هويتنا الإسلامية

سؤال الهُوية

في مفترق الطرق

زغلول عبد الحليم

تأليف أ / د محمد السيد الجليند

استاذ الفلسفه الاسلاميه بكلية دار العلوم بجامعة القاهره

نشر / المكتبه الأزهريه للتراث ط1 1432 ه / 2012 م

عدد صفحات المقال : 12 صفحه

كلمات المقال : 3160 كلمه

يأتى هذا المؤلف فى وقته ، بعد إزدياد الضجيج الإعلامى الذى تقوم به قله ترفض كل ما هو دينى وتعمل جاهده على إثارة البلبلة والتشكيك فى كل شئ حتى فى نوايا الناس، بل أزيد وأقول ان أعمال القله المذكوره جاءت وفق إتفاق على تزييف وعى الأمه حتى تفقد الإحساس بهويتها الحضاريه ومما يؤسف له أن نشاط هؤلاء بدأ منذ الغزو الفرنسى لمصر ولا يزال هذا النشاط يعمل حتى الاّن تحت رايه كاذبه مضله إسمها التنوير وما هو إلا إظلام وتجهيل يريد بالأمه العوده إلى الوراء ، نكايه فى الإسلام كعقيده وشريعه ورغم كل محاولات التيار الدينى الرئيسى الذى يمثل الأغلبيه فى تقريب المسافات إلا أن رواد التيار المخالف عند موقفهم من رفض الدين بالكليه حتى الدكتور مراد وهبه وصف الشريعه بالماضويه وهو تعبير لم نسمع به من قبل ويبدوا أنه به لصيق. ولا أدرى كيف يتجرأ الدكتور مراد وهبه على الحديث فيما لا يعنيه وهو أمر الشريعه علاوة على عدم تخصصه فى هذا الشأن. وقد تصدى الأستاذ الكبير فهمى هويدى لهذه ألهجمات بقوه منطقه التى يعرفها قراء الاستاذ فهمى هويدى وعشاق أدبه ونحن منهم .

وفى هذا الجو المشحون بالتوتر والخلاف بين التيار الدينى والتيار المخالف كان لابد أن يظهر البطل ليقف المعتدى على دين الله عند حدة ، فبين ايدينا الان كتاب ( سؤال الهويه هويتنا الاسلاميه فى مفترق الطرق ) من تأليف الأستاذ الدكتور محمد السيد الجليند أستاذ الفلسفه الإسلاميه بكلية دار العلوم جامعة القاهره . دار العلوم التى تخرج فيها الأمام الشهيد حسن البنا ، الاستاذ النابغه الشهيد سيد قطب والكثير الكثير من الأدباء الكبار ، والأساتذه العظام مما لا نستطيع حصرهم على وجه الدقه ، ومنهم الاستاذ الدكتور محمد السيد الجليند صاحب (سلسلة تصحيح المفاهيم والتى صدر منها الكتاب العاشر (موضوع العرض ) الى جانب مؤلفات اخرى فى تحقيق التراث مذكوره على التفصيل فى نهاية الدراسه .

والكتاب موضوع العرض مقسم الى :

1/4 سؤال الهُويه

2/4 هُويتنا الإعتقاديه

3/4 هُوية الأخلاق الإسلاميه

4/4 هُوية الفلسفه الإسلاميه

السؤال الأساسى الذى يطرحه الكاتب هو :

سؤال الهُوّيه وقد وضعه على الغلاف الخارجى للكتاب

ووضع السؤال على الغلاف الخارجى للكتاب فوق صوره فوتوغرافيه لرجل بلباسه المعروف متكأ على عصاه التى تقارب رأسه . هى اجابه شافيه للسؤال الذى عرضه الكاتب واختيار موفق للتعبير عن المضمون الذى يحتويه الكتاب .

بالاضافه الى التشكيل الزخرفى الذى يعبر عن الفن الإسلامى ولا ننسى بشائر النور فى نهاية الطريق .

عرض الكتاب

سؤال الهويه

يبدأ المؤلف فى هذا الجزء بالحديث عن ثورة يناير المجيده وماهية هذه الثوره وما أبعادها السياسيه والإجتماعية وما اثارها على المنطقة العربية المحيطة بها خاصة ان مصر بتاريخها الطويل تملك مفاتيح التأثير فى المنطقة بشكل مباشر احيانا وغير مباشر احيانا اخرى . وقد كان المؤلف صريحا جدا فى تناوله وقال أن البعض تحفظ والتزم الصمت على خوف من عدوى التأثير ! إنها قوة العقيدة التى يتمتع بها الدكتور الجليند فقد وصف الثوره بالمباركه وانها قضت على حالة الإنكسار النفسى الذى سيطر على الشباب حيث بدأ التفكير فى المستقبل وبدأ التفكير فى مشروع النهضه الذى تتبناه الثوره كمنهج عمل قابل للتطبيق . وأكد سيادته أن الأمه المصريه تملك من الثوابت والقيم الاصيله الراسخه فى تراثها والمعبره عن خصوصياتها ما لا يحتاج الى إجتهاد ولا إعمال ذهن ولم تكن هذه الثوابت فى يوم من الايام محل خلاف بين ابنائها سواء كان مسلما او مسيحيا . وهذه الثوابت التاريخيه ليست فى حاجه الى نقاش او حوار بين القبول لها او الرفض لإنها تشكل معالم اساسيه لهوية مصر وذلك مثل :

( النص فى الدستور المصرى على ان مصر دوله مسلمه ، لغتها العربيه ، دينها الاسلام، وأن مبادئ الشريعه الإسلاميه هو المصدر الرئيسى للدستور والقوانين وأن انتماءهما عربى افريقى) .

ولكن بعض المنتسبين الى النخبه تجاوز ما ينبغى أن يشغل المفكرون الوطنيون انفسهم به من البحث عن أفضل الطرق لنهضة البلاد الى التساؤل بل التشكيك فى هوية مصر ! يقول الدكتور الجليند عنهم انهم سقطوا فى مستنقع الفتنه .

إن الذى يتابع هذه الاصوات منذ عقود طويله يلاحظ انها هى هى نفس الاصوات، نفس المعجم اللغوى فى الصحف وأوضح ان حملة التشكيك بدأت فى كل ما هو اسلامى بدأت على أيد المستشرقين وكان اخطرها التشكيك فى الهويه المصريه . وأوضح أن كتاب مستقبل الثقافه فى مصر لطه حسين كان له الاثر الكبير فى اشاعة هذه الفوضى ومحاولة تزيف الوعى وتغيبه بالكليه وكان الدكتور الجليند واضحا خاصه فيما اثبته فى الهامش رقم (1) فى الصفحه رقم (12) بخصوص ما يكتب فى جريدة الاهرام المصريه وكأنهم تبنوا التشنيع على كل ما هو اسلامى والفخر بما هو علمانى او ليبرالى لا دينى .

ان السؤال عن الهُويه يعنى السؤال عن الخصائص التى تميز الحضارات والثقافات الخاصه بكل شعب ، هو سؤال عن الوعى بالذات الثقافيه والحضاريه التى يعتز بها الافراد ويدينون بالولاء لها والتشبث بها والافتخار بها بين الأمم والدفاع عنها بالقلم اوالسيف اذا لزم الامر . هو سؤال عن مكونات الثقافه الإجتماعيه ومفردات الأخلاق المؤثره فى سلوك الفرد والجماعه . هو سؤال عن فلسفة الحكم وغاياته ومقاصد النظريه السياسيه الحاكمة لحركة المجتمع وعلاقة الحاكم برعيته هو سؤال عن الضابط الجامع لكل عناصر الحركه فى الحياه اليوميه ومقاومتها العقائديه والاخلاقيه التى تتباين فيها الشعوب وتتمايز الحضارات فيما بينها .

ويستطرد استاذنا الكريم قائلا : لقد ظل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة عشر عاما فى مكه يعمل على صياغة الانسان على نحو جديد مختلف تماما عن كان عليه فى الجاهليه صياغة تستظل بنور العقيده التى تدور رحاها حول قطب التوحيد الذى منه تبدأ حركتها واليه تعود وينزل القران الكريم لتصحيح عقائد الجاهلية لتحمل الامه شعله التوحيد . إن اساس هوية المسلم انه صاحب عقيده والامة التى ينتمى اليها الفرد المسلم امة عقيدة يتفرع عنها ويتفرع منها اركان هويته ومكوناتها التى تشكل شجرة العقيده وقد شن الدكتور الجليند هجوما فى معظم الصحف السياره وخاصة جريدة الاهرام فى محاولات كتابها تزيف وعى المسلم وكان لكتاب ما هى النهضه لسلامه موسى الأثر السئ بل الاسواء بدعواته المشبوهه . ويطرح الدكتور الجليند هو السؤال :

-       هل الهوية الإسلامية لشعب مصر عصر يراد لنا ان تترك مكانها ومكانتها لهوية الثقافات الوافده ؟!

ماذا يريدون بمصر ؟ سؤال اخر للدكتور الجليند .

انتهى رأى الدكتور الجليند فى هذه المسأله الى الاتى:

1-     الاسلام لم يعرف الدوله الدينيه .

2-     لا وجود لكلمة مدنيه فى أدبيات السياسه .

3-     العلمانيه تعنى الغاء الدين .

4-     الليبراليه مفهوم غامض لا معنى له .

ولكن حلفاء الشيطان ورواد الخمارات لا يعجبهم كلام العلماء فقط هم فى الموقف الرافض لأى مرجعيه دينيه او قيميه تطبيقا لما جاء فى دائرة المعارف البريطانيه عن تعريف العلمانيه بأنها ] حركه اجتماعيه تهدف الى صرف وتوجيه الناس عن الاهتمام بالاخره الى الاهتمام بالدنيا وحدها [ وهو مفهوم مخالف تماما لما يأمرنا شرعنا

 ( وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) القصص (77)

ان النظريات السياسيه للأمم والشعوب تتباين فيما بينها بحسب تباين مرجعيتها الثقافيه والاجتماعيه وبحسب نظرتها الفلسفيه العامه للوجود والانسان فى هذا الكون . مع وجود القدر المشترك العام بين كل النظم .

ولا يزال سؤال الدكتور الجليند عن الهويه قائما :

ماذا يريدون لمصر ؟ ، هل يريدون ان تكون علمانية لا دينية بلا مرجعية دينية حتى يتاح للمشرع ان يرضى رغبات هؤلاء ويُسن القوانين والتشريعات التى تشبع رغباتهم ويرد سيادته بالاتى :

إن هويات الأمم وخصوصياتها لابد أن تميزها عن هويات غيرها من الشعوب والأمم الأخرى تتميز بها فى عقائدها ، فى علاقاتها الإجتماعيه وفى نظرتها للوجود ، وفى قيمتها الأخلاقيه التى تتجسد فى سلوكها على مستوى الافراد والجماعات وتشكل منظومة العلاقات الاجتماعيه بين الافراد . وهويتها الإسلامية لابد أن تظهر وتتجسد فى المعالم والمظاهر العامة لثقافة الأمة لكنها أكثر ما تكون وضوحا فى:

2 / 4 هُويَتنا العقيدية

3 / 4 هُويَتنا الأخلاقية

4 / 4 هُويَتنا الفلسفية

وهي المسائل التي تبرز أهم خصائص الهُوية الإسلامية في النظرة العامة إلى الإنسان والوجود والأخلاق.

عن هويتنا الاعتقادية:

إن عقيدة التوحيد هي قطب الرحى في الخطاب الإلهي لجميع الرسل والأنبياء كلمتهم على ذلك واحدة من أولهم إلى آخرهم ونداؤهم إليها واحد وهي العقيدة الجامعة لدين الأنبياء والمرسلين كما تواصى بها جميع الأنبياء فيما بينهم . ابتداء من أبى الأنبياء إبراهيم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وتوارث هذه الوصية ذريته من بعده ودعا بها موسى (عليه السلام) ربه كما دعى إليها عيسى (عليه السلام) قومه فقال لهم (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) واستجاب لها الحواريون فقالوا لعيسى عليه السلام (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران : 52 وكانت هذه العقيدة هى الدعوة الجامعة على لسان أبي الأنبياء إبراهيم لذريته من بعده فقال: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة : 128 فاستجاب له ربُه وبعث في الذرية من يحمل لواء هذه الدعوة الخاتمة دعوة التوحيد ملة إبراهيم حنيفاً وجاءت الرسالة الخاتمة تصديقاً لدعوة الرسل السابقين إلى التوحيد الخالص لله وحملت شعار الأنبياء السابقين (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام 162) . (لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

 (الأنعام 163) .

ومن ثم فقد استقرت عقيدة التوحيد على أنها دين جميع الأنبياء والمرسلين قال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا .....) (الشورى 13) كان الاعتقاد فيها والإيمان بها هو الحد الفاصل بين الإيمان بين الأنبياء قاطبة والجحود بها.

 قال تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ...) (البقرة 131) وأصبحت هذه العقيدة أساساً ومحوراً لضبط حركة الإنسان اليومية من صباحه ومساءه، في غدوه ورواحه وفي علاقاته المختلفة سواء في ذلك علاقته بالله والكون، علاقته بنفسه وبالمجتمع وما فيه وجسد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأسس الجامعة في قوله :

 (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (ص 51 من سؤال الهوية).

والدكتور الجليند كأستاذ للفلسفة الإسلامية كان رائعاً كعادته في تناول مسائل الإيمات بالغيب، الإيمان بالقدر، الإيمان بجميع الأنبياء وكتبهم وإن إنكار الواحد منها كالإنكار لجميعها وأن كلها كلام الله منه بدأ وإليه يعود وأن ما نالته يد التحريف منها ليس مما نزل الله به وحيه على رسله وما صح منها يصدق بعضه بعضاً وأن القرآن آخرها جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتب السابقة وقد (كتب العلامة محمد عبد الله دراز في هذه النقطة كتاباً يعد من المراجع الهامة في هذه المسألة اسمه الدين) انتهى (ز) وأوضح لنا الدكتور الجليند خصائص العقيدة الإسلامية من حيث أنها ربانية المصدر فطريا وسطية برهانية شاملة لأمور الدين والدنيا كما أنها ضرورة اجتماعية وأكد على أن سنة التدافع أمر واقع ومشاهد في جميع المجتمعات قد يسميه البعض بصراع الطبقات كما في بعض المذاهب. أنه واقع يعيشه المرء وقد أشار إليه القرآن الكريم باعتباره سنة من سنن الله في الاجتماع البشري قال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود : 118) وأشار القرآن الكريم أيضاً إلى أن هذه السنة ماضية في في الاجتماع البشري إلى قيام الساعة تقتضيها طبيعة العمران والاجتماع (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (البقرة 251) وقال أيضاً (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف : 32) ولذلك كان لابد من وضع ضوابط تكون فوق مستوى الشبهات، فوق مستوى الأهواء وهذا لا يتحقق أبداً إلا إذا كان مصدر هذه الضوابط متعالياً عن أهواء البشر وأغراضهم، وذلك لا يتأتى إلا من خلال الوحي الإلهي، لقد شغلت كل القوانين الوضعية في تحقيق المقاصد في المجتمعات وإن كانت المقاصد الكلية للشريعة تأخذ دائماً الصفة الدينية إلا أنها في حقيقتها وضعت لتحقيق مصالح المجتمع الإنساني فهي مقاصد اجتماعية أضفى عليها الشرع صفة القداسة الدينية بنسبتها إليه لتستقر قداستها في قلوب المؤمنين ، إن الوحي السماوي يستمد هيبته من نزاهة مصدره، وقد لمس الأستاذ الدكتور الجليند نقطة هامة جداً تتعلق بالفارق الجوهري بين الضوابط الشرعية (الأوامر الإلهية) وما يطلق القوانين الوضعية وهي أن الأوامر الإلهية تستمد هيبتها من واضعها سبحانه وتعالى أما ما يطلق عليه القوانين الوضعية فمن أين تأتي بالهيبة. إن شبكة العلاقات الاجتماعية لو تأسست على المبادئ العقائدية فإنها تجعل من المجتمع كله أفراداً وجماعات حراساً على هذه المباديء إنها المسئولية الاجتماعية التي لا تقتصر على طرف واحد. إن سر الوجود لم يكشف عنه العلم لأن ذلك ليس من وظيفة العلم ولا من مهمة العلماء لأن مهمة العلم الكشف عن القوانين التي تحكم علاقة الظواهر الطبيعية وكيف يفيد الإنسان منها ويستثمرها لصالحه. إن مهمة العلم وصف الظاهرة وليس وظيفته لماذا كان هذا الوجود أصلاً ولماذا كان الوجود على هذه الكيفية. ولماذا تتحول الطاقة في العين إلى قوة باصرة؟ سبحان الله العلي العظيم. إن الوحي هو الذي يقدم لنا تفسيراً مقنعاً لعلم الوجود وغايته والوحي هو الذي يقول للعقل أن هناك حياة آخرة بعد الحياة الدنيا يكتمل بها حكمة الوجود الإنساني يكتمل بها الموقف المعرفي للعقل. يكتمل بها منظومة الوجود كله في ضوء من العدل الإلهي الذي به يكون للوجود معنى وللأخلاق أثراً في سلوك الإنسان، ولو كان الوجود الإنساني قاصراً على هذه الحياة فقط لكان وجود الإنسان فيها هو البؤس بعينه! (لذا سقط الفكر المادي كله وقذف به بعض كبار الملاحدة إلى مزبلة التاريخ التي امتلأت عن آخرها .. انتهى ز.) إن قيمة الحياة الإنسانية لا يكون لها معنى إلا في الاعتقاد بما جاء به الوحي من الإيمان باليوم الآخر كضرورة دينية وأخلاقية وهذا الأمر ليس من مهمة العلم الكشف عنه وليس من اختصاص العلماء البحث فيه وإنما هو نور الوحي وهداية الأنبياء وإذا كان ميزان العدالة قد اهتز في يد البشر في حياتهم الدنيا فإنه غير قابل للاهتزاز في يد الخالق سبحانه. ونقول لأصحابنا من رواد قراءة النص قراءة عصرية ، نقول لهم : أن قضية الوحي في أساسها لا يملك العقل برهاناً على إنكارها (والكلام مهدى على الجمله لرواد قراءة النص قراءه عصريه وعلى رأسهم رواد المدرسه التفكيكيه والتى هزمها بضربه قاسمه استاذنا الدكتور عبد العزيز حموده رحمه الله رحمه واسعه) انتهى (ز) ويستطرد الدكتور الجليند قائلا : من قال أن التجربة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات صحة الرأي أو خطأه أن هناك كثيراً من المعارف اليقينية لا تخضع في ذاتها للتجربة ولا يملك أحد إنكارها.

عن هوية الأخلاق الإسلامية:

من أهم ما يميز الأخلاق الإسلامية ارتباطها الوثيق بالدين في أوامره ونواهيه فما أمر الشرع إلا بما هو أخلاقي وما نهى إلا عما هو قبيح ومن هذه العلاقة تستمد سلطة الالتزام الخلقي قوتها من سلطة الدين وقوة تأثيره في القلب الذي يمتلأ بنور الإيمان فينعكس ذلك على سلوك الأفراد التزاماً بالقيم الخلقية وتنفيذ للأوامر الدينية (أنظر إلى حجم المأساة التي تنتج من إبعاد دين الله هم حكم دنيا الناس! .. انتهى ز.) وقد حذر القرآن الكريم من سوء العاقبة للأمم التي فرطت في عبادتها الأخلاقية فانتشر فيها الظلم وغاب عنها العدل، وغابت عنها المساواة وحلت المحسوبية ووسد فيها الأمر إلى غير أهله وضاعت الحقوق وضيعت الأمانات وأكلت أموال الناس بالباطل، كل ذلك أو بعضه كفيل بضياع الأمة وزوال المُلك.

قال تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ...) (الكهف : 59) (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ) (الحج : 45) (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (الأعراف: 44) (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (إبراهيم : 15).

إن هذا الربط الواضح بين ضياع الأوامر الأخلاقية وهلاك الأمم يثير الانتباه إلى أهمية هذا القانون الكوني الذي أشارت إليه آيات القرآن وجعلته جزءاً من العقيدة الإسلامية وهذا يقودنا إلى التساؤل حول أحكام الشرع ومستوياتها وما تشمل عليه من معان أخلاقية أساسية في بناء المجتمع وما تعبر عنه من أصول وقواعد ينبغي الأخذ بها في مناهج التربية في مؤسساتنا التعليمية.

أن من أهم خصائص الأخلاق الإسلامية خاصية الجمع بين المادة والروح لأنها مستمدة أصلاً من قوة الإيمان بالعقيدة الدينية التي جعلت المبادئ الأخلاقية جزءاً أساسياً من شعائر الدين وأوامره والرسول صلى الله عليه وسلم قد ربط بين السلوك الأخلاقي وكمال الإيمان ربطاً محكماً فجعل صلوات الله عليه وسلامه التخلق والسير على مقتضى الأوامر الأخلاقية من كمال الإيمان، ولقد جاءت الأوامر الإلهية لتؤكد هذه المعاني وتجعل منها امراً شرعياً يتعلق به المؤمن ليثاب عليه في الآخرة إذا فعله بنية القربى إلى الله تعالى والأخلاق الإسلامية معيارية تهتم بالبحث فيما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان عكس الأخلاق الوضعية التي تهتم بالبحث فيما هو واقع من السلوك الإنساني فهي دائماً تحث الإنسان على التحلي بما هو أفضل من القيم والمبادئ. أما الأخلاق الوضعية فهي تهتم فقط بالبحث في العادات والتقاليد تهتم بما هو كائن فعلاً! أما الأخلاق الإسلامية والتي تستمد مثالياتها المعيارية من كونها إلهية المصدر غايتها الارتقاء بالفرد والمجتمع، وقد يضطر المرء إلى فعل المحظور بجوارحه وهنا ينبغي أن يكون مقروناً بكراهية القلب ونفوره من الفعل لأنه لا سلطان على القلوب إلا الله وثبات القلوب على كراهية المحظور شرعاً دليل على امتلاء القلب بمعاني الإيمان والخوف من الله وإن ارتكبت الجوارح الفعل المحظور اضطراراً.

إن إيجاد التوازن والتنسيق بين كل ميول الإنسان ورغباته تجد لها مكاناً بارزاً في الإسلام وقد وضع النظم والمبادئ التي يستطيع بها الإنسان تهذيب غرائزه وتنمية ملكاته وتنمية الجوانب الخيرة في طبيعته وترويض الشرير منها، وقد لفت الأستاذ الدكتور الجليند نظر القارئ إلى أهمية كتاب "دستور الأخلاق في القرآن الكريم" للعلامة محمد عبد الله دراز وبدورنا نشير أيضاً إلى كتاب (عيوب النفس ودواؤها) للدكتور الجليند.

هُويَة الفسلفة الإسلامية :

يؤكد الدكتور الجليند على أن حضارة الغرب وفلسفته تتأسس على فلسفتهم في المادة ومبادئها وتنبثق عنها لتعود إليها فهي مناقضة للعقيدة الإسلامية وفلسفة الإسلام لتعتمد في مرجعيتها على القرآن الكريم الذي ما زال وسيظل العمود الفقري للفكرة الإسلامية (فلسفة وحضارة وثقافة وعلوماً، فكراً واعتقاداً وسلوكاً) ومن هنا بدأت مناهجها الفلسفية المعاصرة ممزقة بين انتمائين متناقضين، انتماء غربي وانتماء إسلامي، أدى بجيل الشباب إلى الانحراف الفكري والعقدي والسلوكي وأفرز جماعات متطرفة اجتماعياً وفكرياً، وأخذت خصوصية المصطلح الإسلامي تذوب وتتلاشى في المصطلح الجديد الوافد.

إن أمتنا الإسلامية تعيش بؤرة الصراع العالمي فكراً وثقافة وحضارة وما لم تتشبث بخصوصياتها الحضارية فإن عوامل الفناء تتسارع لمحو هذه الخصوصية والقضاء عليها.

إن فلسفتها الإسلامية مؤسسة على منهج رباني يجعل للوجود معنى وللإنسان وظيفة فالوجود لم يخلق عبثاً لا غاية له ولا هدف منه بل له غاية مقصودة وهدف مطلوب وعالم الشهادة في فلسفتنا لم ينفصل في حكمته الوجودية عن عالم الغيب وليست المادة في الفلسفة الإسلامية مستقلة في وجودها عن قانونها الغيبي الحاكم لها والتحكم فيها كما هو الشأن في المذاهب المادية قديمها وحديثها. الوجود في فلسفتنا ليس مبتوت الصلة يخالفه وإنما هو آية دالة على خالقه وتحمل مفرداته دلائل صفاته. والوجود يحمل في قوانينه برهان العقل على فساد رأي القائلين بالصدفة، والإنسان في فلسفتنا ليس كائناً بيولوجياً يعيش ليأكل إنما هو كائن متسامِ جمعت بنيته الوجودية بين الجانب الترابي (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا) (نوح : 17) والجانب الروحي (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر : 29) وهو مكلف بمقتضى إيمانه أن يوفق بين هذين الجانبين (الترابي والروحي) في سلوكه البشري وتلك خصوصيته الإنسانية دون سائر الكائنات الأخرى وأخيراً إن النظر الفلسفي أمر إلهي.

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت : 20)

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (الدخان : 38 – 39)

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون : 115 – 116)

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ) (الطارق : 5)

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : 56)

(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (لقمان:11)

ويختم الدكتور الجليند كتابه الرائع بقوله : (.. وأصبح من الضرورة أن نتساءل حول كثير مما يلقى في قاعات الدرس الأكاديمي وما علاقته بالمسلم المعاصر وما هو دور الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام في النهوض بالواقع الذي نعيشه).

وأنا بدوري كواحد من تلامذة العالم العامل الأستاذ الدكتور / محمد السيد الجليند أسأل هل إلى سبيل من خروج من هذا الواقع البئيس!؟ اقول نعم . إن إجابة الدكتور / الجليند على سؤال الهوية هو المدخل الصحيح لتغيير واقعنا البئيس .