تقديم كتاب دموع من هذا الزمان

د. فهمي قطب الدين نجار

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

فقد كان بودي أن يكتب هذه المقدمة أخي وصديقي الأستاذ محمد حسن بريغش "رحمه الله" والد مؤلف القصص الثلاثة المحزنة. لأنه كان أديباً مطبوعا، ومن مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية، إلا أن قضاء الله هو الغالب في حياة الإنسان القصيرة على هذه البسيطة.

واستحييت من ابن أخي الودود العزيز أن أردّه، وأعترف أنني لست من الأدباء وإن كنت أحب الأدب وأهله، واهتمامي مصبوب على الدراسات النفسية والتربوية والعقلية.

والواقع أني تفاجئت من القصص المحزنة الثلاث ومن المؤلف أيضا، والذي ينقلنا إلى عاطفة الحزن العميقة في النفس الإنسانية، وإلى خلجات القلوب المكلومة، وصورها المتعددة، وكيف يخلط الحزن بالفرح والفرح بالحزن، ويشخص ذلك أمامك كأنها كائن حي يتحرك في جميع الاتجاهات في وقت واحد، ثم يصور الصراع في النفس بين العواطف المتضاربة، ويخرج منها سالماً بالإيمان العميق بالله تعالى.

في القصة الأولى ــ ساعة من الزمن

ذكريات وصور متلاحقة خلال ساعة من الزمن تمر في ذهن أبي عمار، سافر خلالها من الماضي، إلى المستقبل. ماضٍ يملأه الأمل والصبر، إلى حاضر مؤلم. إلى أحلام في المستقبل.

في هذه الساعة من الزمن ثقلت بآلام الماضي ومرارة الحاضر وأحلام المستقبل.

في القصة الثانية ــ أحلام

صوّر المؤلف فتاة جميلة رقيقة، حدث لها ــ قدراً ــ تجربة شعورية عاطفية، أحبت "خالداً" صديق أخيها الوفي، إلا أنها تزوجت "خالداً" أخر ــ جارها ــ وكل ظنها أنه الحبيب الأول، ومن خلال الصور المتلاحقة في القصة. يصور المؤلف العواطف الجياشة، والأحزان المتلاحقة، وخلجات القلوب الخافقة، لتنتهي القصة بوفاة حبيبها الأول بحادث سيارة، نتيجة لما أصابه من قلق وتوتر نفسي وحزن لفراقه من يحب.

أما القصة الثالثة ــ حالة وفاة

قصة يملأها الحزن في كل كلمة من كلماتها. وأظن أنها تحكي وفاة أخي المؤلف في حادث سيارة. وتتضمن تحليلاً دقيقاً عميقاً لمعاني عاطفة الحزن التي ملأت قلوب عائلته كلها، الأب والأم والأخوات والإخوة. ونظراً للحزن العميق في قلبه، أخذ يهتم بالتفصيلات الدقيقة لحادث السيارة الذي أودى بحياة أخيه، والجنازة وعملية الدفن، وحتى أخر لحظة من وجود أخيه على سطح الأرض. صور عاطفية صادقة بكل معنى الكلمة، وما تركته وفاة أخيه الأصغر من أثر عميق في قلوب الأبوين والإخوة والأخوات.

والمؤلف ــ حفظه الله ــ ينطلق في مضامين قصصه الثلاث من التصور الإسلامي السليم للكون والإنسان والحياة. لذلك هو من خلال عرض الصور المحزنة الثلاثة يؤوب إلى الله، وإلى إيمانه العميق به. فتراه يردد دائما، الأمر بيد الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، بسم الله، ما شاء الله، بارك الله بك يا ولدي، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونعم بالله، توكلت على الله، الحمد لله.

والمؤلف يغور في أعماق النفس الإنسانية. فيصوّر خلجات القلب، والصراع بين الإيمان وعاطفة الحب. وإن كان لا تناقض بينهما، إلا أن النفوس البريئة تتحسس من ذلك. ومن كلماته "بدت الأمور لأول وهلة أنها عاصفة في ذهن أحلام، بدأت تحدّث نفسها بشيء من الذهول، ما هذا الذي حدث لي؟". ومن عبارات المؤلف الحنونة والعاطفة الأبوية الصادقة الممزوجة بتوترات النفس "ثم أنتقل بخيالي ليبدأ فيها الحوار مع النفس في المستقبل البعيد المجهول" وَ "تطرق القلب بمطارق من الألم" وَ "لا بأس يا قرة العين والفؤاد"، عبارات كثيرة تملأ كلمات هذه القصص الثلاث.

وختاماً، فكما أن هذه القصص الثلاثة أحزنتني، وأجرت الدموع من عيني، فإنها أيضاً أفرحتني بولادة قصّاص يعبر بعمق عن النفس الإنسانية المؤمنة، بارك الله فيه.

د. فهمي النجار

وسوم: العدد 650