أقوالنا وأفعالنا، لمحمد كردي علي

يُعدُّ هذا الكتاب من الكتب الجديرة بدراسة آراء محمد كرد علي ، فقد أودع فيه خلاصة آرائه في عالم الاجتماع والسياسة والتاريخ على شكل مقالات عبّر فيها عما تجيش به نفسه ، وهو يقول في مقدمته :

" كلما علت بي السن يتعاظمني ما أرى من سر عض المشهورين وعلانيتهم ، وما يتجلى من قلة الصدق في أكثر الطبقات ، وما يُمنى به بنوها من غرور ، ورأيت معظم من كانوا بحسب العرف أمناء الشرع هم أول الجانين عليه ، ومن كانوا يتناغون بالفضائل هم في مقدمة من يعفّها ، ورأيت المتزهدين يأكلون بصلاتهم وصيامهم .

وعاصرت طوائف من الخلق تستحل ما أخذ في سر وجلب مغنماً .

وشهدت بعض من أطلق عليهم ، أو أطلقوا هم على أنفسهم اسم " أرباب الشخصيات البارزة " أو " طبقة الخواص " لصوصاً في مظهر حمل وديع ، لا يتعففون عن بيع المروءة في أقل عرض تافه " .

لقد أمضى الأستاذ الرئيس مقالاته كلها معنوناً إياها " القول في تمدننا " ، " القول في صحافتنا " .. إلخ ، وقد عالج من الموضوعات :

القول في تمدننا ، ووطنيتنا ، وعاداتنا ، ونظامنا ، وعاميتنا ، واتكالنا ، وأميتنا ، وتبدل أوضاعنا ، وماضينا القريب ، ودور انتقالنا ، وانحطاطنا ، ونهضتنا الأخيرة ، وتهافت طباعنا ، وثوراتنا ، وصحافتنا ، والكذابين والمنافقين ، والمستهزئين ، والهمازين اللمازين ، الخياليين وأصحاب الشذوذ ، وثروتنا ، وتاريخنا ، وسياسيتنا ، والفرق ، والإعلان والشهرة ، وإرشاد العامة ، وبعض الأجانب ، والمبشرين ، والغربي والشرقي ، وخلافة الإسلام ، والجامعة الإسلامية ، والوحدة العربية ، وأخلاق العظماء ، وحقوق المرأة ، والنساء المظلومات ، وتآليفنا ، ومطبوعاتنا ، والجمع بين ثقافتين ، وعنون مقدمته " القول في أقوالنا وأفعالنا " ووضع للكتاب خاتمة تمثل رأيه في الإصلاح الإداري منها أن يجري انتقاء العمال للعمل دون نظر إلى أحزابهم ، ويمنع كل موظف من العمل في الأحزاب والجمعيات السرية ، وألا يغتر بشهادات طلاب التوظف ، وينظر أولاً في سيرتهم ، وفي ماضي بيوتهم ، ذلك أن توظيف الصالحين في كل بلد ـ كما يقول كرد علي ـ يقلل من عدد المزوّرين والمحتالين .

وفي بحثه " القول في تآليفنا " (1) :

الكتب مقصورٌ تأليفها عندنا على فئة صغيرة جداً ، ويقوم رواجها على أناس مخصوصين ، والمؤلف لا يعيش من تأليفه ، ولا يرتفق بقلمه ، وجمهور الأمة بمعزل عما يكتب . وليس لنا مؤلفون ألفوا أحرارا ، وكتبوا أحرارا ، نريد متفننين يعيشون من فنهم وريشتهم ، وأرباب عقول ينعمون بفضل عقولهم .

نريد كتبا حيةً تصبر على حرارة النقد ، ومؤلفين أجلاداً لا يوفقهم شيء عن نقد الكتب نقداً صحيحاً ، ينفع العلم والمتعلمين من الفئة التي لا تصانع الطابعين ، ولا تخاف صغار المؤلفين ، ونريد صحفاً تجهز بالحقائق تقررها ، والمحاسن تنشرها ، والمطابع لا تسترها .

ثم يقول (2) : " نريد كتباً تكون فتنة لقارئها ، لا يتركها إلا وقد استوفاها من الدقة إلى الدقة ، ثم يكررها ، ويعيد النظر فيها . كتباً للحياة الحاضرة ، تحفزنا للعمل ، فيها من علم الحال لا من علم الخيال . كتباً تخلّقنا بأجمل أخلاق العصر ، لا كتباً تذكرنا بالماضي فقط ، من الطراز الذي نفتحه باحترام ، ونطبقه باحترام ، ونحفظه في خزائننا باحترام " .

وسوم: العدد 623