سورية: شرعنة الجريمة

يحيى بشير حاج يحيى

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

تأليف : هيثم المالح

يُكتفى في سورية أن تقول: شيخ  الحقوقيين، ليعرف السامع أنك تقصد الأستاذ هيثم المالح الذي اعتقل أكثر من مرة وقضى سنوات في سجون حزب البعث؟!

وكانت إحداها في 2009، وله من العمر 78 عاما...بدأ محاميا و عمل قاضيا وشارك في النشاط السياسي منذ عام 1951، واهتم بحقوق الإنسان مدافعا عنها ومشاركا في تأسيس جمعيات تعنى بشأنها، ومنح جوائز عدة منها: جائزة الكرامة للمدافعين عن حقوق الإنسان! و أما الكتاب الذي نحن بصدده فذكر في إحدى مقدماته: بأن احترام الإنسان مشكلة متأصلة في نفسه، لا يستطيع الانفكاك عنها على الرغم من كبر سنه وشيخوخته، التي من المفروض أن تدفعه باتجاه آخر، هو اتجاه الراحة أو الاعتكاف بين أشيائه وكتبه الخاصة.

فتؤكد أن أمثاله لا يستطيعون الابتعاد عن ساحة حقوق الإنسان بإغماض العيون ، و سد الآذان! كيف يكون هذا ، و بلده سورية جعل الخاطفون لها و المتسلطون عليها جعلوا من الجريمة و للجريمة قانونا ينظمها و تشريعا يحميها ؟!!

و قد بسط ذلك في ستة فصول ، حمل الفصل الأول عنوان [حالة الطوارئ و أثرها على حقوق الإنسان] مؤكدا أن معظم العالم العربي تهيمن عليه حالة الطوارئ ، سواء أكانت معلنة أم غير معلنة ! و هي عبء ثقيل على الإدارة و المواطن ، ترهقهما معا و تكلف الوطن نفقات طائلة غير ذات مردود ، و يختار المؤلف تعريفا جامعا لها بأنها : [ نظام استثنائي شرطي مبرر بفكرة الخطر المحيق بالكيان الوطني يسوغ اتخاذ تدبير أو تدابير قانونية مخصصة لحماية البلاد ، كلا أو جزءا ضد الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي ، يمكن التوصل إلى إقامته بنقل صلاحيات المدنية إلى السلطات العسكرية.

ثم يقدم لمحة تاريخية عن هذه الحالة في سورية خلال العهود التي مرت بها إلى انقلاب البعث

مفندا اتخاذ مثل هذه الإجراءات ، و أنه ليس هناك أسباب موجبة ، و لذا فإن حالة الطوارئ تعتبر غير نافذة واقعيا و دستوريا ، و قد انقضت بفعل الزمن و بفعل الدستور مما يستتبع عدم قانونية كافة القرارات الصادرة بالاستناد إليها ، و خاصة أوامر الاعتقال دون محاكمة ، لأن ما بني على باطل فهو باطل ،  و برغم أن العديد من الدراسات و المذكرات قد قدمت إلى القضاء في هذا الموضوع ، إلا أن أي محكمة لم تجرؤ حتى الآن للتصدي لهذا الموضوع ، و أن تقول رأيها فيه بصوره واضحة جلية ؟!!

ثم يوضح الآثار السلبية لحالة الطوارئ على حقوق الإنسان فإذا هي تجرد الإنسان حتى من إنسانيته ، و تحجب عنه ما من حقوق، وتوجد أوضاعا تجعله مجرد رقم، وتهدر  القواعد القانونية العادية و تطبق قواعد خاصة بالعسكريين ؟!

و مما زاد الأمر سوءا صدور مرسوم تشريعي برقم 32 لعام 1980 ، بسط صلاحيات المحاكم الميدانية العسكرية لمحاكمة المدنيين و قد تم إعدام آلاف المواطنين في السجون دون أن يتوفر لهم الحد الأدنى من الضمانات في محاكمة عادلة و حتى دون استجواب في حدود القانون ؟!

و يُـلحق المؤلف بهذا الفصل ملحقات تضم بعض القرارات بدءا من عام 1958  و ما ترتب عليها من انتهاك لحقوق المواطن ، و اعتداء على الحريات العامة و تضييق على حقوق الإنسان .

وفي الفصل الثاني (القانون ضد العدالة: القانون 49 لعام 1980) المعروف بقانون إعدام الإخوان المسلمين، والذي قدمه حافظ الأسد لمجلس الشعب لإقراره، وفيه اتجه النظام لشرعنة العنف ضد المواطنين...ثم يفند المؤلف حيثيات القانون، وبطلانه وأنه مخالف للمعاهدات الدولية وأنه لا يمت للدستور و القوانين ولا لأي عرف قانوني بصلة ولم يؤخذ فيه رأي المحكمة الدستورية، وكان على السلطات أن تقدم مشروع قانون إلى مجلس الشعب من مادة واحدة ليصار إلى إلغائه؟! واقترح المؤلف أن يكون كالتالي:القانون رقم....يلغي القانون 49 لعام 1980 وما استتبعه من آثار، و أنه على السلطات المعنية أن تبحث بعد ذلك التعويض عمن أصابهم ضرر نتيجة هذا القانون الآثم ؟ 

و في الفصل الثالث [ من التعذيب إلى منع التعذيب ]

يذكر المؤلف نص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب الذي صار ظاهرة مألوفة و أحيانا سائدة في المجتمعات و خصوصاالمتخلفة منها ، حيث يحكم الاستبداد و غياب القانون ، و يتضح من تعريف فعل التعذيب أنه لم يعد مقتصرا على الأذى الجسدي الذي يلحق بالضحية، وإنما تعداه ليشمل الأذى العقلي أو النفسي أيضا ، و يذكر أن من الممارسات التي تعتبر من أفعال التعذيب [ التخويف – الحرمان الحسي ]  ثم يستعرض المؤلف التعذيب عبر التاريخ ، و يبين حكم الإسلام في ممارسة التعذيب و تحريمه في قول الرسول الأعظم : [ إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا  ]

و يتوقف المؤلف عند التعذيب في القرن العشرين و معاناة الشعوب من ممارسيه ، حتى علت الأصوات باستنكاره و تتويج ذلك باتفاقية مناهضة التعذيب من قبل منظمة الأمم المتحدة بقرارها 39 ، 46 ، في

 10 /12/1984 ، و التي جرى تطبيقها في عام 1986 ثم ينتقل إلى ما عاناه الشعب السوري من ويلات التعذيب 

بين 1980  - 1990 و أوجزها في :

1 – التعذيب الجسدي و أدواته - الكرسي الألماني – الضرب بالكبلات – الوضع في الدولاب – صعقات الكهرباء – بساط الريح – الحرق بالسجائر لمواضع مختلفة من الجسم – الضرب و الركل و الصفع – الجلد على أسفل القدمين – التعذيب بالمياه – التعذيب بسلم الجزار – الفسخ – الشبح – الضرب بالبلطة – المثقب الكهربائي – الإجبار على أكل الطعام الكريه – الأفعال المنافية للآداب – التغذية الرديئة  ]

و يتبع ذلك التعذيب العقلي [ الحبس الانفرادي – اكتظاظ المهاجع بالسجناء – حجب مظاهر الحياة في الأقبية 

و تستوقفنا في هذا الفصل فقرة : أسباب ظاهرة التعذيب و جذورها [ التي تنطبق على وضع النظام السوري مع جميع طبقات الشعب ]

و يوجزها المؤلف : في 1 – الاستبداد السياسي 

2 – عدم احترام الإنسان و حقوقه 3 – عدم الاعتراف بحق الاختلاف بالرأي  4 – عدم احترام حق الحياة و ما هو من مستلزماته و متمماته 5 – سيطرة فئة ضيقة فاسدة على المجتمع و تحكمها فيه  6 – انعدام المساواة أمام القانون و انعدام تكافؤ الفرص   7 – وجود نصوص قانونية تحمي ممارسي التعذيب من الملاحقة القضائية   8 – بسط صلاحيات القضاء العسكري و الاستثنائي لمحاكمة المدنيين 

ثم يطرح المؤلف سؤالا : كيف يمكن أن نحول دون التعذيب و يجيب بأن التشريع هو الخطوة الأولى مستعرضا نصوص الدستور السوري الصادر عام 1973 و يعقب عليها و قد داستها أحذية عساكر النظام قبل أن يجف حبرها قائلا : لو نظرنا  في هذه النصوص السابقة لحسبنا أنفسنا في عالم مثالي ، إلا أن الواقع المعاصر يتناقض تماما معها ، فضلا عن التشريعات العديدة التي تتناقض مع الدستور ،  و التي لم يجر إلغاؤها حتى ساعة كتابة هذه الكلمات ، و هي تعتبر بحق من الفوضى التشريعية في البلاد . بل إن نصوصا عديدة تعلو في واقع الأمر على الدستور ، و منها :أ- حالة الطوارئ التي أعلنت في عام 1963 بالاستناد إلى قانون الطوارئ ، و هي ترخي بظلالها على سائر التشريعات  ب – نصوص أخرى تبيح التعذيب حتى القتل كما  في المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1969الخاص بإحداث جهاز أمن الدولة ؟!  

ج – مخالفة مواد الدستور بخرقه بإصدار قانون 49  لعام 1980 الذي أصدره مجلس الشعب و أعطى مفعولا رجعيا عكس ما تنص عليه المادة 30 

و في الفصل الرابع [ القضاء في سوريا ] يبين المؤلف : أن القضاء هو الحصن الحصين لحماية الأمة و أفرادها  ، بعضهم بمواجهة البعض الآخر ، أو بمواجهة السلطة و بقدر ما يكون القضاء قويا مستقلا راسخا تكون حريات الناس و أموالهم و أرواحهم و أعراضهم مصونة محصنة كريمة ، و يستعرض المؤلف في هذا الفصل السلطة القضائية بموجب المرسوم التشريعي رقم 96 لعام 1961، ويتعرض لحصانة القاضي ثم للسلطة القضائية واستقلالها عن السلطة التشريعية، ثم استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ثم يتحدث عن القضاء العسكري المنظم بالمرسوم التشريعي رقم 61 تاريخ 27/2/1950                                                                                                                       ويركز على المحاكم الميدانية العسكرية بعد وصول حزب البعث إلى السلطة، وإصدار مرسوم تشريعي يعفي العاملين في هذه الإدارة من الجرائم التي يرتكبونها في أثناء تنفيذ المهمات الموكولة إليهم! ثم يستمر الحديث عن تشكيل محكمة أمن الدولة والمحكمة الدستورية وتشكيلها ومع كل هذه التشكيلات فإن الواقع يقول: إن معظم أجهزة الدولة ترفض تنفيذ الأحكام القضائية، وهي تستند إلى اجتهادات صدرت عن إدارة التشريع التابعة لوزارة العدل؟! مما يدل على انهيار القضاء انهياراً كاملاً في سورية، وأن ثمة اغتيالاً تشريعياً منظماً لهذا الجهاز القضائي الهام، الذي ساد الجهل وتغلغل الفساد في جميع مفاصله مما أضحى معه أن يكون دمية يأتمر بأوامر الأجهزة الأمنية والسلطات العليا؟!

وفي الفصل الخامس (الجريمة والعقاب) يتبين أن حزب البعث الذي خطف السلطة واستولى عليها بالقوة يقع عمله تحت المواد 291 و293 و294 و296 من قانون العقوبات السوري وأن ما اتخذه مجلسه الوطني الذي أعطى لنفسه حق التشريع وإصدار القوانين، من مثل إعلان حالة الطوارئ كان باطلاً خارجاً عن مفهوم الشرعية ويتنافى مع الدستور ومع القوانين المحلية الأخرى ومع الاتفاقيات الدولية والعهود الخاصة بحقوق الإنسان كما يتعارض مع مصلحة المواطنين، ويضرب المؤلف مثالاً آخر لشرعنة الجريمة التي يمارسها النظام وحزبه كما في القانون 49 لعام 1980 الذي أقره مجلس الشعب والمقدم من حافظ الأسد بإعدام كل منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومخالفة هذا القانون للدستور ولقانون العقوبات وللمعاهدات الدولية.

وفي فصل الختام (الخداع) يتحدث المؤلف عن اندلاع الاحتجاجات ووعود النظام الكاذبة بالإصلاحات وإصدار مرسوم بإلغاء حالة الطوارئ – المنقضية في الواقع – وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا التي طالما أزهقت أرواح الآلاف ويبين أن النظام الخادع يعطي ما يتصور أنه إصلاح بيد، ويأخذ بالأخرى كما في إعطاء الصلاحية للضابطة العدلية بمباشرة التحقيق و التوقيف لأسبوع ، الغاية منه احتجاز الناس دون مذكرة قضائية ، للإبقاء على الأوضاع السيئة كما هي دون تعديل .. أو التعديل للأسوأ.