الإخوان، دعوة في أوانها

يقول المرحوم الشهيد سيد قطب:

الدعوة إلى استئناف حياة إسلامية تستمد مقوماتها من شريعة الإسلام ومن مبادئ الإسلام.. دعوة تجيء في أوانها، وتلبي حاجة طبيعية في العالم الإسلامي، بل في العالم الإنساني في هذا الأوان..

وليست هي مجرد رغبة فردية في العودة إلى الماضي، أو عاطفة دينية لا ترتكن إلى الحاجة الواقعية..

لقد دبت اليقظة في كيان العالم الإسلامي بعد فترة نوم طويلة فإذا هو ممزق في مخالب الدول الاستعمارية.. كل منها نهشت نهشة من جسم الوطن الإسلامي، وهي تمضغها وتعلكها وتمتص ما ينز منها من شحم ودم.. ولم يكن بد لهذه المزق أن تتجمع وتتوحد تحت راية معلومة تفيء إليها، فإذا هي متعارفة متضامنة متعاونة... ولم يكن هناك من راية يمكن أن تضم هذه الرقعة الطويلة العريضة فيحس كل بلد أنها رايته، ويحس كل شعب أنه منها واليها ولا يعترض أحد على الانضواء تحتها، ولا تثور في نفسه نعرة من أي نوع.. لم يكن هنالك من راية تتوافر لها هذه الصفات كلها إلا راية الإسلام..

الراية التي يفيء إليها العربي والتركي والأفغاني والإيراني والباكستاني والاندونيسي وسائر الأجناس والشعوب في الوطن الإسلامي الكبير فلا يحس غضاضة في نفسه، ولا عصبية من غيره، لأن الجميع تحتها سواء. وهي ملك لهم وهم ملك لها سواء.

ولقد صحت الشعوب الإسلامية على أوضاع اجتماعية لا تسر، نشأت من الاستعمار ومن غير الاستعمار.. ولم يكن بد أن تحاول إصلاح هذه الأوضاع، وأن تفيء في هذه المحاولة إلى فكرة أو مذهب تسير على هداه..

ولم تكن هنالك فكرة أخرى تحفظ لهذه الشعوب عقيدتها في الله، وتقاليدها في الحياة، وتمكن لها في الوقت ذاته من الإصلاح الاجتماعي، ومن العدالة الاجتماعية، وفي صورة كاملة شاملة، وهي في الوقت ذاته طبيعية عاقلة..

لم تكن هنالك فكرة أخرى تفي بهذا الغرض إلا الفكرة الإسلامية التي تتبع من ضمير هذه الشعوب ومن تاريخها وتماشي رغباتها الكامنة وظروفها وتعطي الحقوق لأهلها دون أن يجور فرد على فرد، ولا طائفة على طائفة، ولا مصلحة على مصلحة ويملك الجميع بعد هذا كله أن يقول كل منهم، لقد اخترت الحل الذي يوافقني.

اخترته اختيارا ولم أقسر عليه قسرا، اخترته من تراثي الخاص.. تراث الإسلام الذي هو ملك خاص لكل مسلم في أطراف الأرض، وملك عام لهذه الأمة المسلمة في كل زمان ومكان.

ولقد صحت الأمة الإسلامية فإذا السوس قد نخر عظامها وهد كيانها.

سوس الفساد الخلقي والانحلال النفسي.. السوس الذي دسه الاستعمار الخارجي، ودسه الفساد الداخلي.

ولم يكن هنالك من دواء يقتل هذا السوس ويشفي ما بثه في كيان الأمة الإسلامية من انحلال وتفسخ وانهيار.. لم يكن هنالك من دواء إلا العقيدة الإسلامية، العقيدة التي تجعل العنصر الأخلاقي مقوما أساسيا من مقومات الحياة..

العقيدة التي تظهر الضمير فينبثق منه السلوك طاهرا، كما ينبثق طهور الماء من طهور الينبوع.. العقيدة التي تبني النفوس وتبني البيوت وتبني المجتمعات على أس من تقوى الله بناء راسيا راسخا عميق الجذور..

كل ظروف الأمة الإسلامية، وكل تاريخها، وكل ضروراتها، كلها كانت تهتف بها إلى الإسلام راية للمجتمع والكفاح.. وفكرة للتنظيم والإصلاح.. وعقيدة للبناء والفلاح.. ولم تكن رغبة طارئة، ولا نزعة عارضة ولا عاطفة متحمسة..

لم يكن شيء من هذا هو الدافع إلى محاولة استئناف حياة إسلامية في هذه الرقعة الطويلة العريضة.. إنما كانت حاجة طبيعية عميقة الجذور، قوية الدوافع وحقيقية المقومات، وهذا هو الذي مكن لها في الأرض وجمع النفوس حولها والقلوب في شتى أقطار الإسلام وهذه الدعوة لا تلبي اليوم حاجة الأمة الإسلامية وحدها، إنما هي تلبي كذلك حاجة الإنسانية جميعا.

أن البشرية تعاني اليوم مثلما كانت تعانيه قبيل ظهور الإسلام، انهيار خلقي شنيع.. وتفسخ نفسي قاتل، وحيرة مقلقة لإقرار فيها ولا اطمئنان.. وعداوات دولية مستحكمة أثارت حربين طاعنتين في ربع قرن.. ومظالم اجتماعية فاشية في كل صقع وفي كل أرض، تختلف أعراضها وتتشابه آثارها في تحطيم الكيان الإنساني، فإذا شاء أحد أن يعدل أقام عدله لطائفة على حساب طائفة، وحطم طبقة ليسود طبقة..

وليس هنالك اليوم من فكرة يمكن أن تنضوي البشرية كلها تحت لوائها، فتهب لها العدل والطمأنينة والسلام غير الفكرة الإسلامية كما كان الحال يوم جاء الإسلام سواء بسواء..

الفكرة التي لا تظلم فردا ولا طبقة ولا شعبا.. الفكرة التي تضم الناس جميعًا إخوانا متحابين متساوين، لا أعداء متناحرين ومتفاوتين.

الفكرة اللائقة بالإنسانية التي خلقها الله لتتطلع دائما إلى مراقي السمو الإنساني لا لترتكس أبدا في المستنقع المادي الحيواني..

والمستقبل لهذه الدعوة.. المستقبل لها في الأمة الإسلامية أولا.. وفي الأمة الإنسانية أخيرًا.. ومهما تتلألأ في الأفق أضواء وشعل، فالمستقبل للكوكب الدري الخالد الذي لا ينطفئ نوره، لأنه من نور الحي الذي لا يزول.. ".

وفكر الإمام حسن البنا ومنهج حركته متلازمان فى كل الأطوار التي مرت بها الجماعة في حياة الإمام الشهيد، بحيث لا يصعب على الباحث أن يقف على حقيقة كبيرة فى فكرالإمام البنا ومنهجه وهي أنه يصدر فى كل أمر دعوته عن أصل واحد ترسخ فى عقله وقلبه ونضحت به كل تصرفاته العامة والخاصة، هو الأخذ عن الكتاب والسنة، أخذا عمليا واقعيا، وأخذا امتزجت فيه التربية الصوفية السليمة بالوجهة العلمية الحديثة، وبالقدرة العقلية، والكفاءة القيادية فجاء تكوينه فريدا فى نوعه حقا ..

فهو المربى الصوفي لأتباعه، وهو المنظم لحركته وأجهزة دعوته، وهو السياسي الذي أدرك كل ما يدور على مسرح السياسة فى مصر وخارج مصر وعلى السواء، وعرف خصومه وأحجامهم وأدوارهم التي يؤدونها، وامتزج بشعب مصر، فلاحين وعمال وطلاب علم وموظفين ومهنيين، فمد جذور الدعوة فى أعماق هذا الشعب وفى كل موقع من أرض مصر، بل وفى البلاد العربية من حول مصر،

وهو الداعية الذي يملك بكلماته أزمة القلوب ويأسر الأرواح لأنه كان يصلها بأصول الفطرة، ويحركها بقوة العقيدة، ويملؤها بالأمل فى مواجهة موجات اليأس من إصلاح الفساد، ويحيلها إلى سنن الله التي لا تتبدل فى تغيير الأحوال، وأن نقطة البدء هي فى تغيير ما بالنفس ... فالتغيير الذي يريده كل غيور على مصلحة بلده لا يتحقق إلا إذا غيرنا ما بأنفسنا، وإن الوسيلة المثلى لبلوغ ذلك كله أسلوب التربية الإسلامية التي تصوغ الفرد صياغته إيمانية جديدة، عقيدة، وسلوكاً، وإرادة .. وتحوله إلى رجل عقيدة ومبدأ، وتسلكه فى جماعة من أمثاله، يعملون معاً متآخين فى الله، ويربطهم نظام يجعل عملهم مثمراً، يدعون إلى الله على بصيرة، "وأمرهم شورى بينهم"،

تلك هي جماعة الإخوان المسلمين.

وكان هذا الأسلوب المتميز فى مدرسة هذا الداعية الفذ أسلوب عملي هدفه تكوين الرجال وبناء أسر صالحة منهم ونواة مجتمع إسلامي نظيف لا تزال تتسع قاعدته في هذا المجتمع الذي خالطه الفساد، ولحق بناءه الوهن، وذبلت فيه المعاني السامية والمبادئ الأصلية والأخلاق الرفيعة التي جاء بها الإسلام، حتى تملك التأثير في سواده من الناس الذين يرون فيهم قدوة صالحة ونماذج كريمة، فينخرطون معهم في حمل أمانة الإسلام والنزول على أحكام شرعه، واتخاذه منهجا للحياة في كل مجالاتها، ولا يعرف تاريخ كبارة الدعاة إلى الله في هذا القرن وفي قرون سبقت من يبز حسن البنا في هذا المضمار حيث أوضح مفاهيم الإسلام، ومبادئه وعقيدته، وأحكامه بهذا الشمول وهذا الجلاء، في الوقت الذي ربى مئات الآلاف من الرجال والنساء تربية إسلامية ترجم فيها الأقوال إلى أفعال، والنظرية إلى واقع عملي، وقاد الجماعة في مضمار الإصلاح الاجتماعي وسلك بهم وبالأمة معهم مسالك الوطنية المؤمنة التي حاربت الاستعمار بكل قوة، وحاربت الصهاينة في فلسطين، وسجل تاريخ الجماعة فدائية المجاهدين في أشرف معارك البطولة في أكثر من موقع ونجح في أن تصبح جماعة الإخوان المسلمين بتيارها الإسلامي ووعيها السياسي ومواقفها العملية خلال الفترة الوجيزة التي عاشها أكبر قوة إسلامية وسياسية في مصر، رجحت قوتها قوة الأحزاب السياسية، وعجزت الحكومات عن احتوائها أو إضعافها، حتى هددت وجود الاستعمار ومصالحه في المنطقة كلها فلم يجدوا من طريق للخلاص منه إلا باغتياله علي يد السلطة العملية، وقد فارق الدنيا عن اثنين وأربعين عاماً من عمره ودعوته في ملايين القلوب في مصر وسائر البلاد العربية والإسلامية وفي العالم الخارجي، ولا تزال الشجرة المباركة التي وضع بذرتها، وأعطاها عمره كله وما يملك قائمة على عودها، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

جاء ومفهوم الإسلام قد أصابه الضمور لعوامل شتى وترك الحياة وقد تردد على ألسنة لا حصر لها شمول مفهوم الإسلام لشؤون المعاش والمعاد جميعاً. وحفرت كلماته على جدار التاريخ المعاصر:

إن الإسلام دين ودولة وحضارة وأنظمة حياة، رددها العالم والطالب بل والحاكم ولو فى مجال التهجم والخصومة.

وعلى هذه الدعامة نهضت جماعة الأخوان المسلمين، لا يحسن الشباب الجدل القديم ولكنه يحسن خشية الله والتوكل عليه والغيرة على محارمه

ولا يدخل في نزاع حول حقيقة “الجهة” مثلا، ولكنه بقوله وعمله يفسر الآية الكريمة " {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}" “سورة فاطر الآية:10 “

وقد حول العقائد من دراسات نظرية تثير الشغب إلى يقين صادق، وحب تلله فيه وتوكل على الله واعتزاز به وانتماء إليه وجهاد في سبيله، وإحسان للعمل ورؤية حق الله فيه، وحب ظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم وإحياء لسنته وتمسك بها.

عقيدة الإخوان وفكرهم في العقيدة

وهي حجر الأساس والركيزة العظمي التي لا قيام للدعوة الإسلامية إلا عليها.

تعريف العقائد: العقائد هي الأمور التي يجب أن يصدّق بها قلبك وتطمئن إليها نفسك، وتكون يقينا عندك، لايمازجه ريب ولا يخالطه شك.

درجات الاعتقاد:

والناس في قوة العقيدة وضعفها أقسام كثيرة، بحسب وضوح الأدلة، وتمكنها من نفوس كل قسم:

منهم من تلقاها تلقينا، واعتقدها عادة، وهذا لا يؤمن عليه من أن يتشكك إذا عرضت له الشبهات.

ومنهم من نظر وفكر فازداد إيمانه، وقوى يقينه.

ومنهم من أدام النظر، وأعمل الفكر، واستعان بطاعة الله تعالى، وامتثل أمره، وأحسن عبادته، فأشرقت مصابيح الهداية في قلبه، فرأى بنور بصيرته ما أكمل إيمانه وأتم يقينه، وثبت فؤاده: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى وءآتاهم تقواهم﴾ محمد :17.

 

تقدير الإسلام للعقل:

أساس العقائد الإسلامية ـ ككل الأحكام الشرعية ـ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن كل هذه العقائد يؤيدها العقل ويثبتها النظر الصحيح، ولهذا شرف الله تعالى العقل بالخطاب، وجعله مناط التكليف، وندبه إلى البحث والنظر والتفكير، قال الله تعالى ﴿ قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ﴾ سورة يونس: 101.

وذم الذين لا يتفكرون فقال الله تعالى: ﴿ و كأين من ءاية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ﴾ يوسف 105.

وطالب الخصوم بالدليل والبرهان حتى فيما هو ظاهر البطلان تقديراً للأدلة إظهار لشرف الحجة ﴿ ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون﴾ المؤمنون 117.

فالإسلام لم يحجز على الأفكار ولم يحبس العقول وإنما أرشدها إلى التزام حدها، وعرفها قلة علمها، وندبها إلى الاستزادة من معارفها فقال تعالى : ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ الإسراء 85، وقال تعالى : ﴿ وقل رب زدني علماً﴾ طه 114.

 

أقسام العقائد الإسلامية:

العقائد الإسلامية تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية، تحت كل قسم منها فروع عدة:

القسم الأول: الإلهيات: وتبحث فيما يتعلق بالإله سبحانه وتعالى من حيث صفاته وأسماؤه وأفعاله، ويلحق بها مايستلزمه اعتقاده من العبد لمولاه.

 

القسم الثاني: النبوات: وتبحث في كل ما يتعلق بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من حيث صفاتهم، وعصمتهم، ومهمتهم، والحاجة إلى رسالتهم. ويلحق بهذا القسم ما يتعلق بالأولياء رضوان الله عليهم، والمعجزة والكرامة، والكتب السماوية.

 

القسم الثالث: الروحانيات: وتبحث فيما يتعلق بالعالم غير المادي، كالملائكة عليهم السلام والجن والروح.

القسم الرابع: السمعيات” فيما يتعلق بالحياة البرزخية والحياة الأخروية”:

كأحوال القبر، وعلامات القيامة، والبعث، والموقف، والحساب، والجزاء، وسيقتصر تناولنا هنا على القسم الأول لاتصاله بموضوع البحث.

 

الإلهيات: وتضمن ذات الله تعالى وأسماءه وصفاته:

ذات الله تعالى: إن ذات الله تبارك وتعالى أكبر من أن تحيط بها العقول البشرية، وأن عقولنا من أكبرها إلى أصغرها تنتفع بكثير من الأشياء ولا تعلم حقائقها، “ فالكهرباء والمغناطيس وغيرهما”، قوى نستخدمها وننتفع بها ولا ندرك بحواسنا حقيقتها بل آثارها على أن معرفة حقائق بعض الأشياء وذواتها لا يفيدنا بشيء ويكفينا أن نعرف من خواصها ما يعود بالفائدة علينا.

فإذا كان هذا شأننا في الأمور التي نلمسها ونحسها فما بالك بذات الله تبارك وتعالى وقد ضّل أقوام تكلموا في ذات الله تبارك وتعالى، فكان كلامهم سبباً لضلالهم وفتنتهم واختلافهم، لأنهم يتكلمون فيما لا يدركون تحديده ولا يقدرون على معرفة كنهه، ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفكير في ذات الله، وأمر بالتفكير في مخلوقاته.

أسماء الله الحسنى:

إنه الخالق المتصرف جل وعلا تعرف إلى خلقه بأسماء وصفات تليق بجلاله، يحسن بالمؤمن حفظها تبركاً بها، وتلذذاً بذكرها، وتعظيماً لقدرها.

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحداً،لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة،وهو وتر يحب الوتر" .. رواه البخاري ومسلم.

وهناك بحوث تتعلق بأسماء الله الحسنى.

“ أ “ الأسماء الزائدة عن التسعة والتسعين:

بغيرها من الأسماء،مثل “ الحنان ـ المنان ـ البديع ـ المغيث ـ الكفيل ـ ذو الطول ـ ذو المعا رج ـ ذو الفضل ـ الخلاق “.

“ب “ الأحاديث التي وردت فيها ألفاظ على أنها أسماء لله تعالى على المجاز:

ولكن قرائن الحال وأصل الوضع يدل على غير ذلك، فذلك من قبيل المجاز لا الحقيقة ومن قبيل تسمية الشيء باسم غيره لعلاقة بينهما أو على تقدير بعض المحذوفات.

مثال ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" رواه مسلم فلا يراد منه ظاهره وحقيقة الإطلاق، بل المقصود، فإن الله هو المسبب لحوادث الدهر فلا يصح أن ينسب إلى الدهر شيء ولا أن يسب ويذم.

“جـ “ التوفيق في أسماء الله تعالى وصفاته:

والجمهور على أنه لا يصح أن نطلق على الله تبارك وتعالى اسماً أو وصفاً لم يرد به الشرع، بقصد اتخاذ اسماً له تعالى وإن كان يشعر بالكمال.

فلا يصح أن نقول مثلاً: مهندس الكون الأعظم، على أن يكون هذا ومثله أسماء أو صفات له تعالى يصطلح عليها، ويتفق على إطلاقها عليه تعالى، ولكنها إذا جاءت في عرض الكلام لبيان تصرفه تعالى من باب التقريب للإفهام فلا بأس، والأولى العدول عن ذلك تأدباً مع الحق تبارك وتعالى.

“د “ العلمية الوصفية في هذه الأسماء:

من الأسماء التسعة والتسعين علم واحد، وضع للذات القدسية وهو لفظ الجلالة: الله، وباقيها كلها ملاحظ فيها معنى الصفات.

ولهذا صح أن تكون إخباراً للفظ الجلالة. وهل هو مشتق أو غير مشتق، ومسألة خلافية، لا يترتب عليها أمر عملي.

حسبنا أن نعلم اسم الذات هو هذا الاسم المفرد وبقية الأسماء مشربة بالوصفية.

وفي هذا الكفاية.

“هـ “ خواص أسماء الله الحسني:

يذكر البعض أن لكل اسم من أسماء الله تعالى خواصَّا وأسراراً تتعلق به على إفاضة فيها أو إيجاز، وقد يتعالي البعض فيتجاوز هذا القدر إلى زعم أن لكل اسم خادماً روحانياً يخدم من يواظب على الذكر به... وهكذا، والذي يعلمه في هذا “الإمام حسن البنا “ وفوق كل ذي علم عليم، أن أسماء الله تعالى ألفاظ مشرفة لها فضل على سائر الكلام، وفيها بركة، وفي ذكرها ثواب عظيم، أما ما زاد علي ذلك فلم يرد في كتاب ولا سنة، وقد نهينا عن الغلو في دين الله تعالى، وزيادة فيه، وحسبنا الاقتصار على ما ورد.

“ و “ اسم الله الأعظم:

ورد ذكر الله الأعظم في أحاديث كثيرة، والعلماء يختلفون في تعيينه لاختلافهم في ترجيح الأحاديث بعضها على بعض.

فإذا تقرر هذا، فما يدعيه بعض الناس من انه سر من الأسرار يمنح لبعض الأفراد، فيفتحون به المغلقات ويخرقون به العادات ويكون لهم به من الخواص ما ليس لغيرهم من الناس، أمراً زائداً على ما ورد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

صفاته تعالى في نظر العقل:

إن الناظر إلى هذا الكون وما فيه من بدائع الحكم وغرائب الخلق ودقيق الصنع مع العظمة والاتساع، والتناسق والإبداع، بحيث يتألف من مجموعة واحدة كونية، كل جزء منها يخدم الأجزاء الأخرى كما يخدم العضو في الجسم الواحد بقية الأعضاء، يخرج من كل ذلك من غير أن يأتيه دليل أو برهان أو وحى أو قرآن بهذه العقيدة والنظرية السهلة وهي:

أن لهذا الكون خالقاً وصانعاً واحداً، وأن هذا الصانع لابد أن يكون عظيماً فوق ما يتصور العقل البشرى الضعيف من العظمة، قادراً فوق ما يفهم الإنسان من معاني القدرة، وحياً بأكمل معاني الحياة، وأنه مستغن عن كل هذه المخلوقات، لأنه كائن قبل أن تكون وعليم بأوسع حدود العلم، وأنه فوق نواميس هذا الكون لأنه واضعها وأنه قبل هذه الموجودات لأنه خالقها وبعدها لأنه الذي سيحكم عليها بالعدم، وإجمالاً سيري نفسه مملوءاً بالعقيدة بأن صانع هذا الكون ومدبره، ويتصف بكل صفات الكمال فوق ما يتصورها العقل البشرى المحدود، ومنزه عن كل صفات النقص وسيري هذه العقيدة وحى وجدانه لوجدانه وشعور نفسه بنفسه ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ الروم:30.

“ب “ مجمل صفات الله في القرآن:

وجود الله تعالى: أشارت آيات القرآن الكريم إلى بعض الصفات الواجبة لله تعالى، والتي يقتضيها كمال الألوهية، كقوله تعالى ﴿ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون﴾ *﴿وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون﴾*﴿وهو الذي يحيي ويميت ﴾*﴿وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون﴾ المؤمنون “78 ـ 80”.

قدم الله تعالى وبقاؤه:  كما في قوله تعالى﴿ هو الأول والآخر*والظاهر والباطن*وهو بكل شيء عليم﴾ الحديد:3.

وقوله تعالى﴿قل هو الله أحد*الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفواً أحد﴾ سورة الإخلاص.

وفي ذلك إشارة إلى مخالفته تبارك وتعالى للحوادث من خلقه، وتنزهه عن الولد والوالد والشبيه والنظير.

قيام الله تعالى بنفسه: قال تعالى: ﴿ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله*والله هو الغنى الحميد﴾ فاطر:15.

وحدانيته تعالى: قال تعالى: ﴿ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ﴾ النحل:51.

قدرة الله تعالى: قال تعالى: ﴿ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب﴾ سورة “ق”:38.

إرادة الله تعالى: قال تعالى:﴿ إنما أمره إذا أراد شيئاً أ، يقول له كن فيكون﴾ يس82.

وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تشير إلى إثبات إرادة الله تعالى وأنها فوق كل إرادة ومشيئة﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾ سورة الدهر:30.

علم الله تعالى: قال تعالى: ﴿ يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور﴾التغابن:4

وغيرها من الآيات الكثيرة الدالة على سعة علمه تبارك وتعالى وإحاطته بكل شيء، قل أو كثر، دقّ أو عظم.

حياة الله تعالى: قال تعالى ﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولانوم*له ما في السموات وما في الأرض﴾ البقرة :255.

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أن تبارك وتعالى متصف بالحياة الكاملة التي ليس ثم أكمل منها.

سمع الله تعالى وبصره: قال تعالى﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور*والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء*إنه الله هو السميع البصير ﴾ سورة غافر:20.

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل على اتصافه تعالى بالسمع والبصر.

كلام الله تعالى: قال تعالى﴿ وكلم الله موسي تكليما ﴾ النساء:164.

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل على اتصافه تعالى بصفة الكلام.

صفات الله لا تتناهى: وصفاته تبارك وتعالى في القرآن الكريم كثيرة، وكمالاته تعالى لا تتناهى ولا تدرك كنهها عقول البشر، سبحانه لا نحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه.

بين صفات الله وصفات الخلق:

إن المعنى الذي يقصد باللفظ في صفات الله تبارك وتعالى يختلف اختلافاً كلياً.

ترجيح مذهب السلف:

والإمام  حسن البنا ومدرسته على اعتقاد أن رأى السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالإتباع، حسما لمادة التأويل والتعطيل وأن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق.

ولا تستدعى هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديماً وحديثاً، وصدر الإسلام أوسع من هذا كله.

وقد لجأ أشد الناس تمسكاً برأي السلف رضوان الله عليهم، إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام”“ أحمد بن حنبل ““ رضي الله عنه، من ذلك تأويله لحديث: " الحجر الأسود يمين الله في أرضه"  .. وقوله صلى الله عليه وسلم:" قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن" ... وقوله صلى الله عليه وسلم:" إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين".

وقام الإمام النووي بما يفيد قرب مسافة الخلاف بين الرأيين، مما لا يدع مجالاً للنزاع والجدال، ولا سيما وقد قيد الخلف أنفسهم في التأويل بجوازه عقلاً وشرعاً، بحيث لا يصطدم بأصل من أصول الدين.

وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاهر المتعارف بين الخلق، وهو تأويل في الجملة واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية غير جائز، فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ بما تجوز في الشرع، وهو هين كما تري وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسه، وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن توحيد الصفوف، وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

والله حسبنا ونعم الوكيل.

وسوم: العدد649