عرض لكتاب (ثمانون، رحلة الأيام والأعوام)

للمؤرخ الأردني سليمان الموسى الصادر عن وزارة الثقافة

في شهر آب عام 2008 وذلك ضمن سلسلة "كتاب الشهر"

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

انه كتاب قيّم يستحق أن يقرأ للمؤرخ الأردني الكبير سليمان الموسى الذي غيبة الموت في منتصف هذا العام ، وهو عبارة عن سيرة ذاتية ، ولكنها سيرة –ومن وجهه نظري المتواضعة- تختلف عما قرأت من سير لأنها كتبت بقلم كاتب حصيف عملت فيه التجارب وعركته الأيام فجعلت منه –وبعد ثمانين عام- كاتبا فذا يسيل قلمه بمداد عجيب وبكلمات تأسر الألباب وبجمل تدفع القارئ إلى المتابعة لمعرفة ماذا  بعد..... ،انه كتاب قّيم بكل معنى الكلمة لأنه ليس سيرة ذاتية فحسب بل انه تأريخ لحقبة زمنية عريضة امتلأت بالأحداث التي تستحق أن تدون ،ففيه تدوين لأحداث سياسية هامة ووصف دقيق لمظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية في منطقة شرق الأردن تحديدا ومنطقة بلاد الشام عموما  لها من الأهمية ما يستوجب أن تؤرخ  وتدون .

يقدم لنا الكاتب والمؤرخ والروائي والأديب من خلال حديثة الشجي عن سيرة حياته يقدم وصفا دقيقا لواقع الحياة الاجتماعية في الريف الأردني عموما وفي ريف شمال الأردن خصوصا في فترة الثلاثينات وما بعد من القرن الماضي حيث المجتمع البدائي الأمي المعتمد على الزراعة بالدرجة الأولى والتي بالكاد تنتج ما يكفي لسد المؤونه ،ويقدم لنا وصفا دقيقا لحالة المعاناة والمكابدة والشقاء التي كان يعيشها الفلاح في ظل ظروف صعبة ،ولكنه يبين لنا كم كانت الحياة جميلة لأنها تحمل معاني النبل والصدق والوفاء والتعاون والمحبة والألفة بين الناس ،فالكل يعرف بعض ويتكافل ويتعاون مع بعض رغم ضيق ذات اليد ... .

ويستمر المؤرخ يكتب سيرته الذاتية مقدما من خلالها وصفا دقيقا للحياة الاقتصادية في حقب مختلفة ابتدأت من العشرينات من القرن العشرين حيث كان يسود نظام المقايضة كأسلوب تجاري بين الناس وكان القلة القليلة من الناس هي التي تملك الأموال كالمجيديه –هي الليرات الذهبية العثمانية- ثم الجنية الفلسطيني الذي كان العملة المتداولة في شرق الأردن في فترة ما .... ولكن يوضح لنا الكاتب الذي عايش الواقع بأم عينة -ومن خلال أمثلة عديدة -كيف كانت النقود ورغم قلتها بين أيدي الناس تحمل قوة شرائية كبيرة .... .

إن السرد الجميل الذي يقدمه سليمان الموسى في سيرته الذاتية إنما هو قصة بطولية كفاحية تصلح أن تكون عبرة وعزاء للمكافحين الذين يعيشون ظروفا صعبة في هذه الحياة ولكنهم يتفوقون رغم ضيق ذات اليد ، فقد كافح المؤلف وتعلم وتثقف وهاجر من بلدة من اجل العمل والعلم معا فنال ما تمنى رغم الصعوبة في ذلك ،فقد كان يحرم نفسه من متع الحياة من اجل اقتناء كتاب يتثقف فيه ويحصل من بين صفحاته على ما يزيده قوة ثقافية وعلمية.... حقا انه يقدم مثلا لكل المكافحين من اجل أن يتعلموا ويمسحوا عن عيونهم غشاوة الجهل وظلام اليأس والإحباط ... .

ينتقل سليمان الموسى في حديثة عن حياته ليصل الى وصف مراحل سياسية عاشتها البلاد في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ويسرد لنا حوادث كثيرة مريرة مر بها كالاعتقال والسجن وغيرة مشخصا من خلال ذلك كله الظروف والأوضاع السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة العربية بعد حرب 48 وضياع فلسطين .

إن ما جاء في هذا الكتاب يستحق القراءة لأنه فعلا رحلة طويلة من الأيام والأعوام حملت بين ثناياها سرداً جميلاً دقيقاً حاذقاً رائعاً لظروف الحياة بكافة تفاصيلها وأجزائها .