالي بني نمير فكرة أن للحسن ولداً مخبوءاً في سراديب بيت أبيه(1)، ليتمكن هو وزملاؤه من الإحتيال على عوام الشيعة، وأغنيائهم بتحصيل الزكاة منهم باسم إمام موجود وليواصلوا الإدعاء كذباً أنهم إمامية، وأراد أن يكون هو (الباب) للسرداب الموهوم بين الإمام المزعوم وبين شيعته ويتولى جمع أموال الزكاة، فخالفه زملاؤه من سائر شياطين هذه المؤامرة وأصروا على أن يكون (الباب) رجل زيات أو سمان له دكان على باب بيت الحسن العسكري وكان أهل بيت الحسن وأبيه يأخذون منه حاجتهم المنزلية.

فلما وقع هذا الاختلاف انفصل عنهم صاحب الاختراع وأسس مذهب النصيرية المنسوب إليه وكان زملاؤه يريدون أن يجدوا حيله لإظهار ثاني عشرهم المزعوم وأن يتزوج ليكون منه ولد وأحفاد يتولون الإمامة ويستمر به مذهبهم الإمامية ولكن تبين أن ظهوره سيدعو إلى التكذيب به من نقابة العلويين وجميع العلويين وبني عمومتهم من خلفاء بني العباس وأمرائهم فزعموا أنه بقي في السرداب وأن له غيبة صغرى وغيبة كبرى إلى آخر هذه الأسطورة التي لم يسمع بمثلها ولا في أساطير اليونان، ويريدون من جميع المسلمين الذين أنعم الله عليهم بنعمة العقل أن يصدقوا هذه الأكذوبة ليتسنى التقريب بينهم وبين الشيعة، وهيهات هيهات، إلا أن يتحول العالم الإسلامي كله إلى مارستان لمعالجة الأمراض العقلية، والحمد لله على نعمة العقل فإنها مناط التكليف وهي بعد صحة الإيمان أجل النعم وأكرمها.

ولاء المسلمين

إن المسلمين يوالون كل مؤمن صحيح الإيمان، ويدخل في ذلك صالحوا آل البيت بغير حصر في عدد معين، وفي مقدمة صفوة المؤمنين الذين يوالونهم العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولو لم يكن للشيعة من أسباب التكفير إلا مخالفتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء العشرة من أهل الجنة لكفى.

وكذلك يوالي المسلمون سائر الصحابة الذين قام الإسلام والعالم الإسلامي على أكتافهم، ونبت الحق والخير في تربة الوطن الإسلامي بدمائهم، وهؤلاء هم الذين كذبت الشيعة على علي وأبنائه فزعمت أنهم أعداء لهم، وقد عاشوا مع علي أخوة متحابين متعاونين وماتوا أخوة متحابين متعاونين وما أصدق ما وصفهم به الله عز وجل في سورة الفتح 29 من كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقال فيهم عز وجل من قائل: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) وقوله في سورة الحديد: (ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى). وهل يخلف الله وعده؟! وقال فيهم في سورة آل عمران: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)

الحب والمودة بين الخلفاء الراشدين

إن من محبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لإخوانه الثلاثة الخلفاء قبله أن سمى أبناءه بعد الحسينين وابن الحنفية بأسمائهم، فمن أولاد علي بن أبي طالب ولد سماه (أبا بكر) وآخر سماه (عمر) وثالث سماه (عثمان)، وزوّج ابنته أم كلثوم الكبرى لعمر بن الخطاب وبعد شهادته تزوجها ابن عمها محمد بن جعفر بن أبي طالب فمات عنها، فتزوجها أخوه عون ابن جعفر فماتت عنده، وعبدالله بن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمّى أحد بنيه باسم أبي بكر، وسمى ابناً آخر له باسم (معاوية) ومعاوية هذا - أي ابن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب - سمى أحد بنيه باسم (يزيد) لأن البعض يرى أن يزيد كانت سيرته صالحه(!) كما شهد له بذلك محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب.

لماذا نتبرأ منهم؟

فلو كانت البراءة التي يطالبنا بها الشيعة الآن ثمناً للتقريب بيننا وبينهم تتناول من يريدون منا أن نتناوله لكان مخطئاً إمامهم الأول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - في تسمية أولاده أبا بكر وعمر وعثمان ولكان أكثر خطأً بتزويجه بنته من عمر بن الخطاب، ولكان محمد بن الحنفية كاذباً في شهادته ليزيد لما جاءه عبدالله بن مطيع داعية ابن الزبير وزعم له أن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب.

فقال له محمد بن علي بن أبي طالب (كماء جاء في البداية والنهاية 8:233): ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرتُه، وأقمت عنده، فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير، يسأل عن الفقه، ملازماً للسنة.. فقال له ابن مطيع والذين معه: إن ذلك كان منه تصنعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلى الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر، فلئن أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم نكن رأيناه.

فقال لهم: "أبى الله ذلك من أهل الشهادة فقال (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) ولست من أمركم في شيء".. الخ، فإن كان هذا ما يشهد به ابن علي بن أبي طالب ليزيد فأين هذه الحقيقة مما يريده الشيعة منا أن نكون عليه مع أبيه ومع من هم خير من أبيه ومن جميع خلق الله؟ أعني أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وسائر أعلام الصحابة الذين حفظوا لنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأوجدوا لنا هذا العالم الإسلامي الذي نعيش به وله، إن الثمن الذي يطالبنا به الشيعة للتقرب منهم ثمن باهظ نخسر معه كل شئ ولا نأخذ به شيئاً، والأحمق من يتعامل مع من يريد منه أن يرجع عنه بصفة المغبون. إن الولاية والبراءة التي قام على أساسها الدين الشيعي على ماقرره النصير الطوسي وأيده نعمة الله الموسوي والخونساري لا معنى لها إلا تغيير دين الإسلام، والعداوة لمن قام على أكتافهم بنيان الإسلام.

لقد كذبوا في أن فرقتهم هي الوحيدة الناجية، التي تخالف الكل في أحوالها.

إنشقاق الإسماعيلية عنهم

إن الإسماعيلية مثلهم، ويخالفون المسلمين في مثل ما تخالفهم فيه الشيعة الإمامية إلا في تعيين بعض أسماء أهل البيت الذين يوالونهم. فالإمامية توالي كل الذين يواليهم الإسماعيليون إلى جعفر الصادق، ويفترقون بعده فالإمامية توالي موسى بن جعفر ومن تسلسلوا عنه.

والإسماعيلية توالي إسماعيل بن جعفر فمن تسلسل عنه، والغلو الذي جنحت إليه الإسماعيلية من إسماعيل فمن بعده قد حسدتها عليه الإمامية من أيام الدولة الصفوية.

فانحدرت في هوته بأيدي المجلسي وأعوانه والمسؤولين عنهم، فبعد أن كان غلاتهم في العصور السالفة أقلية، صاروا بعد ذلك في هذا اليوم كلهم غلاة بلا استثناء. وقد اعترف بذلك اكبر علمائهم في الجرح والتعديل آية الله المامقاني في كل ترجمة كتبها للغلاة الأقدمين منهم فأعلن في كل موضع تناول به هذا البحث من كتابه الكبير بأن ما كان به الغلاة الأقدمون غلاة أصبح الآن عند جميع الشيعة الإمامية من ضروريات المذهب، إذا فالغلو الذي كانت تفترق به الإسماعيلية عن الشيعة الإمامية صاروا به سواء لا فرق بينهما إلا في الشخصيات التي يؤلهها كل منهم، ويرفعها فوق منزلة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أراد الإمامية بلسان محمد حسن الأشتياني أن يبيحوا عدم تصديقه صلوات الله وسلامه عليه فيما صح عنه من أمور الغيب كخلق السماوات والأرض، وصفة الجنة والنار، بينما ينسبون إلى أئمتهم وإلى ثاني عشر الموهوم ما يرفعهم إلى مرتبة آلهة اليونان.

إن استحالة التقريب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة هي بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول كما اعترف به وأعلنه النصير الطوسي، وأقره عليه نعمة الله الموسوي وباقر الخونساري، ويقره كل شيعي. وإذا كان هذا في زمن النصير الطوسي فهو من زمن باقر المجلسي إلى الآن أشد وأفظع.

ومما لا ريب فيه أن الشيعة الإمامية هي التي لا ترضى بالتقريب، ولذلك ضحت وبذلت لتنشر دعوة التقريب في ديارنا، وأبت وامتنعت أن يرتفع له صوت أو تخطى في سبيله خطوة في البلاد الشيعية، أو أن نرى أثراً له في معاهدها العلمية، ولذلك بقيت الدعوة إليه من طرف واحد، كما أشرنا إلى ذلك في صدر هذا المقال، فكانت هذه الدعوة كأسلاك الكهرباء التي لا يلتقي سالبها بموجبها ولا موجبها بسالبها.

ولذلك فإن كل عمل في هذا السبيل سيبقى عبثاً كعبث الأطفال ولا طائل تحته، إلا إذا تركت الشيعة لعن أبا بكر وعمر والبراءة من كل من ليس شيعياً منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وإلا إذا تبرأت الشيعة من عقيدة رفع أئمة آل البيت الصالحين عن مرتبة البشر إلى مرتبة آلهة اليونان، لأن هذا كله بغي على الإسلام، وتحويل له عن طريقه الذي وجهه إليه صاحب الشريعة الإسلامية صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ومنهم علي بن أبي طالب وبنوه، فإن لم تترك الشيعة هذا البغي على الإسلام وعقيدته وتاريخه فستبقى منفردة وحدها بأصولها المخالفة لجميع أصول المسلمين ومنبوذة من جميع المسلمين.

وهناك حقيقة أشرنا إليها فيما مضى من هذا المقال اشارة خاطفة وهي أن الشيوعية التي تفاقمت في العراق وبحزب تودة في إيران أكثر مما كان لها من أثر في سائر العالم الإسلامي هي وليدة التشيع فالشيوعيون في ذينك القطرين من صميم أبناء الشيعة وقد وجدوا المذهب الشيعي عريقاً في الخرافات والأوهام والأكاذيب التي لا تعقل فكفروا بها ووجدوا أمامهم المنظمات الشيوعية ذات دعاة ولها كتب بمختلف اللغات وهي تسير على أساليب علمية اقتصادية وغيرها في الدعوة إليها فوقعوا في أحابيلها ولو أنهم عرفوا الدين الإسلامي بفطرته وتعلموه سليماً من غير طريق التشيع لعصمهم ذلك من السقوط في هذه الهوة.

فتنة البابية

ولما قامت فتنة "الباب" في إيران قبل أكثر من مائة سنة وادعى علي محمد الشيرازي أنه باب المهدي المنتظر ثم ترقى به الأمر وادعى أنه هو المهدي المنتظر وصار له أتباع من الشيعة الإيرانيين واختارت الحكومة الإيرانية يومئذ أن تنفيه إلى أذربيجان لأنها مباءة السنيين من أهل المذهب الحنفي ولكونهم سنيين فيهم مناعة من الإنحدار بهذه السخافات والخرافات المنتزعة من جذور الشيعة فيسهل انخداع الشيعة بها والاستجابة لدعوة الباب بسببها ولم تقم بنفيه إلى بلد شيعي لأن من طبيعة المذهب الشيعي قبول أهله لهذه الأوهام وكثر منهم أتباع الرجل وتتسع دائرة الفتنة، فكما كانت الخرافات الشيعية سبباً لانتشار ما يوافقها في القرن الماضي من مزاعم البابيين والبهائيين كذلك هي الآن سبب آخر لرد الفعل بين المتعلمين من أبناء الشيعة الذين تيقظوا لأن هذه العقائد سخيفة ولا يليق بأهل العقول تصديقها فارتدوا عنها إلى دعوة الشيوعية التي رحبت بهم واحتضنتهم فكان لها منهم بالعراق وإيران أنصار أكثر مما تيسر لها في البلاد الإسلامية السنية.

هذا ما اتسع المقام لعرضه قياماً بما أخذ الله على المسلمين من النصح لله ورسوله وخاصة المسلمين وعامتهم. والله يحفظ دينه وملّته وكياننا الإسلامي الأعظم من هدم الهدامين وكيد الكائدين إلى يوم الدين.

               

الهوامش:

1 – وهذا الإيثار تكرر منهم في مختلف العصور، والدعاة الذين يرسلونهم لمثل هذه الأغراض هم الذين تحولت بهم العراق من بلاد سنية فيها أقلية شيعية إلى بلاد شيعية فيها أقلية سنية.

وفي عصر الجلال السيوطي حضر من إيران إلى مصر داعية من دعاتهم أشار إليه السيوطي في (الحاوي للفتاوي) الطبعة المنيرية ج1 ص330 وبسبب ذلك الداعية الإيراني ألف السيوطي رسالة سماها (مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة).

2 – من الأسماء الشائعة عندهم اسم "تقي" ومن ذلك والد النوري الطبرسي مؤلف (فصل الخطاب..) وهم يأخذون هذا الاسم من "التقية" لا من التقوى، فالأب الذي يسمي ابنه عند ولادته باسم

"تقي" يتفاءل له بأن يكون بارعاً في التقية، وفي اعتقاد غير الذي يتظاهر به للمسلمين.

3 – يريد أبو منصور الطبرسي بالمنافقين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين جمعوا القرآن، وعمل به برسمه العثماني علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مدة خلافته. فلو كان هذا الكلام المكذوب على لسان علي في كتاب "الاحتجاج على أهل اللجاج" صادراً عن علي رضي الله عنه حقاً لكان منه خيانة للإسلام أن يكون عنده ثلث ضائع من القرآن، ولا يظهر ولا يعمل به ولا يأمر الناس بتداوله في مدة خلافته على الأقل وليس هناك أي مانع يمنعه من ذلك فكتمانه لهذا المقدار من القرآن راضياً مختاراً النفاق، لو صح أنه هو قائل هذا الهراء ومن هذا تعلم أن أبا منصور الطبرسي مؤلف كتاب "الاحتجاج" يسب بكتابه هذا علياً نفسه، وينسبه إلى الخيانة، والكفر قبل أن يسب أصحاب رسول الله وينسبهم إلى النفاق.

4 – انظر كتاب: الفصل في الملل والنحل لابن حزم ج2 ص87، ج4 ص182. الطبعة الأولى بالقاهرة.

5 – الجزء الأول ص 207، المطبوع في المطبعة المرتضوية بالنجف سنة 1352هـ.

6 – ولماذا لم يفعل ذلك جده علي بن أبي طالب مدة ولايته الخلافة؟ فهل حفيده الثاني عشر أوفى منه للقرآن والإسلام؟؟

7 – انظر الكافي ص225- 407.

8 – وسرداب بيت أبيه – إن كان فيه سرداب – كانوا هم مبعدين عنه، ولا حق لهم بدخوله لأنه في يد جعفر أخي الحسن العسكري، وهو يقرر أنه ليس للحسن العسكري ولد، لا في داخل السرداب الموهوم ولا خارجه.