الصّحوة الإسلاميّة وهموم الوطن العربي والإسلامي، د. يوسف القرضاوي

يقع هذا الكتاب في 165 صفحة من القطع المتوسط. والطبعة التي بين أيدينا هي الطبعة الأولى لدار الشروق، وهي الطبعة السابعة للكتاب.

والمؤلف هو الدكتور يوسف القرضاوي، وهو غنيّ عن التعريف، وهو أحد روّاد الصحوة الإسلامية، ويحمل همومها وآلامها.

مضمون الكتاب:

يتضمّن هذا الكتاب أربعة فصول:

في الفصل الأول وتحت عنوان: "الموازنة بين الثوابت والمتغيّرات" يتكلّم عن الصحوة ومفهومها وخصائصها وعواملها.

حيث يعرّف الصحوة بأنها تعني عودة الوعي والانتباه بعد غيبة.

والصحوة حقيقة واقعة. ذلك لأن الأمة المسلمة لن تموت ما دام الكون قائماً، وهي تستمد ديمومتها من طبيعة الإسلام الذي تكفّل الله بحفظه، فلا ينخرم قرن من الزمان حتى يهيئ الله تعالى لهذه الأمة من يوقظها ويجدد لها دينها.

ومن خصائصها أنها صحوة عقل وعلم، وصحوة قلوب ومشاعر، وصحوة التزام وعمل، وهي صحوة مسلمين ومسلمات، كما أنها صحوة عالمية.

ومن عواملها أن الله تعالى هيّأ لها الكثير من العلماء والجماعات والحركات لتكون مدداً ودعماً لهذه الصحوة المباركة. ولكن تيار الوسطية هو الذي هيمن على أغلب هذه الجماعات والحركات، لأن الإسلام دين الوسطية.. (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً). فقد فهمت هذه الجماعات أن الإسلام دين شمولي يجمع بين الدنيا والآخرة، وبين الإيمان والسياسة والاجتماع والاقتصاد والتشريع ليبني الحضارة المثلى.

فالإسلام شريعة ربانية مصدرها وحي الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقوم محورها ومبناها على رعاية مصالح الإنسان في المعاش والمعاد، ومصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية، والمحافظة على دينه وحياته وعقله ونسله وعرضه.

فهي شريعة رب الإنسان من أجل صلاح الإنسان.

وهي شريعة أخلاقية وواقعية ومنطقية ومتجددة في فروعها وجزئياتها، لأن الله تعالى أودع فيها من عوامل السَّعَة والمرونة ما يجعلها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.

ويقرر أن في الإسلام ثوابت ومتغيرات.

فهناك ثوابت في العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده.

وهناك ثوابت في القيم الأخلاقية.

وهناك ثوابت الأحكام القطعية، فيما يتعلق ببعض شؤون الفرد والأسرة والمجتمع والحكم والعلاقات الدولية.

فهذا النوع من الثوابت يمثل الوحدة العقائدية والفكرية والشعورية والسلوكية على اختلاف البيئات والأقطار، وتغيّر الأعراف والأمصار.

وهناك أيضاً متغيرات تحدث بتغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد والأعراف تتعلق بشؤون الحياة المتغيرة من زراعة وصناعة وطب وهندسة وما إلى ذلك من العلوم التجريبية وتطبيقاتها في الحياة اليومية.

إن الثبات يكون على الأهداف والغايات، وعلى الأصول والكليات. إنه الثبات على القيم الدينية والأخلاقية.

والمرونة تكون في الوسائل والأساليب، وفي الفروع والجزئيات، وفي الشؤون الدنيوية والعلمية.

وبهذا نرى الإسلام جاء مسايراً لفطرة الإنسان وفطرة الوجود.

فالتشريع الإسلامي فيه عناصر ثابتة باقية ما بقي الإنسان، وعناصر مرنة قابلة للتغيّر والتطور بما يتناسب وحاجة الإنسان، دون أن تضطرب الحياة أو تختل الموازين.

أما الفصل الثاني فهو بعنوان: "الصحوة وهموم الوطن العربي، نظرة شموليّة".

حيث يذكر أن أهم هذه الهموم هي:

- التخلّف المزري.

- الاستغلال أو التظالم الاجتماعي.

- الاستبداد والطغيان الداخلي.

- التغريب والتبعية الفكرية والاجتماعية والتشريعية.

- التخاذل المذلّ أمام العدوان الصهيوني المتغطرس.

- التفتّت المخزي الذي فرّق الوطن الواحد والشعب الواحد إلى أوطان وشعوب متعادية.

- التحلل والتسيّب الأخلاقي.

وبعد تعداد هذه الهموم يرى المؤلف ضرورة إيجاد مشروع إحياء متكامل يُعيد إلى الفرد الثقة والأمل، وإلى الأمة الهُويّة والانتماء.

مشروع يتخذ الإسلام أساساً، والإيمان منطلقاً، والأخلاق ضرورة، والعلم فريضة، والتنمية جهاداً.

مشروع يتمثّل من الحضارة الحديثة أفضل ما عندها من العلم والتكنولوجيا.

مشروع يقود الأمة في ظل تشريع رباني، تؤمن الأمة بعدالته وقدسيته وكماله وسموّه، وتنقاد الأمة لأحكامه طواعية واختياراً.

مشروع يجمع بين المثالية والواقعية، وبين الفردية والجماعية، وبين الثبات والمرونة، وبين الأصالة والتجديد.

مشروع يقوم على تحريك شعوبنا كلها لتعبد الله بالعمل، وعلى تفجير طاقاتها المخزونة للإبداع والإتقان في ظل حكومات شرعية دستورية منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً، يحسّ كل فرد في المجتمع بالأمن والأمان على نفسه وماله وحرماته، بعيداً عن سياط الجلادين وسجون المستبدّين.

أما الفصل الثالث فهو بعنوان: "هموم الوطن العربي والإسلامي (تحليل وتفصيل)".

ويتكلم عن الهموم التي عددها في الفصل الثاني ويتناولها بالتحليل والتفصيل ويتحدّث عن همّ التخلّف علمياً وصناعياً وزراعياً، والجهود المبذولة لإبقائنا خارج دائرة التقدم، وكيف يُغري الغرب المتقدم العقولَ النابغة من أبنائنا ليستخدمها، ويحرِمَ منها بلادنا.

كما يتكلم عن أوضاعنا السياسية والاجتماعية والتعليمية وكيف يعمل الآخرون لعزل الدين عن دنيا الأمة ومشروعها للتقدم، وهو الرسالة القادرة على أن توقظ الأمة وتحرّكها وتحميها.

ثم يتكلم عن الظلم الاجتماعي مبيّناً أن الظلم قد يجعل الفرد لا يتحمّس للدفاع عن وطنه الذي لم يطعمه من جوع، ولم يؤمنه من خوف.

وفي آخر هذا البحث يذكر نقاطاً عديدة للتخلص من هذا الظلم، منها:

- اعتبار العمل حقاً لكل إنسان قادر، كما أنه واجب عليه.

- فرض الزكاة على أغنياء الأمة لترد على فقرائها لحل مشكلة الفقر.

- تحقيق التكافل العام.

- تنمية الثروة الفردية والجماعية.

أما عن الاستبداد السياسي التي تغوص فيه الأنظمة الحاكمة في بلادنا فيقول: هذا الاستبداد خطر على الأمة في فكرها، وفي أخلاقها، وفي قدرتها على الإبداع والابتكار.

وهذا الاستبداد مفسد للإدارة، ومفسد للاقتصاد، ومفسد للأخلاق، ومفسد للدين، ومفسد للحياة كلها.

ثم يذكر مجموعة بنود لدرء هذا الاستبداد، تدور حول الإصلاحات الدستورية، وفصل السلطات، وسيادة القانون، ووجود انتخابات نزيهة، وصحافة حرة...

ثم تناول همّ التغريب والتبعيّة.

هذا التغريب الذي أوجد انفصاماً بين المسلم ودينه حيث تحاول قوى التغريب حصر الإسلام (مكانياً) في المسجد و(زمانياً) في يوم الجمعة و(حياتياً) في مجرد إقامة الشعائر دون تأثير بالتشريع والتوجيه والقضاء والتنفيذ. ونظرة سريعة إلى الإعلام في البلاد العربية تعطيك صورة عجيبة عما تعمله قوى التغريب.

أما همّ التخاذل أمام إسرائيل، والاستسلام لغطرستها، فحدّث ولا حرج، وأوضاعنا تتكلم الكثير عن ذلك.

كل ذلك أدى بنا إلى التمزّق والتحلل والتسيّب.

أما الفصل الرابع فيتكلم عن "مستقبل الصحوة".

فقد ذكر أن الصحوة هي تجسيد وتعبير عن ضمير الأمة وعن هويتها الحضارية والعقائدية الممثل لشخصيتها التاريخية، المصور لطموحاتها وآمالها النابعة من ذاتها وروحها وكينونتها الحقيقية.

ويجب أن تعتبرها صحوة لنا جميعاً، وأن نقف وراءها ونوفّر لها مناخ الحرية والأمان، وأن نعطيها الفرصة لقيادة الأمة في معركة التحرير، ومعركة البناء والنهوض.

وإن الصحوة هي معقد الأمل ومناط الرجاء لهذه الأمة بعد فشل الحلول المستوردة حتى نصل بوطننا وأمتنا إلى برّ الأمان.. (ويومئذٍ يفرحُ المؤمنون بنصر الله). {الروم: 4، 5}.

تعليق أخير:

هذا الكتاب الذي يُلقي الضوء على حقيقة الصحوة ومنطلقاتها ومواقفها يجدر بكل مسلم أن يطّلعَ عليه إذ يوضّح لنا حقيقة الواقع الذي نعيشه، والمحاولات العديدة التي تقوم بها جهات كثيرة للانحراف بالإسلام عن نهجه الوسطيّ، وإبعاده عن قيادة الحياة التي وجد من أجلها.

وهو يستحق العناية من قارئه ويفتح الباب للحوار.

وسوم: العدد 647