ليلة القدر، مفاهيم منسية.. ورؤى عصرية

عبد السلام البسيوني

الإهداء إلى من يؤمنون بالغيب ويحبون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

إلى من يستشرفون رحمة الله تعالى ويطمعون في فضله

إلى من يفتشون عن الحق، ويسعون في تجليته

وإلى من يدخر لأخيه دعوة بظهر الغيب

أهدي هذه الورقات

عبد السلام البسيوني

من كتاب الله تبارك وتعالى

"حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)".

"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ".

من سنة الحبيب (صلى الله عليه وسلم)

تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (البخاري).

من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله تعالى عنها وأرضاها – أنها قالت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟

قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُّ عني (الترمذي).

مقدمة

وما أدراك ما ليلة القدر؟

جملة مشحونة بالحب الإلهي، يعجب الله الودود المنان تبارك وتعالى بها حبيبه صلى الله عليه وسلم ببشائر وذخائر ومآثر ليلة القدر، وفضلها على الزمان كله وكأنه سبحانه يستلفت أنظار عباده الصالحين أن يحتفلوا بها، ويحيوها سجداً ركعاً، دعاة خشعاً، تالين راجين، وألا يجعلوها – كغيرها من الزمان – ليلة منام وأحلام، بل يفعلوا فعل الحازم الجاد، الذي يؤثر الآجلة على العاجلة، ففي مسلم عن أم المؤمنين عائشة الصديقة (رضي الله عنها): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر – أحيا الليل وأيقظ أهله، وجد، وشدّ المئزر".

هذا هو الاحتفال النبوي بالليلة، التي تعدل الزمان كله – لا ألف شهر كما قال بعض المفسرين – وهذا هو قيامها، لا على طريقة الذين يحيونها بالأناشيد والتصفيق والتمايل، والاستغاثات، أو اللهو، والسدور خلف الرغبات أو حتى بالنوم والغفلة.

وقد فكرت أن أدقق في فقه وأحكام هذه الليلة المباركة، فوجدت للسلف مفاهيم وإشراقات غفلنا عنها، كما وجدت في عصرنا أحكام ونوازل قدرية، تحتاج من الفقهاء أن يتدبروها، أطرحها هنا لإثارة الأذهان حولها، ومناقشتها، والسعي للإجابة عنها، رجاء مزيد من التشقيق، والتوسعة والإفادة من قارئي القرآن الكريم.

وأسأله تبارك وتعالى في هذه الليالي العشر المباركة ألا يحرمني وإياك والأمة بركاتها ورحماتها وفيوضها، وخير تنزل الملائكة والروح فيها، اللهم آمين، وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.

صدق الله العظيم

السورة بالأرقام:

السورة مدنية كما رجح الإمام القرطبي ونسبه إلى أكثر العلماء، وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة، وقال الإمام ابن كثير أنها مكية.

* ترتيب السورة بالمصحف: السابعة والتسعون.

* عدد آياتها: خمس.

* عدد كلماتها: ثلاثون.

* عدد حروفها: مائة واثنا عشر حرفاً.

سر ترتيبها:

كان الكلام قبل نزول الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سورة العلق التي جاء مطلعها عن بدء نزول القرآن الكريم، وإطلاق شرارة الإسلام والتوحيد في عالم جاهل، جاهلي وثني:

(إقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* إقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم).

ثم جاءت سورة القدر بعد ذلك لتحديد وقت هذه القراءة (إنا أنزلناه في ليلةٍ مباركة) (إنا إنزلناه في ليلة القدر) لئلا يظن أن الحديث عن شيء آخر منزل غير القرآن، كما ذهب بعض المفسرين، إغراباً وبعداً عن المعنى الأصلي!

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في الأضواء: وقد يقال: ذكر سورة القدر قبلها مُشعرة به في قوله تعالى: (إقرأ باسم ربك)، ثم جاءت: (إنا أنزلناه)، أي القرآن المقروء.

وقال في التحرير والتنوير: ومن تسديد ترتيب المصحف أن وضعت سورة القدر عقب سورة العلق – مع أنها أقل عدد آيات من سورة البينة وسورة بعدها – كأنه إيحاء إلى أن الضمير في أنزلناه يعود إلى القرآن الذي ابتدئ نزوله بسورة العلق.

المحاور الرئيسية للسورة

تقوم السورة على محاور أربعة أو خمسة رئيسية أوجزها في ما يلي:

أولاً: محور الإنزال:

أكد علام الغيوب سبحانه – بإن واسمية الجملة، ونسبتها إلى ذاته العلية مرتين بالضمير – أنه أنزل المشار إليه في سورة العلق، وما وضح بعد مطلع سورة الدخان، وفي السن المشرفة أنه كلامه الذي أحكمت آياته، ثم فصلت في هذه الليلة المباركة.

ثم أمرنا سبحانه بالاحتفال السنوي بنزوله، لا على طريقة المبتدعة المنحرفين عن هديه صلى الله عليه وسلم، بل على طريقة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، فهو أسوتنا ومحجتنا البيضاء، قائمين راكعين، ساجدين مستغفرين، داعين مبتهلين دامعين، راجين أن يغفر لنا ويتوب علينا:

(من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له...)

ولأن هذه الليلة شهدت أحداثاً جساماً تحتاج إلى تذكر وانتباه دائمين:

ففيها عاد جبريل الأمين، روح القدس إلى الأرض بالوحي، بعد انقطاع دام أكثر من خمسة قرون، تاه فيها البشر، وزاغوا عن صراط الله المستقيم، وشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله، بل عبدوا الحجر والبشر، والهوى والهوام، والحشرات والأجرام، وما لا يرد بالبال من معبودات سخيفة، لا يقبل تعظيمها عقل عاقل، فضلاً عن مهتدٍ مؤمن بالله!

قال في التحرير والتنوير: وفي هذا أصل بإقامة المواكب لإحياء ذكرى أيام مجد الإسلام وفضله، وأن من كان له عمل في أصل تلك الذكرى ينبغي ألا يخلو عنه موكب البهجة في تذكارها، ولعله يقصد بالمواكب العناية الشرعية لا البدعية، كما أسلفت.

وفيها تنزلت بركات خاصة لم تعرف مثلها البشرية، وإنها لمباركة حق! تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية، والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي في حياة البشر، والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمة يسيرة تستجيب لها الفطرة وتلبيها في هوادة، وتقيم على أساسها عالم إنساني مستقر على قواعد الفطرة واستجاباتها، متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه طاهراً نظيفاً كريماً بلا تعمّل ولا تكلّف، يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين.

ولقد عاش أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عجيبة في كنف السماء، موصولين مباشرةً بالله، يطلعهم أولاً بأول على ما في نفوسهم، ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه عليهم، ويحتسبون هم حساب هذه الرقابة، وحساب هذه الرعاية، في كل حركة وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم، ويلجؤون إليه أول ما يلجؤون واثقين أنه قريبٌ مجيب.

ومضى ذلك الجيل وبقي بعده القرآن كتاباً مفتوحاً موصولاً بالقلب البشري، يصنع به حين يفتح له ما لا يصنعه السحر، ويحول مشاعره بصورة تحسب أحياناً في الأساطير.

وفيها بدأ نزول القرآن منجماً، بعد نزوله جملة، على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كتاباً محفوظاً يتلى إلى يوم القيامة، كما روى سيدي ابن عباس (رضي الله عنهما)، وسيأتي.

وفيها اصطفي محمد (صلى الله عليه وسلم) نبياً ورسولاً خاتماً، يفتح الله تعالى به القلوب الغلف، والأعين العمي، والآذان الصم.

وفيها بدأ تنزل الملائكة – مع الروح الأمين – بالبشائر والخيرات للمؤمنين.

وفيها (يفرق كل أمر حكيم) قال الأستاذ سيد قطب عليه رحمات الله ورضوانه:

"وقد فرق فيها بهذا القرآن في كل أمر، وفصل فيها كل شأن، وتميز الحق الخالد والباطل الزاهق، ووضعت الحدود وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين، فلم يبق هناك أصلٌ من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح ولا مرسوم في دنيا الناس، كما هو واضح ومرسوم في الناموس الكلي القديم، وكان ذلك كله بإرادة الله وأمره، ومشيئته في إرسال الرسائل للفصل والتبيين.

 وفيها اعتبر الزمان ذا قيمة، وصارت المساحة الضئيلة منه معتبرة (والليل/ والفجر/ والضحى/ أو هم قائلون/ والعصر/ حين تمسون وحين تصبحون...)، ولتغلب منه الليلة الدهور والقرون والآماد.

وفيها اصطفي العرب أمة الأقربين للنذارة، والعربية لسان الوحي ووعاء التنزيل!

وفيها اكتمل الدين، وصار الكتاب للبشرية كلها، بعد أن كانت الأديان محلية لأقوام مخصوصين، وصار العالم (قرية دعوية واحدة) والبشر في مستوى واحد، ليس فيهم أمة مختارة، وأمة مبعدة، لا فضل لعربي على عجمي، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى.

فهل في الزمن ليلة يمكن أن تنازعها الشرف، أو تجاذبها الفضل؟

ولا يخفي أن الإنزال دليل على علو العلي الأعلى علو المكان والمكانة، وعلو القدرة، وعلو القهر والتمكن..

وفي الآية الأولى من السورة نص على أن القرآن لم ينزل في غير ليلة القدر، في تنزيليه: التنزيل الكلي من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وبداية التنزيل المنجم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غار حراء، في هذه الليلة على التحديد، وليس في العشرين الأولى من الشهر الكريم، ولا في الليالي الشفع الأخرى من العشر الأواخر.

قال في التحرير والتنوير: ومعنى (بإذن ربهم) أن هذا التنزيل كرامة أكرم الله بها المسلمين؛ بأن أنزل لهم في تلك الليلة جماعات من ملائكته – وفيهم أشرفهم – وكان نزول جبريل في تلك الليلة ليعود عليها من الفضل مثل الذي حصل في مماثلتها الأولى؛ ليلة نزوله بالوحي في غار حراء.

وأخرج الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن مالك بن مرثد بن عبد الله، حدثني مرثد قال: سألت أبا ذر قلت: كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟

قال: أنا كنت أسأل الناس عنها – أي أكثرهم سؤالاً – قلت: يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي أم في غيره؟

قال صلى الله عليه وسلم: "بل هي في رمضان".

قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبضوا رفعت؛ أم هي إلى يوم القيامة؟

قال صلى الله عليه وسلم: "بل هي إلى يوم القيامة".

قلت: في أي رمضان هي؟

قال صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأول، والعشر الأواخر".

ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث، ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي؟

قال صلى الله عليه وسلم: "ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها".

ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله، أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي؟

فغضب علي صلى الله عليه وسلم غضباً لم يغضب مثله منذ صحبته، وقال:\

"التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها".

والحديث فيه ضعف، وإن جاءت أحاديث صحيحة كثيرة تؤكد معنى أجزائه، غير قوله في (العشر الأول) والله أعلم.

ثانياً: محور القدر:

القدر في اللغة هو القضاء والحكم، وهو قياس الشيء وتقديره، ومنه قول أمنا عائشة رضوان الله عليها: فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، المستهيئة للنظر، أي: قدروا وقايسوا، وانظروه، وفكروا فيه. قال في اللسان:

والقدر القضاء، والحكم وهو ما يقدره الله عز وجل من القضاء، ويحكم به من الأمور، قال الله عز وجل: إنا أنزلناه في ليلة القدر؛ أي: الحكم، كما قال الله تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم؛ وأنشد الأخفش لهدبة بن خشرم:

وقدر كل شيء ومقداره: مبلغه؛ ومنه قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره)؛ أي: ما عظموا الله حق تعظيمه..

والقدر: المنزلة والمكانة..

والقدر: كالقدَر، وجمعهما جميعاً أقدار..

والقدْر: التضييق، ومنه قوله تعالى: (ومن قُدر عليه رزقه)؛ أي: ضُيق عليه، وكذلك قوله تعالى: (وأما إذا ما ابتلاه فقَدر عليه رزقه..) فضيق عليه، ومنه قوله تعالى: (فظن أن لن نقدر عليه) أي نضيق، وقد ضيق الله على يونس عليه السلام أشد تضييق ضيقه على معذب في الدنيا، لأنه سجنه في بطن حوت فصار مكظوماً!

قال في التحرير والتنوير: وإظهار لفظ (ليلة القدر) في مقام الإضمار للاهتمام، وقد تكرر هذه اللفظ ثلاث مرات.

والمراث الثلاث ينتهي عندها التكرير غالباً، كقوله تعالى: (وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب، لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب).

قال القرطبي: قوله تعالى: (في ليلة القدر) قال مجاهد: في ليلة الحكم، والمعنى ليلة التقدير؛ سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره.

ولهذه المعاني العربية كلها دلالات مهمة في تفسير معنى القدر، وفيها لطائف منسية:

أولاً: قيمة المنزَل من المنزِل، وقيمة التقدير من المقدر، والله تعالى هنا هو المنزل، وهو الذي أعطى القدر لهذه الليلة العظيمة، فلا تنازعها ليلة أخرها قدرها، ما يكون وما ينبغي!

ثانياً: قدر العبادة بقدر ثوابها، وقد روى البخاري عن سيدي أبي هريرة رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

ثالثاً: قدر الاعتبار هنا غير قابل للمنافسة: خير من ألف شهر – على ظاهر اللفظ – أو من الزمان كله الذي ليس فيه ليلة القدر، على المعنى اللغوي الآخر!

لطيفة لغوية:

قال القرطبي: قال الفراء: كل ما في القرآن من قوله تعالى: (وما أدراك) فقد أدراه. وما كان من قوله: (وما يدريك) فلم يدره!

وقد وردت: (وما يدريك) ثلاث مرات في المصحف الشريف، في قوله تعالى: (وما يدريك؛ لعل الساعة تكون قريباً) الأحزاب: 63، وفي قوله تعالى: (لعل الساعة قريب) الشورى: 17، وقوله تعالى: (وما يدريك، لعله يزكى) عبس: 3.

أقوال المفسرين في سبب التسمية

للمفسرين أقوال في تسمية هذه الليلة العظيمة بليلة القدر، توافق اللغة والوحي، وتفاجئنا أحياناً ومنها:

1- قال الإمام القرطبي: إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر؛ أي شرف ومنزلة. قال الزهري وغيره.

2- وقال أبو بكر الوراق: سميت بذلك، لأن من لم يكن له قدر ولا خطر، يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها، وقبل الله منه، فأكرمه، ورفع قدره.

3- وقال الخليل: لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة، كقوله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه) أي ضيق.

4- وقيل: سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً، وثواباً جزيلاً.

5- وقيل: سميت بذلك لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر، على رسول ذي قدر، على أمة ذات قدر.

6- وقيل: لأنه ينزل فيها ملائكة ذوو قدر وخطر.

7- وقيل: لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.

8- وقال سهل: سميت بذلك لأن الله تعالى قدر فيها الرحمة على المؤمنين.

وأقول – وأستغفر ربي سبحانه – إنها سميت بذلك، لأن العليم الخبير تبارك وتعالى سماها ليلة القدر، فهو اسمها الإلهي، وعلتها الكبرى..

ثالثاً: محور خيريتها، واختلاف قيمتها، وزيادة العمر بها:

لا تقدر قيمة ليلة القدر بالوقت من المغرب للفجر كسائر الليالي، بل هي مختلفة في عظمهاغ وحجمها وبركتها:

فمن المعاني العجيبة في قيمتها ما قاله الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:

.... عَنى بألف شهر: جميع الدهر؛ لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء، كما قال تعالى: (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) يعني جميع الدهر. أي يود لو عاش للأبد فلم يمت!

وقال في التحرير والتنوير: وعدد الألف يظهر أنه مستعمل في وفرة التكثير كقوله: (واحدٌ كألف) وعليه جاء قوله تعالى: (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) وإنما جعل تمييز عدد الكثرة هنا بالشهر، للرعي على الفاصلة، التي هي بحرف الراء.

والمعنى الثاني: أنها تعني الأفضلية على ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وهذا قول أبي العالية رحمه الله، وجمهرة العلماء.

قال سيدي الإمام مالك في الموطأ: إنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته – ألا يبلغوا من العمل مثلما بلغ غيرهم في طول العمر – فأعطاه الله ليلة القدر، خيراً من ألف شهر. أ.ه.

وخيريتها هنا بحسب ما يقع فيها من الخير والثواب والبركة:

قال القرطبي: (ليلة القدر خير من ألف شهر) بين فضلها وعظمها.

وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل.

وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر والله وأعلم.

ومعنى هذا أننا يمكن أننا يمكننا أن نضاعف أعمارنا بعمل مئات السنين، فمن يدرك ليلة القدر عشر مرات، فكأنما عاش ثلاثاً وثلاثين وثمان مئة عام، ومن أدركها عشرين مرة فكأنما عاش ستاً وستين وست مئة وألف من الأعوام، وهكذا..  

وتخيل أخي أن أموت أو تموت في متوسط أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كتب الله تعالى في كتاب حسناتك أعمال ألف سنة أو أكثر..

أليس معنى هذا أننا نكافأ كما لو عشنا أطول من أعمار أطول الناس أعماراً من الغابرين؟

رابعاً: محور السلام في ليلة القدر:

السلام هو كف الأذى عن الناس وحسن معايشتهم.. قال في لسان العرب:

السلام والسلامة: البراءة وقال ابن الأعرابي: السلامة العافية وقوله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون، قالوا: سلاماً) معناه تسلماً وبراءة، لا خير بيننا وبينكم ولا شر!

قال ابن عرفة: أي قالوا قولاً يتسلمون فيه، ليس فيه تعدٍ ولا مأثم، وكانت العرب في الجاهلية يحيون بأن يقول أحدهم لصاحبه: أنعم صباحاً، وأبيت اللعن، ويقولون: سلام عليكم، فكأنه علامة المسالمة، وأنه لا حرب هنالك، ثم جاء الله بالإسلام فقصروا على السلام، وأمروا بإفشائه.

وقوله عز وجل: (سلام هي حتى مطلع الفجر) أي لا داء فيها، ولا يستطيع الشيطان أن يصنع فيها شيئاً.

والسلام والتحية معناهما واحد، ومعناهما السلامة من جميع الآفات، ولم يرد في القرآن غالباً إلا منكراً، كقوله تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم) والسلام في الأصل: السلامة، ومنه قيل للجنة: دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات.

وروى يحيى ابن جابر أن أبا بكر رضي الله عنهم قال: السلام أمان الله  في الأرض.

قال الزجاج: سميت دار السلام؛ لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع ولا تفنى، وهي دار السلامة من الموت والهرم والأسقام!

ويطلق السلام على التحية والمدحة، وفسر السلام بالخير، والمعنيان حاصلان في هذه الآية، فالسلامة تشمل كل خير، لأن الخير سلامة من الشر ومن الأذى، فيشمل السلام: العافية، والغفران، وإجزال الثواب، واستجابة الدعاء بخير الدنيا والآخرة.

والسلام بمعنى التحية والقول الحسن، مراد به ثناء الملائكة على أهل ليلة القدر كدأبهم مع أهل الجنة، فيما حكاه قوله تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم – بما صبرتم – فنعم عقبى الدار).

قال مجاهد: هي ليلة سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا أذى. وروي مرفوعاً.

وقال الشعبي: هو تسليم الملائكة على أهل المساجد، من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، يمرون على كل مؤمن، ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن.

وقيل: يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض فيها.

والحاصل هنا أن تنزل الملائكة ليلة القدر لتنفيذ أمر الخير للمسلمين الذين صاموا رمضان وقاموا ليلة القدر، فهذه بشارة.

وهل في ذلك إشارة أن المسلم الذي يحييها لن يصيبه ضر، ولا أذى، ولا مرض، ولا عناء، ولا وباء، ولا بلاء، إلا الموت؟

وأن الله تعالى يعطيه الأمان في هذه الليلة من كل ما يضره؛ لأنها ليلة سلام؟!

أم فيها أمر من الله تعالى – في صيغة الخبر – بأن يكون المسلمون فيها مسالمين، فيكفوا أيديهم وألسنتهم عن الخلائق، لا يلحقهم منهم أذى!

أم فيها إشارة إلا أن الإسلام من أول نزوله جاء بالسلام على العالمين، خصوصاً وأن جذره اللغوي (س. ل.م) مشترك مع السلامة والمسالمة، وهو من أسماء الرحمن الرحيم سبحانه، عكس الأديان الأخرى المنسوبة لأنبيائها ومصلحيها؟

خامساً: علامتها:

لا يزال أكثر من يتكلمون عن علامات ليلة القدر يتحدثون عن العلامات المادية الطبيعية التي كانت زمن النبي صلى الله عليه وسلم: الضوء، الحرارة والماء والطين، وما شابه، مركزين على ما ورد من نصوص، تصف الحالة أيام ئذٍ، كما في البخاري عن سيدي أبي سعيد رضي الله عنه: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، قال: فخرجنا صبيحة عشرين قال: فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين فقال: (إني أُريت ليلة القدر، وإني نسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في وتر، فإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، ومن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع). فرجع الناس إلى المسجد، وما نرى في السماء قزعة، قال: فجاءت سحابة فمطرت، وأقيمت الصلاة، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطين والماء، حتى رأيت الطين في أرنبته وجبهته.

وكما ورد في حديث سيدي أبي رضي الله عنه في مسلم مرفوعاً: (أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها).

وكما ورد في الصحيحة عن سيدي عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها).

والسؤال الآن: ما شأن الطقس المختلف عن طقس المدينة آنذاك، في البلاد المطيرة دائماً، والبلاد الحارة دائماً، والبلاد طويلة الليل جداً، وطويلة النهار جداً، من التي لا تظهر فيها العلامات التي ذكرها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهل غياب العلامات المادية المذكورة دليل عدوم وقوع الليلة في هذه البلاد؟

هذا أمر غير معقول، والذي أظنه – والله تعالى وأعلم – أن علامات الليلة شخصية قلبية وسلوكية، أكثر منها علامات مادية، بحلولها:

* تحل على الإنسان طمأنينة القلب، وانشراح الصدر..

* ويذوق لذة الطاعة، فيجد في تلك الليلة أكثر مما يجده في بقية الليالي..

* كما يجد في عبادته من حب العبادة ما لم يجده من قبل..

* وقد يُري الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم..

* كما يحسن بعد رمضان سلوك العبد، ويصير إلى الله تبارك وتعالى أقرب، وبالطاعة أطوع، ويحبب إليه القرآن والقيام والذكر والصلاة، والعبادات التي كان يقوم بها في رمضان وليلة القدر..

ليلة القدر في ظلال القرآن

لا يفوتني هنا أن أسجل كلام (السيد) رحمه الله وتجليات السورة في نفسه، قال عليه رحمات الله:

والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري: (وما أدراك ما ليلة القدر؟) وذلك بدون حاجة إلى التعلق بالأساطير التي شاعت حول هذه الليلة في أوهام العامة.

فهي ليلة عظيمة، باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن. وإضافة هذا النور على الوجود كله، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري، والحياة الإنسانية، وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور وشريعة، وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير.

وتنزيل الملائكة وجبريل عليه السلام خاصة، بإذن ربهم، ومعهم هذا القرآن، باعتبار جنسه الذي نزل في هذه الليلة، وانتشارهم فيما بين السماء والأرض في هذا المهرجان الكوني، الذي تصورهم كلمات السورة تصويراً عجيباً!

وحين ننظر اليوم من وراء الأجيال المتطاولة إلى تلك الليلة المجيدة السعيدة، ونتصور ذلك المهرجان العجيب الذي شهدته الأرض في هذه الليلة، ونتدبر حقيقة الأمر الذي تم فيها، ونتملى آثاره المتطاولة في مراحل الزمان، وفي واقع الأرض، وفي تصورات القلوب والعقول، فإننا نرى أمراً عظيماً حقاً، وندرك طرفاً من مغزى هذه الإشارة القرآنية إلى تلك الليلة: (وما أدراك ما ليلة القدر)؟

لقد فرق فيها من كل أمر حكيم، وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين، وقد قررت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد: أقدار أمم ودول وشعوب. بل أكثر وأعظم.. أقدار حقائق وأوضاع وقلوب!

ولقد تغفل البشرية – لجهالتها ونكد طالعها – عن قدر ليلة القدر، وعن حقيقة ذلك الحدث، وعظمة هذا الأمر. وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي، سلام الضمير، وسلام البيت، وسلام المجتمع الذي وهبها إياه الإسلام، ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة. فهي شقية، شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش!

لقد انطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى. وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب. فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى عليين.

ونحن المؤمنين مأمورون ألا ننسى ولا نغفل هذه الذكرى، وقد جعل لنا نبينا صلى الله عليه وسلم سبيلاً هيناً ليناً لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل موصولة بها أبداً، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها، وذلك فيما حثنا عليه من قيام هذه الليلة من كل عام، ومن تحريها والتطلع إليها في الليالي العشر الأواخر من رمضان..

وفي الصحيحين كذلك: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

والإسلام ليس شكليات ظاهرية. ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام في هذه الليلة أن يكون "إيماناً واحتساباً" وذلك ليكونه هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة "إيماناً" وليكون تجرداً لله وخلوصاً "احتساباً" ومن ثم تنبض في القلب حقيقة معينة بهذا القيام. ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن.

والمنهج الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها، وتثبيتها في صورة حية تتخلل المشاعر، ولا تقف عند حدود التفكير.

وقد ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك. وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون مساندة العبادة، وعن غير طريقها، لا يقر هذه الحقائق، ولا يحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة.

جزء من الأحاديث الصحيحة عن ليلة القدر

هذه جملة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحريت صحتها أقدم من خلالها صورة شاملة لليلة القدر كما وردت في السنة المعظمة، من زوايا مختلفة، سائلاً الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجبر تقصيري ونقصي:

انتظار النبي صلى الله عليه وسلم إياها واحتفاؤه بها:

في البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان). والمجاورة الاعتكاف في المسجد..

وفي مسلم عن سيدي أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له.. الحديث.

علة إخفائها عن المسلمين:

في صحيح الجامع عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر.

وفي صحيح الجامع عن سيدي أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه يرفعه: يا أيها الناس إنها كانت أُبينت لي ليلة القدر، وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان، فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"..

وفي مسلم عن سيدي أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلم انقضين أمر بالبناء فقوض، ثم أُبينت له أنها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأُعيد، ثم خرج على الناس فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس! إنها كانت أُبينت ليلة القدر، وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان، فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة.

قلت (أبو نضرة الراوي): يا أبا سعيد! إنكم أعلم بالعدد منا.

قال: أجل. نحن أحق بذلك منكم.

قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟

قال: إذا مضت واحدة وعشرين فالتي تليها اثنتين وعشرين وهي التاسعة.. فإذا مضت ثلاثة وعشرون فالتي تليها السابعة.. فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة.

علامتها الحسية

في الصحيحين (واللفظ لمسلم) عن سيدي أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن سيدي أبي سلمة رضي الله تعالى عنه، قال: تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه – وكان لي صديقاً – فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة.

فقلت له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟

فقال: نعم. اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسطى من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

أُريت ليلة القدر وإني نسيتها (أو أنسيتها) فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر.

وإني أُريت أني أسجد في ماء وطين فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع.

قال: فرجعنا وما نرى في السماء قزعة، قال: وجاءت سحابة فمطرنا، حتى سال سقف المسجد – وكان من جريد النخل – وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته.

وفي رواية بهذا الإسناد نحوه. وفي حديثهما: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف وعلى جبهته وأرنبته أثر الطين.

وفي مسلم عن سيدي عبد الله بن أنيس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه قال: (أريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين)!

قال: فمطرنا ليلة ثلاثٍ وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه!

وفي مسلم عن سيدي أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر. فقال أُبي:

والله الذي لا إله إلا هو! إنها لفي رمضان (يحلف ما يستثني) ووالله إني لأعلم أي ليلة هي: هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وهي ليلة صبيحة سبع وعشرين. وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.

وفي صحيح الجامع عن سيدي وائلة بن الأسقع، وعبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: (ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها).

وفي صحيح سنن ابن خزيمة، عن سيدي جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: (إني كنت أُريت ليلة القدر، ثم نسيتها وهي في العشر الأواخر من ليلتها، وهي ليلة طلقة بلجة لا حارة ولا باردة).

وفي الجامع الصغير، بسند صحيح عن سيدي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يرفعه: (ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء).

متى يتحراها المسلم؟

في البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

وفي الصحيحين عن سيدي ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر، في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحريها فليتحرها في السبع الأواخر).

وفي صحيح مسلم عن سيدي ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: (التمسوها في العشر الأواخر (يعني ليلة القدر) فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقي).

وفي مسلم عن سيدي أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (... التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).

قلت: يا أبا سعيد! إنكم أعلم بالعدد منا. قال: أجل. نحن أحق بذلك منكم. قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟

قال: إذا مضت واحدة وعشرين فالتي تليها اثنتين وعشرين وهي التاسعة.. فإذا مضت ثلاثة وعشرون فالتي تليها السابعة.. فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة.

وفي الترمذي عن سيدي أبي بكرى نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه: ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر، فإني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: (التمسوها في تسع بقين، أو في سبع بقين، أو في خمس بقين، أو في ثلاث أواخر ليلة).

ترجيح كونها السابعة والعشرين:

في مسلم عن سيدي أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه سئل: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر.

فقال: رحمه الله! أراد ألا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين. ثم حلف لا يستثنى. إنها ليلة سبع وعشرين.

فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟

قال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها.

وفي الصحيح المسند للوادعي أن سيدنا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا نبي الله إني شيخٌ كبير يشق عليّ القيام، فأمرني بليلة، لعل الله يوفقني فيها، ليلة القدر؟ قال: (عليك بالسابعة).

نزل القرآن نزولين في ليلة القدر:

في عمدة التفسير بسند صححه شاكر عن سيدي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سأله عطية بن الأسود، فقال: وقع في قلبي الشك: قول الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيها القرآن)، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلةٍ مباركة)، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقد أُنزل في شوال وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم، وصفر، وشهر ربيع؟

فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنه أنزل في رمضان، في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام.

تنزل الملائكة والروح فيها:

في الجامع الصغير بسند صحيح عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (ليلة القدر ليلة سابعة، أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى)!

الدعاء المأثور فيها:

في الترمذي عن أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت:

قلت: يا رسول الله: أرأيت إن علم أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟

قال صلى الله عليه وسلم: (قولي اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو، فاعف عني).

الاعتكاف في العشر الأواخر تحرياً لها:

في البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

الإيمان والاحتساب بابا المغفرة

في البخاري عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

في صحيح سنن النسائي عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (من صام رمضان – وفي لفظ: من قام شهر رمضان – إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه).

الكرامة حتى بعد ليلة القدر:

في كشف اللثام للسفاريني الحنبلي عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً بسند ضعفه بعضهم: (أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان، لم تعطه أمةٌ قبلهم:

خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

وتستغفر له الملائكة حتى يفطر.

ويزين الله كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والآذى، ويصيروا إليك..

وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره.

ويغفر لهم في آخر ليلة.

قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟

قال صلى الله عليه وسلم: (لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله).

الرباط في سبيل الله خير من ليلة القدر:

في صحيح الترغيب عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود).

و في صحيح الترغيب عن سيدي ابن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف، لعله ألا يرجع إلى أهله)!

قيمة العِشاء جماعة:

في الجامع الصغير بسند حسن عن سيدي أبي أُمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (من صلى العشاء  في جماعة، فقد أخذ بحظه من ليلة القدر).

فضائلها:

لليلة القدر جملة فضائل ليست لغيرها من الليالي، خصها الله تعالى بها، وهو يصطفي من يشاء، وما يشاء، كما يشاء:

* فهي ليلة مباركة كثيرة الخير وتنزٌّل الرحمات، قال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة).

* وهي التي يفرق الله تعالى كل أمر خير نافع حكيم: (فيها يُفرقُ كل أمر حكيم).

* وهي التي فيها أنزل القرآن الكريم (إنا أنزلناه في ليلة القدر).

* وهي التي تعدل ألف شهر في أقل تقدير، ثواباً وعبادةً وبركة (ليلة القدر خير من ألف شهر).

* وهي التي تشهد نزول الملائكة لشهود الخير ومباركة المؤمنين (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم).

* وهي ليلة السلام المطلق للأرواح والعتق من النيران، من أولها وآخرها (سلام هي حتى مطلع الفجر).

* وهي التي يغفر الله تعالى فيها الذنوب الماضية كلها: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

* وهي التي شهدت انبثاق الوحي وإشعاع النور الإسلامي على البشرية بعد انقطاع طويل.

* وفي اصطفي محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً خاتماً، يفتح الله تعالى به القلوب الغلف، والأعين العمي، والآذان الصم..

* وفيها بدأ تنزل الملائكة – مع الروح الأمين – بالبشائر والخيرات للمؤمنين..

* وفيها اعتبر الزمان ذا قيمة، وصارت المساحة الضئيلة منه معتبرة (والليل/ والفجر/ والضحى/ أو هم قائلون/ والعصر/ حين تمسون وحين تصبحون..) ولتغلب منه الليلة الدهور والقرون.

* وفيها اصطفي العرب أمة الأقربين للنذارة، والعربية لسان الوحي، ووعاء التنزيل.

* وفيها اكتمل الدين، وصار الكتاب للبشرية كلها، بعد أن كانت الأديان محلية لأقوام مخصوصين، وصار العالم (قرية دعوية واحدة) والبشر في مستوى واحد، ليس فيهم أمة مختارة، وأمة مبعدة، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى!

ومناقبها جمة تجد مزيداً منها في جزء أحاديث ليلة القدر الذي جمعته، في نهاية هذه الرسالة، سائلاً الله تعالى القبول.

ماذا علينا فيها:

ماذا على المسلم في ليلة القدر – بعيداً عن البدع، وعن التقاليد المتوارثة غير المعقولة – سؤال لا بد من الإجابة عنه، أجاب عنه سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:

* تحريها واستشرافها، فقد قال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

* قيام ليلها في العبادة والطاعة، خصوصاً الصلاة الطويلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (... ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه).

* صدق الإيمان، وابتغاء وجه الله تعالى فيها، بعيداً عن البدعة، وعن الرياء والسمعة، للحديث الذي مر.

* الدعاء بالأدعية المأثورة، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها فيما رواه قالت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال صلى الله عليه وسلم: (قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).

* بذل السلام للعالم وكف الأذى. فقد قال الله تعالى: (سلامٌ هي حتى مطلع الفجر) فهي سلام من الله تعالى للمسلمين، وسلام من المسلمين بعضهم وبعض.

أسئلة عن ليلة القدر:

1- هل يمكن أن تكون هناك ليالي قدر؟

هناك حقائق كونية، وسنن إلهية لا يمكن إنكارها، ومنها:

* يختلف الليل والنهار في الكرة الأرضية باختلاف خطوط الطول والعرض، فحيث يكون النهار في بلد يكون الليل في بلد آخر من الكرة الأرضية..

وليس المعيار الوحيد هو الجزيرة العربية، فالليل في مكة نهار في أمريكا.. والعكس.. فكيف تحل ليلة القدر في منطقة ليلية، ويحرم منها أهل المنطقة النهارية؟!

* كثيراً ما تختلف الدول في أول تحديد رمضان، فمن البلاد ما يكون أول رمضانها الجمعة مثلاً، وفي  بلاد أخرى يكون أوله السبت، فالأيام الفردية هنا ستكون زوجية هناك، فكيف تحل ليلة القدر، وكيف تحسب؟!

* هناك بلاد نهارها شهور، وليلها شهور، فكيف تقدر فيها ليلة القدر، أم هل ستحرم من هذا الخير؟

فإذا سلمنا بالقضايا السابقة فمعناها:

* أن ليلة القدر قد تحل في منطقة ولا تحل في أخرى..

* ومعناها أن الليلة وتر في بلد، زوجية في بلد..

* ومعناها تقدير جزء من اليوم آحاداً أو شفعاً، ما يؤثر في تقدير العشر الأواخر..

فهل يعطي الله تعالى أقواماً ويحرم آخرين؟

هل يحل فضل الله ورحمته بمسلمين دون مسلمين؟!

أظن ذلك بعيداً جداً من فضل الله تبارك وتعالى، ووده، ورحمانيته!

وهذا يجعلني أقول مباشرة:

إذن لم لا تكون هناك ليالي قدر؟

لم لا تكون هناك أكثر من ليلة؟ ليلة في مصر، وأخرى في اليابان، أو في أمريكا؟

بل لم لا تقع ليلة القدر لآحاد من الناس ولا تقع لغيرهم، وهم في مسجد واحد، في مكان واحد، ويكون التفاوت بحسب طهر القلب، وصدق النية، والقرب من الكريم، والندم والتوبة، والرغبة في الانخلاع من الدنيا؟

أرجو أن أجد تأييداً أو تصويباً، ونفعني الله برأيكم القويم.

2- هل هي إسلامية محمدية فقط؟

هل ليلة القدر خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقط؟ أم كانت فيمن قبلنا؟

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:

اختلف العلماء: هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة، أو هي من خصائص هذه الأمة؟ على قولين:

قال أبو مصعب أحمد ابن أبي بكر الزهدي: حدثنا مالك: أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله – أو: ما شاء من ذلك – فكأنه تقاصر أعمار أمته – ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر – فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.

وهذا الذي قاله مالك رحمه الله يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب "العدة" أحد أئمة الشافعية، عن جمهور العلماء، فالله أعلم.

وحكى الإمام الخطابي عليه الإجماع، ونقله الرافعي جازماً به عن المذهب.

الرأي الثاني، قال الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى، في شرحه لكتاب الصيام باب الاعتكاف:

والآخرون يقولون: بل هي موجودة في الأمم قبلنا، لما جاء في حديث أبي هريرة: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل ليلة القدر كانت تكون في الأمم مع الأنبياء، فإذا مات النبي رفعت، أو هي باقية وخاصة بهذه الأمة؟

فقال صلى الله عليه وسلم: بل كانت مع الأنبياء في الأمم الماضية.

قلت: والحديث في التمهيد لابن عبد البر عن سيدي أبي ذر رضي الله عنه، وفي صحيح ابن خزيمة بأسانيد ضعيفة.

وسواء كانت في الأمم الأوائل، أم كانت جديدة في هذه الأمة فنحن يهمنا الاجتهاد فيها. والله أعلى أعلم.

أصحاب الأعذار كيف يدركون ليلة القدر؟

ماذا على المريض الذي لا يصلي في المسجد؟

أو الذي كان في طريقه للمسجد فحبسه حابس؟

أو العاجز عن صلاة القيام لسبب أكبر من أن يتجنبه، كطبيب في مستشفى، أو حارس أمن، أو طيار مثلاً؟

أو الأم التي انشغلت بابن لها أو زوج مريض؟

هل يحرم هؤلاء من فضل شهود الليلة، ونيل ثواب الطاعة فيها؟

أعتقد – والله تعالى أعلم – أن ربي عز وجل أكرم من أن يحرم أولئكم!

وقد رحم الله تعالى رجلاً مقصراً عاصياً جلس مع صالحين، وهو ليس منهم، كما ورد في الصحيحين عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً:

(إن الله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله عز وجل – وهو أعلم بهم -: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك!

قال تبارك وتعالى: وماذا يسألوني؟

قالوا: يسألونك جنتك!

قال تبارك وتعالى: وهل رأوا جنتي؟

قالوا: لا أي رب!

قال تبارك وتعالى: فكيف لو رأوا جنتي؟

قالوا: ويستجيرونك!

قال تبارك وتعالى: ومم يستجيرونني؟

قالوا: من نارك يارب!

قال تبارك وتعالى: وهل رأوا ناري؟

قالوا: لا!

قال تبارك وتعالى: فكيف لو رأوا ناري؟!

قالوا: ويستغفرونك!

قال تبارك وتعالى: قد غفرت لهم: فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا!

فيقولون: رب فيهم فلان، عبد خطاء، إنما مرَّ فجلس معهم!

فيقول تبارك وتعالى: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)!

والله تبارك وتعالى رب مطلع على السرائر، يكافئ عليها سبحانه، ويكرم ويزيد، إن علم الصدق في نية العبد، يقول سبحانه: (إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم) الأنفال: 70.

وقد عذر الله تعالى الذين تخلفوا عن غزوة العسرة لعجزهم عن توفير الزاد والراحلة لرحلتهم، فقال الله تعالى في سورة التوبة: 91 – 92: (ليس على الضعفاء، ولا على المرضى، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج، إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل، والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعنهم تفيض من الدمع، حزناً ألا يجدوا ما ينفقون)!

وصح في الأحاديث أن من الصحابة من أراد فعل شيء، فعجز عنه، فأعطاه الله ثوابه دون أن يفعله:

ففي البخاري عن سيدي أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه مرفوعاً، قال: لما رجعنا من غزوة تبوك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم!

قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة مقيمون؟

قال صلى الله عليه وسلم: (نعم، قد حبسهم العذر)!

وهذا سيدي عبد الله بن ثابت رضي الله تعالى عنه كان قد تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات، قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت قد قضيت جهازك!

فقال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته) رواه أحمد وغيره، بسند صحيح.

والأدلة في ذلك كثيرة لا تحتملها هذه الورقات.

هل يدرك بركتها المكلفون فقط؟

ترى، هل لو اجتهد صبي غير مكلف في ليلة القدر، هل ينال ثواب من عمل ألف شهر – على أقل التقديرات – أم إنه لا يثاب لكونه غير مكلف؟

وأجيب: فما معنى كرم الله، وجود الله، وود الله، ورحمانية الله تبارك وتعالى؟

ولماذا لا يثيبه وهو سبحانه الغفور الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد؟!

ففي مسلم عن سيدي ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن سيدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه لقي ركباً بالروحاء، فقال: (من القوم)؟

قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟

قال: (رسول الله)!

فرفعت إليه امرأة صبياً، فقالت: ألهذا حج؟

قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه: (نعم ولك أجر)!

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد، صحيح، يثاب عليه، وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعاً، وهذا الحديث صريح فيه!

وقال في الحاوي في تفسير القرآن الكريم:

هل يؤمر الطفل بفعل الفرائض والطاعات؟

استدل بعض الفقهاء من قوله تعالى: (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) على أن من لم يبلغ – وقد عقل – يؤمر بفعل الشرائع، وينهى عن ارتكاب القبائح – وإن لم يكن من أهل التكليف – على وجه التعليم، فإن الله أمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات، وقال عليه السلام: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع).

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نعلم الصبي إذا عرف يمينه من شماله.

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا بلغ الصبي عشر سنين كتبت له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات حتى يحتلم.

قال أبو بكر الرازي: إنما يؤمر بذلك على وجه التعليم والتأدب، ليعتاده، ويتمرن عليه، فيكون أسهل عليه بعد البلوغ، وأقل نفوراً منه. وكذلك يجنب شرب الخمر، ولحم الخنزير، وينهى عن سائر المحظورات، لأنه لو لم يمنع في الصغر، لصعب عليه الامتناع في الكبر، وقد قال الله تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) التحريم: 6 قيل في التفسير أي أدبوهم وعلموهم.

قال في مواهب الجليل شرح مختصر خليل:

تقدم في التنبيه الثاني – عن ابن عبد البر في التمهيد – الأمر بالحجج بالصبيان، والأمر باستحسانه، واستحبابه، وأن جمهور العلماء على ذلك.

وقال فيه أيضاً: غير مستنكر أن يكتب للصبي درجة وحسنة في الآخرة، بصلاته وزكاته وحجه، وسائر أعمال البر التي يعملها، ويؤديها على سنتها، تفضلاً من الله تعالى، كما تفضل على الميت بأن يؤجر بصدقة الحي عنه، ألا ترى أنهم أجمعوا على أمر الصبي بالصلاة إذا عقلها؟ وصلى صلى الله عليه وسلم بأنس واليتيم، وأكثر السلف على إيجاب الزكاة في أموال اليتامى! ويستحيل ألا يؤجر على ذلك وكذلك وصاياهم..

وللذي يقوم بذلك عنهم أجر – لعمري – كما للذي يحجهم أجر، فضلاً من الله ونعمة، وقد روي عن عمر أنه قال: يكتب للصغير حسناته، ولا تكتب عليه سيئاته، ولا علمت له مخالفاً ممن يجب اتباع قوله انتهى.

وفي الإكمال قال كثير من العلماء: إن الصبي يثاب على طاعة، وتكتب له حسناته – كان مميزاً أو غير مميز – ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، ويدل له ما قدمناه في باب الفضائل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جهاد الكبير والصغير: الحج والعمرة، وحديث المرأة التي رفعت صبياً، انتهى.

وبناء على ما مر فإن الصبي لو اجتهد وقام، واحتسب، فإن الله الكريم الجواد لن يحرمه أجره، ولن يضيع إيمانه، بل إنه سيرزقه حسن الثواب، وحسن الإسلام، وحسن الإخبات لله رب العالمين، فاللهم اهد أبناءنا، وأقم معوجهم، وأصلح قلوبهم، واجعلهم من الصحالين يارب العالمين.

هل يدرك المتوفى قبل ليلة القدر فضلها إن نوى قبل موته قيامها؟

لا شك أن نية المؤمن معتبرة، وعليها تكون ثمرة الأعمال: كما جاء في الصحيحين مرفوعاً، عن سيدي عمر رضي الله تعالى عنه: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)!

حتى وإن منع المؤمن من العمل مانع، فإن نيته تنيله من الثواب مثل ما نوى، ففي الترمذي بسند حسن صحيح، عن سيدي أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الدنيا لأربعة نفر:

عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل!

وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء!

وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم: لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم الله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل!

وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء)!

وفي البخاري وغيره عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً: (يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم).

وفي مسلم وغيره عن سيدي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)!

لذا فإن المرء المسلم إذا كان قد نوى وعزم على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فلم يمهله الأجل، وقبضه ربه تبارك وتعالى إليه، فإنه يكتب له ما كان قد نواه، ولا يحرمه أجره حسن قصده..

لذا فإن من العقل والكيس أن يبادر الإنسان في كل عمل صالح بنية صادقة قبل العمل، خصوصاً ذلك الذي يحتاج وقتاً وجهداً ومجاهدة، كالصيام والحج وطلب العلم، فإنه إن أصاب بغيته أجر، وإن عجز – لمرض أو موت – أثيب، فلا ينبغي أن يعجز عاقل أو يغفل عن النية.. رزقنا الله تعالى وإياكم صدقها وخلوصها، وحسن الاتباع والنقياد، اللهم آمين..

العبادات المتعدية

لاحظنا أن ليلة القدر ليلة تشكل إضافة طويلة على عمر الإنسان، وربما يتضاعف بها عشرات المرات، سواء عددناها خيراً من الزمان كله، أو خيراً من ثلاث وثمانين سنة، ولعل من المناسب هنا أن أذكر بالعبادات المضاعفات المباركات، حيث تساوي إحداها أضعاف غيرها من حيث الكمية، أو من حيث النوعية!

فمن الذكر ما يضعف على غيره أضعافاً مضاعفة، كما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عند أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها بكرة، حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال صلى الله عليه وسلم: وما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم!

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)! فانظر إلى الكم والزمن والأثر بين هذه الكلمات وبين الذكر العادي المنثور.

وروى النسائي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم مر بأبي أمامة رضي الله عنه وهو يحرك شفتيه فقال: (ماذا تقول يا أبا أمامة)؟ قال: أذكر ربي!

قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بأفضل، أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار، والنهار مع الليل؟ أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد لله، مثل ذلك)!

ومما يدوم أثره على الزمان والأثر والنوع: صلة الرحم، فقد روى الشيخان مرفوعاً: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه)!

ومما له ثواب عظيم لا يفطن له كثير من الناس، الاستعداد للجمعة: إذ روى أصحاب السنن مرفوعاً: (من غسل يوم الجمعة، ثم بكر وابتكر، ومشى لم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة: أجر صيامها وقيامها)!

وفي الترمذي بسند صححه الألباني مرفوعاً: (من صلى الغداة – صلاة الفجر – في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة)!

ومما له ثواب عظيم كذلك الأذان احتساباً: فقد روى الإمامان أحمد والنسائي وغيرهما مرفوعاً: (المؤذن يغفر له مدى صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله أجر من صلى معه)!

وكذا ركعتا الضحى، فقد روى مسلم عن فضلهما، مرفوعاً: (يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)!

وفي الصيام روى مسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)!

وفي القرآن آية عظيمة الثواب والفضل، فقد روى الطبراني وغيره، بإسناد صححه الألباني رحمه الله مرفوعاً: (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن)!

وفي الفضل الجزيل لبعض الأعمال روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى وغيره، مرفوعاً: (أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطاً في سبيل الله، ورجل علم علماً فأجره يجري عليه ما عمل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرت عليه، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له)!

لذا من تمام الكيس والبركة أن يوفق العبد لأحمال قليلة ذوات عائد إيماني وأخروى كبير.. فتفطن!

من بدع الناس في ليلة القدر:

لبعض الناس جملة بدع في العبادة، يتقربون بها إلى الله زلفى، وليست من المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته، ولا تابعيه ولا عن أئمة الأمة المرضيين..

ولن أشير هنا إلى بدع الماضين، بل البدع التي تقع بين أهل زماننا فهي التي تحتاج منا تنبيهاً، ولفتاً للناس إلى السنة المشرفة، ومن هذه البدع:

* اجتماع بعض الناس للإنشاد والتصفيق والتواجد تحت مسمى (الحضرة) وترك القرآن، والصلاة، والدعاء، والانكسار لله تبارك وتعالى، وهذا فاشٍ في بلاد إسلامية كثيرة.

* الاحتفالات الرسمية المظاهرية التي يحضرها الرؤوساء والشخصيات الرسمية، ويؤتي فيها بقارئي القرآن، وربما جرى ما يسمى بالإنشاد، وتوزيع الجوائز، وتكريم بعض الموالين للأحزاب، وألقيت الكلمات الرسمية التي يحتفل فيها بالزعماء بجانب ليلة القدر!

* تخصيص ليلة سبع وعشرين وحدها بالعمرة والتزاحم فيها، كأنها الليلة الأكيدة، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره سورة القدر:

(أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر، حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة، فإنه في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس، وكثروا)!

وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بعمرة في فعله، ولم يخصصها بعمرة في قوله، فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان؛ مع أنه صلى الله عليه وسلم في عام الفتح ليلة سبع وعشرين من رمضان كان في مكة ولم يعتمر، ولم يقل للأمة تحروا ليلة سبع وعشرين بالعمرة، وإما أمر أن نتحرى ليلة سبع وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة).

ولعل من المناسب هنا أن أطرح أيضاً بعض الإشكاليات التي تحدث في رمضان خصوصاً في العشر الأواخر، وهل من السنة أم لا:

* الدعاء الطويل الذي قد يمتد لساعة:

هل هو مأثور، أم حادث في السنين العشر أو الخمس عشرة الأخيرة؟

هل كان في الحرمين من قبل؟ لا.

هل كان في بيت المقدس من قبل؟ لا.

هل كان في الأزهر والأموي من قبل؟ لا.

هل كان شائعاً في مساجد المسلمين الكبيرة والصغيرة؟! لا!.

هل فعله كبار الدعاة المعروفين؟ لا

فمن أي جاء؟

سؤال أطرحه للحوار، وأنتظر الإجابة عنه..

* وثانياً: تلحين الدعاء وتنغيمه، لا أداؤه بطريقة عادية، كما حدث في هذه الأيام؟

هل هو من السنة، أم بدعة حلت علينا، ثم انتشرت انتشار النار في الهشيم، خصوصاً في جزيرة العرب، حيث يفترض الحرص على السنة:

ولا أشك لحظة أنني لم أسمع – على طول عمري وعلى صلاتي في الحرمين، وفي الأزهر، وفي مساجد مصر والدوحة وغيرهغا – من يفعل ذلك قبل عقدين من الزمان بل أقل!

ولم أعرف التنغيم في دار عبادة إلا في الكنيسة وعند الروافض، وفعل المبتدعة الذين يصفقون في المساجد.. أما عموم مساجد المسلمين فلم يكن فيها هذا البلاء، الذي عم وطم، فلماذا لا يتحدث الدعاة عنه؟

هل أقول السبب؟

لأنه جاء من صغار المتعالمين، ووافق هوى العامة الذي يستهويهم مثل هذه الأساليب، خصوصاً إذا جاءت من المتسمين بسمة السنة..

 هل أزيد أكثر.....

وسوم: العدد 624