في طريق الإيمان : شاعرات معاصرات

يحيى بشير حاج يحيى

في طريق الإيمان :

شاعرات معاصرات

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

تأليف :  حسني أدهم جرّار 

يُصٓدّر المؤلف كتابه بمقدمة ، يقو ل فيها :  الأدب الأسلامي أدب إنساني يسمو بعواطف الإنسان ، ويُعبّر عنها بالكلمة الصادقةالبنّاءة التي تستند إلى قواعد متينة من التراث الأصيل ، وتتغذى بكنوز البيان العربي الوارد في القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ....  إنه أدب يحمل رسالة ، ويدافع عن مبدأ ، ويعبر عن آلام الشعوب !والأدب نتاج إنساني عامّ ؛ سواء كتبه رجل أم امرأة طالما يملك المقومات الفنية والأدوات المعبرة ! فالمبدعون رجالا ًونساءً يتفقون غالباً في النشأة والبيئة والمعطيات الثقافية والموروث والدراسة ... ولكن القيم والمضامين قد تبدو هنا بينهما مختلفة ، إذ ننجد أن النساء المبدعات يحرصن على التعبير عن قضاياهن بصورة لايجيد التعبير عنها غالباً سوى المرأة ؟

وقد اختار المؤلف في الكتاب الأول من هذه السلسلة خمس شاعرات من الأردن والجزيرة العربية ومصر والمغرب العربي ، هن : أمينة قطب - إنصاف بخاري - نبيلة الخطيب - أمينة المريني - جوهرة السفاريني 

 -- الشاعرة : أمينة قطب ، أديبة مصرية وهي شقيقة الكاتبين : سيد قطب ، ومحمد قطب ، وزوجة كمال السنانيري ، وقد خطبها وهو سجين محكوم بالأشغال الشاقة المؤبدة ،فرضيت به ! على أمل أن يخرج قبل انتهاء المدة ، ثم أفرج عنه عام ١٩٧٣، وتم الزواج الذي لم يدم سوى ( ٨) سنوات ، إذ اختطف وأعيد إلى السجن ليلقى الله شهيداً ، وادعى النظام أنه انتحر !؟؟ 

وقد فجّر هذا الحادث المواجع في نفس الشاعرة ، وماعانته قبل ذلك ،لتحمل قصائدها تجرية نفس مؤمنة ومعاناة قلب عبرت عن ذلك في ديوانها (  مع القافلة ) بالقول : في معركة من تلك المعارك فٓقٓدٓ هذا القلبُ الشقيق ٓ الراعي ، وبعض شباب الأسرة المقربين ، ثم كان نصيبي فيها مضاعفاً والحمد لله حين فقدت فيها أيضاً شريك الحياة ) تقو ل في ديوانها (رسائل إلى شهيد)

  كيف الحياةُ إذن ، وكيف أعيشها       في عالم خاوٍ وجِدّ حزين 

في القفر أحيا ، والحياة مريرة.         بعد الفراق ، وفي هجير شجوني 

هلّا دعوتٓ الله  لي كي  ألتقي         بركابكم. في جنة الرضوان  ! 

-- أمينة المريني شاعرة نشأت في المغرب العربي بمدينة فاس ، تعلق قلبها بالإسلام ، فأحبت كل مايمت إليه بصلة ، ويثبت عمق الانتماء إليه ! انبثق شعرها عن تصور إسلامي للكون والحياة والإنسان ، ليستو عب الحياة بكل مافيها ،ويتناول قضاياها ومشكلاتها وفق هذا التصور الصحيح !! 

شاركت في كثير من المهرجانات واللقاءات الثقافية ، وحازت على جملة جوائز ! ونشرت معظم إنتاجها في المجلات الإسلامية والأدبية المتخصصة ، واشتهرت باسم ؛ فتاة المحيط ، وبرز الحس الإسلامي في قصائدها عبر القضايا المتنوعة بالتركيز على مضامين كبرى توضح عمق التجربة الشعرية لديها ! وتنوع شعرها مابين ديني وإنساني واجتماعي ووطني وسياسي

لها ديوان بعنوان : ورود من زناتة ، وقصيدة مطولة في موضوع المرأة وديوان (عاشقة) في تمجيد الذات الإلهية

 ياربّ إني قد سألتك نصرة / للمخلصين ومن أطاعك مُسلما !

 فامحق مساعي مٓن أراد بأمتي / سوءاً وزده ذلة وهزائما 

 واملأ فؤادالعالمين هداية     / مادمتٓ في الكون العظيم الحاكما

-- إنصاف بخاري شاعرة نشأت في ربوع مكة المكرمة ، زاحمت الشعراء بالنصوص الشعرية الجيدة ذات التوجه المنضبط الذي يعالج هموم المسلمين ، ويدعو إلى الارتباط بالعقيدة والأخلاق الإسلامية ، ويحدد المسار  دون انزلاق أو تطرف أو تأثر بالتيارات الغربية الحديثة ! وهي متعددة النشاط ، لها مشاراكات بعدد من المؤسسات الأدبية والثقافية والتربوية والاجتماعية ، لم تتوقف عند غرض معين فكتبت قصائد في الرثاء ، وفي الالتزام بالعقيدة والأخلاق ، وفي حب الوطن وقضايا الأمة ! وشعرها يعكس سائر القضايا الاجتماعية التي يعيشها الأديب المسلم والمرأة المسلمة

، ويؤكد الأستاذ جرار بأن شعرها يحوي من القيم الفنية والخصائص الشعرية التي تشهد على روح أصالتها وتميز إبداعها ، ويبدو فيه شفافية العصر والتطور اللغوي المنسجم مع صور العصر الحديث

جاءت وفي العينين همس عاتب ٌ / وعلى شفاه الحرف شوق مضرمُ

وكعادة المفضال يسبقها الندى   / طيب وبشر والطلاقة تلكم 

البر أحسبه ضياء خصالكم.      /  فإذا نبا عنكم فذاك المأتم  

صدر لها عدد من الأعمال الأدبية والأكاديمية ، وديوانها شموخ البوح يضم مايزيد على ستين قصيدة ، يبلغ طول بعضها نحو تسعين بيتاً

-- جوهرة السفاريني شاعرة فلسطينية معاصرة ، ولدت في ظلال النكبة ، ورضعت من لبانها ، يحمل شعرها هموم القضية الفلسطينية ، وقد قصرته على تجسيد مأساة اللاجئين  

بدأنشاطها الفكري والأدبي في سن مبكرة ، ودخلت المجتمع من خلال الأمسيات الشعرية والمناسبات الوطنية  ، وقد جاء شعرها رقيقاً وفياً لوطنها الأول فلسطين ، وحوى ديوانها نداء الأرض ، ولينتفض الوضوء قصائد يشرق فيها فجرفلسطين الواعد ، وبشريات الانتفاضة المباركة

أطفالنا عظماؤنا أسيادنا /  أقوى من الأغلال والأطواق !

بدمائهم كتبوا بطولة شعبهم / لم يركعوا إلا إلى الخلّاق !

وصوّر شعرها هموم العرب والمسلمين والمناسبات الإسلامية ، كما صور بطولات الشهداء

فشاعرتنا - كما أشار المؤلف - صادقة العاطفة والشعور ، طُبع الكثير من شعرها بطابع خطابي ، وماكان منه من شعر التفعيلة أشد حرارة وأوفى إيحاءً ، واستعانت بالرمز لترجمة مشاعرها ! وبالإضافة لديوانيها المذكورين فقد صدر لها ديوان بعنوان : خيول لاتنام

-- نبيلة الخطيب شاعرة نشأت في ربوع فلسطين ، وعاشت أحداث بلادها ،فسجلتها وأرّخت لها ! اتسم شعرها بالأصالة الفنية والروح الإسلامية الوطنية ، وهي متعددة النشاط ، لها ارتباط في عدد من المؤسسات الأدبية والثقافية ، وقد حازت على الجائزة الأولى في الشعر في مسابقة رابطة الكتاب الآردنيين لعام ١٩٩٥ عن قصيدة : عندما يبكي الأصيل !  وقد كتبت في جميع أغراض الشعر المعروفة ماعدا المديح والهجاء ، ويبرز فيه الوصف والطبيعة الجلابة كما في ديوانها : صبا الباذان

وكذلك يبرز في شعرها الملمح الإنساني ، وهي تمتلك نفساً طويلاً في كتابة المطولات المشحونة بالجديد  ، ولها قدرة على تزويد صورها الشعرية بلغة جديدة ، وقصائدها تطفح بالحكمة والقول الرفيع

لاتسأل الناس إن أعطوك مافتئوا / منّاً عليك وإن صدوك ما ستروا ؟

إن هم أساؤوا فحقٌ أن تسامحهم / دون اعتذار وإن أذنبت ماغفروا !، 

تغدو حديثاً لهم إن كنت ذا خطإ  /  وإن أصبت فما اهتموا وما ذكروا !؟ 

وفي طريق الإيمان شعراء كثيرون ، وشاعرات ! يحدون لركب الإيمان ، وينفحون مشاعر القراء بقوافي الأمل ،    فلا الركب يتوقف وإن آبطأ، ولا شعراء الكلمة الطيبة وشعراؤها تكبو قوافيهم ، وهم من الذين استثناهم القرآن في خاتمة سورة الشعراء : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ماظُلموا !!