التربية في الإسلام النظرية والمنهج

د.عدنان رضا النحوي

التربية في الإسلام

النظرية والمنهج

تأليف: د.عدنان رضا النحوي

طغى على الفكر في هذه المرحلة الراهنة ما ينشره الغرب العلماني من نظريات في مختلف الميادين . أما في ميادين العلم التطبيقي فقد تقدّم تقدّماً كبيراً ، وعرف سنناً كثيرة من سنن الله . إلا أنهم لا يقرون بأنها سنن الله في الكون . وكذلك فإنه يُسخّرون ما بلغوه من علم في هذه الميادين في عدوان بعد عدوان ، ونهب بعد نهب ، وفتنة بعد فتنة ، وفساد في الأرض كبير ، يدفعهم إلى ذلك أهواؤهم ومصالحهم الدنيوية المادية ، بعد أن عزلوا فكرهم وسلوكهم عن الدار الآخرة ، عن الإيمان والتوحيد ، إلا بمقدار ما يمكن أن يرفعوا من شعارات تخدّر الناس وتغذّي تجارتهم بالشعوب والثروات .

المسلمون يملكون كنزاً غنياً لا يفنى ! يملكون منهاج الله ، ومن منهاج الله نستطيع أن نصوغ نظريّات إيمانية في ميادين العلوم الإنسانية بالذات ، كالتربية وعلم النفس والأدب والاجتماع وغير ذلك ، أو نعيد صياغة بعض ما وصل إليه الغرب من " حقائق جزئية " ، لنضعه في صالح الإنسان ، وحماية الحق والخير والإيمان والتوحيد ، وصد الفتنة والشرّ والكفر والشرك ،وتلبية حاجات الواقع المتجددة ، الحاجات الطاهرة الطيبة .

ومن أهم الميادين التي يجب أن يخوضها المؤمنون بنظريات إيمانية تقابل نظريات الغرب وانحرافها ، ميدان التربية . وكذلك ميدان الأدب والنقد الملتزمين بالإسلام ، وغيرهما من أبواب هذه العلوم ، ليكون هذا صورة من صور ممارسة منهاج الله في الواقع البشري ممارسة إيمانية صادقة واعية ، وصورة من صور الوفاء بالأمانة التي حملها الإنسان ، على طريق البناء الجيل المؤمن التقيّ ، وبناء الأمة المسلمة الواحدة .

والتربية في الإسلام ليست شعارات ترفع ونظريات فحسب ، ولكنها نهج وتخطيط ، وبذل ومعاناة وعطاء ، وإشراف ومراقبة وإدارة ، وتدريب وتعهد وبناء . إنها صورة كريمة من صور الجهاد الممتد في سبيل الله ، يقوم به المربون والدعاة والعلماء ، وكذلك التلامذة الذين ينهضون لذلك بحوافز إيمانية ومبادرة ذاتية . إنها مسؤولية الطرفين المعلم والمتعلم ، ومسؤولية الأمة كلها .

يقدم هذا الكتاب والذي يقع في(432) صفحة : نظرية التربية في الإسلام والمنهج . يأتي الباب الأول بموضوعات تمهيدية للنظرية مثل : العلم البشري بين الفرضية والنظرية والقانون ، والمعرفة بين الثقافة والعلم ، الواقع وأهميته بناء النظرية والمنهج ، وكذلك نظرية المعرفة بين التصور الإيماني والتصور العلماني.

ثم يأتي الباب الثاني بموجز لمسيرة التربية ومسيرة علم النفس التربوي ، ثم تقويم هذه المسيرة .

ثم يأتي الباب الثالث الذي يبدأ بتقديم نظريّة التربية في الإسلام ، فيقدّم أولاً التعريف ، ثم الأسس التي تقوم عليها النظرية ، ثم موجزاً لمصادر المعرفة والقوى العاملة والمؤثرة في عملية التربية ، ثم يأتي بعد ذلك موضوعات رئيسة تتعلّق بالنظرية العامة للدعوة الإسلامية ، المسؤولية بين الوسع الصادق والوسع الكاذب ، وميزان المؤمن .

ثم يأتي بعد ذلك أهم خصائص نظرية التربية في الإسلام ، وأهم أهدافها ، ومراحلها ، وأهم وسائلها وأساليبها ، وذلك في الباب الرابع . ويمكن اعتبار هذه الموضوعات كلها تمثل القسم الأول من الكتاب ، القسم الذي يغطّي النظرية .

ويأتي القسم الثاني ليغطّي المنهج في المراحل المختلفة للنظرية : في مراحل الطفولة أو مراحل التأسيس ، وفي مراحل البناء والتكوين .

وهذا الكتاب لا يمثّل وحده نظرية التربية في الإسلام بكل تفصيلاتها والمنهج بكل تفصيلاته وأجزائه ، فهنالك كتب أخرى تشرح أو تتناول بعض الأجزاء من هذه النظرية ، وتعتبر متممة لهذا الكتاب . والكتب والدراسات التي نقدّمها تمثّل منهجاً واحداً يحمل النظرية العامة ، والنهج وتفصيلاته ، والمنهاج التطبيقية والنماذج العمليّة .

وموضوعات التربية واسعة نامية متجددة مع الواقع المتجدد . ومن أكثر ما يتجدد ، الوسائل التربوية وأساليبها . ولكن النمو والتطور والتجديد يظلّ مرتبطاً بالنظرية الثابتة . فلا يستطيع هذا الكتاب أن يوفي بذلك كله ، ولا الكتب الأخرى، وستظلّ الدراسات والأبحاث في واقع ميدان التربية ماضية ما دامت الأمة حيّة تطلق طاقات أبنائها ومواهبهم ، على صراط مستقيم .