المفهومية عند مالك بن نبي

معمر حبار

[email protected]

الحلقة الأولى

المحاضرة الثانية التي ألقاها مالك بن نبي، بعنوان في "الإيديولوجيا"، ألقيت بمدينة باتنة ، سنة 1972، أمام طلبة المدرسة العسكرية للأسلحة المدرعة، وتمتد من صفحة 67 إلى صفحة 98، ودائما ضمن  كتاب.. "في الحضارة وفي الإيديولوجيا، نصوص غير معروفة".. لمالك بن نبي.

تعتبر محاضرة المفهومية، وجه من أوجه الصراع الفكري، الذي شغل بن نبي طيلة حياته، وضمها كتبه، ومحاضراته.

المفكر والعسكري.. جميل أن يلتقي المفكر بالعسكري، وأن يأخذ كل منهما من الآخر، ويقتربا وينصحا بعضهما بعضا. وهذا مافعله المفكر مالك بن نبي، حين ألقى محاضرة لطلبة المدرسة العسكرية الجزائرية.

الصراع الفكري والسلاح.. محاضرة بن نبي، عن الصراع الفكري، أمام طلبة المدرسة العسكرية، يدل على الترابط الوثيق بين الجانب العسكري والصراع الفكري، وأن الجندي عليه أن يتقن فنون الصراع الفكري، كما يتقن فنون القتال، فإنه يحتاجه في السلم والحرب، ومع الصديق والعدو.

علاقة المحاضرة بكتاب الصراع الفكري.. يقول بن نبي في صفحة 69، عن مصطلح الصراع الفكري"أعتقد أنّي أوّل من إستخدمه منذ خمسة عشر عاما في كتابي الصراع الفكري. ". وهو ما يدفع القارىء إلى الوقوف على أهمية كتاب الصراع الفكري، لمالك بن نبي.

مع كتاب الصراع الفكري.. كتاب الصراع الفكري، ألفه بن نبي سنة 1957، أي إبان الثورة الجزائرية، وتحت الاستدمار الفرنسي، ويعتبر أول كتاب قام بن نبي بكتابته باللغة العربية، بعدما كان يكتب من قبل باللغة الفرنسية.

وهذه المتغيرات، تدل على أهمية الصراع الفكري عند مالك بن نبي، ويكفي أن هذه المحاضرة، المتعلقة بالصراع الفكري، كانت سنة 1972، ووفاته كانت سنة 31 أكتوبر 1973، أي خلال عام واحد من وفاته، وكل الكتب التي جاءت بعد الصراع الفكري، تطرق فيها بن نبي للصراع الفكري، ومذكراته المنشورة والمنشورة مؤخرا، والممنوعة من النشر، تطرق فيها للصراع الفكري، بل منعت لأسباب تتعلق بالصراع الفكري، وما يدريك قد تكون هناك مخطوطات ، تتعلق بالصراع الفكري.

ويرى في صفحة 83، أن كتابه "الصراع الفكري"، لم يذكر فيه كل شيء، وأن الأمر يحتاج لجيلين أو ثلاثة، لفهم أدوات الصراع الفكري.

أول محاضرة حول المفهومية.. يقول بن نبي في صفحة 81 ".. تصادفت هذه الواقعة مع أول محاضرة لي كنت قد ألقيتها بالعاصمة الجزائر حول مشكلة "المفهومية" ".

وفي هامش الصفحة، يقول مترجم الكتاب، أن المحاضرة الأولى والمقصودة، كانت بتاريخ 24 فيفري 1964.

آخر محاضرة حول المفهومية.. يتحدث بن نبي عن آخر محاضرة له عن الصراع الفكري فيسميها "التخطيط والمفهومية". ويذكر المترجم في هامش الصفحة، أنها كانت بتاريخ 23 يناير 1973، أي قبل وفاته ببضعة أشهر، وللدفعة الثامنة من الضباط الاحتياطيين في الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال.

كتاب وجهة العالم الإسلامي.. يتحدث في صفحة 84، عن وجه من أوجه الصراع الفكري، حين يتطرق للتشويه الذي لحق بكتابه " vocation de l'islam "، والذي ترجم دون إذنه، حين تم إظهار إسم مترجم الكتاب، وأخفي عمدا إسم مالك بن نبي، صاحب الكتاب.

وأهمية الصراع الفكري، تكمن في كون بن نبي، عاد لشرح الظروف الغامضة التي أحاطت به وبالكتاب ، بعد ربع قرن من الزمن من صدور الكتاب، إذا إعتبرنا أن كتاب " vocation de l'islam "، صدر سنة 1948.

حرب 1967.. أصاب بن نبي حين، تحدث مع الجنود عن حرب 1967 من زاوية الصراع الفكري، واستطاع أن يبرهن أن الهزيمة العسكرية، كانت أولا في ميدان الصراع الفكري، قبل أن تكون في ميدان المعركة، لأن القوة العربية العسكرية، كانت أقوى من القوة الصهيونية، ورغم ذلك إنهزمت شر هزيمة.

من هم كتاب الثورة الجزائرية.. يرى في صفحة 93، أن الحقبة التي سبقت الثورة التحريرية، شهدت كتابات ضد الإتحاد السوفياتي سابقا، "كتبت مقدماتها بأقلام جزائرية، لاأريد أن أذكر الأسماء".

السؤال الذي يطرحه القارئ، من هم هؤلاء الكتاب؟. لماذا لم يذكرهم بن نبي؟. وهذه الأسئلة التي لا يجد لها القارئ إجابة شافية، وجه من أوجه الصراع الفكري، وعدم ذكر بن نبي لأسمائهم، يندرج ضمن إطار الصراع الفكري، الذي منعه من ذكر أسماءهم، ونجهل أسماءهم لحد الآن.

تأثر بن نبي بصالح بن ساعي.. يرى المترجم في صفحة 84، أن مالك بن نبي تأثر بمفهوم الحضارة، المتضمنة التراب، من زميله صالح بن ساعي، خريج المعهد الوطني للهندسة الزراعية بباريس، وأخ صديق العمر حمودة بن ساعي.

وقد سبق أن ذكرت ذلك في عرضي لكتاب "العفن" لمالك بن نبي، لمن أراد أن يرجع إليه.

فرنسا اليهودية.. بن نبي يصف فرنسا بـ "فرنسا اليهودية"، وبما أنه أعرف الناس بفرنسا، من الناحية الفكرية والاجتماعية، فالمصطلح يعبر عن العلاقة القائمة بين بن نبي وفرنسا، والصادقة في نفس الوقت.

الحلقة الثانية

أفكار بن نبي.. يواصل صاحب الأسطر، عرضه لمحاضرة بن نبي حول المفهومية ، التي ألقيت بمدينة باتنة ، سنة 1972، أمام طلبة المدرسة العسكرية للأسلحة المدرعة، وتمتد من صفحة 67 غلى صفحة 98، ودائما ضمن كتاب "في الحضارة وفي الإيديولوجيا، نصوص غير معروفة"، لمالك بن نبي، حيث تمحورت أفكار الكاتب، التي ضمها كتابه في النقاط التالية..

الأسلحة الخفية للصراع الفكري.. بن نبي حين يتحدث دوما عن الصراع الفكري، يتطرق إلى الجهة غير المرئية منه، باعتبارها الأهم والأخطر والأكثر فاعلية، لذلك تراه يتحدث عن القائمين على الصراع الفكري في صفحة 68، ويصفهم بقوله: " فهم لايظهرون تلاعباتهم حين يستعملون أسلحة خفية، هي أكثر خفاء من الأشعة اللامرئية: إنها أسلحة الأفكار".

ويؤكد نفس الفكرة في صفحة 78، ويقول: "الصراع الفكري هو صراع فيه الأسلحة المستعملة غير مرئية، تتموضع بالنسبة لأسلحة ملموسة".

الصراع الفكري من طموحاتنا.. والصراع الفكري عند بن نبي ليس لعبة أو تسلية، بل طموح مجتمع، يسعى لتحقيقه، لذلك تراه يركز عليه في صفحة 69، ويقول: "الصراع الفكري هو نوع من الحديث عن طموحاتنا نتطلع إلى تحقيقها والدّفاع عنها ضدّ كل محاولة تخريب أو تقديحسالتي يجب الدفاع عنها وحمايتها".

المفهومية..  يرى بن نبي في صفحتي 70-71، أن المفهومية "تنظم الحياة داخل الكيان الإجتماعي الذي يكون محملا بطموحات لايقدر على تحقيقها إلا إذا حقق الشروط الثلاث، وهي حالة التوتر، حالة إندماج، حالة توجيه معين".

وعلى سبيل المثال، يرى في صفحات 71-74، أن القوات العربية في حرب 5 جوان 1967، كانت أكثر من القوات الصهيونية، لكن النتائج غير مغايرة، والسبب في ذلك، أن الجندي العربي ينقصه التوتر اللازم.

والمثال الذي أثاره بن نبي، يثير الجنود الذين يستمعون له، باعتبار أن حرب 1967،  مر عليها 5 سنوات فقط، وما يدريك قد يكون الجنود أو القادة ، قد شاركوا في الحرب، ويمكنهم إستحضار أيام الحرب، وإعادة دراستها وتحليلها من زاوية الصراع الفكري، الذي ربما يسمعون به لأول مرة.

وهذه الحالات الثلاث يشرحها بن نبي، ضمن صفحات الكتاب، لمن أراد أن يعود إليها.

إندماج المجتمع.. يرى في صفحتي 74 – 75 ، أن المجتمع عندما لايكون في حالة إندماج " يكون المجتمع عندئذ في حالة إندماج ناقص، بمعنى في حالة لزوجة ورخوة يسهل فيها الولوج".

الهدف المدروس.. بن نبي لايعترف بالعشوائية كحل دائم، ولو أصابت هدفها، لذلك تراه يقول في صفحة 75، لأن يصيب المجتمع هدفه بطريقة مدروسة خير له من أن سيصيبه بطريقة عشوائية.

رائحة الصراع الفكري.. يقول في صفحة 80، أن رد الفعل من منظور الصراع الفكري "سيكتسي طابعا غير ملموس، غير مرئي، غير مسموع ويكون عديم الرائحة".

أمكنة الصراع الفكري.. يرى في صفحة 84 "إذا كانت الأحداث تتوالى وتتكاثر في المكان والزمان، فهذا معناه أن الصراع الفكري سيكون عندئذ مرتكزا على أرضية صلبة".

بذور الصراع الفكري.. ومن التاريخية، يعطي مثالا عن الصراع الفكري في الجزائر، فيقول في صفحة 93 "إن تاريخ الجزائر قبل الثورة كان يمثل أرضية خصبة لكل أنواع البذور".

ويبدو، وبعد كل هذه العقود التي مرت، أن الجزائر مازالت أرضية خصبة ، لكل أنواع البذور، بما فيها البذور المدمرة والمهلكة.

مراصد مراقبة الأفكار.. يرى في صفحة 86 "فإذا كنا نفهم بأن هناك مخابرات تقوم بمراقبة تنقل الأسلحة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، فإنه سيوجد بالمثل مراصد لمراقبة عبور الأفكار".

وبعد هذه العقود، نقول أن هناك أيضا، مراصد لقبول الأفكار، ونشرها، ومنع كل فكرة فاعلة أصيلة تنفع المجتمع. وفي المقابل مراصد تمنع أفكار المجتمع من الانتشار ، وتخنقها، وتشوهها.