كيف نحمي أبناءنا من رفاق السوء والمخدرات ؟!

تأليف: د. خالد أحمد الشنتوت

في دراسة جادة أخذت بعين الاعتبار الواقع من جهة، والتطلع إلى الأمثل من جهة أخرى، أصدر الباحث الاجتماعي الأستاذ الدكتور خالد بن أحمد الشنتوت دراسة جديدة عالجت حماية الأبناء من الانحراف، وقد حدد (برقاق السوء والمخدرات).

وقد سبق للباحث أن خاض غمار هذا الميدان متسلحاً بخبرة ميدانية من خلال عمله، مرشداً طلابياً عايش الأبناء في أخطر مرحلة في حياتهم ومن خلال تخصصه التربوي فوقف في دراساته السابقة التي صدرت في مدينة جدة عن دار المجتمع، وقف عند دور البيت في تربية المسلم، وتربية الشباب المسلم، ثم خطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم.

وقد حملت هذه الدراسة عنوان (كيف نحمي أولادنا من رفاق السوء والمخدرات) وانقسمت إلى خمسة فصول.

حقوق الأبناء على الوالدين

ففي الفصل الأول (مسئولية الوالدين عن أولادهم) انطلق المؤلف من حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- أخرجه البخاري في صحيحه "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه" ومن حديث "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

ثم بين حقوق الولد على والديه في اختيار الأم والاسم الحسن والحضانة وتعليم كتاب الله، والتأديب وتعويده على العبادات والسلوك الحسن. وعرض بعد ذلك للأهم والمهم في التربية فأجمل ذلك في التربية الروحية، والتربية الخلقية، والتربية العقلية، والتربية الجسدية، بحيث ينشأ الطفل متوازناً منسجماً مع الحياة من جهة، ومع دينه من جهة أخرى.

وفي الفصل الثاني (مراحل نمو الإنسان) عرض لمراحل النمو وخصائصها مبتدئاً بمرحلة الرضيع وحاجة الطفل إلى لبن أمه ووجودها، ثم الطفولة المبكرة أو ما قبل المدرسة، مبيناً أهميتها لأن شخصية الإنسان تتحدد في هذه المرحلة حتى قال أحدهم:

"في السادسة ينتهي كل شيء" ففي هذه المرحلة بالذات يكتسب الطفل عقيدته من والديه، وأسس السلوك الاجتماعي من البيت، ثم مرحلة الطفولة المتأخرة أو الطفولة الهادئة، والتي تبدأ في السابعة وتنتهي عند سن البلوغ، وتتطلب الحرص على الخصائص الروحية من أمر بالصلاة، وتعويد على الحجاب وتركيز على حفظ القرآن الكريم، وتعريف بالحلال والحرام، والسلوكيات الحسنة، والحذر من العلاقات بالأقران (الرفاق) حيث يصبح الطفل أكثر استقلالية، إلا أن هذا لا يمنع من التوجيه والمتابعة فقديماً قال بعض المربين: إن أكثر فساد الصبيان من الصبيان، ومع دخول الطفل مرحلة المراهقة تبدو حاجات جديدة ومتطلبات ورغبات، مع تغييرات في الجسم والتفكير.

البيئة الصالحة

وينتقل في الفصل الثالث (الحاجة إلى الرفاق) فيوضح بأن الرفقة شيء نفسي لا يستغني عنه الإنسان وبخاصة في مرحلة المراهقة، يتوجب الحذر في اختيار الأصحاب، لما لهم من أثر في تحصيلهم والسلوك الفردي.

ويمهد للفصل الرابع (الوقاية من رفاق السوء) بأن توفير البيئة الصالحة أسهل ألف مرة من إخراج المراهق من مجموعة رفاق فاسدين، وينصح بأن يكون الأب محبوباً من أولاده لمزيد من التآلف وإشعارهم بالرحمة والعناية والتدرج معهم حد الصداقة، واصطحابهم في ظل أصدقائه ومجالس العلم وتعويدهم على الحوار والمبادرة الموضوعية.

وأما الرفقة الصالحة فيبين أن: 1- الإقامة في بيئة صالحة 2- والمسجد العامل في الحي المسلم 3- والدروس والحلقات العلمية والمدرسة التي تعتني بالتوجيه الإسلامي، 4- الشارع المسلم... لا يقل أهمية عن أية مؤسسة تربوية 5- وهذا يقتضي المتابعة غير المباشرة من الوالدين، بحيث يطلع الأب –مثلاً- على أصدقاء ولده من دون علم ولده، ليطمئن على صلاحهم وسلوكهم. 6- المخيمات الإسلامية والمراكز الصيفية إشباعاً للحاجات الروحية والنفسية، شحذاً للطاقات فيما ينفع..

المؤلف عنده ملاحظ جديرة، فعندما يلاحظ الأب ميل ولده إلى سوء يحسم الأمر بشدة بنفسه، أو مستعيناً بالمدرسة أو بذوي الخبرة من مدرس أو قريب.

الوقاية من المخدرات

وأما الوقاية من المخدرات، فالمؤلف اعتمد فيها على إحصاءات ودراسات ميدانية لعدد من الأبناء مشيراً إلى أن تعاطي المخدرات بفترة المراهقة أو ما قبلها، ونسبة لمن تعاطوها لأول مرة كان عمرهم (16 – 20) سنة وعرض المؤلف الأسباب إلى ضعف الوازع الديني مستشهداً بالفارق المؤدي لتعاطي المخدرات في العرب والمجتمعات المسلمة الملتزمة وحتى في بعض المجتمعات العربية فإن نسبة المدمنين من الأقليات غير المسلمة تعادل خمسة أضعاف نسبة المدمنين المسلمين، وهم لا يتجاوزون عشرة بالمئة من عدد السكان؟! ويقترح المؤلف تنمية الشعور الديني: ربط الولد بالقرآن منذ نعومة أظفاره، وبربطه بالمسجد ودروس العلماء، وتعريفه بحكم الإسلام في التدخين والخمر والمخدرات، وإلحاقه بالمراكز الصيفية ليعيش ضمن مجموعة صالحة من الرفاق، فقد أثبتت الدراسات الميدانية لعينات من المتعاطين أن 35% دفعتهم مجاملة الأصدقاء لتعاطيها، ولا توجد دراسة ميدانية عن المخدرات إلا وبينت أن لرفاق السوء دوراً بارزاً في ذلك، وعلى سبيل المثال أشارت دراسة أن 84% من المدمنين في مصر بدأوا في تعاطي المخدرات من خلال توفيرها لهم أولاً من قبل الأصدقاء والزملاء، كما يبين المؤلف أن دور الأسرة في ذلك دور كبير من خلال الأب المدخن أو الأب المتعاطي للمخدرات، ومن خلال إغراق الولد بالمال دون مساءلة عن الصرف، وانشغال الأب بتجارته وصفقاته وأسفاره، فقد أوضحت إحدى الدراسات أن 52% من الشباب المتعاطين يغيب آباؤهم عن المنزل بدرجة كبيرة لطبيعة عملهم؟!.

ويشير المؤلف إلى أهمية أوقات الفراغ وأنها قد تصب نقمة على صاحبها، مستشهداً بعدد من الدراسات الميدانية التي أثبتت أن الفراغ والعطالة عن العمل يدفعان إلى الانحراف وبالتالي إلى ملء الوقت بالمخدرات والسلوك المنحرف، وأن نسبة المنحرفين في المجتمعات الحضرية تزيد على المجتمعات الريفية بخمسة أضعاف تقريباً، ويرجع ذلك إلى طبيعة الحياة في الريف التي تتطلب أن يعمل الجميع في الزراعة، وهو يدعو إلى معالجة هذه الظاهرة بالعمل المبكر وتعويد الأبناء عليه، وحفظ القرآن الكريم ومراجعته، والتعويد على المطالعة، وإعداد الموضوعات والتحضير للعام الدراسي القادم، والخروج إلى الدعوة إلى الله، والالتحاق بالمخيمات والمراكز الصيفية التي تشبع لديهم حاجة ضرورية في النمو الاجتماعي والنفسي، كما يدعو إلى الحذر من سفر الشباب إلى الخارج ولاسيما السياحة، والتعويض عن ذلك بالسياحة الداخلية لما في ذلك من مخاطر.

العلاج

ويقف في الفصل الخامس (إخراج الولد من رفاق السوء) عند العلاج، وقد سبق الحديث في الفصول السابقة عن الوقاية، وفي مرحلة صعبة تتطلب –قبل أن يفوت الأوان- اللجوء إلى الله والاستعانة به، وتذكير الوالدين لولدهما بالله وآياته، وأحاديث رسوله، وتوضيح دور الحرية وأنها لا تتعدى الشرع والعقل والمجتمع، وأن هذا الانحراف يسيء إلى سمعته، كما يتطلب الحوار الهادئ حتى لا يحدث رد فعل غير محسوب، وتأمين مجموعة من البدائل قبل الحوار، وقد يتطلب العلاج نقل الولد من المدرسة أو تغيير مسكن الأسرة مع ما في ذلك من مشقة، ولكن ذلك أهون من ضياع الولد، وفي علاج المدمن يحتاج الأمر إلى صبر واستمرار دون توقف، ومعالجة الأسباب التي دفعت إلى التعاطي ومتابعة الطبيب ووجود إنسان قريب منه يحبه، واستثارة وجدانه أو إدخاله إحدى المستشفيات المتخصصة، ورعايته بعد الخروج منها ومع ما للعلاج من أهمية لمن وصلوا إلى حد الانحراف والإدمان، إلا أن الوقاية تبقى أضمن نتيجة، وأيسر سبيلاً، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.

وسوم: العدد 659