قراءة في كتاب الحرب الخاسرة

محمد هيثم عياش

[email protected]

برلين/‏01‏/08‏/2008/ يرى خبير الشئون الاسلامية والسياسية الفرنسي اوليفر روي في كتابه / الحرب الخاسرة – رفض للحرب  ضد الثقافات الدولية /  الذي عرض ترجمته الى اللغة الالمانية مساء يوم أمس في برلين ،  ان العالم الاسلامي ومعه الغرب يعيشان حاليا على منعطف طرق جديد ، فالحرب التي قادها حلف شمال الاطلسي / الناتو / ضد الطالبان وتنظيم القاعدة في افغانستان وبالتالي إعلانه الحرب ضد منظمات الارهاب الدولية كان هذا الاعلان بمثابة اعلان حرب ضد العالم الاسلامي، صحيح ان القاعدة قامت بعمليات مزعزعة للأمن في بعض بلاد العالم مثل عمليات 11 أيلول/ سبتمبر من عام 2001 وتفجيرات اسبانيا وبريطانيا الا أن أكثر ضحايا هذه العمليات كانوا من المسلمين فتركيا والسعودية والمغرب واندونيسيا وغيرها التي كانت مسرحا لإرهاب القاعدة او المتعاطفين معها كان المسلمين هم أكثر ضحايا هذه العمليات حتى في مركز التجارة الدولي بنيويورك فقد كان عدد القتلى المسلمين يفوق عدد القتلى من المسيحيين وغيرهم ،  أما مقاومة الطالبان في افغانستان ضد الفرق العسكرية الاجنبية فهو من الناحية السياسية يعتبر عملا شرعيا وليس ارهابيا  اذ ان الطالبان ترى بأن بلادها محتلة ويجب تحريرها كما أن الوجود الغربي في افغانستان انما هو لاستباحة الاسلام في افغانستان وغيرها من الدول المحيطة بها . فالرئيس الامريكي جورج بوش الذي أعلن محاربته الارهاب والتطرف الاسلامي بجيوش جرارة اول طلائعها بافغانستان وأخرها من واشنطن أراد خلال سطوته السياسية وكسب عاطفة العالم على امريكا خلال الاسبايع الاولى التي تلت عمليات 11 أيلول/ سبتمبر أراد خلال هذه العاطفة والغضب أن يحمل راية الحرب ضد الاسلام وثقافته تأييدا للمفكر الامريكي صموئيل هونينيغتون الذي أعلن بأن عمليات 11 أيلول/ سبتمبر بداية الحرب العسكرية ضد الثقافة الاسلامية فبوش طالب اثناء ارسال جيوشه الى افغانستان وبعيد الاطاحة بتنظيم الطالبان زعماء العالم الاسلامي بتطبيق الديموقراطية والحريات العامة في بلادهم مهددهم بالويل والثبور والتدخل بقوة في بلادهم اذا ما يقوموا بتلبية مطالبه سياسة القوة هذه والعمليات الارهابية التي وقعت في امريكا والحرب ضد الارهاب والمطالبة بتحقيق الديموقراطية والحرية جعلت من بوش كسبه تأييد للحركات التبشيرية وللمنظمات التي ترى الى ضرورة محاربة الاسلام والحيلولة دون زحفه الى العالم فبوش اصبح بنظر هذه المنظمات مثل الامير ايجون الذي استطاع وقف زحف العثمانيين على اوروبا اثناء حصارهم لفيينا عام 1529 عهد السلطان العثماني سليمان القانوني  وكارل مارتل الذي اوقف زحف المسلمين الى فرنسا والمانيا أثناء حرب بواتييه في عام 710 ميلادية مقدسا مثلهما ، الا أن تطورات الاوضاع السياسية التي نجمت عن احتلال العراق وارتفاع حدة المفاومة ضد الامريكيين وحلفائهم وارتفاع شعور العالم الاسلامي بتهديد لكيانهم استطاع تغيير موازين القوى وبالتالي حذف بوش المطالبة باحلال الديموقراطية في العالم الاسلامي لأن مطالبه وتحذيراته لم  تلقى آذانا صاغية من حلفاء امريكا في الغرب ومساعي زعماء العالم الاسلامي الحيلولة دون وقوع أي صدام مسلح بين الغرب المسيحي والشرق الاسلامي  الأمر الذي أدى الى هزيمة موجعة للحرب ضد الثقافات والارهاب  وبالتالي فان من اسباب عدم تحقيق اي انتصار لامريكا في العالم الاسلامي يعود الى أن زعماء ذلك العالم موالون للغرب ولامريكا .

الا أن روي جزم من خلال كتابه  بأنه بالرغم من الحرب الخاسرة ضد الارهاب والثقافات الا ان السياسة الامريكية ومعها سياسة حلف شمال الاطلسي / الناتو/ الاستراتيجية استطاعت تحقيق انتصارات سياسية تكمن بالايقاع بين المسلمين مع بعضهم البعض وخاصة في منطقة الشرق الاوسط فالنزاع على القوة وبسط  السيطرة على العالم الاسلامي  بين أهل السنة والجماعة مع الشيعة وبالتالي الخلاف الفلسطيني الفلسطيني وتأييد واشنطن المطلق للحكومة العراقية وحراستها لهذه الحكومة بفرقها  المنتشرة في ذلك البلد  اضافة الى النزاع في لبنان وبسط حزب الله بتعاونه مع فئات مسيحية مثل الجنرال ميشيل عون ومحاولة اسناد دور لسوريا كشرطي في المنطقة  يعتبر اكبر انتصار للسياسة  الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية  كما استطاعت السياسة الاستراتيجية الدولية حصر الحرب ضد الارهاب في منطقة الشرق الاوسط بعينها اذا لم يعد الحديث في السياسة الدولية عن محاربة الارهاب الدولي بل محاربة الارهاب في منطقة الشرق الاوسط فقط مؤكدا أن جميع الاقاويل التي تؤكد بأن الغرب مهدد من الاسلام تلاشت وان العالم الاسلامي لم يعد بمقدرته شن حرب ضد الغرب  المسيحي  منذ أكثر من مائتين عام كما ان الغرب وبالرغم من قوته لن يستطيع تحقيق اي انتصار ضد العالم الاسلامي فالاسلام دين حيوي غير جامد مثل المسيحية واليهودية وهو بتجديد دائم مرتبط باصحاب الفكر الاسلامي الناضج على حد رأيه في كتابه الذي يقع بحوالي 280 صفحة.